الإثنين , نوفمبر 25 2024
الكتاب الصدمة الذي حاول ترامب منعه.. اليكم ملخص كامل وشامل لكتاب بولتون

الكتاب الصدمة الذي حاول ترامب منعه.. اليكم ملخص كامل وشامل لكتاب بولتون

الكتاب الصدمة الذي حاول ترامب منعه.. اليكم ملخص كامل وشامل لكتاب بولتون

الكتاب الذي حاول ترامب منعه.. بعد تأجيل طرحها مرة تلو أخرى، وفشل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في استصدار أمر قضائي بمنع نشرها، صدرت أخيرًا مذكرات مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، في كتابه الجديد بعنوان: «الغرفة التي شهدت الأحداث»، في 570 صفحة، مقسمة إلى 15 فصلًا، بالإضافة إلى ألبوم صور يظهر أبرز الشخصيات التي التقاها المؤلف، وأهم المحطات التي كان شاهدًا عليها.

كان الموعد المقرر لطرح كتاب بولتون الجديد رسميًّا هو، الثلاثاء 23 يونيو (حزيران)، رغم ظهور نسخة إلكترونية مقرصنة قبلها بنحو 48 ساعة.

يسرد بولتون قصته مع ترامب والمراحل المختلفة التي مر بها منذ فوز ترامب بالرئاسة، حتى تعيينه مستشارًا للأمن القومي، وصولًا إلى استقالته التي قدمها في سبتمبر (أيلول) العام الماضي. وينقل كتاب بولتون الجديد الصورة من داخل البيت الأبيض كما لم ينقلها أي ممن دخلوا إدارة ترامب، ويحكي عن قضايا عديدة كان لترامب فيها مواقف جدلية، فيشرح خلفياتها وما دار بين وزرائه ومستشاريه في الكواليس، ومن هذه القضايا: الانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق، واغتيال الصحافي السعودي خاشقجي، وطريقة التعامل مع روسيا، والعلاقة السياسية والاقتصادية مع الصين، والانسحاب من حلف الناتو، واتفاق السلام مع طالبان.

نقدِّم في السطور التالية عرضًا شاملًا لأبرز المحاور التي تضمنها كتاب بولتون الجديد، الصادر عن دار نشر «سايمون وشوستر».

1. المسيرة الطويلة إلى مكتب الجناح الغربي
في الفصل الأول من الكتاب، يستعرض بولتون الظروف التي تولى فيها منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب، قائلًا: عندما تعمل مستشارًا للأمن القومي تجذبك كثرة التحديات التي تواجهك. وإذا كنتَ تنفر من الاضطرابات، ولا تحب مقابلة شخصيات دولية ومحلية، فجرِّب شيئًا آخر. إن العمل في مثل هذا الموقع أمر مبهج، ولكن يصعب سبر أغواره.

«محور الراشدين».. هل نجح في كبح جماح ترامب؟

يعجز بولتون في كتابه عن تقديم نظرية شاملة عن تحوَّل إدارة ترامب؛ لأنه يتعذر ذلك في رأيه. والحقيقة التي خلص إليها هي أن ترامب كان دائمًا غريبًا ومترددًا؛ إذ خضع في الأشهر الـ15 الأولى لـ«محور الراشدين» (مصطلح يستخدم في واشنطن للإشارة إلى: الجنرالات وقادة الأعمال وأعضاء الحزب الجمهوري الذين يكافحون لتوجيه دفة الرئيس، وكبح جماح نزواته التخريبية). لكنه مع مرور الوقت، أصبح أكثر ثقة، ولا يحيط به إلا الإمَّعات – على حد وصف بولتون – وتسبب «محور الراشدين» في مشكلات دائمة؛ ليس لأنهم تمكنوا من إدارة ترامب بنجاح، ولكن لأنهم فشلوا في ذلك.

يضيف بولتون: لقد اعتقدتُ لفترة طويلة أن مهمة مستشار الأمن القومي هي التأكد من أن الرئيس يستوعب الخيارات المتاحة أمامه لاتخاذ القرار الصحيح، ومن ثم التأكد من تنفيذ الجهات المعنية لهذا القرار.

لكن «محور الراشدين» خدم ترامب على نحو سيئ للغاية، باتباعهم مصلحتهم الشخصية وإدانة أهداف ترامب على الملأ، مما أثار شكوك ترامب فيمن حوله. ويستدرك المؤلف: «محور الراشدين» ليس مسؤولًا بالكامل عن هذه العقلية، فترامب هو ترامب.

رغبة بولتون في منصب مستشار الأمن القومي

يضيف المؤلف: بعد أقل من شهر في الإدارة، دمَّر مايك فلين، مستشار الأمن القومي، نفسه بنفسه، وفقد ثقة ترامب الكاملة. ولسوء الحظ، كان الارتباك والاضطراب هما سِمَتَي موظفي مجلس الأمن القومي في الأسابيع الثلاثة الأولى للإدارة. وتكهَّنت الصحافة بأن خليفة فلين سيكون جنرالًا آخر.

في يوم الجمعة، 17 فبراير (شبَّاط)، أرسل ستيف بانون رسالة نصية إلى بولتون يطلب منه الحضور إلى منتجع مار ألاجو لمقابلة ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع. وحين وصل بولتون أخبره أحد الضيوف بأنه سمع ترامب يقول عدة مرات: «لقد بدأت أحب بولتون حقًّا».

استقبله ترامب بحرارة، معبِّرًا عن مدى احترامه وسعادته بترشيحه مستشارًا للأمن القومي، وعرض عليه مناصب أخرى فرفض بولتون بأدب، قائلًا: «أنا مهتم بوظيفة مستشار الأمن القومي فحسب». في طريقه إلى واشنطن، وبينما هو على متن الطائرة، علم بولتون أن ترامب اختار هربرت ماكماستر مستشارًا للأمن القومي.

أولى نصائح بولتون لترامب

عاد بولتون إلى البيت الأبيض في يونيو (حزيران) لرؤية ترامب، وهنأه على الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وحذره من إضاعة رأس المال السياسي لتحقيق هدف بعيد المنال يتمثل في حل الصراع العربي الإسرائيلي.

أيّد بولتون بشدة نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. وفيما يتعلق بإيران، حثَّ ترامب على المضي قدمًا في الانسحاب من الاتفاقية النووية، لكن بينما كان بولتون يحذر من استخدام العنف في هذا الملف ويرشحه آخر خيار، كان ترامب من ناحيةٍ أخرى يعبِّر عن دعمه لنتنياهو إذا اتخذ قرارًا بالعنف ضد إيران.

هكذا عرض ترامب المنصب على بولتون

في تلك الفترة، هاجمت فرقة اغتيالات روسية الجاسوس الروسي السابق، سيرجي سكريبال، وابنته في مدينة سالزبوري الإنجليزية. وطردت رئيسة الوزراء تيريزا ماي ثلاثة وعشرين من عملاء المخابرات الروسية السريين.

رغم مكالمته مع بوتين، التي هنأه فيها على إعادة انتخابه، طرد ترامب، فيما بعد، أكثر من 60 «دبلوماسيًّا» روسيًّا لإظهار التضامن مع لندن. وفي يوم الأربعاء، 21 مارس (آذار) 2018، تلقّى بولتون اتصالًا من ترامب قال فيه: «لدي وظيفة لك ربما تكون أقوى وظيفة في البيت الأبيض»، وعندما بدأ في الإجابة، أضاف ترامب: «لا، أفضل حقًّا من رئيس الأركان»، وانتهت المكالمة بالاتفاق على لقائه مع ترامب في المكتب البيضاوي في اليوم التالي. وتحدثا فيه عن إيران وكوريا الشمالية.

لاحقًا، غرَّد ترامب قائلًا: «يسرني أن أعلن أنه ابتداءً من 4/9/2018، سيكون جون بولتون مستشارًا جديدًا للأمن القومي».

ما دوافع بولتون لقبول هذه الوظيفة؟

يجيب بولتون في كتابه: «لأن أمريكا واجهت بيئة دولية خطيرة للغاية، واعتقدت أنني أعرف ما يجب فعله. كان لدي وجهات نظر قوية حول مجموعة واسعة من القضايا».

وماذا عن ترامب؟ يجيب بولتون: «لا يمكن لأحد أن يدعي في هذه المرحلة أنه لا يعرف حجم المخاطر الموجودة، لكنني اعتقدتُ أيضًا أنه يمكنني التعامل معها».

ويضيف: لقد راقبتُ ترامب عن كثب خلال ما يقرب من 15 شهرًا في منصبه، ولم يكن لدي أي أوهام بأنني أستطيع تغييره، وعقدت العزم على إجراء عملية منضبطة وشاملة، لكنني سأحكم على أدائي من خلال كيفية تشكيل السياسة بالفعل، وليس من خلال المقارنة بأدائي مع إدارات سابقة.

2. ابكِ على الخراب.. وأطلِق كلاب الحرب!
استهل الفصل الثاني من كتاب بولتون الجديد باستعادة مزاعم استخدام الجيش السوري الأسلحة الكيميائية في الهجوم على مدينة دوما ومناطق أخرى قريبة منها، الأمر الذي أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى ( بحسب المزاعم الأمريكية )، فما كان من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ردت بحزم من خلال إطلاق 59 صاروخ كروز على المواقع المشتبه بها.

لم تتعلم القيادة السورية الدرس، وأخفق الردع الأمريكي، وبات الشاغل هو كيفية الرد كما ينبغي، حسبما ذكر بولتون في كتابه، لافتًا إلى تغريدة الرئيس ترامب، التي ندد فيها بمقتل الأبرياء من جراء الهجوم الكيماوي الذي عزل المنطقة عن العالم بأسره، معتبرًا بوتين، وروسيا، وإيران مسؤولين عن هذه الفظائع لدعمهم الأسد.

الخطر الأكبر في نظر بولتون: إيران

يشير المؤلف إلى أن اقتراح جاك كين، نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الأمريكي سابقًا، لقي استحسانًا لدى ترامب عندما شاهده على قناة «فوكس نيوز»؛ واقترح كين تدمير المطارات الحربية الأساسية الخمسة في سوريا، مما سيترتب عليه هزيمة الجيش السوري.

في ذلك اليوم، أبدت فرنسا وبريطانيا دعمهما للهجوم العسكري بقيادة الولايات المتحدة.

إلا أن ما يجري في سوريا، أيًّا كان من يحكمها، ما كان ليلهي الولايات المتحدة عن الخطر الحقيقي – في رأي بولتون – وهو إيران.

العقبة الحقيقية وفقًا لـ«ماتيس»: روسيا

على الجانب الآخر، كان وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، يرى أن روسيا هي العقبة الحقيقية، وعزا ذلك إلى اتفاق أوباما غير الحكيم مع بوتين في 2014 بشأن الإجهاز على قدرة سوريا في مجال الأسلحة الكيماوية، وهو ما لم يحدث بوضوح.

وينبه بولتون في كتابه إلى أن إدارة ترامب لم تتخذ قرارًا نهائيًّا بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا، بيدَ أنها رأت أنه من الضروري كبح لجام إيران في حال الانسحاب الأمريكي، وهو ما ناقشه مع نظيره البريطاني، مارك سدويل، في أولى مكالماته مع مسؤول خارجي، وفوجئ حينها سدويل بنية الانسحاب التي لم يعلم عنها من قبل.

ويصف بولتون كيف اتصل ماكرون هاتفيًّا بترامب وحثه على اتخاذ إجراء فوري، وهدد أن فرنسا ستتصرف بمفردها في حال التأجيل من جانب الولايات المتحدة. رغم أن تهديده كان استعراضيًّا في رأي بولتون، كان ماكرون محقًّا، بشأن اتخاذ إجراء فوري وحاسم، لإنه كلما كان القصاص أسرع، باتت الرسالة أكثر وضوحًا للأسد وغيره.

أردوغان يتملَّص من التورط في الهجوم الأمريكي.. و«يحاضر» ترامب وبولتون

أثناء إطلاع ترامب على المستجدات قبل اتصاله الهاتفي مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد بولتون له أنهم توصلوا إلى الصيغة المناسبة وهي:

أولًا: هجوم ثلاثي (الولايات المتحدة– فرنسا– بريطانيا)، وليس هجومًا أحاديًّا من جانب الولايات المتحدة فحسب. ثانيًا: تبني نهج شامل باستخدام كافة الوسائل السياسية والاقتصادية وكذلك العسكرية، مصحوبًا بتفسير بشأن هذا الإجراء وسببه. ثالثًا: بذل جهد مستدام. وبدا ترامب مقتنعًا بهذه الصيغة.

