قانون قيصر.. والتفاوض الممكن بين الأسد وترامب
رانيا حتي
” قانون قيصر” الذي يبدا تنفيذه في الشهر الحالي ضد سوريا تحت شعار حماية المدنيين ، يتضّمن عقوبات أيضاً على كافة الأفراد والشركات، البنك المركزي السوري، الشركات النفطية، شركات التشييد والبناء، وعلى البلدان المجاورة التي توفر الدعم الاقتصادي إلى دمشق. فما هي الأسباب الأساسية وراء ” قانون سيزر” وفرض العقوبات الأميريكية على النظام السوري ؟
لفهم الخفايا بشكل أوضح، سنعود قليلاً عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ” خطة مارشال” لتقديم هبات عينية وقروض طويلة الأمد بمبلغ 13 مليار دولار أمريكي لإعادة إعمار الدول الأوروبية التي تعرضت لدمار كبير. كان هدف المشروع الذي أطلقته الولايات المتحدة آنذاك، الإستفادة المادية من القروض من جهة والحدّ من المدّ الشيوعي نحو أوروبا الوسطى من جهة ثانية، والذي أسس فيما بعد لتحالفات قوية بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة مهدت بدورها لتشكيل التكتل الاقتصادي الأوروبي وحلف شمال الأطلسي العسكري.
أما اليوم، وبعد إنتهاء الحرب السورية، تتجه الأنظارإلى إعادة إعمار سوريا، حيث تتسابق الدول لكسب مشاريع إعادة الإعمار. ووفق آخر التقديرات الأممية، فإن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى حوالي 250 مليار دولار أمريكي على أقل تقدير . ولا شكّ بأن الرئيس بشار الأسد لن يمنح من تآمرعلى سوريا هذه النعمة إنما سيكون لحلفائه في المنطقة مثل إيران وروسيا والصين وقسم من اللبنانيين حصة ” الأسد” .
موسكو وبكين بدأتا فعليا بمشاريع استثمارية في سوريا ضمن إطار “إعادة الإعمار”، في الوقت الذي تؤكد التقارير الاقتصادية أن الرابح الأكبر هم حلفاء النظام، كما تدور التوقعات حول ريادة إيرانية في “مارشال سوريا” بناء على الاستثمارات الإيرانية المعلن عنها حتى الآن في سوريا، إلى جانب القروض التي قدمتها للحكومة خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي سيؤثر سلباً على الولايات المتحدة الأميريكية و إسرائيل بالنظر إلى تعاظم الدور الإيراني وحلفائه في المنطقة بما فيه حزب الله أيضاً .
إن الرئيس ترامب، من جهة أولى، بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعويم الإقتصاد الإنتاجي الحقيقي في الولايات المتحدة الأميريكية عبر تنفيذ مشاريع كبرى مثل إعادة إعمار سوريا. ما يهدف من خلاله أيضاً، الى إستعادة الهيمنة الإقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط التي انحسرت في ظلّ تصاعد النجم الروسي الإيراني والصيني ، ومن جهة أخرى، تقويض هيمنة موسكو في المنطقة.
انطلاقاً من ذلك، سيحاول ترامب فرض المزيد من العقوبات والقيود على الأجانب الذي أجروا المعاملات مع الحكومة السورية على صعيد الغاز الطبيعي، والنفط، والمنتجات النفطية، والطائرات وقطع غيار الطائرات، وتنفيذ مشاريع البناء والمشاريع الهندسية لصالح الحكومة، فضلاً عن تصنيف البنك المركزي السوري ضمن فئة البنوك “المعنية بتبييض الأموال بصفة أساسية” و إخضاع النظام السوري وروسيا وإجبارهم على الذهاب إلى المفاوضات بهدف إشراكه بالمشاريع الإقتصادية الكبرى وبالتالي، حصول واشنطن على ورقة تفاوضية رئيسية مع موسكو بربط اعطاء استثناءات او برفع العقوبات بتنازلات سياسية.
في حال لم تتحقق أهدافه، فمن الأكيد ان ترامب سيذهب إلى إحباط مشاريع إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، و تشجيع الاتحاد الاوروبي على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على سوريا فضلاً عن تعميق الازمة الاقتصادية في لبنان بحكم التداخل بين الاقتصادين والاعتماد على النظام المصرف اللبناني وتراجع رهان المساهمة بإعمار سوريا وتحذير دول عربية واوروبية في التطبيع السياسي مع دمشق.
بالمقابل، لم يقفل ترامب باب التفاوضات بشكل كلي، فهو ألمح يرفع العقوبات بموجب أحكام القانون في حالة اتخاذ دمشق الخطوات الملموسة والإجراءات الجادة على مسار ” احترام حقوق الإنسان مع أولوية سلامة وأمن المدنيين” إضافة الى التفاهم مع الجوار ( وهو يعني طبعا إسرائيل ) بحسب قوله.
يحاول سيد البيت الأبيض في ظلّ التجاذبات الداخلية والحرب الممنهجة عليه و إتهامه بالشعبوية اليمينية وبالعنصرية خصوصا بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في ولاية مينيسوتا، القيام بصدمة خارجية تُعيد له زمام المبادرة من بوابة إعمارسوريا الإقتصادية وذلك، بعد المأزق الذي يعيشه غداة إقتراب الإنتخابات الرئاسية.
فهل السبيل سيكون عبر شنّ عقوبات عبر “قانون قيصر” بغية الضغط للذهاب إلى تسوية كبرى وشاملة تتعلق بمسائل عديدة في المنطقة أهمها إعادة إعمار سوريا وصفقة القرن بحيث يستعيد نموذج حلم “مارشال الأوروبي ” ب ” مارشال السوري” لتعويم إقتصادة الإنتاجي الداخلي وستنهاض الرأي العام الأميريكي تمهيداً لإنتخابه لولاية ثانية؟
لعل هذا هو في صلب اهتماماته حاليا، تماما كما ان حماية إسرائيل بعد انتهاء الحرب السورية هو الهدف الآخر ولذلك فهو سيحاول إعاقة إعادة الاعماء حتى خروج ايران وحزب الله او التوصل الى تسوية مع روسيا.
لكن الأكيد انه ليس كل ما يخطط له الأميركي ينجح. فهو كان يريد اسقاط النظام وسحق حزب الله وتطويق ايران. لم يتحقق كل ذلك.
إقرأ أيضاً: حشود عسكرية كبيرة إلى “جبل الزاوية”.. هل تندلع الحرب مجدداً في شمال سوريا؟
المصدر: 5njoum