ماذا يُـريدون مـن سوريا ؟
نبيه البرجي
هذا ما تريده أميركا من سوريا: أن تكون… خراباً!!
الهاجس الايديولوجي الذي يتماهى مع النص التوراتي أم الهاجس الاستراتيجي في المسار اللولبي للشرق الأوسط ؟ منذ أيام دوايت ايزنهاور، والمبدأ الشهير حول ملء الفراغ، والعلاقات الملتبسة بين واشنطن ودمشق.
ريتشارد هيلمز، المدير السابق لوكالة الآستخبارات المركزية (1966 ـ 1973)، رأى في سوريا، جغرافياً وتاريخياً، مستودع النار. «كانت تعليماتنا لا تقتربوا من سوريا الا على رؤوس أصابعكم».
وقال «كنا ندرك، منذ البداية، أي صراع يدور حول سوريا بين دول الأقليم وبين القوى العظمى. الكل يعتقد أن من يمسك بهذا البلد انما يمسك باتجاه الرياح على امتداد المنطقة». لا أحد تمكن من الامساك بسوريا. «…كان هناك تباين في وجهات النظر بين من يقول بوضعها، دائماً، على الطاولة، ومن يقول بوضعها، دائماً، على الرف»!
اين هي سوريا الآن في العقل الأميركي؟ داخل الاستبلشمانت من يعتقد أن بقاء النظام هكذا، منهكاً ومرتبكاً وجريحاً، هو الخيار المثالي لأن القوى الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تستطع، حتى في ذروة الحرب هناك، تشكيل رؤية مشتركة للنظام البديل بحيث لا تتحول الى حلبة لصراع الثيران. الثيران الهوجاء أو الثيران الهمجية.
سوريا كان يمكن أن تعيش أوضاعاً أشد سوءاً بكثير من الأوضاع التي تعيشها ليبيا. جيران سوريا اشد شراسة في مقاربة الجيويوليتيكا من جيران ليبيا، ربما لأسباب سيكولوجية، أو ربما لأن التاريخ هناك أقل عصبية، واقل تدخلاً في صناعة (وادارة) السياسات.
ذات يوم، وفي سياق الاتصالات الاستراتيجية التي جرت بين دول عربية و«اسرائيل» لاحداث «زلزال ديبلوماسي» في المنطقة، كان بنيامين نتنياهو شديد الحماس لدفع المئات من دباباته الى دمشق على أنه السبيل الوحيد، و«الرائع»، للوصول بالزلزال الى نهايته.
الجنرالات «الاسرائيليون» أخذوا برأي شخصيات يهودية أوروبية بأن ظهور «الميركافا» على أبواب دمشق لا بد أن يقلب المشهد بصورة دراماتيكية ويأتي بنتائج كارثية.
الأميركيون يراوغون. دور عبثي، أحياناً دور بهلواني، حول دمشق. لا يعتقدون أن باستطاعة أحد الضغط على الرئيس بشار الأسد واقناعه بتوقيع معاهدة سلام مع بنيامين نتنياهو. على خط، وخطى، أبيه، لن يحيد قيد أنملة عن «التفاهمات» التي تم التوصل اليها مع اسحاق رابين والتي لامست شواطئ بحيرة طبريا.
«صفقة القرن» لم تكن بالسيناريو الذي وضع على عجل. هي نتاج دراسات، وتفاعلات، تقاطع فيها اللاهوتي مع الجيوسياسي، مع الجيوستراتيجي.
في ظل الانقلاب الذي احدثته تكنولوجيا الصواريخ في جدلية الصراع، لا بد لـ«اسرائيل»، لتكريس بقائها، من أن تمسك، بالقفازات الحريرية، خيوط القوة في الشرق الأوسط. دونالد ترامب ذهب بعيداً في هذا الاتجاه. أن تكون الدول العربية مضارب قبلية حول الهيكل.
تالياً، أن تبقى سوريا تحت الركام. هذا هو الاتجاه في الكونغرس. في البداية، كانت نظرية السناتور جون ماكين «الضربات المتلاحقة على الرأس وعلى الظهر». ماذا يعني «قانون قيصر» سوى الذهاب بالأزمة الاقتصادية، وبالأزمة الاجتماعية، الى الفصل الأكثر تراجيدية من السيناريو؟
الأميركيون و«الاسرائيليون» يحتفون بالتقارير الاعلامية حول الدور الذي يضطلع به أمراء الحرب في سوريا. بينهم من يطرحون أنفسهم على أنهم أعمدة النظام، فيما هم يدمرون، بتجاوزاتهم، وبارتكاباتهم، العمود الفقري للنظام أي ثقة الناس.
ريتشارد هاس قال «الكل يقف الآن على ساق واحدة، ويعيد ترتيب أوراقه. القوى العظمى، وما دون العظمى، تعتبر أن صراع منتصف القرن آت لا محالة. الشرق الأوسط هو المسرح الخلفي للصراع الذي مسرحه المركزي الشرق الأقصى. ما على دول المنطقة الا أن تبقى في الثلاجة الى أن تتبلور حدود، وآفاق، هذا الصراع.
من أيام قايين وهابيل، وهذا الشرق على طريق الجلجلة. هنا هبط آدم من الجنة لتكون الخطيئة، ولتكون البشرية!
الديار