لهذه الأسباب تخشى الولايات المتحدة أن يحرر الجيش السوري إدلب من الإرهابيين
تستمر الولايات المتحدة بتوجيه تهديداتها بشن ضربات صاروخية إلى سوريا، تحت ذريعة أن الجيش السوري سيستخدم السلاح الكيميائي ضد الجماعات الإرهابية لا محال وكأن الولايات المتحدة تعلم بالغيب، فيما إذا بدأ بعملية عسكرية لتحرير إدلب، وقد بدأت الولايات المتحدة تحشد قواتها البحرية في البحر المتوسط ملوحة بصواريخ التوماهوك المحمولة على سفنها الحربية، بينما حذرت موسكو الولايات المتحدة من القيام بأي عمل عدواني ضد القوات السورية، كما دعت موسكو الجماعات المسلحة الإرهابية التي تسيطر على إدلب وريفها للاستسلام قبل فوات الأوان، لأن التهديدات الأمريكية للجيش السوري لن تنفعهم ولن تصب في صالحهم.
فالجيش السوري أكمل تحضيراته واستعداداته لتحرير مدينة إدلب وريفها من سيطرة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة الإرهابية التي أعلن قادتها أنهم لن يتفاوضوا مع الطرف الروسي والسوري لتسليم المدينة والريف، كما حصل في جنوب سوريا والغوطة الشرقية وريف حمص سابقا، بينما، بدأت الحرب الإعلامية الغربية ضد الجيش السوري والتهديد بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ستقوم بالرد في حال استخدم الجيش السوري أسلحة كيميائية، وهنا يجزم الطرف الأمريكي بأن الجيش السوري سيستخدم السلاح الكيميائي، رغم أن العالم يعرف أن سوريا تخلصت من كل الأسلحة الكيميائية منذ عام 2013 وبإشراف دولي، في حين أرسلت روسيا إلى البحر الأبيض المتوسط سفنا حربية ضاربة، ردا على التحشيد الأمريكي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تخشى الولايات المتحدة تحرير إدلب وريفها من سيطرة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها “جبهة النصرة” المدرجة على قائمة الإرهاب العالمي في الأمم المتحدة، طالما أن الولايات المتحدة تتحدث في الإعلام عن أنها تحارب الإرهاب في سوريا؟
ولنتصور أن الجيش السوري حرر مدينة إدلب وريفها، إن كان عبر المفاوضات والمصالحات أو عن طريق عملية عسكرية قوية وسريعة وخاطفة، فكيف سينعكس ذلك على السياسة وعلى وجود القوات الأمريكية في سوريا؟
لا شك أن إدلب هي آخر بؤرة يتواجد فيها الإرهابيون على الجغرافية السورية وكل تصريحات المسؤولين الروس والسوريين تؤكد أنه لا بد من تحرير إدلب من الجماعات الإرهابية التي تسيطر عليها، وقد تحدث وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن أنه “من الضروري التخلص من “الجرح المتقيح” في إدلب السورية، مؤكدا أن عسكريين روس وأتراك يتشاورون بشأن إطلاق عملية عسكرية ضد الإرهاب هناك”.
وأضاف لافروف “إدلب آخر بؤرة للإرهابيين الذي يحاولون التلاعب بوضع إدلب كمنطقة خفض التصعيد واحتجاز المدنيين دروعا بشرية وفرض سلطتهم على التشكيلات المسلحة المستعدة للتفاوض مع الحكومة”.
وتابع مشددا: “لذا، من جميع وجهات النظر يجب القضاء على هذا الجرح المتقيح”.
وأضاف لافروف: “ونتوقع أن شركاءنا الغربيين الذين يثيرون موضوع إدلب بنشاط، لن يشجعوا التمثيليات الكيميائية التي يتم الإعداد لها في المحافظة، ولن يعرقلوا العملية ضد جبهة النصرة في هذه المنطقة”.
وأضاف: “آمل بأن ينفذ شركاؤنا الغربيون التزاماتهم بشأن مكافحة الإرهاب بالكامل”.
وتابع: “عندما يقوم الأمريكيون بتأجيج المشاعر حول إدلب ويهددون الحكومة السورية مجددا بالعقاب في حال أقدمت على استخدام الكيميائي، نتساءل: من أين يمكن أن تكون لدى دمشق الأسلحة الكيميائية بعد أن قمتم بالتخلص منها مع الفرنسيين والبريطانيين؟”.
