سورية: روسيا تواجه أميركا من بوابة بلاد الشام
ايليا ج. مغناير:
للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية يجتمع حشدٌ دولي عربي لإسقاط الرئيس بشار الأسد. ولهذا الهدف أنشئت غرفُ عملياتٍ للمخابرات الأميركية والبريطانية والعربية في الأردن وشمال سورية وتركيا لترتيب مرحلة ما بعد الأسد، الرئيس الذي رفَضَ تقديم تنازلاتٍ لوزير الخارجية الأميركي كولن باول عندما زاره العام 2003 بعد إحتلال العراق.
وطلب الرئيس السوري من حلفائه في إيران ولبنان العام 2013 ومن ثم روسيا المساعدة كي يحافظ كلٌّ منهم على مصالحه وأهدافه الإستراتيجية والتزاماته بحليفه السوري، فلبّى الجميع النداء. وحتى ولو أتى الرد الروسي متأخراً حتى شهر سبتمبر 2015، فهذا يعود إلى عوامل متعددة. إلا أن قوات موسكو كانت العنصر المهمّ الذي سيطر على السماء في المعادلة العسكرية لتنقلب الطاولة على الحشد العربي – الدولي. فهل تغيّرت المعادلة اليوم بعد تحرير غالبية أجزاء سورية؟
وهل تريد روسيا الإنفراد والسيطرة على بلاد الشام؟ لم يقدّم الرئيس حافظ الأسد، ومن بعده إبنه بشار، تنازلاتٍ في هضبة الجولان ورفضا الصلح مع إسرائيل والتخلي عن أرض سوريّة بالمقابل. ولم يُسَلِّم الرئيس بشار الأسد رأس “حماس” ولا رأس “حزب الله” كما طلبت منه أميركا العام 2003 و العام 2008 وحتى العام 2018 اثناء الحرب عندما زار دمشق وفدٌ أميركي بوساطة عربية في محاولةٍ لإنهاء الحرب وإعادة إعمار سورية وما دمّرتْه الحرب مقابل إخراج “حزب الله” وإيران وروسيا من بلاد الشام. عند إندلاع الحرب السورية العام 2011، لم تكن روسيا مستعدّة للخروج من عزلتها التي فرضتْها على نفسها وألغت دورها الدولي والشرق أوسطي والذي تمثّل بسماح الرئيس الروسي حينها ديمتيري مدفيديف بتدمير الناتو لليبيا العام 2011. وعندما إشتدّ الخناق على حلفاء سورية في الأرياف السورية لوسعتها الجغرافية، ذهب اللواء قاسم سليماني إلى موسكو وإستطاع إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالقدوم إلى بلاد الشام للدفاع عن مصالح روسيا وعن حليفها السوري. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف الإعلام الغربي والعربي عن الإستهزاء بقدرات روسيا العسكرية، وارتفعت أصواتُ تمنياتِ المحلّلين أن روسيا ستفشل.
وعندما أثبتت موسكو جدارتها القتالية الجوية (إيران التزمت بتأمين القوات الأرضية لإستثمار القصف الجوي الروسي)، تحوّلت التمنيات نحو تحليلٍ ركيك يدّعي أن روسيا تريد إزاحة الرئيس الأسد وفرْض مَن تريد لأنها أصبحت الآمر الناهي في بلاد الشام. وعندما تصل هذه النظرية إلى مستوى التخمة، تبدأ نظرية ساذجة أخرى أن هناك تفاهماً أميركياً – روسياً في سورية لإزاحة الأسد أو تهميشه. ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء – الذين أمضوا 9 سنوات يتمنون ويتنبؤون بسقوط الرئيس الأسد وحكومة دمشق كل شهر وكل سنة – في حالة تمنٍّ دائمة لأنهم لم يعتبروا بما قاله رئيس الوزراء السابق القطري حمد بن جاسم من أن “الصيدة أفلتت” وأن الأوان قد حان لتقبّل الواقع والهزيمة.
