الجمعة , نوفمبر 22 2024

فيروس كورونا: ما السر وراء معدل الوفيات المنخفض في اليابان؟

فيروس كورونا: ما السر وراء معدل الوفيات المنخفض في اليابان؟

لماذا لم يمت الكثير من الناس في اليابان جراء تفشي كوفيد-19؟ إنه سؤال مروع قاد إلى طرح عشرات النظريات عن مسببات ذلك، والتي تراوحت ما بين الأخلاق اليابانية والادعاءات بأن اليابانيين يتمتعون بحصانة فائقة.

وليس لدى اليابان أدنى معدل للوفيات جراء كوفيد-19 في المنطقة، إذ أن كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وفيتنام حققت أيضا معدلات وفيات أقل.

ولكن في الجزء الأول من عام 2020 شهدت اليابان معدلا أقل في متوسط الوفيات، على الرغم من حقيقة أن طوكيو شهدت في أبريل/نيسان الماضي نحو ألف حالة وفاة زائدة ربما بسبب كوفيد-19.

وذلك أمر مثير للدهشة بشكل خاص لأن اليابان لديها العديد من الظروف التي تجعلها معرضة لكوفيد-19، لكنها لم تعتمد أبدا النهج النشط في التعامل مع الفيروس الذي تبناه بعض جيرانها.
ماذا حدث في اليابان؟

في ذروة تفشي المرض في ووهان في فبراير/شباط الماضي عندما اكتظت مستشفيات المدينة وأقفل العالم أبوابه أمام المسافرين الصينيين، أبقت اليابان حدودها مفتوحة.

ومع انتشار الفيروس أصبح من الواضح بسرعة أن كوفيد مرض يقتل كبار السن في المقام الأول وينتشر بشكل كبير بسبب الحشود أو الاتصال القريب لفترات طويلة. ويوجد في اليابان أكبر عدد من كبار السن مقارنة بأي دولة أخرى. كما أن المدن اليابانية ذات كثافة سكانية ضخمة.

ويعيش في منطقة طوكيو الكبرى 37 مليون نسمة، وبالنسبة لمعظمهم فإن الطريقة الوحيدة للتنقل هي قطارات المدينة المزدحمة.

ثم هناك رفض اليابان الالتفات إلى نصيحة منظمة الصحة العالمية بإجراء الاختبارات. ويبلغ إجمالي الاختبارات حتى الآن 348 ألفا فقط، أي ما يعادل نسبة 0.27 في المئة من سكان اليابان.

كما لم تفرض اليابان إغلاقا بنطاق الإغلاق العام في أوروبا أو صرامته. ففي أوائل أبريل/نيسان الماضي أمرت الحكومة بفرض حالة الطوارئ، لكن طلب البقاء في المنزل ظل طوعيا. وطُلب من الأعمال غير الأساسية أن تغلق أبوابها، ولكن لم تكن هناك عقوبة قانونية على الرفض.

ولجأت بعض الدول مثل نيوزيلندا وفيتنام إلى إجراءات صارمة بما في ذلك إغلاق الحدود، وفرض حالات الإغلاق المشدد، وإجراء الفحوص على نطاق واسع والحجر الصحي الصارم، لكن اليابان لم تفعل شيئًا من ذلك.

ومع ذلك، فبعد خمسة أشهر من الإبلاغ عن أول حالة لكوفيد في اليابان، كان هناك أقل من 20 ألف حالة مؤكدة وأقل من ألف حالة وفاة. وتم رفع حالة الطوارئ وعادت الحياة إلى طبيعتها بسرعة.

وهناك أيضا أدلة علمية متزايدة على أن اليابان احتوت حتى الآن بالفعل انتشار المرض.

وقد أجرت شركة سوفتبنك Softbank العملاقة للاتصالات فحص الأجسام المضادة على 40 ألف موظف، فظهر أن نسبة 0.24 في المئة فقط تعرضوا للفيروس. وأظهر الفحص العشوائي لـ 8 آلاف شخص في طوكيو ومنطقتين أخريين مستويات تعرض أقل. ففي طوكيو جاءت نتيجة الاختبار لنسبة 0.1 في المئة فقط إيجابية.

