روسيا تدعو لتشكيل حلف عربي يدعم دمشق!
من جديد تعاود روسيا طرح التطبيع مع دمشق على الصعيد الديبلوماسي في المنطقة من خلال بوابة الجامعة العربية، وذلك في رسالة غير مباشرة دعا فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى منح دمشق نفوذاً داخل الحلف السعودي المصري الذي تشكل بعد الأزمة الخليجية-الخليجية عام 2017، بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين (انضمت لها ليبيا بحكومة طبرق لاحقاً) من جانب، وقطر من جانب آخر (تدعمها تركيا).
تصريحات وزير الخارجية الروسي جاءت خلال لقائه بـ عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب الليبي لحكومة طبرق)، يوم أول أمس الجمعة في موسكو، مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، والتي أكد فيها أن أي “دور أنشط للبلدان العربية سيكون موضع ترحيب روسي، وسيدفع نحو تسريع الحل في سوريا”.
وذلك في موقف يشي بالكثير حول التنسيق الروسي-السعودي خلال الآونة الأخيرة؛ في محاولة توحيد مواقفهم في بعض الملفات المشتركة بينهما، وبالأخص الملف السوري، ويعكس ذلك زيادة إمكانات اقتراب دمشق من المحور الخليجي المناوئ لدور تركيا في ليبيا التي تحارب إلى جانب “حكومة الوفاق” (مقرها طرابلس) بمقابل دعم روسي خليجي لخليفة حفتر القائد العسكري الذي يؤيده عقيلة صالح (الزعيم المدعوم من القبائل الليبية).
كما دعا لافروف إلى تعزيز الحضور العربي في “الأزمة السورية”، مشددا على أن بلاده ترحب بدور عربي فاعل في هذا الاتجاه.
كذلك جدد لافروف التذكير بموقف روسيا المؤيد لعودة سوريا إلى المكان الطبيعي داخل “الأسرة العربية”.
و يعتبر تصريح لافروف أحد التصريحات الروسية المتكررة والتي تشدد من خلالها موسكو على إعادة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية.
الوزير الروسي نفسه كان أشار في مطلع العام الجاري إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يعمل شخصياً” على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وهو التصريح الذي كان قد سبقه تلميح لافروف بأن عودة دمشق إلى الجامعة العربية منوط بموافقة السعودية على ذلك، حيث قال أن “الكثير سيتوقف على موقف المملكة العربية السعودية؛ لأن صوتها مسموع في المنطقة وخارجها”.
و منذ زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا (تشرين الأول 2017)، أفرزت العلاقات التي أخذت منحى تطورياً بين الجانبين؛ تأثيراً ملموساً في تعديل السعودية لمواقفها تجاه الملف السوري بشكل تدريجي، بما ينسجم والتفاهم مع التوجهات الروسية.
وفي المقام ذاته لا يمكن فصل الأزمة الخليجية منذ حزيران 2017 عن مسار التطورات المتعلقة بالملف السوري ودور التواجد السعودي فيه، والذي بات يأخذ شكلاً أكثر تقارباً مع موسكو من ناحية، ومن ناحية أخرى بدا أن الرياض تستعجل محاصرة النفوذ القطري بشكل أو بآخر ضمن أطر المعارضة السورية، فسعت عند تشكيل هيئة التفاوض في مؤتمر الرياض 2 (تشرين الثاني 2017) إلى إقصاء المعارضين المقربين من قطر/تركيا بقدر ما استطاعت.
التصريحات الرسمية السعودية كانت شهدت تغيراً ملموساً، في شهر أيلول من العام الفائت، عبّر عنه عادل الجبير وزير الخارجية السعودي الأسبق؛ ووزير الدولة للشؤون الخارجية الحالي، حينما أكد في حينه سعي بلاده إلى ضمان استقرار سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، مشددا على ضرورة تسوية الأزمة السورية سياسيا، بعدما كان يشدد في تصريحاته ما قبل عام 2018 على أن الرئيس الأسد يجب عليه الرحيل بعملية سلمية أو أن يخرج من خلال عمليات عسكرية (آب 2015).
ليبيا بوابة جديدة؟
كانت زيارة وفد خارجية “الحكومة في طبرق” الليبية إلى دمشق، مطلع شهر آذار الماضي، في توقيتها كرسالة سياسية إلى أنقرة موجهة من قبل دمشق والجانب الليبي الذي يتزعمه خليفة حفتر، حيث لا يمكن فصل ما يحدث في ليبيا وتأثيرات الوضع المتوتر هناك على الملف السوري وتجاذباته بين كل من موسكو حليفة دمشق وطبرق، وأنقرة حليفة طرابلس معارضي الأسد، فضلا عن تعزيز العلاقة بين الحكومة السورية والمشير وحفتر، حيث أرسلت ليبيا عناصر عسكرية وصلت سوريا مؤخراً للتدرب على قيادة طائرات مروحية روسية من طراز “مي-25” في مطار الضمير العسكري، وفق ما أفاد به موقع “نيوز ري” الروسي.
