السبت , نوفمبر 2 2024
معركة قنّاص ستالينغراد

معركة قنّاص ستالينغراد في Enemy at The Gates الأسطورية لم تحدث قط وإليك الدليل

معركة قنّاص ستالينغراد في Enemy at The Gates الأسطورية لم تحدث قط وإليك الدليل

على أنقاض ستالينغراد المحترقة، حيث كان الرجال يصطادون بعضهم البعض، حتى إن الكلاب هربت تعوي ليلاً، حدثت أعظم وأشهر مبارزة قنص في التاريخ خلَّدتها السينما بفيلم Enemy at The Gates.

ولكن للأسف يبدو أنها كانت أكذوبة أكثر من كونها تاريخاً حقيقياً.

كان الطرف الأول هو القناص السوفييتي فاسيلي زايتسيف، الذي قتل أكثر من 400 ألماني. وعلى الطرف الآخر “الرائد كونيغ”، رئيس مدرسة القنص بالجيش الألماني في برلين، والذي أرسلته القيادة العليا النازية إلى ستالينغراد لمطاردة زايتسيف.

التقى الاثنان في ظهيرة مشؤومة، رجلان يترصد أحدهما اﻵخر بساحة المعركة. وفي نهاية اليوم، غادر زايتسيف ساحة المعركة حيّاً، أو هكذا تقول الرواية الشعبية.

خُلّدت هذه المبارزة الملحمية بين اثنين من أبرز القناصين، في عديد من الكتب والأعمال الفنية، أشهرها فيلم Enemy at the Gates عام 2001.

وفي السيرة الذاتية Notes of a Russian Sniper، يروي زايتسيف نفسه كيف درس ساحة المعركة بدقة حتى استنتج أن كوينغ مختبئ أسفل صفيحة حديدية محاطة بكومة صغيرة من قوالب الطوب، في المنطقة المعزولة بين الخطوط الألمانية والسوفييتية.

وكان زايتسيف مدركاً أن كوينغ تمكن بالفعل من قتل عدد من زملائه القناصين، لذا أعد لكوينغ فخاً مستعيناً بصديقه كوليكوف.

كتب زايتسيف: “كانت مهمة كوليكوف إطلاق طلقة عشوائية، تلفت انتباه القناص. قررنا أن نجلس نصف اليوم دون عمل شيء؛ كان الضوء المنعكس من منظار البندقية كفيلاً بكشفنا. وفي الظهيرة، أصبحت بنادقنا في الظل، بينما تسقط أشعة الشمس مباشرة على الجانب الألماني”.

هناك شيء يتوهج عند حافة الصفيحة المعدنية. هل هي قطعة زجاج تصادف وجودها؟ أم منظار بندقية القناص؟ بحذر شديد، وعلى طريقة القناصين المخضرمين، بدأ كوليكوف يرفع خوذته. يطلق الألماني النار، ويرفع كوليكوف نفسه للحظة وجيزة، ويصرخ بصوت عالٍ، ثم يسقط.

كتب زايتسيف: “عندئذ أقدم كوينغ على خطئه القاتل الأخير. بعدما اعتقد أنه نال من خصمه السوفييتي، أطلّ كوينغ بنصف رأسه من تحت الصفيحة الحديدية، وأطلق النار. تهاوت رأس الألماني، ولمعت عدسة منظار بندقيته في ضوء الشمس”.

هل هناك تفاصيل درامية أخرى لهذه القصة الحربية؟ لا، مع الاعتبار أنها قد تكون غير صحيحة.

حقائق تدحض أسطورة القناص السوفييتي فاسيلي زايتسيف

المؤرخ البريطاني فرانك إليس ذكر في كتابه The Stalingrad Cauldron، أن قصة قناص ستالينغراد غير دقيقة ومليئة بالثغرات، والتي عددها على الشكل التالي:

أولاً، لا يوجد أي ذكر لوجود قناص ألماني اسمه الرائد كوينغ، كما لم تكن هناك مدرسة للقنص في برلين خلال عامي 1942 و1943، عندما وقعت معركة ستالينغراد.

ثانياً: لاحظ إليس أن زايتسيف عادة ما يذكر في كتابه تواريخ محددة لأهم الأحداث في حياته، ولم يذكر تاريخ قتله كوينغ. وكتب إليس: “في ضوء الاهتمام البالغ بهذه المبارزة في أثناء وبعد الحرب بوقت طويل، من اللافت للنظر أن السوفييت لم يقدموا تاريخاً دقيقاً لوقوعها”.

ثالثاً: أشار إليس إلى بعض التناقضات في رواية زايتسيف وكيف تمكن من قنص كوينغ بعدما لمع منظار بندقيته تحت الشمس في فترة ما بعد الظهيرة.