وندما أعلن عن رفع حالة الطوارئ في أواخر الشهر الماضي، تحدث رئيس الوزراء شينزو آبي بفخر عن “النموذج الياباني”، مشيرا إلى أن الدول الأخرى يجب أن تتعلم من اليابان.
هل هناك شيء خاص يتعلق باليابان؟

إذا كنت تستمع إلى نائب رئيس الوزراء تارو أسو فإنه يرجع ذلك إلى ما يسميه “الجودة العالية” للشعب الياباني. وفي تعليق وصف بالسيء وانتقد كثيرا مؤخرا ، قال أسو إن قادة الدول الأخرى طلبوا منه توضيح سبب نجاح اليابان.

فأجاب قائلا: “أخبرت هؤلاء الناس أن الاختلاف يكمن في “الميندو” (أي مستوى البشر) بين بلدانهم وبلدنا، وهذا جعلهم صامتين وهادئين”.

وتعني كلمة mindo حرفيا “المستوى الشعبي”، على الرغم من أن البعض ترجمها على أنها تعني “المستوى الثقافي”.

إنه مفهوم يعود إلى الحقبة الإمبراطورية في اليابان ويدل على إحساس بالتفوق العنصري والشوفينية الثقافية، وقد أُدين أسو بشدة لاستخدامه هذا التعبير.

ولكن ليس ثمة شك في أن العديد من اليابانيين، وبعض العلماء يعتقدون أن هناك شيئا مختلفا حول اليابان، وهو ما يسمى “العامل X ” الذي يحمي السكان من كوفيد-19.

قد يكون لبعض الأعراف اليابانية دور، فهناك القليل من العناق والقبلات في التحية مما يساعد في عملية التباعد الاجتماعي، ولكن لا أحد يعتقد أن هذه هي الإجابة.
هل لليابان حصانة خاصة؟

يعتقد البروفيسور في جامعة طوكيو تاتسوهيكو كوداما، الذي يدرس كيف يتفاعل المرضى اليابانيون مع الفيروس، أن اليابان ربما تكون قد أصيبت بكوفيد من قبل. ليس كوفيد-19، ولكن شيئا مماثلا ربما خلف وراءه “حصانة تاريخية”.

ويشرح ذلك قائلا إنه عندما يدخل الفيروس جسم الإنسان، ينتج الجهاز المناعي أجساما مضادة تهاجم مسبب المرض الغازي، وهناك نوعان من الأجسام المضادة آي جي ام وآي جي جي IGM وIGG، ويمكن أن توضح طريقة استجابتهما ما إذا كان شخص ما قد تعرض للفيروس من قبل، أو لشيء مماثل.

وأضاف قائلا: “في العدوى الفيروسية الأولية (الجديدة) تأتي استجابة IGM أولا ثم تظهر استجابة IGG في وقت لاحق. ولكن في الحالات الثانوية (التعرض السابق) تحتوي الخلايا اللمفاوية بالفعل على ذاكرة، وبالتالي فإن استجابة IGG فقط تزداد بسرعة”.

إذن.. ماذا حدث لمرضاه؟

وتابع قائلا: “عندما نظرنا إلى الاختبارات شعرنا بالدهشة فقد جاءت استجابة IGG في جميع المرضى بسرعة، وكانت استجابة IGM متأخرة وضعيفة. بدا أنهم تعرضوا من قبل لفيروس مشابه جدا”.

ويعتقد أنه من المحتمل أن يكون هناك فيروس شبيه بسارس انتشر في المنطقة من قبل، الأمر الذي قد يفسر انخفاض معدل الوفيات ليس فقط في اليابان ولكن في معظم الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وجنوب شرق آسيا.

وقد قوبل هذا التفسير ببعض الشك.

