ماذا يحدث بعد الوفاة؟ ـ “تجارب الموت الوشيك” تُحير العلماء
أشخاص من مختلف الأعمار والأوطان والأجناس، استيقظوا، بعدما كانوا على وشك الموت فسردوا قصصا غريبة، منها مغادرتهم لأجسادهم وصعودهم للسماء. فهل هذا جنون وهذيان، أم أنه ظاهرة غامضة لم يكشف العلم بعد عن كل خباياها؟
كريستين: التقيت جدتي وجدي المتوفيين..؟
“الاقتراب من الموت” كما عاشه ألبرت هايم
ريموند مودي ـ الكتاب الذي غير كل شيء!
مؤشرات الحياة بعد الموت ـ بين العلم والميتافيزيقا
كريستين: التقيت جدتي وجدي المتوفيين..؟
في الرابع والعشرين من مارس / آذار 2020، نشرت مجلة “جولي” النسائية الألمانية تقريرا عن تجربة غريبة عاشتها كريستين س. حينما كان عمرها 19 عاما، والتي فقدت الوعي بعد حادثة سير، فتوقف قلبها عن الخفقان وعاشت بعدها، على حد قولها “تجربة الاقتراب من الموت”. هذ الحدث غير حياتها رأسا على عقب. “رأيت جسدي على طاولة العمليات في المستشفى، بصدر مفتوح. حُمْتُ تحت أغطية السرير ونظرت إلى نفسي من الأعلى. سمعت الجراحين يقولون أسرعوا.. سنفقدها. لم أكن أشعر بأي شيء. كنت مندهشة فقط. بعدها رأيت نورا رائعا، وأحسست فجأة بأرضية دافئة وناعمة تحت قدمي العاريتين. جاء جداي إلي ينادياني باسمي “تينا!” واحتضناني بقوة. لقد مات الاثنان وأنا صغيرة قبل أن أستطيع تذكرهما. آنذاك فهمت أنني مُت بدوري”.
حدث ذلك يوم 22 من أبريل/ نيسان عام 2000، وكانت كريستينا ميتة سريريا لمدة 23 دقيقة، قبل أن يتمكن الأطباء من إعادتها للحياة. هذه قصة من ملايين القصص من مختلف القارات والأجناس. تجارب كان يُنظر إليها في الماضي على أنها من قبيل الهلوسة، قبل أن تصبح موضوعا للدراسات العلمية.
فهل يتعلق الأمر بمجرد هذيان، أم بشيء آخر لم يتمكن العلم بعد من فك طلاسمه؟ وفي هذا الصدد يرى طبيب الأعصاب الألماني فيلفريد كون، الذي يبحث في الموضوع منذ حوالي ربع قرن، أن “العلم يصل هنا إلى حدوده القصوى. يمكن بالطبع، أن يكون سبب ذلك نقص الأكسجين أو تأثير أدوية التنويم فتحدث تلك الهلوسة. لكن إذا كان الأمر مجرد أوهام، فكيف يمكن للمريض رؤية الأشياء وهو ميت سريريًا؟”
ويعتقد الخبراء أن 10% على الأقل من البشر عاشوا تجارب “الموت الوشيك”. إذاعة “دوتشلاند فونك” الألمانية (15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) سألت دانيل كوندزيلا خبير طب الأعصابفي المستشفى الملكي بكوبنهاغن حول الموضوع فأوضح أن “كل هؤلاء الأشخاص (العائدين من الموت) تم إنعاشهم مرة أخرى، وتمكنت أدمغتهم من البقاء على قيد الحياة دون أي ضرر كبير. وإلا لما تمكنوا من سرد ما عاشوه في تلك التجارب سنوات عديدة بعد وقوعها. وهذا يعني أنها تجارب تحدث في وقت لا يزال الدماغ يعمل فيه بشكل جيد”.
“الاقتراب من الموت” كما عاشه ألبرت هايم
في عام 1892، عاش عالم الجيولوجيا السويسري ألبرت هايم الذي كان متسلق جبال، تجربة “موت وشيك”، سرد تفاصيلها في الكتاب السنوي الذي يُصدره “نادي جبال الألب السويسري” تحت عنوان “ملاحظات بشأن الموت خلال السقوط”. هايم وصف بدقة متناهية الثواني التي عاشها وهو يسقط من الجبل، وكيف أعاد مشاهدة شريط حياته في زخم من المشاعر الإيجابية، رغم أنه كان على وشك فقدان حياته. والغريب أن التجربة لم تكن مرتبطة بالخوف من الموت، بل على العكس، فقد أوضح أنه كان يسبح في بحر من سلام داخلي لا يوصف.
ماعاشه هايم دفعه إلى إجراء سلسة من المقابلات مع متسلقين آخرين لجبال الألب، حكوا له تجارب مماثلة نشرها في “دراسة” وصفت ثلاثين من “تجارب الموت الوشيك”. بعدها قام الطبيبان النفسيان روي كليتي وراسل نويس هايمز بترجمة تقارير هايم إلى اللغة الإنجليزية ونشرها في الولايات المتحدة. وكانت أساسا لموجة “دراسات الموت الوشيك” التي أجريت في الستينيات والسبعينيات.
