أميركا تنتهج ’تكتيك’ السير على حافة الهاوية
جورج حداد
في جو من الضجة الاعلامية الصاخبة أعلنت أميركا عن الحزمة الجديدة من العقوبات ضد روسيا، بحجة اتهامها بتسميم عميل بريطانيا الروسي. وفي الوقت ذاته أعلنت أميركا عن النية في توجيه ضربة جوية جديدة الى سوريا، بحجة أن “النظام” السوري “سوف!” يستخدم السلاح الكيماوي في الهجوم القادم على تجمعات الارهابيين في منطقة ادلب بشمال سوريا، وتتهم روسيا في أنها تدعم النظام السوري في هذا الهجوم الكيماوي المفترض والمزعوم. وقد تم تحضير مجموعات من “الخوذ البيض” ذائعة الصيت لاخراج مسرحية الهجوم الكيماوي المفترض.
ويتوقع أن يتم اخراج هذه المسرحية والضربة التي ستعقبها في خلال الايام القريبة القادمة، كما يقول ممثل وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف. وجاء في تصريحه أنه لأجل أخذ الصور المطلوبة أحضرت أعداد من السكان من المناطق المجاورة لساحة المسرحية. ويجري التحضير لتصوير نتائج الضربة المزعومة بالسلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة للقوات النظامية السورية. وطبقا للمسرحية سيقوم رجال “الخوذ البيض” باسعاف “المصابين”. وسيتم تحضير الفيلم المركب لتوجيهه الى بلدان الشرق الاوسط والبلدان الناطقة باللغة الانكليزية.
وأشار كوناشينكوف الى أن الهدف من هذه المسرحية هو “زعزعة” الوضع في البلاد، والحيلولة دون التوصل إلى حل سلمي للصراع.
ونشرت الصحافة الروسية ان الولايات المتحدة الاميركية قد استعدت سلفا لهذه المسرحية الاستفزازية: اذ انه قد وصلت الى قرب الشواطئ السورية حاملة الطائرات “The Sullivans”، وعلى متنها 56 صاروخا مجنحا. وعلى الاثر أعلن جون بولتون مستشار الامن القومي الاميركي ان اميركا مستعدة لتوجيه ضربتها الصاروخية.
الجدير ذكره أن روسيا كانت قد أرسلت الى مياه الابيض المتوسط مجموعة كبيرة من سفنها الحربية حاملة الصواريخ بالاضافة الى غواصتين.
وقد تحدث وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن إدراك الدولة الروسية لمخطط الخصوم المحتملين لشن الحرب على روسيا.
وحسب أقواله فإن روسيا تمتلك المعلومات عن تحضيرات أميركا ودول الناتو للحرب ضد روسيا.
أضاف لافروف إن الحضور العسكري الروسي في أنحاء مختلفة من العالم هو لتأمين الأمن القومي لروسيا وقدرتها الدفاعية. وأنه بالرغم من الأحداث المفاجئة التي حدثت أو يمكن أن تحدث فإن الأمن الروسي هو مضمون على أفضل وجه. ولا حاجة للتذكير أن حلف الناتو يجري تدريبات متواصلة بالقرب من الحدود الروسية وخصوصاً في منطقة البلطيق كما أن الاسطول الحربي الاميركي يكثف وجوده في البحر الاسود.
واذا أخذنا بالاعتبار تصريحات شتى العسكريين الناتويين، ومنهم الأمين العام للحلف يينس ستولتنبيرغ، حول “العدوان الروسي”، يصبح مفهوما تماما تأكيد لافروف على الأمن القومي الروسي.
الجدير ذكره أن وزير الخارجية الروسية تكلم في شباط الماضي حول قيام حلف الناتو بالتحضير لضربة نووية “وقائية” ضد روسيا خلال مناورات عسكرية ناتوية واسعة قرب حدودها.
ولا ينبغي ان ننسى التوسيع المتواصل للحلف. وفي الاشهر الماضية تحدث ستولتنبيرغ عدة مرات حول امكانية ادخال جورجيا في الحلف. ولكن هذه التصريحات من الصعب جدا تحقيقها في الواقع، لانه ينبغي على حلف الناتو، من أجل قبول جورجيا في عضويته وعملا بنظامه الداخلي، ان يعترف بأوسيتيا الجنوبية وابخازيا (اللتين انفصلتا عن جورجيا في 2008) كجمهوريتين مستقلتين، وهو ما ترفضه جورجيا.
في نفس الوقت، يستمر برنامج تحديث القنابل النووية غير الاستراتيجية B61 في أوروبا. وهذا السلاح الأميركي ينبغي تجديده حتى سنة 2024. وكل ما هو موجود في اوروبا الآن من هذا السلاح هو 150 قذيفة. وهذا، بشكل عام، لا يسهم في إزالة التوتر في حالة المواجهة بين روسيا وعدد من الدول الغربية.
من ناحية أخرى، هذا هو السبب في إيلاء الكثير من الاهتمام للأنواع الجديدة من الأسلحة النووية ومنصات الاطلاق لهذه القذائف، في خطاب رئيس الفيديرالية الروسية في إطار الرسالة السنوية إلى البرلمان الاتحادي. وقد تناول الخطاب على وجه الخصوص الصواريخ الفوصوتية، التي لا يمكن إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الصاروخية الموجودة حاليا.
وهذا السلاح ذو المسار غير الباليستي والسرعة الفوصوتية يساوي الفرص، ويعمل كضمان للتوازن النووي، ولكن بدأ في الآونة الأخيرة ينظر اليه إلى حد ما على انه لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل.
وهنا تنبغي الاشارة ان الانواع الجديدة من الاسلحة الروسية قد اجتازت مرحلة الاختبارات، التي تمت بنجاح، وبدأ الانتاج التسلسلي لهذه الاسلحة ومنصات الاطلاق الخاصة بها، ودخلت في الخدمة في القوات المسلحة الروسية. وبشكل عام، ان معرفة التهديدات المحتملة الموجهة الى اي طرف هو وضع طبيعي لأي دولة متقدمة. وما اعلن عنه سيرغي لافروف يدخل ضمن هذا المعنى.
ان مسائل الامن وخطر “الحرب الكبرى” اصبحت في الواقع في الآونة الاخيرة تقلق قطاعا واسعا من الناس، بما في ذلك المواطنين الروس. ومع ذلك، من الواضح في الوقت نفسه أنه في حين أن القدرة الدفاعية الروسية هي طبيعية، ويجري تحديث الأسلحة، فلا يوجد خطر مباشر. ولذلك فإن المناورات ضد “الروس المنمطين”، التي يجريها حلف الناتو بشكل دوري، هي خطوات مسيسة واستعراضية.
لكن مثل هذا الاستعراض للقوة يكشف بدوره أن هناك حاجة لمزيد من التعزيز والتطوير للقوات المسلحة الروسية. وهو ما تقوم به بشكل خاص الدولة الروسية. وضمن هذا العنوان يدخل ليس فقط دفاع القوات المسلحة الروسية عن حدود بلادها، بل وكذلك مشاركتها في عمليات حفظ السلام على النطاق العالمي.
العهد