واعتبر وزير الخارجية الروسي أن التهديدات الأمريكية الجديدة الموجهة إلى الحكومة السورية “تستخدم لغرض وحيد وهو منع طرد الإرهابيين من إدلب”.
وأشار لافروف إلى أن الإدارات الأمريكية “تفضل دائما تغيير الأنظمة السياسية التي لا ترضيها على المهمة المشتركة التي تكمن في استئصال التطرف والإرهاب، كما حصل في العراق وليبيا”، مضيفا: “وحاول الأمريكيون تطبيق الخطة في سوريا، لكنهم فشلوا”.
وأضاف: “ونتيجة تلك المباحثات المعروفة، حيث نقدم لهم كل مرة المزيد من الدلائل على الاستعدادات إلى تنفيذ مسرحية كيميائية جديدة لاتهام الحكومة السورية باستخدام الكيميائي، ويقول شركاؤنا إن معلوماتنا غير صحيحة، دون تقديم أي حقائق تدعم موقفهم”.
وحول مخاوف الولايات المتحدة من تحرير إدلب يقول الخبير العسكري شارل أبي نادير: إن الكل المعارك التي خاضها الجيش وحرر من خلالها مناطق كثيرة من سيطرة الإرهابيين، كانت تبدأ بمفاوضات مع المسلحين، ومن جهة أخرى كانت الدول الغربية تعمل إعلاميا من أجل الإيحاء بأن هناك مسرحية لاستخدام الكيميائي ويعلنون عن مكان حدوثها، كان مسرحيات استخدام السلاح الكيميائي هي الطريقة الوحيدة لعرقلة تقدم الجيش السوري وتحرير المناطق من سيطرة الإرهابيين، والآن نحن نتكلم عن المرحلة الرابعة للجيش السوري في تحرير الجغرافية السورية بعد غوطة دمشق وحلب والجنوب، لذلك بدأ الأمريكيون يمارسون ضغطا على الدولة السورية لأن معركة إدلب قد تكون المرحلة الأخيرة من مراحل تحرير كل الجغرافية السورية من الإرهاب، والولايات المتحدة تخشى من تحرير إدلب لأن الجيش السوري يكون قد انتزع جميع نقاط الارتكاز العسكرية والميدانية التي كان يمكن أن يضغط من خلال المسلحون أو رعاتهم لمواجهة الدولة وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، وبتحرير إدلب يسقط من أيدي المسلحين ورعاتهم عامل الضغط والمواجهة العسكرية ضد الجيش السوري، ويبقى التفاوض السياسي لمحاولة الوصول إلى حلول، من ناحية أخرى بتحرير إدلب تكون أغلب المناطق قد تحررت وبذلك تعود الدولة السورية تقريبا إلى ما كانت عليه قبل بداية الأزمة، وهذا يعني أن الذين شنوا الحرب التي طالت أكثر من سبع سنوات على سوريا لم يحققوا أي شيء، بالرغم من الدمار وخسائر كبيرة، ولكن تكون الدولة السورية قد ربحت في الحرب شبه الكونية التي شنت عليها، ونقطة إيجابية ستسجل في تاريخ الدولة السورية، لذلك فإن الأمريكيين لا يريدون أن يروا هذه النتيجة، فيلجأؤون إلى شماعة الكيماوي وأن الجيش السوري سوف يستخدم السلاح الكيماوي، لكن روسيا الحليف القوي لسوريا منتبهة لهذا الموضوع وتعمل على أكثر من اتجاه، فهناك مساع حثيثة للضباط الروس لمحاولة التوصل إلى تسوية مع المسلحين في إدلب، كما تعمل روسيا على الساحة الدولية دبلوماسيا في مجلس الأمن حول إدلب، كما تنشر روسيا طوقا من الصواريخ في شرق المتوسط علة الحدود السورية، ردا على الحشود الأمريكية، وحسب التحليلات فإن روسيا تقدم بشكل مباشر إلى الجيش السوري الدعم وخاصة في منظومة الرادرات لتوجيه الصواريخ السورية في مواجهة الهجوم المفترض بالصواريخ من قبل الولايات المتحدة وحلقائها.