أشار بولتون إلى انزعاجه من أردوغان في المكالمة التي جرت لاحقًا في ذلك اليوم، وشبَّه قوة صوته ونبرته في المكالمة بحديث موسوليني من الشرفة أمام الجماهير، وبدا وكأنه يلقي محاضرة على مسامعهم. تملَّص أردوغان من أي التزام بشأن الانضمام إلى مخططات الهجوم الأمريكي، وقال إنه سيتحدث إلى بوتين عاجلًا، بحسب بولتون. وفي اليوم التالي، تلقى بولتون اتصالًا من نظيره التركي، إبراهيم كالين، لإبلاغه بشأن ما دار بين أردوغان وبوتين، وأن الأخير أكد رغبته في عدم التورط في مواجهة مع الولايات المتحدة بخصوص سوريا، وأنه يجدر بالجميع التصرف بعقلانية.

هل نجحنا في ردع الأسد؟

شنَّت الولايات المتحدة هجومًا في السابع من أبريل (نيسان) 2017، اقتصر على المنشآت السورية التي احتوت على الأسلحة الكيماوية بحسب مزاعمها، بما في ذلك المقار الرئيسية والطائرات وجميع الأهداف ذات الصلة، لكنه لم يشكِّل تهديدًا جوهريًّا للقيادة السورية نفسها، ما جعل الأسد وروسيا وإيران يتنفسون الصعداء.

وبعد مرور نحو سنة على ذلك الهجوم، وافق ترامب على شن هجوم على دمشق، بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا هذه المرة، ولم تتمكن الدفاعات السورية من اعتراض جميع صواريخ كروز الأمريكية.

ويتساءل المؤلف في نهاية الفصل: هل نجحنا في ردع الأسد؟ وأجاب: «لا، لم نفعل».

3. أمريكا تتحرر
استعرض الفصل الثالث من كتاب بولتون، في بدايته، وقائع لقاء ترامب مع الرئيس الياباني، شينزو آبي، الذي ركز على المسائل السياسية والأمنية، مثل مسألة كوريا الشمالية، وكذلك على الشؤون الاقتصادية والتجارة، مشيرًا إلى أن ترامب أثنى على اليابان بوصفها أفضل حليف للولايات المتحدة، لكنه انتقد في الوقت ذاته هجومها على ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية (عام 1941).

في اليوم التالي، عقد ترامب وآبي مؤتمرًا صحفيًّا، وعدَّ بولتون هذه القمة بمثابة نجاح حقيقي في مسائل فنية، مثل كوريا الشمالية.

كواليس الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران

انتقل بولتون إلى الحديث عن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، موضحًا أنه لطالما اعتقد أن امتلاك إيران للأسلحة النووية يشكِّل تهديدًا، لأنه ربما يشجع دولًا في الشرق الأوسط، مثل تركيا ومصر والسعودية، على امتلاك أسلحتها النووية، فضلًا عن رعاية إيران للإرهاب في الشرق الأوسط، وتزويد الجماعات الإرهابية الموالية لها بالأسلحة.
واستعرض بولتون بعض كواليس الفترة التي سبقت إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق الإيراني، وتحديدًا حين أبلغ الرئيس الأمريكي نظيره الفرنسي عزمه الانسحاب من الاتفاق، رد ماكرون قائلًا: «لا أحد يعتقد أنه اتفاق كافٍ»، وجادل بأنه يجب العمل على «اتفاق شامل جديد». وهي وجهة النظر التي أيدها وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، بوريس جونسون.

وانتقل المؤلف للقاء ترامب مع ميركل، الذي طلبت فيه المستشارة الألمانية من الأمريكيين عدم الانسحاب من الاتفاق، لكن الحديث عنه لم يكن منظمًا، واتسم رد فعل ترامب باللامبالاة. وفي اللقاء نفسه ردد ترامب جملة يقول بولتون إنه سمعها في مرات لاحقة لا تحصى، وهي: «الاتحاد الأوروبي أسوأ من الصين، هو فقط أصغر منها».

4. كيم وترامب في سنغافورة
يبدأ الفصل الرابع من كتاب بولتون الجديد مع اقتراب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، حين استأنف ترامب تركيزه على المشروع النووي لكوريا الشمالية، وبدأت الترتيبات لعقد لقائه مع كيم، اللقاء الذي كان ترامب مهتمًّا به منذ بداية حكمه، بحسب ما قاله بومبيو لبولتون، الذي كان متشائمًا حينها لأن كوريا الشمالية سبق لها أن استدرجت الولايات المتحدة ودولًا أخرى إلى طاولة المفاوضات، مقابل فوائد اقتصادية وكسب الوقت، على الرغم من انتهاك التزاماتها مرارًا.

ويقول بولتون إن مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي هو الذي قدَّم دعوة كيم للقاء ترامب، ولكنه اعترف بعد ذلك بأنه هو الذي اقترح على كيم أن يدعو ترامب للاجتماع به. ويوضح بولتون أن المغامرة الدبلوماسية كلها كانت مرتبطة بطموحات كوريا الجنوبية إلى الوحدة مع الشمال، وليس بثوابت السياسة الأمريكية تجاه كيم.

بولتون يأمل أن ينهار اجتماع ترامب مع كيم

كان اليابانيون يرون أنه يتعين على كوريا الشمالية أن تبدأ في تفكيك البرنامج النووي في الحال، على ألا يستغرق ذلك أكثر من عامين من اتفاق ترامب مع كيم، غير أن بولتون كان يرى أن ذلك يجب ألا يزيد على ستة شهور، استنادًا إلى تجربة ليبيا. وحين أشارت اليابان إلى اختطاف كوريا الشمالية لمواطنين يابانيين على مدار سنوات، تعهد ترامب بمتابعة القضية مع كيم جونج أون.

يروي بولتون في كتابه أن كيم أراد عقد اجتماعه مع ترامب في بيونج يانج، أو بومنجوم على الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية، وهو ما اتفق بولتون وبومبيو على أنه غير مقبول.

فكَّر بومبيو في جنيف أو سنغافورة بوصفهما أفضل مكانين مقبولين، ولكن كيم لا يحب الطيران. كما أن أيًّا من طائرات كوريا الشمالية المتداعية لا يمكنها أن تصل إلى أي مدينة، فضلًا عن أنه لا يريد أن يكون بعيدًا عن بيونج يانج. وكان بولتون يأمل أن يؤدي كل ذلك إلى انهيار الاجتماع كله.

«خدعة دعائية».. كوريا الشمالية تعلن وقف الاختبارات النووية والباليستية

وأعلنت كوريا الشمالية أنها ستتخلى عن أي اختبارات نووية أو باليستية أخرى، لأنها كانت بالفعل قوة نووية. ووصف الإعلام ذلك بأنه خطوة طيبة، كما قال ترامب إنه «تقدم كبير» في حين لم ينظر إليه بولتون إلا على أنه «خدعة دعائية»، كما يذكر في كتابه.

وطلب الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، من كيم أن ينزع أسلحته النووية خلال عام، ووافق كيم، ولكن في الشهور التي أعقبت ذلك، كان إقناع وزارة الخارجية بالموافقة على جدول زمني مدته عام، أصعب من إقناع كيم.

اجتمع مون بترامب، وأشاد بالدور القيادي للرئيس الأمريكي، الذي ألح عليه أن يروي لوسائل الإعلام الكورية الجنوبية كيف أنه (ترامب) كان المسؤول عن كل ذلك، على حد قول بولتون في كتابه.

ترامب يطلب من بولتون الإشادة به أكثر في التلفاز

كانت اليابان، على عكس كوريا الجنوبية، لا تثق بكيم وتريد التزامات ملموسة وواضحة لا لبس فيها بشأن القضية النووية ومسألة المختطفين. وأكد رئيس وزراء اليابان لترامب أنه أقوى من أوباما، مما يظهر أن آبي اعتقد أنه من الضروري تذكير ترامب بهذه النقطة.

يروي بولتون أن ترامب استدعاه بشأن ظهوره في برنامجين حواريين، ركز الكثير من النقاش خلالهما على كوريا الشمالية. وقال له ترامب إنه «أبلى بلاء حسنًا للغاية في التلفزيون»، ولكن عليه أن يشيد بترامب أكثر، «لأنه لم يحدث مثل ذلك الأمر من قبل»، ويقصد اجتماعه مع كيم.

ترامب لم يفهم الربيع العربي

ويقول بولتون إن ترامب فشل في أن يفهم الربيع العربي، الذي لم يتوقعه أحد حين اجتاح المنطقة في عام 2011، وأنه كان السبب في سقوط القذافي، وليس تخلي القذافي عن الأسلحة النووية في عام 2003.

ويوضح بولتون أن كوريا الشمالية استمرت في التهديد بإلغاء الاجتماع بين ترامب وكيم، وهاجمت بولتون بالاسم. وقال مسؤولون كوريون شماليون إنهم لا يكنون له إلا مشاعر الاشمئزاز.

ترامب يدير علاقاته الخارجية على غرار علاقاته النسائية

بحلول 21 مايو (أيار) لم يصل فريق كوريا الشمالية إلى سنغافورة. وبدأ ترامب يتعجب مما حدث. وقال لبولتون: «أريد أن أخرج من سنغافورة قبل أن يخرجوا هم». وشرح لبولتون كيف أنه، مع النساء اللائي كان يواعدهن، لم يكن يحب أبدًا أن يأتي قطع العلاقة من طرفهن، بل من طرفه هو.

ناقش مايك بنس وبولتون إمكانية إلغاء الاجتماع، وقال ترامب إنه سيكتب تغريدة بعد العشاء. ولكن عندما استيقظا في اليوم التالي، لم تكن هناك تغريدات لترامب. وقال ترامب في وقت لاحق إن هاتفه لم يكن يعمل تلك الليلة، وأشار إلى أنه يريد أن يعرف رأي رئيس كوريا الجنوبية قبل الإلغاء.

ترامب كان يريد الاجتماع مع كوريا الشمالية بأي ثمن

غير أن نائب وزير خارجية كوريا الشمالية شن هجومًا لاذعًا على بنس، ووصفه بأنه «دمية سياسية» وهدد بشن حرب نووية بسبب تصريحات بنس في مقابلة على قناة «فوكس نيوز».

ويقول بولتون إنه أشار على المسؤولين الأمريكيين بأن يطلبوا من كوريا الشمالية تقديم اعتذار، أو التهديد بإلغاء اجتماع سنغافورة؛ ما لم تقدم بيونج يانج الاعتذار.

تغاضى ترامب عن الأمر في البداية، ثم طلب النص الكامل لانتقادات نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي، وعندما قرأها قال: «هذا (كلام) شديد اللهجة».

وبعد أقل من 12 ساعة من إلغاء اجتماع سنغافورة، استغل ترامب بيانًا أقل هجومًا لمسؤول كوري شمالي آخر في وزارة الخارجية، لكي يضع اجتماع 12 يونيو ثانية في الجدول. وكان هذا اعترافًا علنيًّا بأن ترامب يريد الاجتماع بأي ثمن، وفقًا لبولتون.

الخلاف حول جملة «نزع الأسلحة النووية»

في المحادثات التي جرت في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، رفض الكوريون الشماليون استخدام لفظ «نزع الأسلحة النووية» في جدول أعمال محادثات كيم وترامب، وبدأت وزارة الخارجية تتراجع، وكذلك ترامب الذي كان يتطلع إلى «النجاح» في سنغافورة.

وافق ترامب على إسقاط عبارة «نزع الأسلحة النووية» من البيان. ثم استُدعي كيم جونج تشول، شقيق الزعيم الكوري الشمالي، للاجتماع به في البيت الأبيض، وكان يحمل خطابًا من شقيقه، الرئيس الكوري، إلى ترامب.

ترامب: «سيستغرق الأمر وقتًا أطول مما كنت أظن في البداية»

وقال ترامب الذي وافق على تقليص المناورات العسكرية لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بعد الاجتماع: «الخطاب ودود للغاية، ألا تعتقد ذلك؟». ووافق بولتون على قوله، ولكنه أضاف أنه خالٍ من المحتوى. وقال ترامب: «سنعقد اجتماعًا لنتعرف بعضنا إلى بعض، ثم نرى بعد ذلك ما سيحدث. سيستغرق الأمر وقتًا أطول مما كنت أظن في البداية».

بعد أن هبط ترامب من الطائرة في سنغافورة قرر أنه لا يريد أن ينتظر حتى يوم الثلاثاء لكي يلتقي بكيم، وأراد مقابلته يوم الاثنين. كان المسؤولون الأمريكيون قد رتَّبوا لترامب لكي يستريح من عناء السفر قبل أن يلتقي بكيم وجهًا لوجه، غير أنه كلما قلَّ وقت البقاء في سنغافورة قلَّت التنازلات الأمريكية، كما يرى بولتون.
روي بولتون أنه أثناء اجتماع كيم مع ترامب، قال الرئيس الأمريكي إنه يعرف أنه هو وكيم سوف يعملان معًا على نحو طيب. وردًّا على ذلك سأل كيم ترامب كيف يقيِّمه؟ وقال ترامب إنه يحب هذا السؤال، وإنه ينظر إلى كيم على أنه ذكي، وشخص طيب للغاية، ومخلص تمامًا، ولديه شخصية عظيمة. ويتفق بولتون مع ترامب في أن الهدف من ذلك السؤال كان انتزاع رد إيجابي من ترامب.

