غلاء المعيشة يهدد موسم المونة .. والسوريون يجدون حيل بديلة لحفظ الطعام
يختلفون في الكثير، ويتوحدون في “موسم المونة” الممتد من الربيع حتى الخريف، هو تقليد ملازم للشعب السوري منذ مئات السنين، ولعقود طويلة، يحفظ السوريون الطعام “المونة” عبر تخزين المواد والاحتفاظ بها لاستخدامها في غير موسمها، ويعتبر موروث أساسي توضع أصنافه على جميع الموائد، دون استثناء لأي منطقة أو طبقة، وهو موسم محبب لدى معظم النساء السوريات، ومصدر للمفاخرة بين طريقة كل منهن في الاحتفاظ بالمواد الغذائية لمدة أطول.
لكن موسم “المونة” أصبح هذا العام مصدر قلق وخوف لدى السوريين، نظراً لغلاء المعيشة وارتفاع سعر الصرف الذي وضع 90% من السوريين تحت خط الفقر، فهل تتجرأ العائلات السورية بالإقدام على موسم المونة، الذي يحتاج إلى ميزانية تساوي راتب الموظف مضروب بعشرة أضعافه، أم أنهم وكما أوجدوا طريقة للتموين والاحتفاظ بالمواد، سوف يجدون بدائل آخرى؟.
بيت المونة
نتيجة لصعوبة فصل الشتاء، وقلّة المواد الغذائية التي يكون موسمها في هذا الفصل، يلجأ السوريون في فصل الصيف منذ عقود طويلة إلى تخزين الأغذية من خضار وفواكه وبقوليات، لاستخدامها في أوقات آخرى، وبعض المحللين والخبراء يشيرون إلى ارتباط ثقافة المونة بفترات الحروب التي تعرضت لها البلاد، تحسباً لحالات الحصار ، حتى أصبحت ثقافة وموروث وتقليد لدى المرأة السورية وجزء لا يتجزأ منها، حيث كان البيت السوري قديماً يخصص غرفة للمونة، أو “سقيفة” ملحقة بالمطبخ لحفظ الأغذية،
ويبدأ موسم المونة من شهر نيسان ويستمر حتى شهر تشرين الأول، حيث يتم بداية تموين الجبنة الربيعية، وتليها الفول والبازيلاء والثوم، وفيما بعد الملوخية والبامياء، لنصل إلى المكدوس والزيتون في فصل الخريف، حتى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بقيت لمدة طويلة تسمى بوزارة التموين نظراً لوظيفتها التي تؤديها بحفظ الأغذية التجارية وتخزينها.
موسم المونة غائب
أم طارق، هي سيدة سورية من محافظة السويداء، تسترجع تاريخها مع موسم المونة منذ الصغر، وتقول لـ”وكالة أنباء آسيا”: “كنا نصنع رب البندورة في المنزل والذي يختلف شكله تماماً عما نراه حالياً في الأسواق، وكان لدينا أرض من خلال قمحها نصنع الطحين وأيضا البرغل والكشك،
بالإضافة إلى وفرة الحليب الذي كنا نصنع منه اللبنة “المزنكلة”(وهي عبارة عن كرات من اللبن المصفى توضع في زيت الزيتون داخل إناء)، وتتابع أم طارق “حتى الباذنجان كان يتم تخزينه من خلال تجفيفه ووضعه في أكياس خام لاستخدامه في فصل الشتاء، أما الآن فلم يعد هناك إلا القليل القليل الذي يعرف معنى موسم المونة، حتى المكدوس كنا نضنع ما يقارب 50 كيلو،
وبعض العائلات تصل إلى 100 كيلو، أما الآن فقد وصل سعر كيلو الجوز إلى 20.000 ألف ليرة سورية، و”تنكة زيت الزيتون” (وهي عبار عن إناء يحتوي على 16 كيلو من الزيت) أصبح سعرها 100 ألف ليرة، لا أظن أن هناك عائلة تستطيع التموين، حتى اللبنة لم نعد قادرين على صنعها فقد وصل كيلو الحليب إلى 600 ليرة سورية، اعتقد أن موسم المونة ليس في حسبان أي مواطن هذا العام”.
