الأربعاء , مايو 8 2024
شام تايمز
قصة الساحر الذي استعانت به بريطانيا لمحاربة الألمان

«إخفاء الإسكندرية».. قصة الساحر الذي استعانت به بريطانيا لمحاربة الألمان

«إخفاء الإسكندرية».. قصة الساحر الذي استعانت به بريطانيا لمحاربة الألمان

شام تايمز

«الآن تراه.. الآن لا تراه»؛ جملة اعتاد أن يقولها مصمم الخدعة أو الساحر على المسارح الأمريكية والأوروبية عندما ينفذ خدعة إخفاء شيء، وعادة ما تقتصر الخدعة المعروضة في المسرح على إخفاء المرأة الجميلة التي تساعد الساحر في خدعته، أو في إخفاء مقعد أو أي جماد آخر يسهل وضعه على خشبة المسرح وتحريكه بشكل ما يساهم في تنفيذ الخدعة تنفيذًا يبهر الجماهير.

شام تايمز

ولكن الساحر الذي سنتحدث عنه اليوم، الخدع التي قدمها كانت مختلفة ومميزة في الوقت الذي ظهر فيه، ولذلك كان له دور مختلف في تاريخ السياسة وخاصة الحرب العالمية الثانية. الساحر البريطاني جاسبر ماسكلين هو بطل قصتنا اليوم. ساحر روي عنه أنه تمكن من إخفاء الدبابات، ويحمي مدينة الإسكندرية من أن تُقصف وتُدمر، وكان له دور فعال مع بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية هذا الدور الذي اختلف على صحته بعض المؤرخين.. والآن؛ نجعلك تراه.

جاسبر.. حفيد عمدة الخدع السحرية

يقف جاسبر الطفل ينظر إلى أبيه وهو يعمل على إرثه، يسأل الطفل: «ما هذا يا والدي؟» يجاوب الأب والساحر المحترف بأنها واحدة من إبداعات والده (جد الطفل)، تأمل جاسبر التمثال الذي سأل عنه، وكلما تحركت يد التمثال الذي يبدو مثل الرجل الآلي لتلتقط ورقة لعب من الأوراق المتعددة المثبتة بحامل يلتصق بجسده؛ ينبهر جاسبر.

وكانت تلك الآلة أو نصف الإنسان الآلي الذي صنعه جد جاسبر، يطلق عليه في أسرتهم العراف، ووظيفته هو خدعة أن يقرأ الحظ للزبائن الحضور في عروضهم، إذ كان جده خلال القرن التاسع عشر من أشهر السحرة في بريطانيا وكان يطلق عليه الحاكم أو العمدة؛ أي عمدة الخدع السحرية.

ينحدر جاسبر ماسكلين من أب وجد احترفا العمل في السحر أو الخدع المسرحية، وكانت خدعهم تعتمد في الأساس على الأساليب الهندسية والعلمية، والعراف لم يكن سوى واحد من تلك الخدع المصنوعة بالطرق الهندسية المتطورة التي لم يطلع عليها الجمهور.

هل شاهدت فيلم «The Prestige» الذي دارت قصته عن كواليس هذا النوع من السحرة الذين يتبعون الأساليب العلمية الحديثة الخفية عن العامة، ويسخرونها بغرض صنع خدع مسرحية تبهر الجماهير؟ جاسبر وعائلته هم المثال الواقعي الأكثر شبهًا بهؤلاء السحرة.

ورث البريطاني جاسبر مهنة أبيه وجده، وفي سن الشباب احترف تقديم العروض السحرية على المسرح الذي كانت تمتلكه أسرته، ولكن – رغم مهارة جاسبر – لم يحالفه الحظ مثلما فعل مع أسرته، وقامت الحرب العالمية الثانية لتضرب نشاطه المسرحي في مقتل، وأغلق المسرح الخاص بعائلته للمرة الأولى، ليجد جاسبر نفسه بلا عمل.