الرخاء الموعود حال تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية

مع استمرار الاجتماع، هنَّأ كيم نفسه وترامب على ما أنجزاه خلال ساعة واحدة، ووافق ترامب على أن الآخرين ما كانوا ليتمكنوا من فعل ذلك. وضحك الاثنان. وقدم الأمريكيون للكوريين فيلمًا أعدته وزارة الخارجية الأمريكية عن الرخاء الذي يمكن أن تعيش فيه كوريا الشمالية إذا ما تخلت عن أسلحتها النووية، وراح الكوريون يشاهدون النسخة الكورية من الفيلم على أجهزة «آيباد».

عندما انتهي الفيلم أراد ترامب وكيم أن يوقعا البيان المشترك في أقرب وقت، ولكن اتضح أن عدم دقة الترجمة كانت عائقًا؛ ولذا استمرت المحادثات، وبعد قليل دخل المصورون الرسميون للفريقين وانتهى الاجتماع.

5. قصة ثلاث مدن: بروكسل ولندن وهلسنكي
في الفصل الخامس، يتحدث بولتون عن ثلاث قمم متتالية عقدت في شهر يوليو (تموز) 2018، أي بعد شهر من اللقاء الذي جمع ترامب وكيم جونج أون في سنغافورة: اجتماع حلف الناتو في بروكسل مع الشركاء في أهم تحالف أمريكي، واجتماع ترامب مع رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، تيريزا ماي، وأخيرًا اجتماع ترامب وبوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وهي أرض محايدة للقاء روسيا.

قبل مغادرة واشنطن، قال ترامب: «… بصراحة، قد يكون اجتماع بوتين أكثرهم سهولة». وأوضح بولتون أنه أدرك خلال يوليو المزدحم ذاك، أن ترامب لا يتبع أي استراتيجية دولية كبرى، أو حتى أي مسار ثابت، وأن تفكيره أشبه بأرخبيل من النقاط، تاركًا لباقي المساعدين مهمة صياغة السياسة، وهو أمر كانت له إيجابياته وسلبياته.

«أخبِر الروس أننا سنفعل ما يريدون»

شرح بولتون كيفية اختيار هلسنكي لعقد القمة، فترامب كان يرغب في أن يزور بوتين واشنطن، وهو أمر لم يكن الروس راغبين فيه، فاقترحت واشنطن هلسنكي، واقترحت موسكو فيينا. واتضح بعد ذلك أن ترامب لم يكن يفضِّل هلسنكي؛ إذ سأل جون كيلي عما إذا كانت فنلندا جزءًا من روسيا، وعندما حاول بولتون شرح تاريخ هذه المنطقة، قال له ترامب إنه يريد فيينا أيضًا، وأضاف: «أخبِر الروس أننا سنفعل ما يريدون»، إلا أنه استقر على هلسنكي بعدما أقنعه مستشاروه.

أثناء التحضيرات للقاء هلسنكي، واصل بولتون الضغط في قضية التدخل في الانتخابات، إلا أن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حاول تجنبها بالقول إنه على الرغم من أنهم لا يستطيعون استبعاد وجود مخترقين، فإن الحكومة الروسية ليست لها أي علاقة بها.

بوتين: لسنا بحاجة إلى إيران في سوريا

خلال اجتماع بولتون مع الرئيس الروسي، قال بوتين إن الروس ليسوا بحاجة إلى إيران في سوريا، وإن لطهران أجندتها الخاصة – المتعلقة بلبنان والشيعة – والتي لا علاقة لها بالأهداف الروسية، بل إنها تخلق مشكلات لهم، وأوضح أن هدف روسيا هو دعم الدولة السورية لمنع الفوضى، كما هو الحال في أفغانستان، بينما تمتلك إيران أهدافًا أوسع.

أشار بوتين كذلك إلى أن انسحاب الإيرانيين يعني أن قوات الجيش السوري ستفقد من يدعمها، من هجمات المعارضة وداعميها الغربيين، ويؤكد بولتون أن روسيا ليست مستعدة لملء هذا الفراغ.

كما سخِر بوتين من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي – حسبما ورد في الكتاب – متسائلًا عما سيحدث إذا انسحبت إيران، لاسيما وأن إسرائيل لا تستطيع شن عمل عسكري ضدها بمفردها؛ لأنها لا تملك الموارد أو القدرات، خاصة إذا اتحد العرب خلف إيران، وهو ما عده بولتون أمرًا منافيًا للعقل.

وتوصل بولتون في نهاية الاجتماع إلى رؤية مفادها أن بوتين متحكم تمامًا في أعصابه، وواثق من نفسه، وعلى دراية كاملة بأولويات الأمن القومي الروسي، وبالتالي لا يجب تركه وحيدًا في غرفة مع ترامب.

رغم أوجه القصور.. الناتو هو التحالف السياسي والعسكري الأكثر نجاحًا في التاريخ

عبَّر بولتون عن اعتقاده بأنه على الرغم من أوجه القصور التي يعاني منها حلف الناتو، فإنه يظل التحالف السياسي والعسكري الأكثر نجاحًا في التاريخ، وأنه يصبُّ في صالح واشنطن بالأساس، لا لأنها تؤجر جيشها للدفاع عن أوروبا؛ بل لأن الدفاع عن «الغرب» كان دومًا في مصلحة أمريكا الاستراتيجية.

خلال قمة الناتو الأولى لترامب في 2017، اشتكى الرئيس الأمريكي من أن العديد من الأعضاء لم يفوا بالتزاماتهم التي أقروها عام 2014، لإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2024، إلا أنه ركز على انتقاد ألمانيا تحديدًا – ربما بسبب أصل والده الألماني – التي أنفقت حوالي 1.2% من ناتجها فقط على الدفاع. وكان ترامب قد سأل ماكرون، في مشاورات ما قبل الضربة العسكرية المشتركة التي وجهت في سوريا، عن سبب غياب ألمانيا عن الهجوم، وكان سؤالًا وجيهًا، لكن لا إجابة له سوى «السياسة الداخلية في ألمانيا»، بحسب بولتون.

وأشار ترامب إلى أن بلاده دفعت ما بين 80– 90% من نفقات الحلف، ثم عاد لاحقًا وقال إنها دفعت 100% من نفقات الحلف، وهو رقم غير معروف المصدر، وهدد بأن أمريكا لن تدفع أكثر من ألمانيا.

نصيحة بولتون: ضغوط على أعضاء الناتو دون تهديد بالانسحاب

يشير بولتون إلى ملابسات هذه الأزمة مع الحلف، قائلًا إنه اتفق مع بومبيو على إقناع ترامب من دون التعرض مباشرة لملف الناتو، وذلك من خلال القول إنه لا يمكن تحميل الجمهوريين بقضايا خلافية جديدة، لاسيما مع وجود العديد من المعارك الداخلية الجارية (ومنها تعيين القاضي كافانو في المحكمة العليا).

وخلال لقائهما مع ترامب يوم 2 يوليو شرحا له السبب في عدم خوض معارك أكثر مما يمكنهم التعامل معه، وفوجئا بموافقة ترامب دون جدال. ومع ذلك، عاد وسأل بولتون بعدها بأيام قليلة: لماذا لا تنسحب واشنطن من الناتو نهائيًّا؟ وهو بالضبط ما كانا يحاولان منعه. ثم بدأ في الأيام التالية، في كتابة تغريدات حول هذا الأمر، تتضمن الكثير من الأرقام التي ذكرها سابقًا.

وذكر بولتون أن توجُّه ترامب العام – كما ذكره صراحة في مكالمة بينهما في بروكسل – مفاده أنه: بحلول الأول من يناير (كانون الثاني) 2019 يجب على جميع الدول الالتزام بنسبة 2%، وإلا ستخرج أمريكا من الحلف ولن تدافع عن أولئك الذين لا يدفعون.

وخلال الجلسة، حثَّه بولتون على انتقاد الأعضاء المتأخرين بسبب عدم الإنفاق بما يكفي على الدفاع، ولكن دون التهديد بالانسحاب من الحلف أو قطع التمويل الأمريكي. فأومأ ترامب برأسه ولم يقل شيئًا. وأوضح بولتون أن أحد أسباب بقائه في العمل كان التزام ترامب بذلك، خلال كلمته، وإشارته إلى أنه داعم للناتو، وأنه لا يجب تفسير ملاحظاته على أنها تهديد صريح بالمغادرة.

مطلب نتنياهو: إقامة «حدود دائمة» في مرتفعات الجولان

قال بولتون إن ترامب والوفد المرافق له طار بعد ذلك إلى لندن، حيث حضروا عرضًا عسكريًّا قبل الاجتماع الرسمي مع نظرائهم البريطانيين. وأوضح أن الحوار دار في البداية حول اليمن، ثم انتقل إلى سوريا، وكيفية التعامل مع الوجود الروسي هناك، وما قاله بوتين لبولتون قبل أسابيع بشأن العمل لإخراج إيران من سوريا، لكن ماي شككت في كلام بوتين، واستنكرت على بولتون تصديقه له. ثم انتقل الحديث عن قضية محاولة اغتيال المنشق الروسي سيرجي سكريبال وابنته، ودوافع موسكو لتنفيذها.

وأضاف أنهم اتجهوا بعد ذلك إلى منتجع ترامب في تورنبيري بإسكتلندا، حيث أجرى ترامب عدة مكالمات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول لقاء الأخير مع بوتين، الذي أخبره بأن إيران يجب أن تغادر سوريا، لكن الأسد يرفض دفعه للضغط على الإيرانيين، لاسيما مع دعم القوات الإيرانية للجيش السوري في إحراز تقدم في إدلب ضد الجماعات الإرهابية. وضغط نتنياهو على بوتين لإقامة «حدود دائمة» في مرتفعات الجولان، لكن بولتون كان يشك في أن ترامب سيثير هذه القضية بالذات مع بوتين.

لماذا يرفض ترامب الاعتراف بالتدخل الروسي في الانتخابات؟

خلال أول نقاش بين بولتون وترامب بعد مغادرة لندن والوصول إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي، أوضح بولتون أن ترامب ظل، كما كان منذ البداية، غير راغب في – أو غير قادر على – الاعتراف بأي تدخل روسي في الانتخابات الأمريكية؛ لأنه خشي أن ذلك سيؤدي إلى تقويض شرعية انتخابه واستمرار عملية «مطاردة الساحرات» ضده.

وبعد لقاء سريع مع الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، الذي حذَّر ترامب من أنه يجب أن يرد على بوتين إذا هاجمه – لأن بوتين كان مقاتلًا – وصلت أنباء بأن طائرة بوتين غادرت موسكو متأخرة، كعادة بوتين في جعل ضيوفه ينتظرون.

قال بولتون إنه كان يأمل في أن يُغضِب هذا الأمر ترامب؛ حتى يكون أكثر صرامة مع بوتين. مضيفًا أنهم فكروا في إلغاء الاجتماع إذا تأخر بوتين كثيرًا، وقرروا أن يجعلوه ينتظر لفترة من الوقت في القصر الرئاسي الفنلندي، حيث ستعقد القمة.

استمر الاجتماع حوالي ساعتين، تحدث بوتين في غالبيتها العظمى، ودار معظم الحديث عن سوريا. واعتبر بولتون أن النتيجة النهائية للقمة هي: عدم الاتفاق على أي شيء. لكن بالرغم من عدم تحقيق نجاحات، فإنه لم تُقدم تنازلات، ولم يحدث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية، وهو الأمر الذي أسعده لأنه كان يرى أن هدفه في هذه القمة هو: السيطرة على الأضرار.

أولوية بوتين وترامب: زيادة التجارة والاستثمار في روسيا

وخلال العشاء الذي أعقب القمة، تطرق حديث سطحي إلى قضية الحد من التسلح، والحدود بين سوريا وإسرائيل التي ذكرها لنتنياهو. أما ما أراد كلاهما حقًّا مناقشته، هو زيادة التجارة والاستثمار الأمريكيين في روسيا، وهي محادثة استمرت لفترة طويلة.

وأضاف بولتون في كتابه أن بوتين أكد خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب ذلك أن الدولة الروسية لم تتدخل أبدًا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية، بما في ذلك عملية الانتخاب، لكنه قال إنه كان يريد أن يفوز ترامب بانتخابات عام 2016 «لأنه تحدث عن إعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى طبيعتها». وأكد ترامب من ناحيته ذلك، قائلًا: إنه لا يرى سببًا لذلك، وإنه على الرغم من ثقته في المخابرات، فإن نفي بوتين كان واضحًا.