ويقول البروفيسور كينجي شيبويا، مدير الصحة العامة في كينغز كوليدج في لندن ومستشار سابق رفيع المستوى للحكومة: “لست متأكدا من كيفية اقتصار مثل هذا الفيروس على آسيا”.

ولا يستبعد البروفيسور شيبويا إمكانية تأثير الاختلافات الإقليمية في المناعة أو القابلية الوراثية لكوفيد 19، لكنه يشك في فكرة “العامل X ” لتوضيح فروق الوفيات.

ويعتقد أن الدول التي حققت أداء جيدا في مكافحة كوفيد، فعلت ذلك لنفس السبب وهو النجاح في الحد من انتقال العدوى بشكل كبير.

وكان اليابانيون قد بدأوا في ارتداء الكمامات منذ أكثر من 100 عام خلال وباء إنفلونزا عام 1919 ولم يتوقفوا أبدا، فإذا كنت تعاني من السعال أو البرد، فمن المتوقع أن ترتدي كمامة لحماية من حولك.

ويقول كيجي فوكودا، اختصاصي الإنفلونزا وعميد كلية الصحة العامة بجامعة هونغ كونغ: “أعتقد أن الكمامة تعمل كحاجز مادي، كما أنها أيضا بمثابة تذكير للجميع بأن يكونوا واعين. ولا يزال يتعين علينا توخي الحذر حول بعضنا البعض”.

كما يعود نظام التتبع في اليابان إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما واجهت موجة من مرض السل، فأقامت الحكومة شبكة وطنية من مراكز الصحة العامة لتحديد الإصابات الجديدة وإبلاغ وزارة الصحة عنها.

وفي حالة الاشتباه في انتقال العدوى في المجتمع يتم إرسال فريق متخصص لتتبع العدوى، والاعتماد على تتبع دقيق وعزل للمخالطين.
اكتشفت اليابان ثلاثة أمور مبكرا

كما اكتشفت اليابان نمطين هامين في وقت مبكر من الوباء.

وقال الدكتور كازواكي جينداي، الباحث الطبي في جامعة كيوتو وعضو فريق التصدي لبؤر الوباء، إن البيانات أظهرت أن أكثر من ثلث الإصابات نشأت في أماكن متشابهة للغاية.

وأضاف قائلا: “أظهرت أرقامنا أن العديد من المصابين قد زاروا أماكن العروض الموسيقية حيث يصرخون ويغنون، كنا نعلم أن تلك هي الأماكن التي يحتاج الناس إلى تجنبها”.

حدد الفريق “التنفس الشديد من مسافة قريبة” والذي يتضمن “الغناء في قاعات الكاريوكي والحفلات والهتاف في النوادي والمحادثات في الحانات وممارسة التمارين في الصالات الرياضية” باعتبار أنها الأنشطة الأكثر خطورة.

ثانيا، وجد الفريق أن انتشار العدوى يرتفع بين نسبة صغيرة من أولئك الذين يحملون الفيروس.

فقد وجدت دراسة مبكرة أن حوالي 80 في المئة من المصابين بسارس كوفيد 2 لم يصيبوا الآخرين بينما 20 في المئة كانوا مُعدين للغاية.

وقد أدت هذه الاكتشافات إلى قيام الحكومة بإطلاق حملة وطنية تحذر الناس من تجنب “ثلاثة أمور”.

المساحات المغلقة ذات التهوية الضعيفة

الأماكن المكتظة بالسكان

الاتصال القريب مثل المحادثة وجها لوجه

ويقول الدكتور جينداي: “أعتقد أن ذلك ربما يكون أفضل من مجرد مطالبة الناس بالبقاء في منازلهم”.

وعلى الرغم من استبعاد أماكن العمل من القائمة، فقد كان من المأمول أن تبطئ حملة “الأمور الثلاثة” من تفشي المرض بشكل كافٍ لتجنب الإغلاق، فقلة الإصابات تعني عددا أقل من الوفيات.

