اتفاق دمشق وتفجيرات طهران.. والثرثارة
من عادات الثرثارين أنّهم لا يسمعون، فلا وقت لديهم سوى استغلال عضلة اللسان للدرجة القصوى، وحين يستمعون بالصدفة البحتة لا يدركون ما سمعوا، فيعاودون وصل الحديث السابق باللاحق، حتى لو كان السابق عن قمم الهملايا واللاحق أسعار البطاطس، وهذا بالضبط ما حدث حين استمع الثرثارون لأنباء الاتفاق السوري الإيراني العسكري، فهم لأسابيع طويلة يثرثرون عن مشاورات تجري سراً بين روسيا وتركيا وأمريكا، لتنسيق الخروج الإيراني من سوريا،
وصراع روسي إيراني في سوريا، حتى أنّ الجيش السوري مشتّت الولاءات بين موسكو وطهران، ووساطة عُمانية بين روسيا وأمريكا لإخراج إيران وتنحية الرئيس الأسد، فالإعلام المعادي لسوريا ومحورها كان يعيش حالة من عدم التوازن، لكنه بعد توقيع الاتفاقية السورية الإيرانية تحوَّل إلى”عصفورية” حرفياً، حد أن تنقل جريدة “الجريدة” الكويتية عن مصادر إيرانية وصفتها بالعسكرية الرفيعة، أنّ موافقة روسيا على الاتفاق تمت بعد تعهد إيران بسحب “ميليشياتها” من ليبيا، رغم أنّ ألدّ أعداء إيران وأشدهم كذباً وأجرأهم على تزوير الحقائق، لم يقل بوجود إيراني في ليبيا.
والحقيقة أنّ الثرثرة بحد ذاتها مملة، فكيف بمحاولات تفنيدها، لذلك وبعيداً عن هذا الفخ، فإنّ الاتفاقية العسكرية السورية الإيرانية جاءت في وقتٍ شديد الدقّة والحساسية، ولا أعتقد أنّ الأمر يتعلق بشرعية التواجد الإيراني، حيث أنّها مشروعية متحققة طالما كان بناءً على رغبة السلطة الشرعية في سوريا، كما أنّ الواقع العسكري الميداني في سوريا يميل قطعاً لصالح سوريا ومحورها، كما أنّ التصدي أو الردّ على العدوان”الإسرائيلي” المتكرر على مواقع سورية، هو قرار سياسي لا علاقة له بالقدرة العسكرية،
وهو قرار سياسي سوري رغم تماهيه المحلي بالإقليمي بالدولي، فالدولة السورية لم تتخذ قرار فتح جبهةٍ جديدة في الجولان، بل ارتأت اتخاذ خطٍ دفاعي، تجاه ما يسميه العدو”معركة بين الحروب”، ومحاولة تقليل الخسائر لأبعد حد، طالما أنّ العدو لم يتخطَّ خطوطاً حمراء يعرفها جيداً، واللافت أنّه يعمل تحت سقفها، لذلك فبعيداً عن الآثار العسكرية المباشرة للاتفاقية على قطاعات الجيش السوري، ما الرسالة التي أراد الموقعون إيصالها ولمن، وما أهمية توقيتها.