وأوضح أن ترامب – الذي كان مندهشًا من رد الفعل السلبي في واشنطن تجاه تصريحاته – اعترف في اجتماع بالبيت الأبيض، في اليوم التالي، بأنه أخطأ في جملة «لا أرى أي سبب يجعلها (الدولة التي تدخلت في الانتخابات) روسيا»؛ إذ كان يقصد «.. ألا تكون [روسيا] هي من تدخلت»، وبالتالي عكس معنى الجملة. واعتبر بولتون أن هذا كان مفاجئًا، لأن ترامب لا يتراجع عن أي شيء يقوله.

6. إحباط محاولات روسيا: تدمير معاهدة القوى النووية متوسطة المدى
في الفصل السادس من كتاب بولتون، تحدث مستشار ترامب السابق عن رغبته، منذ إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، في التخلص من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF)، المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، والهادفة للقضاء على الصواريخ المتوسطة المدى والقصيرة المدى.

ويلفت إلى أن روسيا كانت تنتهك المعاهدة طوال سنوات، بينما ظلت الولايات المتحدة تلتزم ببنودها؛ ما أخلَّ بالواقع الاستراتيجي العالمي والتقدم التكنولوجي. وقبل تولي ترامب منصبه، بدأت روسيا النشر الفعلي للصواريخ؛ في انتهاكٍ للمعاهدة، ما شكَّل تهديدًا كبيرًا لأعضاء الناتو الأوروبيين.

لضبط التعاون بين وكالات الأمن القومي الأمريكي والروسي، اقترح بولتون على سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، الالتقاء في جنيف لمناقشة الانتهاكات الروسية للمعاهدة. توجه بولتون بعدها إلى كييف للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال الأوكراني، والتشاور مع الرئيس بترو بوروشينكو، ورئيس وزرائه، ومسؤولين آخرين، وأطلعهم على مناقشات معاهدة «INF»، وهو ما أثَّر مباشرة في تخطيطهم الدفاعي. وبعد مرور أكثر من عام بقليل، أصبحت أوكرانيا في قلب السياسة الأمريكية.

روسيا تعزف على وتر المخاوف الأوروبية.. بفضل ترامب

بعد عودة بولتون إلى واشنطن بشهور، بدأ التحضير في الانسحاب من معاهدة «INF». لكن الانسحاب من المعاهدة كان يتطلب التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة في الناتو، الذين رأوا أن إلغاء المعاهدة سيكون في صالح روسيا، ويزيد من تهديدها لهم، رغم قناعتهم بأن روسيا انتهكت المعاهدة مرارًا وتكرارًا.

ويضيف المؤلف أن الرئيس ترامب، للأسف، أفصح عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من المعاهدة مبكرًا، الأمر الذي أربك حسابات الخارجية الأمريكية. ففي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، عندما هبط بولتون في موسكو، قابله السفير الأمريكي جون هانتسمان وأخبره بأن الروس يلعبون على مخاوف الأوروبيين وتخلي أمريكا عنهم، وتركهم بلا حماية.

وعند لقاء بولتون بباتروشيف، أبلغه بأن روسيا تنتهك المعاهدة ولا تلتزم ببنودها، وبعد تزايد قدرات الصين وإيران ودول أخرى، أصبح من المستحيل إضفاء الطابع العالمي على المعاهدة.

وضع الصين والتغيرات التكنولوجية تجعل المعاهدة غير واقعية

يقول الكاتب حاولنا أن نلملم آثار تصريحات ترامب المتعجلة، لكنه عاد ثانية في لقاء صحفي إلى تصريحاته المعتادة دون التشاور مع من حوله قائلًا: «أنا أنهي الاتفاقية. انتهكتها روسيا وأنا أنهيها». وردًّا على سؤال عما إذا كان ذلك يشكل تهديدًا لبوتين، أجاب ترامب: «إنه تهديد لمن تريد. ويشمل ذلك الصين، ودولًا أخرى، فلا يمكن أن يلعبوا لعبة عدم الالتزام علينا».

ويذكر المؤلف أنه في اليوم التالي، التقى بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، الذي بدا أقل اهتمامًا فيما يتعلق بمعاهدة «INF». وقال إن رسالة ترامب كانت واضحة ولا تحتمل أي غموض، وأن الروس تلقوها بوضوح. وأضاف: «في ظل الظروف الحالية، أصبحت المعاهدة غير واقعية؛ بسبب الصين والتغيرات التكنولوجية التي حدثت منذ توقيع المعاهدة عام 1987».

وفضل شويجو محاولة إعادة كتابة المعاهدة لجذب الآخرين للانضمام إليها، ورأى «أن انسحابنا من جانب واحد كان مواتيًا فقط لأعدائنا المشتركين، وكانت الإشارة واضحة إلى الصين». ويذكر بولتون أنه التقى الرئيس الروسي بوتين الذي أوضح لوسائل الإعلام أنه ليس راضيًا عن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.
وختم بولتون الفصل بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعلنت انسحابها رسميًّا من المعاهدة في 1 فبراير 2019، وأعلن الروس على الفور تعليقهم لأي مفاوضات جديدة تتعلق بالحد من التسلح.

7. ترامب يبحث عن مخرج من سوريا وأفغانستان.. ولا يجده
يلفت الفصل السابع من كتاب بولتون إلى أن الحرب ضد «الإسلام المتطرف» بدأت قبل 11 سبتمبر (أيلول) بكثير، وستستمر بعده أيضًا، وهو أمرٌ واقع لم يعجب ترامب فتعامل معه على أنه غير حقيقي، وخاض حربًا لا تنتهي في الشرق الأوسط دون وضع خطة انسحاب متماسكة.

سوريا: لورانس العرب.. يتصل بمكتبك

بعد الرد الأمريكي على مزاعم استخدام دمشق للأسلحة الكيماوية، عاودت سوريا الظهور على مسرح الأحداث، على خلفية اعتقال تركيا للقس أندرو بورسون بتهمة التآمر مع فتح الله جولن.

تحدث أردوغان – الذي أطلق عليه بولتون «لورانس العرب» في هذا الفصل من كتابه – مع ترامب هاتفيًّا حول قضية برونسون، وأثار أيضًا مسألة إدانة المسؤول في بنك خلق التركي، محمد عطيلة، المتهم بخرق العقوبات المفروضة على إيران.

يلفت المؤلف إلى أن هذا الملف كان يحمل تهديدًا مباشرًا لأردوغان وعائلته؛ لاتهامهم باستخدام البنك لأغراض شخصية، خاصة بعد أن أصبح صهره وزيرًا للمالية.

وأخيرًا، تساءل أردوغان عن التشريع المطروح في الكونجرس، ومن شأنه أن يوقف شراء طائرة «F-35» لأن أنقرة كانت تعتزم شراء نظام الدفاع الجوي الروسي S440. وإذا مُرر هذا التشريع، فهذه الصفقة قد تؤدي إلى عقوبات على تركيا لخرقها العقوبات المفروضة على روسيا.

غلق السفارة أم زيادة العقوبات؟.. خيارات ترامب لمعاقبة تركيا

يقول بولتون: على الرغم من أن الإعلام صوَّر ترامب بأنه معادٍ للمسلمين، فإنه لم يستوعب – حتى مع محاولات القادة في أوروبا والشرق الأوسط شرح ذلك – أن أردوغان نفسه إسلامي راديكالي، مشغول بتحويل تركيا من دولة أتاتورك العلمانية إلى تركيا الإسلامية، ويدعم الإخوان المسلمين وجماعات متطرفة أخرى في الشرق الأوسط، ويموِّل حماس وحزب الله.

ويلفت المؤلف إلى أن الرئيس الأمريكي سئم من المماطلة بشأن إطلاق برونسون، فقرر معاقبة تركيا بزيادة التعريفة على الصلب بمقدار 50% وعلى الألومنيوم بـ20%.

واقترحت تركيا إطلاق برونسون مقابل إسقاط التحقيقات بشأن بنك خلق، وبعد التشاور مع بومبيو ومنوشين وجدت الإدارة الأمريكية أن الأمر معلق بيد محكمة جنوب نيويورك؛ لأن قيمة خرق العقوبات تساوي 20 مليار دولار.

تقلَّب موقف ترامب في هذه المرحلة؛ ما بين التفكير في إغلاق السفارة في أنقرة وطرد السفير التركي، إلى زيادة العقوبات. ثم تغير الموقف التركي بعد تردي حالة الاقتصاد، وظهر ذلك جليًّا في جلسة الاستماع المنعقدة يوم 12 أكتوبر؛ إذ أُطلق سراح برونسون بعد أن أدين بالتجسس وتهم أخرى، لما رآه الكاتب تحقيقًا لمصالح سياسية محلية لأردوغان.

يحكي بولتون لاحقًا، في الفصل نفسه، أن أردوغان سلم ترامب، أثناء قمة مجموعة العشرين في بيونيس أيريس، مذكرة قضائية قدمها دفاع بنك خلق، وتفحصها ترامب سريعًا، ثم قال إنه واثق من أنه لا علاقة لهذه القضية بالعقوبات على إيران. وأضاف أن «العاملين في محكمة جنوب نيويورك هم أتباع أوباما، ولو كانوا من أتباعي لحل الأمر مبكرًا».

رغبة ترامب في الخروج من العراق أضعفت موقفه أمام إيران

كان الموقف في هذه الأثناء متأزمًا في سوريا، وبحث بولتون أمر التدخل العسكري هناك مع المسؤولين. وفي العراق، هاجمت الميليشيات الشيعية في 8 سبتمبر سفارة أمريكا في بغداد وقنصليتها في البصرة، وأطلقت إيران صواريخ ضد أهداف أمريكية في أربيل.

وعندما طرح كيلي الأمر على ترامب، أجاب ببساطة بأنه يريد الخروج من هناك، وبالتالي اقتصر الرد الأمريكي على إدانة دور إيران في الهجوم، وهنا يتساءل بولتون مستهجنًا: أي درس لقنَّاه لإيران وميليشياتها من غيابنا الكامل؟

تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا بعيون مستشار الأمن القومي

ثم تحولت أنظار العالم إلى مسألة اجتياح تركيا لشمال سوريا، التي كان يهدف أردوغان من ورائها إلى تحجيم الأكراد، في حين كانت أمريكا ترى أن من واجبها حمايتهم لوقوفهم إلى جانبها في قتال داعش، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على أي تحالف مع أطراف أخرى لاحقًا.

في 14 سبتمبر، تحدث ترامب وأردوغان هاتفيًّا، وقال الرئيس الأمريكي: إن الولايات المتحدة على استعداد للانسحاب من سوريا، إذا تعهدت تركيا بمواصلة قتال داعش، ووعد أردوغان بذلك.

أوكل ترامب مهمة الانسحاب إلى بولتون، الذي كان يتساءل إن كان ذلك جزءًا من وعوده أثناء حملته الانتخابية؛ إذ رأى مستشار الأمن القومي أنه سيكون للانسحاب تداعيات كارثية؛ إذ سيؤدي من ناحية إلى تنامي قوة داعش، وسيزيد على الجانب الآخر من نفوذ إيران ولا شك.

«هزيمة ساحقة لسياسة أمريكا ومصداقيتها في العالم»

اعترض الحلفاء على الانسحاب، وترجى ماكرون ترامب ألا يفعل، فما يهم أردوغان هو التخلص من الأكراد فقط، وبالتالي قد يقبل التسوية مع داعش.

بعد التوتر الإعلامي الذي تزامن مع زيارة بولتون لإسرائيل قبل أنقرة لإتمام اتفاق الانسحاب، وما صرَّح به وأثار قلق تركيا، بدا واضحًا أن الخروج من سوريا يتعارض مع حماية الأكراد. وكان رأي ترامب حينها أن تركيا تستعد منذ زمن لمهاجمة الأكراد، وأراد أن يحدث ذلك وجنودنا ليسوا هناك، وأن هذه حرب أهلية لا تريد أمريكا التدخل فيها.

كان المشهد في شمال سوريا حتى وقت استقالة بولتون هو سقوط خلافة داعش ولكن مع استمرار الخطر، وتدهور المفاوضات بشأن تشكيل قوات دولية، وغرق تركيا في مشكلاتها الاقتصادية والمحلية.

وعندما أصدر ترامب قراره في أكتوبر 2019 بالانسحاب، كان بولتون قد غادر البيت الأبيض، وهو القرار الذي يصفه بولتون بأنه كان هزيمة ساحقة لسياسة الولايات المتحدة ومصداقيتها في العالم كله.

أسباب اعتراض ترامب وبولتون على بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان

اعتقد ترامب – وكان معه حق كما يرى بولتون – أنه أعطى كل الصلاحيات لماتيس كي يقضي على طالبان وداعش. وبينما تحقق الهدف في العراق وسوريا، حدث العكس في أفغانستان؛ وهذا كله بسبب ترامب الذي اعتقد أنه كان محقًّا في 2016، حتى بعد فشل الجيش الأمريكي في 2017 و2018.