ولفترة من الوقت حققت الحملة ذلك، ولكن في منتصف مارس/آذار الماضي قفزت الإصابات في طوكيو وبدا أن المدينة تسير على طريق مدن مثل ميلانو ولندن ونيويورك.

وفي هذه المرحلة أصبحت اليابان إما ذكية أومحظوظة، فمازالت هيئة المحلفين لم تحدد أيهما.
التوقيت، التوقيت

يعتقد البروفيسور كينجي شيبويا أن الدروس المستفادة من اليابان ليست مختلفة تماما عن غيرها، ويقول: “بالنسبة لي، لقد كان درسا في التوقيت”.

فقد أمر رئيس الوزراء شينزو آبي بحالة طوارئ (غير إجبارية) في 7 أبريل/نيسان الماضي، طالباً من الناس البقاء في منازلهم “إن أمكن”.

وأضاف البروفيسور شيبويا قائلا: “إذا تأخرت مثل هذه الاجراءات لكنا واجهنا وضعا مماثلا لنيويورك ولندن، فمعدل الوفيات في اليابان منخفض”.

ويتابع قائلا: “إن دراسة حديثة أجرتها جامعة كولومبيا تشير إلى أنه لو طبقت نيويورك إجراء الإغلاق قبل أسبوعين، لكانت ستمنع عشرات الآلاف من الوفيات”.

وأظهر تقرير حديث صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية كامنة مثل أمراض القلب والسمنة والسكري تزيد احتمالات نقلهم للمستشفى 6 مرات إذا أصيبوا بكوفيد-19 كما أنهم أكثر عرضة للوفاة 12 مرة عن غيرهم.

ويوجد في اليابان أدنى معدلات لأمراض القلب والشرايين والسمنة في العالم المتقدم. ومع ذلك، يصر العلماء على أن مثل هذه العلامات الحيوية لا تفسر كل شيء.

و يقول البروفيسور فوكودا :”قد يكون لهذه الأنواع من الاختلافات الجسدية بعض التأثير ولكن أعتقد أن المجالات الأخرى أكثر أهمية، لقد تعلمنا من كوفيد أنه لا يوجد تفسير بسيط لأي من الظواهر التي نراها، إنها عوامل كثيرة تساهم في النتيجة النهائية”.
الحكومة تطالب والناس تنصت

وبالعودة إلى تباهي رئيس الوزراء شينزو آبي بـ “النموذج الياباني”، هل هناك درس نتعلمه؟

هل حقيقة أن اليابان نجحت حتى الآن في إبقاء العدوى والوفيات منخفضة، دون إغلاق أو مطالبة الناس بالبقاء في المنزل، تظهر طريقة للمضي قدما؟ الجواب هو نعم ولا.

لا يوجد “عامل X”، فمثل أي مكان آخر اعتمدت اليابان على الشيء نفسه؛ وهو كسر سلسلة العدوى. وفي اليابان يمكن للحكومة الاعتماد على الجمهور في الامتثال لتعليماتها.

وعلى الرغم من عدم إصدار الأمر للناس بالبقاء في المنزل، إلا أنهم فعلوا ذلك.

اليابان تطلب إرجاء أولمبياد طوكيو 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا

ويقول البروفيسور شيبويا: “لقد كان الأمر حظا ولكنه مفاجئا أيضا، فيبدو أن عمليات الإغلاق المعتدلة في اليابان كان لها تأثير حقيقي. فقد امتثل اليابانيون على الرغم من عدم وجود إجراءات صارمة”.

ويضيف البروفيسور فوكودا: “كيف تقلل من الاتصال بين الأشخاص المصابين وغير المصابين؟ أنت بحاجة إلى نوع معين من الاستجابة من الجمهور، والذي لا أعتقد أنه يمكن تكراره بسهولة في البلدان الأخرى”.

فقد طلبت اليابان من الناس التزام الحذر، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، وارتداء الكمامة وغسل أيديهم، وبصفة عامة، كان ذلك بالضبط ما فعله معظم الناس.

روبرت وينغفيلد ـ هايز بي بي سي نيوز ـ طوكيو