وتقول مصادر قيادية في “محور المقاومة” في سورية إن “لا تفاهم أميركياً روسياً بل تحدٍّ واضح لنفوذ واشنطن في الشرق الأوسط. فروسيا تتحرّش بالطائرات الأميركية وتقترب منها على مسافة تُعدّ خطرة وهي تريد التعاون مع الرئيس الأسد ليساعدها في أهدافها المستقبلية القاضية بتوسيع مطار حميميم وقاعدتها البحرية كي يكون لها موقع قدمٍ يوازي تحدي أميركا في أوروبا والشرق الأوسط. فقد قررت روسيا أن الشرق الأوسط يقع ضمن منطقة مصالحها الإستراتيجية وأنه مكان تستطيع مواجهة واشنطن فيه ما دام حلفاؤها – إيران وأصدقاؤها – أقوياء ويبادرون في كل مناسبة الى تحدي نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة”. منذ أن دخلت روسيا الساحة السورية وهي تخشى الوقوع في وحل الشرق الأوسط. ولذلك فقط، إعتمدتْ على إيران وحلفائها لإعادة السلطة للرئيس الأسد على المناطق التي كانت محتلّة سابقاً. ومن هنا فإن روسيا لا تتحمّل معاداة الجهاديين وكذلك مجابهة حلفاء سورية في حربِ إستنزافٍ مجهولة النتائج وخصوصاً انها لا تملك الأرض ولا عديد الجيش لنشره وبدء حرب جديدة مكلفة بعدما رأت قدرات هؤلاء في الميدان طوال سنوات الحرب السورية.
“لقد وعدت روسيا بتحديث الأسطول الجوي والقدرة الصاروخية الدفاعية والهجومية للجيش السوري، ووعدت بإستثمارٍ في مشاريع بناء تحتية مقابل إعطاء الحكومة السورية فرصىة لروسيا لتوسيع قدرتها القتالية في وجه أميركا وحلف الناتو. فالرئيس السوري يتعامل بندّية مع الرئيس الروسي وكحليفٍ استراتيجي حتى ولو كان لروسيا حلفاء – مثل إسرائيل – أعداء لسورية. وقررت روسيا العمل مع دول الشرق الأوسط، وهذا يعني أنها تريد حلفاء اقوياء لها في سورية ولبنان والعراق، وهذا يتعلق بالدرجة الأولى بعلاقتها مع الرئيس الأسد ومع إيران التي تتمتع بحلفاء لهم وجود مهمّ ونفوذ قوي في بلادهم”، شرحتْ المصادر القيادية. لقد كلف بوتين وزارتيْ الخارجية والدفاع التفاوضَ مع الدولة السورية بشأن توسيع الوجود العسكري والانتشار في قواعد أخرى، لأن روسيا لم تعد ترغب في الإبتعاد عن الشرق الأوسط.
فالأحادية الأميركية انتهى عهْدها، وتَمَوْضُعُ روسيا في سورية وليبيا أَحْدَثَ ثغرةً مهمة في منطقةِ نفوذ حلف شمال الأطلسي. وتالياً فإن توسيع التموْضع الإستراتيجي الروسي لا علاقة له بوضع الرئيس بشار الأسد الذي حسم أمرَ إنتخاباتِ سورية الرئاسية بمنْع التدخل الخارجي أياً كان وإجراء الانتخابات بمَن حضر من السكان. وترى روسيا أن أميركا تنكفئ وأن عليها إستغلال ضعف الرئيس دونالد ترامب لتُحْرِزَ تقدماً جديداً على الجبهة الشرق أوسطية وتالياً التمحْور في المياه الدافئة للمتوسط.
فأزمة “كورونا” التي أضعفتْ ترامب داخلياً والأزمة التي تتعرّض لها الولايات الأميركية بسبب التمييز العنصري والأزمات الخارجية مع الصين ومع روسيا وإيران التي قصفت أميركا في أكبر قاعدة لها في العراق وخرقت العقوبات الأميركية على فنزويلا بإرسالها خمس ناقلات نفط وقِطع غيار لتصليح محطاتِ التكرير، كل ذلك أظْهَرَ عجز ترامب ليخرج الدب الروسي والتنين الصيني لمجابهة أميركا وسطوتها على العالم وليبدأ تَحالُفٌ إستراتيجي – وليس تحالف أعمى – مع إيران وسورية وحلفائها في الشرق الأوسط. لقد عيّن الرئيس بوتين مبعوثاً خاصاً بينه وبين الأسد كي لا تكون هناك معوقات في تَبادُل الرسائل والوصول الى الإتفاقات والقرارات السريعة التي يجب إتخاذها، ولإزالة أي معوقات بأسرع وقت. إنه عهدُ الشراكة بين الحلفاء وليس عهد الهيمنة وفرْض الشروط، كما تعوّدت أميركا أن تتعامل مع الشرق الأوسط. إنه عهد جديد يدْخله الشرق الأوسط على قاعدة تَوازُنٍ كان مفقوداً لعقود.
(الراي الكويتية)