اعتراض ترامب على وجود القوات الأمريكية في أفغانستان كان لسببين: الأول؛ أنه تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء الحرب اللانهائية، والثاني؛ أن استمرار التعثر في الاقتصاد والأمن جعله يستعجل وضع حد للنفقات الفيدرالية.

وكان اعتراض بولتون الأساسي على إنهاء الحرب، هو أن الولايات المتحدة ليست هي التي بدأتها في المقام الأول، وبالتالي لا يمكن أن تنتهي بمجرد أن تريد واشنطن ذلك.

وشدد بولتون على أن الغرض من هذه الحروب ليس بناء دول أجمل وأكثر أمانًا، بل لحماية أمريكا من 11 سبتمبر جديدة، على حد قوله.

ترامب لماتيس: دع روسيا تتولى أمر داعش في أفغانستان

اجتمع بولتون مع ترامب الذي قال إن الوضع سيئ هناك؛ إذ تعرضنا للهزيمة، وهم يعلمون ذلك. فاستدرك ماتيس: داعش ما زالت في أفغانستان، فرد ترامب: دع روسيا تتولى أمرهم، فنحن على بعد آلاف الكيلومترات وما زلنا في مرمى أهدافهم، بسبب قرار غبي من شخص اسمه جورج بوش، غرقنا في هذا المستنقع وملايين من الناس قتلوا، وتريليونات أنفقت ولم ننته بعد.

طلب بومبيو مهلة لمدة 90 يومًا قبل اتخاذ قرار الانسحاب، فرفض ترامب معللًا ذلك بأنه كلما طالت المدة أصبحت الحرب حربه، وهو لا يحب أن يخسر حربًا. فرد ماتيس بأنها أصبحت حربك منذ توليت الرئاسة! فقال: ولذلك كان يجب أن أنهيها في الحال.
ولتون: إما أن نحارب الإرهاب في أرضه وإما سيطاردنا إلى عقر دارنا

يستحضر بولتون في كتابه وقائع هذا النقاش، وكان يرى أن على الولايات المتحدة محاربة الإرهاب في أرضه، ووافقه دنفورد بأن أمريكا ستتعرض للهجوم في عقر دارها إذا سحبت قواتها من هناك.

يتابع المؤلف في كتابه: كنت أرى أن علينا الإجابة عن ثلاثة أسئلة قبل اتخاذ قرار بالانسحاب وهي: هل ستنهار الحكومة الأفغانية بعد خروجنا؟ ومتى؟ وبأي سرعة ستتحرك المجموعات الإرهابية بعد انسحابنا؟ وكم من الوقت يلزمهم لتنظيم هجوم على الولايات المتحدة؟ وظل أمر الانسحاب عالقًا حتى موعد مغادرتي البيت الأبيض.

8. الفوضى أسلوبَ حياة.. متى يبدأ ترامب يومه رسميًّا؟
استعرض بولتون في الفصل الثامن من كتابه جوانب حياة ترامب داخل البيت الأبيض، وكيف أن يومه الرسمي يبدأ قريبًا من وقت الغداء، لأنه لا يقوم بأي نشاط في الصباح، بل يجري مكالمات هاتفية من مقر إقامته مع أطياف مختلفة، وأحيانًا مع مسؤولي الحكومة.

هذا النمط الذي يتبعه ترامب يقارنه المؤلف باليوم العادي للرئيس جورج بوش الأب؛ إذ قال رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض في عهده، جون سانونو، إنه كان يبدأ يومه الرسمي في الثامنة صباحًا.

نزعات ترامب الانتقامية وعزوفه عن حضور الجنازات

تحدث بولتون أيضًا عن نزعات ترامب الانتقامية تجاه أشخاص معينين، من بينهم جون ماكين، ثم قراره بسحب التصريح الأمني الخاص بمدير «سي آي إيه» الأسبق، جون برينان، بعد أن اتهمه ترامب بالتجسس على حملته في 2016، وهو الأمر الذي تفاقم من جراء تكرار ظهور برينان في وسائل الإعلام وانتقاده ترامب بعد توليه السلطة.

حاول بعض المسؤولين إثناء ترامب عن سحب التصاريح الأمنية، وذكَّروه بأنه لم يسبق أن اتخذ أي رئيس في السابق مثل هذه القرارات. أذعن ترامب لهم، لكنه سرعان ما كرر فعلته وبصورة أكثر قسوة.

أثار ترامب جدلًا آخر بشأن عدم حضوره الجنازات، وهو ما بدأه بجنازة باربرا بوش في 2018، ثم جنازة ماكين في أغسطس (آب) المنصرم، كما يذكر بولتون في كتابه.
«لن يمنحوني أصواتهم مرة أخرى إذا لم أغلق الحدود»

كانت قضية الهجرة غير الشرعية هي المبادرة الرئيسية التي طرحها ترامب؛ إذ أصر على إغلاق الحدود مع المكسيك أمام المهاجرين، لولا أن تطبيق ذلك تعسر نظرًا إلى سياسة الولايات المتحدة بشأن حق اللجوء.

كانت وجهة نظر ترامب في هذا الصدد هي أنه «لا بد من إغلاق الحدود. لقد انتخبني الشعب لأقوم بهذا الأمر، والآن لن ينتخبونني مجددًا إذا لم أنفِّذ وعدي».

«تناقض صارخ».. هكذا تعامل ترامب مع قضية خاشقجي

ويذكر المؤلف أنه في خضم الجدال بشأن قضية الهجرة، أثيرت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول. وأضاف أن تعامل ترامب مع هذه القضية انطوى على تناقض صارخ مع أسلوبه المعتاد في اتخاذ القرار.

نشر السعوديون روايتهم بشأن الأحداث المتعلقة بمقتل خاشقجي، وبالطبع لم تلقَ تلك الرواية قبول المحللين، الذين تبين لهم أنها لن تتغير، خاصة بعد أن أقرها ترامب، وأعلن عدم وقف بيع الأسلحة إلى السعودية، كما أعلن دعمه للعاهل السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وأكد أنه «سواء فعل ذلك (قتل خاشقجي) أم لم يفعله، سنقف بجانب السعودية».

البحث عن بديل لسفير ترامب لدى الأمم المتحدة

يتطرق هذا الفصل أيضًا إلى أزمات نشأت بسبب انعدام كفاءة سفيرة الرئيس ترامب إلى الأمم المتحدة، نيكي هالي، في إدارة الشأن الخاص بالعقوبات المفروضة على روسيا في أعقاب الهجوم الأمريكي على سوريا.

تفاقمت الأمور بسبب الانسحاب الأمريكي من مجلس حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي وافق عليه ترامب، وأوصى به مستشاروه في اجتماع بالمكتب البيضاوي مع بومبيو وهالي.

سأل ترامب هالي: «كيف يمضي الأمر؟»، فأجابت متحدثة عن المفاوضات التجارية مع الصين، وهو ما لم يكن في صميم مسؤولياتها. ترتب على ذلك استقالة هالي في 2020، وبات استبدال مسؤولي الإدارة المغادرين لمناصبهم أمرًا عسيرًا، خاصة مع قرب نهاية ولاية ترامب.

وكان شرط ترامب هو اختيار أنثى لكي تحل محل هالي، كما يوضح بولتون في كتابه. واستقر المقام على اختيار سفيرة الولايات المتحدة لدى كندا، كيلي كرافت، لتولي هذا المنصب.

9. فنزويلا.. لماذا تعدُّ أمريكا نظام مادورو تهديدًا لها؟
تطرق الفصل التاسع من كتاب بولتون إلى فنزويلا، وذكر أن نظامها غير الشرعي قدَّم فرصة لإدارة ترامب لكنها لم تحسن استغلالها؛ إذ إنها لم تكن على ثقة تامة من نجاح دعم جهود المعارضة الفنزويلية لإطاحة نيكولا مادورو، وريث هوجو تشافيز.

كان نظام مادورو الاستبدادي يمثل تهديدًا بسبب ارتباطه بكوبا، والانفتاح على روسيا والصين وإيران، على حد وصف المؤلف. كما كان خطر موسكو، الذي لا يمكن إنكاره، عسكريًّا وماليًّا؛ إذ أنفقت موارد كبيرة لدعم مادورو، وسيطرت على صناعة النفط والغاز في فنزويلا، وهو ما كبَّد الولايات المتحدة خسائر.

حدث الانفجار الكبير في فنزويلا يوم الجمعة، 11 يناير (كانون الثاني)، بعدما أعلن الرئيس الشاب الجديد للجمعية الوطنية، خوان جوايدو، في تجمع حاشد ضخم أن إعادة انتخاب مادورو الاحتيالية عام 2018 كانت غير مشروعة. وأعلنت الجمعية خلوَّ منصب الرئاسة.

وتحت حكم تشافيز، والآن مادورو، انخفضت عائدات فنزويلا من الصادرات المرتبطة بالنفط من ما يقرب من 3.3 مليون برميل من النفط يوميًّا، عندما تولى شافيز السلطة في عام 1999، إلى ما يقرب من 1.1 مليون برميل يوميًّا في يناير 2019.

مكالمة هاتفية تاريخية بين ترامب وجوايدو

أوضح بولتون لترامب الخطوات السياسية والاقتصادية التي يجب اتخاذها ضد مادورو، ولكن ترامب كان يشك في أن مادورو سيسقط، قائلًا إنه «ذكي جدًّا وقوي جدًّا».

كانت التوترات تتصاعد داخل فنزويلا. وتحدث بولتون وبنس إلى خوان جوايدو، وكانت ردوده إيجابية، وقال إن فنزويلا سعيدة للغاية بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة.

اجتمع مجلس الأمن يوم السبت، 26 يناير. وهاجم بومبيو نظام مادورو، وقال الأعضاء الأوروبيون إن مادورو أمامه ثمانية أيام للدعوة إلى الانتخابات أو سيعترفون بجوايدو، وكان هذا تحسنًا كبيرًا في موقف الاتحاد الأوروبي، حسبما ورد في الكتاب.

وفي 30 يناير، امتلأ مكتب بولتون بالعديد من الأشخاص للاستماع إلى مكالمة ترامب مع جوايدو في حوالي الساعة التاسعة صباحًا. وقال ترامب إن المكالمة تاريخية. وشكر جوايدو ترامب على دعواته للديمقراطية وقيادته القوية، الأمر الذي جعل بولتون ببتسم. وقال ترامب إنه لشرف لي التحدث معه، وانتهت المكالمة.

بدء ظهور الانشقاقات التي سعت إليها واشنطن في فنزويلا

في 13 فبراير زار الرئيس الكولومبي، إيفان دوكي، ترامب في البيت الأبيض، وتركز النقاش على فنزويلا. وسأل ترامب الكولومبيين عما إذا كان يجب عليه التحدث إلى مادورو قبل ستة أشهر، فقال دوكي، بشكل لا لبس فيه، إنه سيكون انتصارًا كبيرًا لمادورو، مما يعني أنه سيكون من الخطأ الأكبر التحدث معه الآن. ووافق ترامب على ذلك، الأمر الذي أسعد بولتون كثيرًا.

يضيف المؤلف في كتابه: «على الجانب الآخر، أوضحت مفاوضات المعارضة مع شخصيات النظام الرئيسية صحة وجهة نظرهم بأن الانشقاقات التي سعينا إليها بدأت في الظهور. ولم يكن التغلب على سنوات من عدم الثقة أمًرا سهلًا، لكننا حاولنا إظهار أن المعارضة وواشنطن جادين بشأن العفو وتجنب الملاحقات الجنائية على التجاوزات السابقة».

ما مدى النفوذ الذي تمتلكه كوبا في فنزويلا؟

تساءل بولتون عن مدى تأثير كوبا في فنزويلا. وقرر أن صحيفة «نيويورك تايمز» فهمت المشكلة؛ إذ نشرت قصة رئيسية في 17 مارس (آذار) تروي كيف استُخدِمت «المساعدات الطبية» الكوبية لدعم مادورو بين فقراء فنزويلا، وحُرِم من الدعم أولئك الذين لا يرغبون في تنفيذ أوامر مادورو.

كما أظهر المقال مدى اختراق كوبا لنظام مادورو ومدى سوء الظروف في فنزويلا. وبالإضافة إلى ذلك، وصف جنرال فنزويلي كبير انشق إلى كولومبيا، مدى الفساد داخل النظام الصحي للبلاد، مضيفًا المزيد من الأدلة على الفساد داخل النظام.

كما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالًا بعد ذلك بوقت قصير يوضح بالتفصيل فقدان مادورو للدعم بين فقراء فنزويلا، وهو أمر كنا نعتقده منذ بداية التمرد في يناير.

ملاحظة ترامب: «لا ترتدي خاتم زواج وتبدو أصغر من عمرها الحقيقي»

ولفت بولتون إلى أنه في 27 مارس، وصلت زوجة جوايدو، فابيانا روزاليس، إلى البيت الأبيض للقاء بنس في غرفة روزفلت، ومن ثم استقبل ترامب فابيانا روزاليس والآخرين بحرارة.