أيضا تخشى الولايات المتحدة من تحرير الجيش السوري لإدلب البؤرة الأخيرة للإرهابيين، بسبب أن الدولة السورية ستتتفرغ بشكل كامل فيما بعد للعمل على طرد القوات الأمريكية التي تحتل منطقة التنف والشرق السوري، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة، وكانت الخارجية الروسية صرحت أكثر من مرة أنه على القوات الأجنبية التي دخلت بشكل غير قانوني إلى الأراضي السورية المغادرة لأنها قوات احتلال.
وعن الرد الروسي في حال نفذت الولايات المتحدة اعتداء على الأراضي السورية قال المحلل السياسي اندريه أونتيكوف: لا شك أن روسيا زودت الجيش السوري بصواريخ متطورة جدا، بالإضافة إلى أن هناك خبراء روس يعملون جنبا إلى جنب مع السوريين، ولنتذكر ما حصل سابقا حيث تم إسقاط أغلب الصواريخ التي أطلقتها الولايات المتحدة على مواقع سورية، وهناك ازدياد في القدرات النوعية لدى سوريا بحماية نفسها من أي عدوان خارجي، وبعد التحذيرات الروسية ربما لن تحصل عملية الاستفزاز باستخدام وتنفيذ مسرحية السلاح الكيميائي من قبل الجماعات المسلحة الإرهابية، ولكن يبقى احتمال حصول الاستفزاز.
وكان القائد السابق لأسطول بحر البلطيق الأميرال فلاديمير فالويف قال “إن تعزيز مجموعة السفن الروسية في البحر المتوسط يهدف إلى التصدي لهجوم صاروخي محتمل على مواقع القوات الحكومية السورية.
وقال فالويف في حديث لوكالة “نوفوستي”: تواجد مجموعة كبيرة من القوات البحرية الروسية خطوة ضرورية لمنع الاعتداء على سوريا، بما فيه تحييد ضربات الصواريخ المجنحة توماهوك على أهداف البنية التحتية السورية”.
وأكد الأميرال أن نشر السفن الحربية الروسية في هذه المنطقة يتوافق مع العقيدة العسكرية البحرية للبلاد ويهدف إلى ضمان أمن سوريا.
لقد بات الحلُّ العسكريُ معَ بقايا الإرهاب في إدلب اتجاهاً بحكمِ المحسوم، وحينَ يُشهِرُ جون بولتون ذريعةَ الكيمياوي لحمايةِ الإرهابيينَ هناك، فانَ ذلك يعني لدمشقَ أن إنهاء ملف إدلب أصبح َ ضرورياً أكثر من أي وقتٍ مضى على غرارِ الحسمِ في الغوطةِ الشرقية وغيرِها.
ويضيف الخبير العسكري شارل أبي نادر: لأن الموضوع أصبح منتهياً لناحية استخدام الأسلحة الكيمياوية، شماعة للإعتداء الغربي على سوريا، وعناصر فبركة المسرحية جاهزة وتعمل على تحضيراتها اللوجستية والفنية، وعلى “عينك يا تاجر”، لذلك من المفيد البحث عن الأسباب الحقيقة للضربة المرتقبة بعيدا عن استخدام الاسلحة الكيمياوية.
من هنا، وبمعزل عن حدوث أو عدم حدوث هذه الضربة الأميركية المزمعة على سوريا، حيث تذهب أغلب المعطيات العسكرية والديبلوماسية نحو حدوثها، مع وجود احتمال غير بسيط لعدم حدوثها، استنادا لما قد يطرأ من مضاعفات غير محسوبة، واضح أن الأميركيين يحتاطون لها هذه المرة، فان المعركة المرتقبة لتحرير إدلب “الحاصلة حتما” من قبل الجيش السوري وحلفائه تعتبر بالنسبة للإدارة الأميركية معركة حياة أو موت. فما أسباب ذلك؟ وما الذي تمثله هذه المواجهة الأخيرة في سوريا مع الارهابيين بالنسبة لرعاة هؤلاء وعلى رأسهم الأميركيون؟
عملياً، يمكن القول أن الشرق السوري قد خرج من دائرة التأثير والصراع والضياع، بعد أن سلكت المفاوضات غير المباشرة — الناشطة، او المباشرة — الخجولة، مع “قوات سوريا الديمقراطية” طريقاً جدياً، أبعدها عن الحل العسكري — بشكل غير نهائي طبعا — وسقفه بالنسبة للأكراد لن يتجاوز، وباقتناعهم كما يبدو، بعض الاصلاحات الإدارية والثقافية، والتي ستبقى بعيدة عن الإنفصال أو الحكم الذاتي أو الإستقلال عن الدولة المركزية، لأن الدولة السورية أبلغت الجميع بأنها لن تتنازل عن سيادتها مهما كان الثمن، وبرهنت ذلك في أغلب المناطق السورية التي حررتها باللحم الحي، وأيضا لأن تركيا ساهمت — ولمصلحة خاصة طبعا — بوضع خط أحمر لأحلام الأكراد السوريين، حدوده القصوى بعيدة كثيراً عن الانفصال التي تعتبره تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي، كانت مستعدة لأن تدفع ثمن مواجهته، الخروج النهائي من حلف شمال الاطلسي، على الأقل.