وشرح: “لكي يحدث ذلك، يجب أن يكون كوينغ مواجهاً للغرب، إلا أن الخطوط الألمانية كانت متمركزة في الغرب ومواجِهة للشرق”.

لن يكون غريباً إذا تمكن قناص مثل كوينغ من التسلل خلف الخطوط السوفييتية ويكون مواجهاً للغرب، ولكن القناص السوفييتي فاسيلي زايتسيف هو من ذكر أن كوينغ كان متمركزاً في المنطقة المعزولة أمام الخطوط الألمانية، مما يؤكد أنه كان مواجِهاً للشرق.

وكتب إليس: “يُظهر لنا زايتسيف أنه على دراية بمخاطر أشعة الشمس على القناص، فهل يفترض أن نصدق أن خصمه المذهل لم يكن على دراية بذلك، وأنه ارتكب هذا الخطأ البدائي والفادح؟”.

رابعاً: ووفقاً لرواية زايتسيف، فقد سحب هو وكوليكوف جثة كونيغ عائدَين إلى الخطوط الألمانية بعدما حلّ الظلام.

وكتب زايتسيف: “لقد أخذنا أوراقه وسلمناها إلى قائد الفرقة”. ولكن إليس يقول إنه لم يتمكن بعد من الوصول إلى مصدر سوفييتي وحيد يقدم أي تفاصيل عن تلك الأوراق أو حتى يقر بوجودها، بخلاف رواية زايتسيف.

اعتمد الجيشان السوفييتي والألماني في الحرب العالمية الثانية على عدد كبير من القناصة، أكبر بكثير من الجيشين الأمريكي والبريطاني؛ للتخلص من ضباط العدو، ومراقبي المدفعية، وعساكر المدافع الآلية.

واعتمد الجيش السوفييتي على القناصة بشكل هائل، خاصة في ستالينغراد؛ والسجلات الألمانية مليئة بشكاوى الجنود من أن مغادرة خنادقهم فقط تمثّل خطراً على حياتهم.

لذا من المحتمل جداً أن يكون زايتسيف قاتل وقتل قناصاً ألمانيّاً في ذلك اليوم. ولكن الاحتمال الأكبر والأكثر منطقيةً أن الضحية كان مجرد قناص ألماني غير مخضرم، سقط في هذه الخدعة البدائية البسيطة.

ويقول إليس إن الصورة التي نعرفها عن القناص اليوم من أنه شخص محترف حاصل على أعلى التدريبات، مختلفة عمّا كان في السابق، وإن مثل هذه التدريبات لم تكن ضرورية في معركة قريبة النطاق مثل ستالينغراد.

ويقول: “عندما يشتبك العدو في نطاق أقل من 100 متر، كل ما يهم هو المحافظة على الهدوء، خاصة إذا كنت تخطط للسماح للعدو بالمرور وتجاوز موقعك حتى تشتبك معه من الخلف”.

وأضاف إليس: “يمكننا أيضاً ملاحظة أنه في الغابات الفنلندية الكثيفة، اشتبك القناصة الفنلنديون مع القوات السوفييتية من نطاق قريب جداً، وكذلك اليابانيون في الحرب العالمية الثانية. في مثل هذه النطاقات القريبة، لا يحتاج معظم الجنود إلى أن يكونوا قناصة مؤهلين، كل ما يهم هو أن يكونوا قادرين على القتل بطلقة واحدة”.

لماذا إذاً ازدهرت أسطورة زايتسيف في مواجهة كونيغ؟ لأن الدعاية سلاح مهم ومذهل مثل البندقية أو الدبابة.

وبين أيدي كاتب ماهر مثل فاسيلي غروسمان، الذي كتب أن زايتسيف لم يؤذِ مخلوقاً حتى حرَّضته كراهية الغزاة الألمان على القتل، يصبح لدى الشعب السوفييتي بطلاً يلهمهم في نضالهم الدموي الطويل أمام ألمانيا النازية.

ويمكننا أن نتفهم كم تحتاج أمة تكبدت ملايين القتلى في صراع مرير إلى أبطال.

كما أن الجاذبية الآسرة لقصة ستالينغراد تُظهر مدى افتتاننا بالقناصين، صيادي الرجال البارعين.

وإذا كانت المبارزة تضم اثنين من أفضل القناصين في كلا الجيشين، يصبح الأمر أفضل وأكثر إثارة.

قد تكون مبارزة ستالينغراد مجرد أسطورة أو كذبة، ولكنها تظل قصة درامية رائعة.

عربي بوست

اقرأ أيضا: غادة عبد الرازق: لم أتزوج 15 مرة .. هما 10 بس