مر وقت طويل على جاسبر ومهارته الهندسية في الخدع مهملة، ولكن في العام 1940 ضمّه أحد القادة العسكريين في بريطانيا إلى وحدة صغيرة للغاية تعمل على تطوير عمليات التخفي والتمويه في الجيش البريطاني، ومن هنا بدأت السيرة الذاتية للساحر الذي قيل عنه أنه هزم النازيين بالسحر والخدعة، فهل كانت سيرته الذاتية كلها حقيقة، أم أنها واحدة من خدعه التي خُلدت حتى الآن؛ هذا ما نحاول اكتشافه في هذا التقرير، وبدايًة علينا ذكر ما نُسب إليه من أعمال سحرية في الجيش البريطاني، والتي بدأت بعد وصوله إلى مصر في نفس العام.

الآن ترى مدينة الإسكندرية.. الآن لا تراها

تلك القصة ذُكرت مرتين، مرة على لسان جاسبر ماسكلين نفسه في مذكراته التي نُشرت في كتاب بعنوان «Magic – Top Secret» في عام 1949، والذي كتب فيه جاسبر تجربته الكاملة مع الجيش البريطاني خاصة في الفترة التي قضاها في مصر والعمليات التي نفذها هناك.

وذكرت مرة آخرى في كتاب « The War Magician» والذي كتبه المؤلف الإنجليزي الشهير ديفيد فيشر مؤلف مسلسل «Dr Who»، وساند هذا الكتاب الروايات المذكورة في مذكرات جاسبر، مستعينًا – المؤلف – ببعض قادة الجيش البريطاني الذين كانوا على قيد الحياة وقت نشر الكتاب بالعام 1983، والذين صدقوا على معلومات جاسبر بكونه عميل للجيش البريطاني سخر خدعه السحرية لتنفيذ المهمات العسكرية.

وقعت القصة – وفق ما ذكر في كتابه – أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كان الجيش الألماني يستهدف نقاط مهمة في الشرق الأوسط بقاذفاته، الأمر الذي استهلك الجيش البريطاني المتواجد هناك في ذاك الوقت، وبعد استنزاف الجيش البريطاني لكل الحيل العسكرية لإيقاف ضرب الألمان لهم، كان عليهم أن يخرجوا العصا السحرية لإنقاذ الموقف.

كانت السفن البحرية البريطانية تبحر عبر البحر المتوسط إلى مدينة الإسكندرية في مصر، وتعرضت لإطلاق نار من القوات الألمانية، وهنا جاء وقت تدخل جاسبر – كما ذكرت المصادر التي سبق وتحدثنا عنها – والمهمة كانت خدعة سحرية غرضها إخفاء ميناء مدينة الإسكندرية عن أعين الألمان.

وكأي خدعة إخفاء نُفذت من قبل، كان يعلم جاسبر ماسكلين أنه لا يستطيع إخفاء الإسكندرية دون أن يظهرها مرة أخرى، ولذلك اقترح -بحسب رواية الكتابين- على الجيش البريطاني أن الحل الوحيد لتنفيذ تلك الخدعة هي بناء ماكيت كبير مصنوع من الورق المقوى ويشبه ميناء الإسكندرية، ووضعه للألمان بمثابة شرك يقعون فيه ويهدرون عليه ذخيرتهم.

وبناءً على موافقة الجيش البريطاني تم توظيف مئات الجنود للمساعدة في تنفيذ الميناء الوهمي على بعد بضعة أميال من بحيرة مريوط، وبقدرات جاسبر الهندسية لم يحتج الجنود لبناء ميناء وهمي بالحجم الكامل، بل ساعدهم في بناء تصميم أصغر يظهر من منظور الطائر وكأنه بالحجم الكامل.

وطبقًا لروايته استخدم الظلال والأضواء الأرضية والشحنات المتفجرة لتظهر الميناء وكأنها موقع تحت الحصار وتخطف أنظار الطيارين من الأعلى، وتخفي عن أعينهم الشيء الأهم؛ الميناء الحقيقي، مثلما كان يفعل جاسبر على أي مسرح أثناء تنفيذ خدعته، عندما يشتت ذهن الجماهير بخدعة تجذب الأنظار، بينما هو ينفذ خدعته الأصلية في الخفاء، وعند وصول القافلة التي أراد الجيش البريطاني أن يحميها من قاذفات الألمان، أطفأت كل الأنوار في الإسكندرية وأنيرت الخدعة في بحيرة مريوط وحدها وفُجرت القنابل، فالتقط الألمان الطُعم وضربوا المكان الوهمي.