مفارقات حادة
يعاني المواطن السوري من مفارقات حادة وعجيبة ما بين راتبه الذي يبلغ متوسطه (70.000) ليرة ومتطلبات الحياة، فخلال هذا العام، ومع إقبال موسم المونة الذي يبدأ بجبنة الربيع والذي وصل سعر الكيلو فيها إلى 3800ليرة سوربة، بعد أن كان في العام الماضي 700 ليرة، ثم تلاه موسم الفول والبازيلاء الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار حيث بلغ الكيلو الواحد 900 ليرة أي ثلاثة أضعاف عن العام الماضي، فيما وصل سعر كيلو الثوم 5000 ليرة، وهو الذي كان في متناول الجميع فيما سبق حيث كان سعره 350 ليرة،
ليبدأ اليوم موسم الملوخية والبامياء اللتان كان لهما نصيب في الارتفاع ثلاثة أضعاف عما كانت عليه العام الماضي حيث كان سعر الكيلو لكل منهما 300 ليرة سورية، فاذا عدنا بالزمن إلى الوراء عشر سنوات، نرى أن المواطن السوري كان يتحدث بالليرات عن أسعار الأشياء، وخلال الحرب أصبح يتحدث بالمئات، أما الآن فلم يعد هناك سوى فئة الآلاف التي تتنافى مع راتبه بالمطلق.
حيل بديلة
تتحدث أم أيهم، تلك المرأة القوية وبلهجة حادة، أن المنفذ الوحيد الذي يسد احتياجات المواطن على مدار العام لم يغلق بعد، وتضيف أم أيهم من محافظة درعا لـ “وكالة أنباء آسيا”: ” لقد كان موسم المونة هو الباب الوحيد الذي نسعى لسده بالأغذية من أجل أن يقينا برد الشتاء وجوعه، لكن ومع غلاء الأسعار، لا يمكنني القول أنني أستطيع تموين كل شيء،
لكن هناك العديد من الحيل التي يمكن استخدامها للاستغناء عن المواد ذات الأسعار المرتفعة، مثلاً أصبحت استبدل الجوز للمكدوس “بفستق العبيد” ويتم جلبه من البزورية، ثمنه رخيص ووفير، أما بالنسبة للبن المصفى، يمكن الاستغناء عن الحليب البقري بالحليب البودرة، فهو موجود في المعونة يعني “ببلاش”، حتى الثوم لقد مونت منه 5 كيلو فقط، هذا العام نظراً لغلائه، لكن لكل امرأة سورية لم تستطيع تموينه، أقول لها يمكنها شراء الثوم البودرة من البزورية أيضاً يفي بالغرض”،
المونة خط أحمر
تتابع أم أيهم حديثها عن الحيل التي يمكن استخدامها للالتفاف حول الفقر قائلة: ” لقد وصل سعر كيلو الليمون هذا العام إلى 6000 ليرة، لكن أيضا هناك بديل له ألا وهو الحصرم “وهو العنب قبل نضوجه”، يفي بالغرض كالليمون وسعر الكيلو الواحد 900 ليرة، بالإضافة إلى إمكانية تموينه، حتى البازيلاء والفول أصبحت اجففها بدلا من وضعها في الثلاجة بسبب انقطاع الكهرباء المقرون بالشتاء،
شيء وحيد لن أستطيع تموينه أو إيجاد حيلة لاستبداله وهو المربى نظراً لارتفاع أسعار الفواكه والسكر الذي وصل إلى 4000 ليرة سورية، وبالطبع لا يمكنني في 2 كيلو سكر من السورية للتجارة صنع قطرميزات المربى التي تحتاج الكثير من السكر، ومع ذلك موسم المونة خط أحمر لا يمكنني تخطيه مهما حصل”.
حيل المزارعين
من جهته أوضح عضو لجنة تجار سوق الهال أسامة قزيز ، أن سبب ارتفاع سعر الثوم، هو قلة إنتاجه هذا العام بالإضافة إلى قيام المزارعين بتخزينه لبيعة في الشتاء بأسعار مرتفعة، وكذلك الحال بالنسبة للفول والبازلاء، حيث يقوم الفلاحون بتجفيفه، لبيعه إلى البزوريات التي تتداوله وتبيعه بشكل يابس.
اقرأ ايضاً: الأونصة المحلية تجاوزت 4 ملايين ليرة.. الصاغة والسوق السوداء ذهبت إلى غير رجعة
مع بداية موسم المونة والذي ما زال في أوجه، يبقى السوريون في قلق دائم مما هو قادم من أسعار أخرى تناطح السحاب، وكأن الحياة تعلمهم أن يتوقعوا ما يكرهوا ويخشوا من المصدر نفسه الذي يتوقعون منه ما يحبون ويرجون، لكن أم أيهم وحيلها ما زالت تؤكد أن السوريون لم يفقدوا الوسيلة، وأن ورقة التوت الأخيرة لم تسقط بعد.
للمزيد تابعوا صفحتنا على فيسبوك شام تايمزshamtimes.net