جاءت الاتفاقية بعد وبالتزامن مع تفجيراتٍ متتالية أصابت بعض المواقع في طهران، من أهمها مجمع”بارشين” ومفاعل “نطنز”، وسُميت بالغامضة من باب تجهيل الفاعل، ولكن ساسة العدو وإعلاميه أصبحوا يجيدون الثرثرة أيضاً، حيث يكادون يعترفون تصريحاً بمسؤولية الكيان عن الأعمال الإرهابية التخريبة تلك، كما أنّها تأتي بعد دخول ما يسمى قانون”قيصر” حيّز التنفيذ، وحتى اللحظة لم تعلن إيران نتائج التحقيقات، وعليه فهي لم توجّه اتهاماً رسمياً لأيّ طرف، ولكن يبدو أنّ رسالة التفجيرات قد وصلت، حيث أنّ “إسرائيل” تدرك فشل سياسة”معركة بين الحروب”، فقررت تطويرها إلى سياسة “معارك بلا بصمات”،
كما حاولت ذلك في لبنان وفشلت، فالعدو يعتقد أنّ الوقت مناسبٌ جداً لممارسة هذه الجرائم، حيث أنّ الواقع يضغط إيران من ثلاثة محاور، الأول هو الوضع الاقتصادي جراء العقوبات وجائحة كورونا، الثاني هو انتظار التقرير الدولي عن مدى التزامها بمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والسعي الأمريكي لتجديد حظر السلاح، أمّا الثالث فهو موعد الانتخابات الأمريكية، ويعتقد العدو أنّ إيران باعتبارها دولة عاقلة، فهي بالتالي ستكون مغلولة اليدين، طالما تسعى لرفع حظر السلاح أولاً، ولعدم خدمة ترامب المترنّح انتخابياً ثانياً، عبر افتعال ما يمكن تسخيره لصالح حملته الانتخابية، لذلك فإنّ”إسرائيل” تعتبر هذه الفترة حتى نهاية العام فرصتها الذهبية، لممارسة أقصى درجات القسوة والعدوان دون مجازفةٍ بمخاطر عالية، ولكن يبدو أنّ الرسالة وصلت طهران بشكل مختلف عما تفكران به أمريكا و”إسرائيل”.
على سبيل التذكير فإنّ إيران لا تسعى لتصنيع قنبلة نووية، وهو الثابت من أعلى مرجعية سياسية ودينية في إيران، وكما أنّ إيران تعرف أنّ استهدافها أمريكياً و”إسرائيلياً” لا علاقة له بالبرنامج النووي، فإنّ أمريكا و”إسرائيل” أيضاً تعرفان أنّ العداء لإيران لا علاقة له ببرنامجها النووي، بل بما تمثله إيران من خطرٍ وجودي على”إسرائيل”، وما تمثله من خطرٍ على النفوذ الأمريكي في المنطقة، لذلك فإنّ الرسالة التي وصلت إلى طهران، هو أنّ التجرؤ على المساس بالداخل الإيراني بهذا الشكل، سيجعل من اختراق الخطوط الحمراء في سوريا أمراً محتملاً، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما قاله رئيس أركان الجيش الإيراني من دمشق بعد التوقيع على الاتفاقية، وإشارته إلى “تركيا وضرورة التفاهم مع دمشق لحماية أمنها لا التواجد العسكري،
وأنّها متأخرة في تنفيذ التزامات أستانة بإخراج الجماعات الإرهابية من سوريا”، فقد يُفهم منها رسالة لتركيا باطنها أبعد من ظاهرها، بألّا تكون طرفاً في الخندق”الإسرائيلي” في حال تدحرج الواقع لاشتباكٍ مباشر، كما أنّ تصريح وزير الدفاع السوري” من يعتقد بتخريب العلاقات السورية الإيرانية عليه الاستيقاظ من أحلامه”، وتعليق الرئيس السوري على توقيع الاتفاقية” إنها لمواجهة الحرب الإرهابية والسياسات العدوانية التي تستهدف دمشق وطهران”، يعني أنّ دمشق وطهران لا تنفصلان عسكرياً، وأصبحتا ساحة واحدة، لذلك فإنّ الرسالة الأهم التي أرادها الموقعون، أنّها إذا أردتم “معارك بلا بصمات”، فنحن جاهزون لـ”حربٍ بلا قفازات”.
اقرأ ايضاً: مشهد من الأفلام…اشتباك مسلح في بيروت أمام محل صاغة بسبب خلافات مالية
المصدر: العهد-إيهاب زكي
للمزيد تابعوا صفحتنا على فيسبوك شام تايمزshamtimes.net