تحركات الرئيس الأسد صوب التعاون مع المشير حفتر (المدعوم من الإمارات ومصر؛ شركاء السعودية في الحلف المعادي لجماعة الإخوان المسلمين)، تًعبّر عن رؤية متسقة بين دمشق وموسكو بأن هذا الوقت هو الأنسب للتقرب من الرياض، في فترة تحاول فيها روسيا دفع السعودية لتبني تعويم دمشق على الصعيد العربي؛ بمقابل تشكيل كتلة عربية ترفض توسع النفوذ التركي سواء في سوريا أو ليبيا وقبلها كانت قطر.
بخاصة في ظل تقارب الإمارات مع الرئيس الأسد ليس بسبب افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق نهاية عام 2018 وإنما جراء الاتصال الهاتفي الذي قام به نائب ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، مع الرئيس بشار الأسد، نهاية شهر آذار الماضي.
الاتصال الهاتفي الذي جرى، قال بن زايد بأنه جاء من أجل البحث في تداعيات انتشار فيروس “كورونا”، وقال عبر صفحته على “تويتر” أنه أكد للأسد “دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية”، مشيراً بأن التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وأن سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة، وفق تعبيره.
مصدر سياسي إماراتي كان قال لـ “روزنة” حول الاتصال الثنائي، أنه وبعد سنوات القطيعة مع دمشق فإن الإمارات؛ كان لا بد لأبو ظبي أن تعيد فتح خط العلاقات بعد افتتاح سفارتها بعد أكثر من عام من الآن دون حدوث أي تطور نوعي في العلاقة، معتبراً أن “الإمارات ترى ما قد لا يراه البعض الآخر في المنطقة، فنحن كنا أشرنا إلى أن دخول الإمارات على الصعيد الدبلوماسي منذ ذلك الحين كان لإضعاف التأثير الإيراني على سوريا، واليوم بات الوضع مُلزماً على ذلك أكثر من أي وقت مضى”.
وتابع “هناك التمدد الإيراني يترنح من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نفوذاً تركياً يتنامى في سوريا، في وقت يغيب فيه الدور العربي بشكل شبه تام، وهذا ما تضطلع الإمارات إلى القيام به”.
من جانبه كان ولي العهد السعودي؛ الأمير محمد بن سلمان، استبعد رحيل الأسد عن السلطة، وقال في نهاية شهر آذار من عام 2018؛ خلال مقابلة مع مجلة “تايم” الأميركية: “بشار باق”.
وأضاف “لا أعلم إن كان بعض الأشخاص سيغضبون حينما أجيب عن ذلك السؤال، لكنني لا أكذب؛ أعتقد أن بشار باقٍ في الوقت الحالي، وأن سوريا تُمثل جزءاً من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط لمدة طويلة جداً، ولكنني أعتقد أن مصلحة سوريا لا تتمحور حول ترك الإيرانيين يفعلون ما يشاؤون في سوريا على المدى المتوسط والبعيد”.
الباحث في العلاقات الدولية؛ جلال سلمي، أشار أنه ولإتمام المُعاملات الاقتصادية؛ فإن دمشق بحاجة ماسة لتمثيل دبلوماسي ولو مُنخفض في البداية؛ ولفت في ذلك إلى التمثيل الدبلوماسي المنخفض التي أعلنت عنه كل من الإمارات والبحرين في سفارتها بدمشق (نهاية عام 2018)، معتقدا بأنه وبعد التطبيع الاقتصادي؛ سيتجه الرئيس الأسد نحو التطبيع الدبلوماسي عبر رفع التمثيل الدبلوماسي للدول العربية “رويداً رويداً”.
كما لفت إلى أن الدول الخليجية تسعى للاستفادة من الشراكة النفطية مع روسيا، من خلال المصالحة مع دمشق، وبالتالي إغلاق الطريق؛ “ولو نسبياً” أمام إيران.
بينما اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي، خلال حديث لـ “روزنة” بأن السعودية وإن كانت ترغب باعادة العلاقة مع الأسد “نكاية” بالموقف التركي المنحاز لقطر، إلا أن هذه الرغبة السعودية لا يمكنها تجاوز الإرادة الأميركية.
ولفت إلى أن السفارات الخليجية التي تم إعادة فتحها في دمشق نهاية عام 2018، لا تتعدى الجانب الشكلاني بحيث لن يكون لها أي دور حقيقي داعم، أمام الموقف الأميركي الذي سيلجم أي طرف يريد التعاون مع الأسد.
إقرأ أيضاً: ضبط شركة تتعامل بالدولار الأمريكي ومصادرة مبالغ مالية كبيرة في دمشق
روزنة بتصرف