بالعودة الى ادلب ومعركة تحريرها، فإن الأخيرة تعتبر من الناحية الميدانية، الوثبة الأخيرة لعبور الدولة السورية الى كامل جغرافيتها الأساسية، ومع تحريرها، بغض النظر عن حدوث ذلك عسكريا بالكامل، أم من خلال مناورة مركبة بين الحسم والتفاوض، أو حتى مع احتمال حصول التحرير كاملاً بالتفاوض، نتيجة للوضع العسكري الضاغط على الإرهابيين طبعاً، يمكن القول حينها أن الحرب على سوريا انتهت مع إنتهاء أدواتها — تدميراً أو استيعاباً — وسلكت الدولة السورية في طريق إعادة الإعمار والبناء، بناء الحجر اولا، وثانيا بناء البشر الذين اخطأوا وضلّوا طريقهم، وثالثا البناء في العلاقات المناسبة، مع الاصدقاء الصادقين تُدَعَّم وتتوسع، ومع الاعداء الخائنين تتحدد كما يجب.
مع تحرير إدلب، وبالتالي انتهاء الحرب على سوريا، تكون روسيا قد نجحت في فرض استراتيجيتها المتشعبة: في محاربة الإرهاب، في تثبيت وفرض وجودها الإستراتيجي في المياه الدافئة، وفي حماية النظام في سوريا، طبعا ليس المقصود بالنظام هو الرئيس الاسد، بل المقصود بالنظام الذي استطاعت روسيا فرض حمايته هو: منظومة الدولة القوية القادرة على مواجهة الإستراتيجية الأميركية التقليدية في كل مكان وخاصة في الشرق. تلك الإستراتيجية التي تعمل من خلال تحريك المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وشعبيا ضد انظمتها، فقط ضد الانظمة المتماسكة التي تعجز الولايات المتحدة الاميركية في تطويعها او توجيهها او الهيمنة عليها، وليس طبعا تلك الأنظمة المسحوقة المرتهنة الهشة، والتي لا ضرورة لاضاعة الوقت عليها، والأمثلة عليها كثيرة في شرقنا الحبيب.
مع تحرير إدلب أيضاً، تكون ايران قد نجحت في تأكيد وفرض دعمها للدولة السورية نحو التحرير الكامل، في أصعب مواجهة وظروف ضاغطة تواجهها من قبل الاميركيين وازلامها في الخليج (الفارسي)، وبمواجهة أعلى منسوب من التوتر والاستنفار الاسرائيلي لإعاقة هذا التحرير، أو لإضعاف نفوذ طهران في الشرق وخاصة في سوريا.
مع تحرير إدلب ايضا، وتحرير كامل الجغرافيا السورية وحماية لبنان، يكون حزب الله قد أثبت شكلاً ومضموناً ماذا تعني معركة “الدفاع المقدس” وما قيمة ما قدمه شهداء “الدفاع المقدس”، وماذا تعني معادلة “نكون حيث يجب أن نكون”.
من هنا جاء الاستنفار الاميركي لإعاقة وعرقلة ومنع تحرير ادلب، حيث الدولة والنظام والجيش في سوريا سيثبّتون معادلة مهمة في الشرق والعالم، فرضوها بدماء شهدائهم السخية، عنوانها أو مضمونها أنه يمكن الوقوف بوجه الولايات المتحدة الأميركية والانتصار على أدواتها والصمود بوجه مخططاتها.
للأسباب المذكورة أعلاه، تُعتبر معركة تحرير الجيش العربي السوري لادلب بالنسبة للاميركيين، معركة حياة أو موت، يحاولون وسوف يحاولون إعاقتها، فهل ينجحون اليوم في إدلب حيث فشلت مناورتهم في أغلب المناطق السورية حتى الآن؟
سبوتنك