واستمع الجميع إلى فابيانا وهي تصف مدى سوء الأمور في فنزويلا. وكانت النتيجة غير المتوقعة تمامًا للاجتماع هي ما خلص إليه ترامب، بأن فابيانا لا ترتدي خاتم الزواج، وتبدو أصغر من سنها الحقيقي.

العقبة الرئيسية في طريق «تحرير فنزويلا»: الوجود الكوبي والدعم الروسي

أوضح بولتون أنه على مدى الأشهر القليلة التي تلت ذلك، تدهور الاقتصاد الفنزويلي، وأخبره رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد زيارته لفنزويلا، أنه لم ير المستشفيات في مثل هذه الحالة منذ رحلته الأخيرة إلى كوريا الشمالية.

واستؤنفت المفاوضات بين المعارضة وشخصيات النظام الرئيسية. وكافحت المعارضة لإيجاد استراتيجية جديدة بعد فشل 30 أبريل (نيسان).

يرى المؤلف أن ما يقف الآن عقبة رئيسية في طريق «تحرير فنزويلا» هو: الوجود الكوبي، مدعومًا بالموارد المالية الروسية.

وإذا غادرت كوبا الشبكات العسكرية والاستخباراتية البلاد؛ فسيكون نظام مادورو في حالة خطيرة وربما محطمة، والجميع يفهم هذه الحقيقة، وخاصة مادورو.

وارتكبت المعارضة عديمة الخبرة بعض الأخطاء التكتيكية، ومع ذلك يصر بولتون على ضرورة ألا تتراجع الولايات المتحدة. ويقول: كل الفضل لأولئك الذين خاطروا بحياتهم في فنزويلا لتحرير مواطنيهم، والعار على الذين ظنوا بهم سوءًا، وستكون فنزويلا حرة.
10. هزيم الرعد القادم من الصين
يتوقع بولتون في مستهل الفصل العاشر من كتابه أن «العلاقة الاقتصادية والجيوسياسية بين أمريكا والصين ستحدد شكل العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين»، ويلفت إلى أن قرار دينج شياو بين بتحويل الاقتصاد الصيني من الشيوعية التقليدية عام 1978، وقرار أمريكا الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية في 1979، كانا نقطة تحول في العلاقة بين البلدين.

التنين الصيني: الاقتصاد في خدمة المصالح السياسية والعسكرية

بحسب بولتون، كان المأمول من الصين أن تتخذ خطوات نحو الانفتاح والتعاون الاقتصادي، وأن تحقق مستوى جيدًا من الديمقراطية، ولكن ما فعلته كان على النقيض تمامًا، فبعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، سرقت الملكية الفكرية لبعض المنتجات التكنولوجية، ومارست التمييز ضد المستثمرين الأجانب، وتورطت في ممارسات فاسدة، وانتهجت دبلوماسية «فخ الديون» تحت ستار مشروعات على غرار مبادرة «حزام واحد – طريق واحد» واستمرت على استبدادها في إدارة الاقتصاد.

سعت الصين أيضًا لتحقيق فوائد سياسية وعسكرية من الاقتصاد، من خلال شركات هي في الحقيقة أدوات للجيش والمخابرات الصينية، وبانخراطها أيضًا في حرب سيبرانية عنيفة استهدفت مصالح أجنبية خاصة، بل أسرار حكومات أيضًا، حسبما ورد في الكتاب.

وعلى الجانب الآخر، كانت قدرة الجيش الصيني تتنامى؛ إذ أصبح يمتلك أكثر برامج الحرب السيبرانية قوة، وبنى «بحرية المياه الزرقاء» (للعمل دوليًّا عبر المياه العميقة للمحيطات المفتوحة) لأول مرة منذ خمسمائة سنة، وزاد ترسانته من الأسلحة النووية والرؤوس الباليستية وغيرها، وهو التحوُّل الذي يعدُّه المؤلف تهديدًا لمصالح أمريكا الاستراتيجية ومصالح أصدقائها وحلفائها حول العالم.

ترامب يخطب ود الصين ويخلط بين الشخصي والرئاسي

تطرق الكتاب إلى شركة الاتصالات الصينية «ZTE» التي ارتكبت مخالفات كبرى بشأن العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية، ونجحت المحكمة بإدانتها، ثم سمحت لها بالعمل تحت الرقابة الجنائية التي كشفت عن خروقات هائلة وحظرتها لاحقًا في الأسواق الأمريكية.

ثم بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الصيني تعهد فيه برفع العقوبات عن الشركة، نشر ترامب تغريدة تؤكد عودة الشركة للعمل؛ لأن ملايين الوظائف فُقدت في الصين بسبب العقوبات. وهنا يتساءل بولتون: منذ متى بدأنا نقلق بشأن الوظائف في الصين؟ ليضيف: لم يستطع ترامب التمييز بين مصلحته الشخصية والشأن الرئاسي.

وأثناء اللقاء الذي جمع الرئيسين في بوينس أيرس، طلب ترامب من جينبينج زيادة المشتريات من المحاصيل الزراعية الأمريكية (للحصول على أصوات الولايات الزراعية)، ووعد بتقليل التعريفة الجمركية في مقابل ذلك.

ويؤكد بولتون أن ترامب لم يرغب في إدانة الصين على أية خروقات، وإن كانت بحجم قضية شركة هواوي، أو تظاهرات هونج كونج، أو العنف ضد الإيجور؛ كي لا يعوق ذلك مسار المفاوضات التجارية بين البلدين.

جائحة كورونا.. آخر الأعاصير القادمة من الصين

يرى بولتون أن هذه الجائحة ستبقى قيد الدراسة على مدى سنوات قادمة، «ولكن بصمات النظام الاستبدادي الصيني بادية عليها، فهناك شكوك حول تأخير الصين الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالفيروس، بل فبركتها كذلك؛ ما أعاق جهود منظمة الصحة العالمية في الحصول على معلومات دقيقة».

وبالنسبة لترامب، ولكون الانتخابات الرئاسية ستُجرى هذا العام، فإدارته للجائحة ستكون عاملًا مؤثرًا في نتيجة الانتخابات. وهناك العديد من الانتقادات التي وُجهت بالفعل لإدارة ترامب، سواء في إدارتها للأزمة، أو التصريحات الأولية التي صدرت عنها، والتي تحدثت عن احتواء الفيروس ومحدودية الأثر الاقتصادي.

في هذا الصدد، يخلُص بولتون إلى استنتاجين رئيسيين:

الأول: هو ضرورة أن نفعل ما بوسعنا للتأكد من أن الصين لا تمارس أسلوب «الكذبة الكبرى» (اختلاق كذبة وترديدها حتى يصدقها الناس)، وأن نقول الحقيقة كاملة حول سلوك الصين، «الأمر الذي تردد ترامب في عمله»، وإلا سنواجه جميعًا عواقب كثيرة في المستقبل.

الثاني: بعد أن رأينا الأثر الكارثي لهذا الفيروس، علينا أن نتعامل مع الأسلحة البيولوجية والكيماوية بالقدر ذاته من الحذر الذي نتعامل به مع الأسلحة النووية. في الواقع، فإن الدمج بين إدارة الأمن البيولوجي والإدارة المسؤولة عن الأسلحة من شأنه أن يزيد اليقظة تجاه التهديدات البيولوجية على الشعب الأمريكي.

11. ترامب يتجه نحو كوريا الشمالية مجددًا
أكثر من ستة أشهر مرت منذ قمة سنغافورة ولم يحدُث تقدُّم يستحق الذكر، وبعدما وضعت انتخابات الكونجرس 2018 أوزارها، كان الترتيب لقمة أخرى بين ترامب وكيم لا مفر منه، وهو الأمر الذي أعرب بولتون عن إحباطه منه في مستهل الفصل الحادي عشر من كتابه.

تحدَّث المؤلف بسخرية عن اجتماعه مع كيم جونج تشول، الأخ الأكبر لكيم جونج أون، في المكتب البيضاوي لمدة 90 دقيقة، وأشار إلى أنه كان أسوأ من العملية الجراحية التي كان مقررًا مسبقًا أن يجريها في تلك الفترة، لكنه كان ضروريًّا للتمهيد لقمة هانوي، التي كان سعيدًا أنها مرَّت دون وقوع كارثة أو تقديم تنازلات.

سياسة ترامب مع كيم: «تخلى عن الفتاة قبل أن تتخلى عنك»

​​كان ترامب يتوقع ثلاث نتائج محتملة من هذه القمة: صفقة كبيرة، أو صفقة صغيرة، أو «سأغادر». لكنه رفض على الفور «الصفقة الصغيرة»؛ لأنها ستعني إضعاف العقوبات، واستبعد «الصفقة الكبيرة»؛ لأن كيم غير مستعد لاتخاذ قرار استراتيجي بالتخلي عن الأسلحة النووية. أما فكرة «سأغادر» فتكررت مرارًا، مما يعني أن ترامب كان مستعدًا لهذا السيناريو أو ربما يفضله، انطلاقًا من قناعته بضرورة «التخلي عن الفتاة قبل أن تتخلى عنك».

في ذلك الحين، عرض كيم أن تتخلى كوريا الشمالية عن منشآتها النووية في يونجبيون، في مقابل إلغاء جميع عقوبات مجلس الأمن للأمم المتحدة المفروضة بعد عام 2016، حسبما ذكر بومبيو. لكن بولتون رأى أنها مجرد حيلة؛ تمنح بيونج يانج طوق النجاة الذي تحتاجه بشدة، بينما لا تعطي الأمريكيين شيئًا يُذكَر، بالنظر إلى العديد من المنشآت النووية الأخرى التي تمتلكها كوريا الشمالية.
كيم يعزف على وتر مشاعر ترامب

أوفى ترامب بوعده، وأثار مع كيم قضية المختطفين اليابانيين. لكن فيما يتعلق بجوهر المحادثات يلفت بولتون مرة أخرى إلى أن الرئيس ربما يتحرك في الاتجاه الصحيح، ثم لأدنى سبب تتحوُّل مواقفه إلى النقيض تمامًا 180 درجة. ويصف كيف كان مهتمًّا – في خضم لقائه مع زعيم كوريا الشمالية – بتغطية «فوكس نيوز» لشهادة محاميه السابق، مايكل كوهين، أمام الكونجرس.

كان كيم غاضبًا ومحبطًا للغاية لأن ترامب لم يمنحه ما يريده، فيما كان الرئيس الأمريكي مرهقًا وغاضبًا ومحبطًا لعدم التوصل إلى صفقة مُرضية. ومرة أخرى، يذكر بولتون أن كل ما يأبه له ترامب هو: التداعيات السياسية، ويشير إلى أن اهتمامه كان مسلطًا دائمًا على صندوق الاقتراع.

أكد كيم أنه لا يرغب في أي شيء يمكن أن يضر بنظيره الأمريكي سياسيًّا، لكن بولتون يستدرك على ذلك قائلًا: «كان كيم يعزف بذكاء على وتر مشاعر ترامب، وكنتُ قلقًا من أن يُحرِز نجاحًا».

لماذا نفرض عقوبات على بلد يبعد عنا 7 آلاف ميل؟

سأل ترامب بولتون: بأي منطق يمكننا أن «نفرض عقوبات على اقتصاد بلد يبعد 7 آلاف ميل»، فأجابه: «لأنهم يصنعون أسلحة نووية وصواريخ يمكن أن تقتل الأمريكيين». فوافقه الرئيس قائلًا: «إنها نقطة وجيهة». ثم توجها إلى حيث يوجد بومبيو، وأخبره ترامب عما دار بينه وبين بولتون، فكان رده بالإيجاب: «بالطبع، يا سيدي».

لكن بعدما وضعت تلك الجولة أوزارها، خلُصَ بولتون إلى أن ترامب يتبع النهج الفاشل ذاته الذي اتبعته الإدارات الثلاثة السابقة، وكان محكومًا عليه أن يصل إلى النتيجة الفاشلة نفسها، مستشهدًا ببعض تغريدات الرئيس المفاجئة التي كانت تصيبهم بـالإحباط، وقناعته الدائمة – حتى في هذا السياق – بأن حلفاء واشنطن لم يدفعوا بما يكفي. لم يكن الرئيس الأمريكي يريد فقط الاكتفاء بتقاسم الأعباء، بل الخروج رابحًا من هذه النقاشات.