تجربة “الموت الوشيك” أو “الاقتراب من الموت” Near death Experience NDE هي تجربة تعبر عن مجموعة من “الرؤى” و”الأحاسيس” بعد موت سريري أو غيبوبة متقدمة. ومن بينها الإحساس بـ”الانفصال عن الجسد” ورؤية كاملة لشريط الحياة الماضية، ثم الدخول في نفق يُفضي إلى ضوء ناصع والشعور بحب لا نهائي وسلام أبدي. ورغم أن ما يرويه “العائدون من الموت” تختلف بعض تفاصيله وتلويناته، إلا أن الكثير من عناصر هذا السيناريو تتكرر إما جزئيا أو كليا. لكن هناك أيضا بعض “التجارب السلبية” مرتبطة بأحاسيس الألم وعدم السعادة. كما أن بعض حالات “الاقتراب من الموت” قد تحدث في سياقات لا علاقة لها بالموت. تجربة تبدو وكأنها تتقاطع فيها اعتبارات فيزيولوجية وسيكولوجية وأخرى باعتقادات وجودية وروحانية.
ريموند مودي ـ الكتاب الذي غير كل شيء!
ريموند مودي، فيلسوف وطبيب أمريكي وأشهر الباحثين المعاصرين الذين تخصصوا في دراسة الحدود الغامضة بين الحياة والموت. مودي نفسه لم يعش “تجربة الموت الوشيك” ولكنه، خالط في محيطه أناسا كثيرين عاشوا تلك التجربة. آنذاك، لم تكن هناك بعد دراسات علمية أو جامعية متخصصة في تناول الموضوع، لذلك حاول وضع منهجية دقيقة وحقق في 150 حالة، كانت موضوع كتابه الشهير”الحياة بعد الحياة” (Life after Life) الذي نشره عام 1975.
وصف مودي في كتابه بدقة العناصر التي تتكرر في سرد الذين “عادوا من الموت” كالتالي: في البداية يسمع “العائدون من الموت” ضجيجا أو رنينا، بعدها ينطلقون بسرعة هائلة في نفق طويل وضيق ومظلم، ليجد الشخص نفسه فجأة خارج جسده ولكن بإدراك تام لمحيطه. بعدها تبدأ مرحلة تأقلم بطيئة لفهم واستيعاب الوضعية الجديدة مع الوعي بامتلاك جسد، لكنه مختلف عن الجسد المادي. يتطور السيناريو لتظهر كائنات أخرى يقول “العائدون” إنها أقارب ومعارف فارقوا الحياة. وأحيانا هناك من يروي رؤيته لـ”كائن سماوي” قد يكون المسيح أو شخصيات من أديان أخرى. بعدها يطرح “الكائن السماوي” أسئلة حول أفعال الحياة الدنيا. كما أن هناك من يروي مشاهدته لشريط حياته منذ الولادة ولكن دون إحساس حقيقي بمفهوم الزمن. الكثيرون يحكون اقترابهم من “حاجز رمزي” يفصل بين الحياة والموت، مع العلم أن اجتيازه يعني اللاعودة. غالبية الذين عاشوا التجربة يحكون عن أحاسيس فياضة وشعور أبدي بالحب والسعادة لم يسبق أن عاشوه في حياتهم. “العائدون” يقولون إن تلك التجربة غيرت حياتهم رأسا على عقب وغيرت نظرتهم للحياة والموت.
تعرف على حقائق مهمة ومثيرة عن الدماغ
من بين الحقائق التي لا يعرفها الكثيرون هو أن الدماغ لا يشعر بالألم. فأنسجة الدماغ لا تحتوي على مستقبلات الألم المعروفة بـ “نوسيسيبتور”. أم آلام الرأس فتعود لأسباب مختلفة، فالصداع الوعائي مثلا ينجم عن ارتفاع ضغط الدم مثلا. ويمكن للصداع أن ينجم عن التوتر الذي يؤدي إلى شدّ عضلات الوجه والرقبة. وهناك بعض أنواع الصداع ترجع لأسباب مرضية مثل التهاب الجيوب الأنفية أو الجلطة الدماغية.
مؤشرات الحياة بعد الموت ـ بين العلم والميتافيزيقا
ترى المقاربات الدينية والروحية في تجارب “الموت الوشيك” مؤشرا أنطولوجيا (وجوديا) على استمرار الحياة بأشكال أخرى بعد الموت البيولوجي. وبالطبع فإن المتدنيين يحاولون تأويل تلك التجارب حسبما يعتقدونه “حقيقة” بالاجتهاد في البحث عن توافقات بين معتقداتهم وما يرويه “العائدون من الموت”، غير أن ما يزيد الأمر تعقيدا أن من عاشوا تلك التجارب ليسوا من المؤمنين فقط وإنما فيهم أيضا لا دينيون وملحدون وغنوصيون ..إلخ.
من وجهة نظر علمية محضة، فإن علوم الطب والبيولوجيا تعتبر ما يسمى “بالروح” أو “الوعي” أو “العقل” جزء من الجسد المادي، وهي بالتالي تستبعد التفسيرات الدينية والميتافيزيقية. ومن تم فإن الباحثين يسعون لإيجاد تفسير علمي وعقلاني للظاهرة. وهناك افتراض يعتبر أن التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل الدماغ والتصورات الحسية هي التي تُولد هذه “الرؤى” في وقت يوجد فيه الجسد تحت توتر استثنائي يستشعر فيه خطر الموت الداهم. “تجارب الاقتراب من الموت” لم تلق ما يكفي من الاهتمام العلمي. كما أن الاعتقاد الديني أو المخالف للدين للباحث قد يؤثر في بلورة التأويلات المختلفة خلال دراسة هذه الظاهرة.
حسن زنيند