مدينة العلمين.. برجاء إخفاء تلك الدبابة

بعد نجاح تلك المهمة، جاء دور جديد لخدع جاسبر في قناة السويس، بغرض حماية طريق إمداد حيوي لقوات الحلفاء تمر من القناة، واستخدم جاسبر لتنفيذ تلك المهمة خدعة أطلق عليها اسم الأضواء المبهرة، واستخدم فيها هيكل دوار مصنوع من المرايا و24 كشافًا قويًا ليشتت الطائرات، ونجحت تلك الخدعة السحرية في حماية الحلفاء ومروا بسلام من قناة السويس، بحسب المصدرين الذين سبق وذكرناهما.

ثم جاء دور مهم آخر لجاسبر في مدينة العلمين، كان الجنرال الألماني إروين روميل قد استولى في ذاك الوقت على أجزاء من شمال أفريقيا، وأرادت القوات البريطانية استعادة تلك الأجزاء مرة أخرى لتخضع تحت سيطرتها، وخاصة مدينة العلمين لموقعها الاستراتيجي والذي يسهل السيطرة على شمال أفريقيا. ولكن الأزمة كانت تكمن في قدرة روميل على رؤيتهم وهم قادمين لمهاجمته، ولذلك كان الجيش البريطاني في أمس الحاجة لعنصر المفاجأة، ومرة أخرى، يحتاجون إلى خدعة: الآن لا تراه.. الآن تراه.

جاسبر في زيه العسكري

بحسب المصدرين الذين يدعمان رواية دور الساحر الكبير في الحرب العالمية، أراد الجيش البريطاني أن يهجم على قوات الألمان بدبابات دون أن يرونها، فجاء دور صانع الخدع السحرية الذي استطاع إخفاء ميناء، فهل سيكون صعبًا إخفاء أعداد قليلة من الدبابات؟ بالفعل لم يخيب جاسبر ماسكلين ظن الجيش البريطاني، وابتكر غطاء مقوى عاكسًا للضوء وصممه بمقاسات الدبابات، ثم غطى الدبابات بهذا الغطاء، فأصبحت تلك الدبابات تسير إلى مدينة العلمين حيث الجيش الألماني، دون أن يستطيع الجنود رؤيتها؛ وإذا استطاع واحد منهم رؤية الدبابات من أي زاوية، كان الجزء التاني من خدعة جاسبر السحرية، أن يرى هذا الجندي تلك الدبابة وكأنها تسير في اتجاه عكسي لهم.

حقيقة أم خدعة؟

الكثير من الكتاب والمؤرخين يعترضون على السيرة الذاتية لجاسبر ماسكلين، فهم يقرون بانضمامه للجيش البريطاني، ولكنهم ينفون عنه تلك المهام الناجحة التي ذُكرت في الكتابين المذكورين سلفًا، ولكن أيضًا هناك العديد من المؤيدين لتلك السيرة خاصة وأن خدعة الدبابات في مدينة العلمين يوجد عليها دلائل مادية، ولكن الرافضين لمسيرة جاسبر يقولون أن تنفيذ المهمة ليس بالضرورة معناه أن جاسبر هو صاحب فكرتها.

وبعد انتهاء مهمته مع الجيش البريطاني في مصر، عاد جاسبر إلى بريطانيا وظل بلا عمل لفترة، ثم قرر أن يتجه إلى الأعمال الحرة، واختار تخصص السيارات، وتوفي في العام 1973 مخلفًا وراءه إرثًا من الغموض.

ساسة بوست

اقرأ أيضا: هكذا حافظت العائلات المالكة الأوروبية على حكمها لقرون

شام تايمز
شام تايمز