مستقبل التعامل مع ملف كوريا الشمالية

يتوقع المؤلف أن تبقى كوريا الشمالية محور تركيز البيت الأبيض خلال الحملة الانتخابية 2020، لكن ما لا يمكن التنبؤ به هو موقف كيم؛ هل سيستغل الظروف التي تمر بها الولايات المتحدة في عام الانتخابات، ويغري ترامب بعقد «صفقة سيئة»؟ ليكرر بذلك أخطاء سلفه؟ أم أنه سيستبعد إمكانية التوصل إلى صفقة مع ترامب، وبالتالي سيختار الانتظار حتى يصعد رئيس ديمقراطي أكثر مرونة، يتمتع بخبرة أقل في السياسة الخارجية؟

أيًّا كانت الإجابة، يؤكد بولتون في ختام هذا الفصل أن كوريا الشمالية لن تتوقف عن السعي لامتلاك قدرات نووية كاملة، وهو الموقف الحرج الذي كان بمقدور واشنطن تجنبه، فقط لو قررت التصرُّف بحزم مبكرًا، معربًا عن أمله في أن تتاح الفرصة لوقف الكارثة قبل وقوعها.

12. هكذا ضلَّ ترامب الطريق.. ثم تملَّكه الخوف
كلما تحوَّل انتباه الولايات المتحدة عن إيران، وتراجعت على خارطة اهتمام ترامب خاصة؛ كان بولتون يعلم أن سلوكيات طهران نفسها ستساعدهم على إعادتها إلى قمة جدول أعمال الرئيس، ولم تُخَيِّب الجمهورية الإسلامية ظنَّه، كما يشير في مستهل الفصل الثاني عشر من كتابه.

لم يكن ذلك فقط بسبب الأسلحة النووية الإيرانية، ولا برامج الصواريخ الباليستية، ولكن لدورها المستمر بصفتها «المصرف المركزي العالمي للإرهاب»، ووجودها العسكري العدواني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، على حد وصف بولتون.

تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.. مؤيدون وخائفون

كان بولتون يؤيِّد تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، ووافقه على ذلك ترامب وبومبيو، لكن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، كان يخشى من العواقب واسعة النطاق التي قد تترتب على ذلك، وساعدته البيروقراطية الحكومية في عرقلة هذه الخطوة. وكان أن انتهى الأمر بالإدارة الأمريكية في نهاية المطاف إلى تطبيق سياسة «الضغط الأقصى» على إيران.
كان منوشين يخشى أن يؤدي الإفراط في استخدام سلاح العقوبات إلى إبطال سحر هذه الأداة، أو يرفع أسعار النفط عالميًّا حال تشديد العقوبات النفطية ضد إيران (أو فنزويلا)، أو حتى يقوِّض هيمنة الدولار على النظام النقدي الدولي، ويشجع الآخرين، مثل روسيا والصين، على إبرام تعاملاتهم المالية باليورو، أو التجارة التبادلية (مقايضة المنتجات أو الخدمات بمثلها دون الحاجة إلى دفع أموال)، وغيرها من الأساليب الالتفافيَّة على العقوبات الأمريكية.

لكن بولتون كان يخالف منوشين في تقدير المخاوف الاقتصادية، وعلى الرغم من اعترافه بالخطر النظري المحدق بالدولار عالميًّا، كان يعتقد أن هذا الخطر قائم بالفعل، بغض النظر عن آثار العقوبات الأمريكية. وكان يخالف وزير الخزانة أيضًا في تقدير المخاوف العسكرية، مستدلًّا على طرحه بفعالية العقوبات التي طبقتها إدارة بوش على نظام صدام حسين، وإن اعترف بأن ذلك وحده لم يكن كافيًا.

«ليت السيوف الاقتصادية الأمريكية كانت أكثر حدة»

ليس بولتون وحده مَن كان يتبنى هذا الرأي، بل كان وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، أيضًا يعتقد ذلك، إذ قال – في سياق فنزويلا – إن «منوشين كان في كثير من الأحيان معنيًّا بحماية الشركات الأمريكية التي تنام مع العدو أكثر من اهتمامه بإنجاز المهمة التي كنا نحاول إنجازها».

يعلِّق مؤلف الكتاب على ذلك قائلًا: «إذا كانت السيوف الاقتصادية الأمريكية أكثر حدة في عهد ترامب؛ لكنا أنجزنا أكثر من ذلك بكثير».

لكن حجج منوشين وجدت آذانًا مصغية في البيت الأبيض، خاصة وأن ترامب كان يعتقد دائمًا بأن حلفاء واشنطن لم يفعلوا ما يكفي في هذا الصدد، وهو الرأي الذي يؤيده بولتون، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني؛ إذ عكفت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة على إنقاذ الاتفاق النووي، بدلًا من الضغط على ملالي إيران.

نتنياهو وابن سلمان وبولتون كانوا يحاولون إطاحة النظام الإيراني

بموازاة ذلك، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبولتون يحاولون إطاحة النظام الإيراني، بينما كانت طهران تستعد لشن حملة كبرى ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، واستهدفت سفارة أمريكا في بغداد، وشنت بالفعل هجمات استهدفت ناقلات ومنشآت نفط خليجية.

وبعد انتقاد نهج الخارجية الأمريكية في تقديم التنازلات، قدم بولتون في كتابه نصيحة للإدارة الأمريكية القادمة بإصلاح نهج منوشين على الفور، حتى يدرك الجميع أن العقوبات الاقتصادية سلاح فعال، وليس أداة تشعر واشنطن بالذنب كلما لجأت إليها.

على خريطة أولويات الأمن القومي الأمريكي.. أين يقع التهديد الإيراني؟

استراتيجية الأمن القومي الأمريكية كانت تدرج الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، وإيران بالترتيب تحت تصنيف: تهديدات رئيسية، وهذا يعني في رأي وزير الدفاع، جيمس ماتيس، أن إيران كانت تشكِّل تهديدًا من «المستوى الرابع»، وبذلك لا تستحق ضمنيًّا هذا القدر الكبير من الاهتمام.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية صيغت قبل انضمام بولتون إلى الإدارة، كان دائمًا يفسِّر محتواها بأن هذه البلدان الأربعة، مجتمعة وليس بالترتيب، تمثل «المستوى الأول» من التهديد. وضمن هذا «المستوى الأول»، ربما تكون إيران في المركز الرابع، ولكن ذلك فقط لأن واضعي الاستراتيجية لا يعتقدون أنها تمتلك أسلحة نووية.

قفزات ترامب المفاجئة من الاتفاق الدبلوماسي إلى الحرب الشاملة

ولذلك جادل بولتون بأن السياسة الأمريكية إذا كانت تهدف إلى منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، فإن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر.

ويردف المؤلف: كان عدد كبير من المحيطين بترامب يريدون خوض الحرب عاجلًا، لكن ذلك لم يكن يحدث أبدًا بسبب الرئيس الذي كان يقفز في غضون ثوانٍ من فكرة التوصل إلى اتفاقٍ، إلى تبني الحرب الشاملة.

ويضيف محذرًا: لمدة 25 سنة، كان الناس غير مستعدين لفعل ما هو ضروري لوقف كوريا الشمالية من أن تصبح دولة حائزة للأسلحة النووية، وهو ما قادنا إلى مواجهة كوريا الشمالية التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية الآن، ولتجنب تكرار هذه النتيجة مع إيران، كان علينا أن نكثِّف الضغط اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا.

شرط ترامب لضرب إيران: أن يسدد العرب الفاتورة

لكن ترامب لم يوافق على منح تفويض مطلق للخيارات العسكرية، واشترط أن يسدد الحلفاء العرب فاتورة أي عمليات تقوم بها بلاده، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة كان ينبغي أن تستحوذ على نفط العراق بعد غزوه في عام 2003، كما ينبغي أن تحصل على نفط فنزويلا بعد إطاحة الرئيس نيكولاس مادورو.
حين تطرَّق الحديث إلى القوات الأمريكية المتبقية في العراق، تساءل ترامب: «لماذا لا نخرجهم؟ ألم نتخلص من داعش في سوريا». يقول بولتون: ما سمعته بعد ذلك كان صادمًا، لكني أتذكر بوضوح أنني سمعته يقول: «أنا لا أبالي إذا عاد داعش إلى العراق».

قلق خليجي من الضعف الأمريكي تجاه إيران

كان الإماراتيون قلقين للغاية من عدم رد أمريكا على الاستفزازات الإيرانية، وزيادة تدفق الصواريخ والطائرات بدون طيار إلى الحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق، ومساعدة إيران لطالبان وداعش في أفغانستان.

ورغم طمأنات بولتون، كان ولي عهد أبو ظبي وأمراء الخليج مقتنعين بضعف ترامب، بينما كان الإيرانيون مقتنعين بعدم جديته. يقول بولتون معلقًا على تلك الأجواء: «بينما كانت طهران تواصل سعيها للحصول على الأسلحة النووية، كنا نحن جالسين نشاهد العشب وهو ينمو (في حضرة الملل)».

لماذا فكَّر بولتون في الاستقالة عدة مرات؟

حين سأل ترامب بولتون مرة عن رأيه في بيانٍ يفكر في كتابته على تويتر، قبيل مكالمة هاتفية كانت مقررة مع محمد بن سلمان، لم يعترض مستشار الأمن القومي، وقال في نفسه: «علام الاعتراض؟ لقد سارت الأمور على نحوٍ خاطئ تمامًا من قبل، فكيف يمكن لبعض التغريدات أن تجعل الأمر أسوأ؟».

ومع تردُّد ترامب في اتخاذ موقفٍ حاسم، وتارة رغبته في الذهاب عسكريًّا إلى أبعد مما يقترحه ناصحوه، يقول بولتون إنه فكر في الاستقالة عدة مرات، قائلّا لنفسه: إذا كانت هذه هي الطريقة التي سنتخذ بها القرارات في أوقات الأزمات، فما الفائدة المرجوة من بقائي؟

13. من مكافحة الإرهاب في أفغانستان إلى مفاوضات كامب ديفيد الملغاة
يستهل جون بولتون الفصل الثالث عشر بسرد الأهداف الذي كان يود – ومعه أبرز مستشاري ترامب – إنجازها في أفغانستان:

أولها: منع عودة داعش والقاعدة، ووقف هجماتهم الإرهابية ضد أمريكا.

وثانيها: مراقبة برامج الأسلحة النووية في إيران غربًا وفي باكستان شرقًا.

لكنه يستطرد قائلًا: «إلا أن الجزء الأصعب كان يتمثل في أن نجعل ترامب يوافق، ثم يلتزم بقراره».

جلسة إحاطة لشرح مهمة البنتاجون في أفغانستان

كان من المقرر عقد جلسة إحاطة لعرض المعلومات يوم 15 مارس (آذار) بحضور كلٍّ من وزير الدفاع بالإنابة آنذاك باتريك شاناهان، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دنفورد.

تحدث بولتون إلى ترامب ليوضح له أن الجلسة ستتضمن شرح البنتاجون للمهمة العسكرية في أفغانستان؛ استنادًا إلى تعليماته بتقليص الوجود الأمريكي، فسأله الرئيس: «ألن يضر ذلك بالمفاوضات؟» فأجابه بولتون بالنفي.

وخلال الجلسة، تساءل ترامب «كيف تسير المفاوضات؟» فأجاب دنفورد: «إن استراتيجيتنا الحالية تحد من العنف؛ ما يعني أنه يمكننا أن ننجز مهمتنا المتواصلة في مكافحة الإرهاب والمهام الأخرى عمليًّا بموارد أقل».
الأهداف التفاوضية لوزارة الخارجية الأمريكية في أفغانستان

يقول بولتون في كتابه: «إن أكثر ما أثار قلقي هو أن الأهداف التفاوضية لوزارة الخارجية، كانت بمعزل تام عما حددتُه سلفًا بشأن أهدافنا من المفاوضات». لذلك، اتصل بولتون بترامب وأخبره بأن الأمر يعود إليه لتقرير ما إذا كان سيسمح للمبعوث الأمريكي في أفغانستان خليل زاده، ووزارة الخارجية، بأن يتصرفوا باستقلالية تامة في المفاوضات، لكن مستشار الأمن القومي كان يخشى أن ما يريده ترامب ينطوي على خطر.

أشار ترامب إلى خليل زاده قائلًا: «لا أعرف حتى من هو، افعل ما تراه أفضل». ثم التقى بولتون في ذلك الصباح نفسه بخليل زاده الذي أخبره بأن بومبيو أمره بعدم التواصل معه (بولتون)؛ لأنه كان يقوِّض صورة بومبيو لدى ترامب. وهو ما دفع بولتون إلى التساؤل عما إذا كان الدافع الحقيقي لبومبيو هو أن يُنسَب إليه الفضل في أفغانستان.

الصحافيون في نظر ترامب.. «حثالة ينبغي إعدامهم»

في أحد الاجتماعات طرح ترامب عدة أسئلة بشأن الصفقة، لاسيما بند تبادل السجناء والرهائن بين طالبان والحكومة الأفغانية (البند الذي كان يصب في مصلحة طالبان أكثر، وفق المؤلف)، وهذا ما لم يعجب ترامب على الإطلاق.

وخلال المناقشة أكد ترامب «أفضِّل ألا نعقد اتفاقية على أن نبرم اتفاقية سيئة فهي أسوأ من مجرد الانسحاب من المفاوضات»، لكنه سرعان ما حوَّل حديثه إلى الشكوى من التسريبات بعد تغطية «سي إن إن» لهذا الاجتماع في وقت سابق.

قال الرئيس: «إن هؤلاء ينبغي إعدامهم؛ فهم مجرد حثالة»، مضيفًا: «يجب أن تعتقل وزارة العدل هؤلاء الصحافيين، وتجبرهم على الكشف عن مصادرهم، وعندها ستتوقف التسريبات».

لا وجود لاستراتيجية عسكرية مدروسة جيدًا في إدارة ترامب

كان ترامب على ما يبدو قرر الموافقة على صفقة بومبيو وخليل زاده. وأشار بولتون إلى ما قاله ترامب: «دعونا نعقد اتفاقية كبيرة ورائعة، فإذا ما قاموا بأمر سيئ (يعني إذا خرقت طالبان الاتفاق) سنفجر بلدهم اللعين إلى مليون قطعة».

يعلق بولتون في كتابه على هذا الموقف قائلًا: هذا ببساطة تحليل نموذجي لسلوك ترامب، ولا يرقى إلى مستوى الاستراتيجية العسكرية المدروسة جيدًا.

هكذا ألغى ترامب المفاوضات مع طالبان في كامب ديفيد

مساء 7 سبتمبر، وبعد وقوع تفجير انتحاري في أفغانستان، لم يتمكن ترامب من كبح جماحه؛ إذ غرَّد معلنًا إلغاء المفاوضات مع طالبان والرئيس الأفغاني، والتي كان من المقرر عقد اجتماع سري بشأنها في كامب ديفيد، قائلًا: «ليس معروفًا للجميع أن قادة طالبان والرئيس الأفغاني كانوا سيلتقون بي سرًّا، كلًّا بمفرده في كامب ديفيد يوم الأحد. وكانوا في طريقهم إلى الولايات المتحدة هذا المساء، لكنني ألغيت الاجتماع على الفور بعد إعلانهم المسؤولية عن الهجوم الذي وقع في كابل، وأسفر عن مقتل أحد جنودنا البواسل و11 آخرين».

وأضاف ترامب: «أي نوع من الناس يقتلون هذا العدد من الأشخاص من أجل تعزيز موقفهم التفاوضي؟ لكنهم جعلوا الأمور أسوأ. إن لم يكن بمقدورهم قبول وقف إطلاق النار خلال مفاوضات السلام فهم على الأرجح لا يملكون وسائل التفاوض للتوصل لاتفاقية ذات مغزى».

مخاطر الاتفاق مع طالبان بعيون بولتون

استأنف ترامب المحادثات مع طالبان بعد استقالة بولتون، وُوقعت الاتفاقية، يوم السبت 29 فبراير 2020. وكتب بولتون على تويتر ذلك الصباح: «إن توقيع هذه الاتفاقية مع طالبان يُمثل خطرًا غير مقبول على مواطني أمريكا».

ويختتم مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون الفصل الثالث عشر من كتابه قائلًا: «إن آثار الصفقة لن تتجلى إلا بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض، والتي يتحملها ترامب كاملة، وسيكون مسؤولًا عن عواقبها سواء السياسية أو العسكرية».

14. نهاية القصيدة
يقول بولتون في مستهل الفصل الرابع عشر إنه طوال فترة عمله في الجناح الغربي بالبيت الأبيض أراد ترامب أن يفعل ما يريد، استنادًا إلى ما يعرفه وما يرى أنه مصلحته الشخصية، وكانت أوكرانيا أفضل مثال على ذلك.

ويشير المؤلف إلى أن حادث احتجاز روسيا لعدد من السفن الأوكرانية في مضيق كيرش بشبه جزيرة القرم، دفع ترامب لأن يروي واحدة من قصصه المفضلة، والتي تتعلق بأول مكالمة له مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما سألته: ما الذي سيفعله بشأن أوكرانيا، فكان رده أن سألها بدوره: ما الذي تنوي هي أن تفعله بشأن أوكرانيا؟

حينذاك طلب الأمريكيون من الروس الإفراج عن السفن الأوكرانية؛ حتى يتسنى لترامب أن يعقد اجتماعًا ثنائيًّا مع بوتين في بوينس أيرس على هامش قمة العشرين، ولكن الروس رفضوا وقالوا: إن البحارة ستوجه إليهم اتهامات جنائية.

ترامب: «أوكرانيا حاولت إطاحتي.. ولست مهتمًّا بمساعدتهم»

ويكشف بولتون عن أن محامي ترامب، رودي جولياني، هو من أدخل في ذهنه أن سفيرة الولايات المتحدة في كييف، ماري يوفانوفيتش، هي من تحمي هيلاري كلينتون، التي كانت حملتها موضع تحقيقات في أوكرانيا، وهو ما دفع ترامب إلى حمل بومبيو وزير الخارجية على فصلها.

يقول بولتون إن ترامب استدعاه إلى مكتبه، وهناك وجد جولياني الذي كان يرغب في الالتقاء بالرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي ليناقش معه تحقيقات بلاده بشأن جهود هيلاري كلينتون للتأثير في حملة 2016، أو أي شيء له علاقة بهانتر بايدن وانتخابات عام 2020.

ويعتقد بولتون أن ترامب كان يؤمن بأن أوكرانيا كانت بالفعل مسؤولة عن جهود موسكو في قرصنة الانتخابات الأمريكية؛ وهذا معناه أننا لا يجب أن نساعد أوكرانيا حتى لو ساعدتنا في وقف المزيد من التقدم الروسي هناك. وقال ترامب: «أوكرانيا حاولت إطاحتي.. ولست مهتمًّا بمساعدتهم».

تطرق بولتون في هذا الفصل أيضًا إلى مكالمة ترامب التي أدت إلى محاكمته في الكونجرس، ويقول إن المكالمة التي استمع إليها، والتي دوَّنها الموظفون في مجلس الأمن، ليست «نصًّا» مثل ذلك الذي يكتبه موظف في المحكمة. وحين اجتمع بولتون مع المستشار القانوني لمجلس الأمن القومي، جون إيزنبرج، لمناقشة كيفية تسجيل هذه المكالمات، قررا ترك الأمور كما هي.

ترامب يستجدي المساعدة من الخارج للفوز بالانتخابات

في عام 1992، عندما طلب مساعدو بوش الأب منه أن يطلب من الحكومات الأجنبية مساعدته في حملته المتداعية ضد بيل كلينتون، رفض بوش وجيمس بيكر في الحال، ولكن ترامب فعل العكس من ذلك تمامًا، حسبما ورد في الكتاب.

يقول بولتون إنهم كان بمقدورهم أن يواجهوا ترامب، ليفنِّدوا مزاعم جولياني والدفع بأنه من غير المسموح به رهن مصالح السلطات الأمريكية لمكاسب سياسية شخصية. ولكنه يعرف أنهم كانوا سيفشلون في مسعاهم، وربما أسفر الأمر عن ترك مواقع خالية أكثر في البيت الأبيض.

وأصر ترامب على عدم الإفراج عن المعونة الأمنية لأوكرانيا، إلى أن يقدموا كل مواد التحقيق الروسي المرتبطة بهيلاري كلينتون وبايدن. غير أن زيلينسكي لم يكن مهتمًّا بأن يكون طرفًا في السياسات الأمريكية، رغم أنه كان سعيدًا بأن يحقق فيما حدث في عام 2016، قبل مجيئه إلى السلطة.

وفي مرحلة ما، بدأت الصحافة تتشمم الصلة بين حجب المساعدة العسكرية لأوكرانيا وانشغال ترامب بانتخابات عام 2016 و2020، وعندئذ أفرج ترامب عن المساعدة العسكرية لأوكرانيا في توقيت مقارب لإفراج الروس عن البحارة والسفن الأوكرانية.

آخر محادثة بين بولتون وترامب قبل الاستقالة

يختتم بولتون الفصل برواية استقالته؛ إذ استدعاه ترامب يوم 9 سبتمبر إلى المكتب البيضاوي ليشكو من تغطية الصحافة بشأن أفغانستان وإلغاء اجتماع كامب ديفيد مع طالبان، وقال له: «الكثير من الناس لا يحبونك. يقولون إنك تسرب المعلومات، ولست عضوًا في الفريق».

رد بولتون بأنه كان هدفًا لحملة من التسريبات السلبية، خلال الأشهر الأخيرة، ودعاه إلى قراءة الموضوعات الإيجابية عنه في «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست» وصحف أخرى توضح من يقوم بالتسريبات.

ثم أشار له ترامب بإصبعه، وقال له «أنت لديك طائرتك»، وهو ما دعاه إلى توضيح أنه يسافر على طائرات عسكرية في كل رحلاته الرسمية، وهي السياسة نفسها التي تحكم من سبقوه في المنصب.

ثم اتهمه ترامب بأنه أعاد كل موظفي مجلس الأمن القومي إلى مواقعهم، وبينهم عدد كبير من «الدولة العميقة». وعندئذ نهض بولتون واقفًا، وقال له «إذا أردت أن أغادر، فسوف أغادر». فقال له ترامب «دعنا نتحدث عن ذلك في الصباح».

ويقول بولتون إن هذه كانت آخر محادثة له مع ترامب، وبعدها قدم خطاب استقالته إلى مساعدته كريستين صاموليان، والذي كان قد كتبه منذ عدة أشهر، لتطبعه على خطاب يحمل ترويسة البيت الأبيض، وبدأ الاستعداد للاستقالة في اليوم التالي.

في اليوم التالي، جاء إلى مكتبه في ساعات العمل المعتادة، وطلب من كريستين أن تأخذ الخطاب إلى بنس وعدد من مسؤولي البيت الأبيض في الساعة 11:30. ولكن ترامب غرَّد في حوالي الساعة 11:50 لكي يعلن هو النبأ أولًا، إلا أن بولتون كان قانعًا بمواجهة التغريدة بالحقائق.

15. التركيز على أوكرانيا أضعف جهود عزل ترامب
يبدأ بولتون الفصل الخامس عشر والأخير من كتابه بالإشارة إلى أن استقالته من منصب مستشار الأمن القومي في 10 سبتمبر 2019 سبقت ملحمة عزل ترامب، التي ينأى بنفسه عن تفاصيلها، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن سلوك ترامب ذا الصلة بالاتهامات الموجهة ضده كان مقلقًا للغاية، وفي المقابل يتهم وسائل الإعلام بالتحيُّز في تغطيتها وفقًا لأجندات خاصة.

ويؤكد بولتون أنه «لا يجوز للرئيس أن يسيء استخدام السلطات الشرعية الممنوحة للحكومة الوطنية من خلال جعل مصلحته الشخصية مرادفًا للمصلحة الوطنية، أو باختلاق الذرائع لإخفاء سعيه وراء تحقيق مصلحة شخصية تحت ستار المصلحة الوطنية».

ولو لم ينحصر تركيز مجلس النواب على الجوانب الأوكرانية المتعلقة بمصالح ترامب، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، واهتم بدلًا من ذلك بالنمط الأوسع لسلوك ترامب – بما في ذلك حملات الضغط التي مارسها في قضايا مثل بنك خلق وشركتي «ZTE» و«هواوي» – ربما كانت هناك فرصة أكبر لإقناع آخرين بأنه ارتكب «جرائم وجنحًا كبرى»، حسبما يرجح المؤلف.

يلفت بولتون إلى أن معظم القرارات المهمة التي اتخذها ترامب خلال فترة ولايته كانت مدفوعة بحسابات إعادة الانتخاب، لكن الحزبية كانت تهيمن على معركة العزل برمتها، وكانت النتيجة أن فشلت تلك الجهود في تحقيق هدفها، ويبقى الاختبار الحقيقي الذي يواجه ترامب هو: الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لا أسرار تتعلق بالأمن القومي في هذه المذكرات

يخلُص كتاب بولتون الجديد في نهايته إلى أن العديد من قرارات الأمن القومي التي اتخذها ترامب كانت تعتمد على السياسة، أكثر من استنادها إلى فلسفة، أو استراتيجية، أو سياسة خارجية، أو مبررات دفاعية، ويستهجن محاولات ترامب لمنع نشر كتابه، وهو ما اضطره إلى إدخال بعض التعديلات، خاصة على الاقتباسات؛ كيلا يقع تحت طائلة الرئيس المتربِّص.

لكن بولتون يؤكد إجمالًا أنه ملتزم – منذ البداية – بما تعهد به من الحفاظ على أسرار الأمن القومي، خاصة وأن لديه الكثير ليقوله دون أن يضطر إلى الكشف عن تلك الأسرار. ويختم كتابه بتأكيد أنه ما يزال حتى الآن مؤيدًا لتلك الآراء التي دافع عنها من قبل، وطرحها هنا في مذكراته.

إقرأ أيضاً: واشنطن بوست: سوريا هي القصة المأساوية في كتاب بولتون

ساسة