الأربعاء , ديسمبر 18 2024
شام تايمز
عبد الباري عطوان: من يقف وراء تفجير بيروت؟

سامي كليب: المنطقة على شفير الانفجار!

شام تايمز

كان من قبيل المعجزة قبل أشهر أن يجتمع العالم لإنقاذ لبنان. فكل المؤشرات كانت تصب في خانة قرارٍ دولي لترك وطن الأرز يحترق بتهمة أن “حزب الله” وحلفاءه يسيطرون على القرار. لكن فجأة ثمةَ شيئا كبيرا تغيّر، فجاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت فاتحا باب المساعدات على مصراعيه، وملقيا دروسا على قادة لبنان بكيفية الحكم، ومشجعا المجتمع المدني على التحرّك، وداقا المسمار الأخير في نعش الحكومة، ثم عاد الى باريس ليعقد اجتماعا دوليا افتراضيا ضم ١٥ رئيسا او رئيس حكومة في مقدمهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

شام تايمز

لو أخذنا الأمور بحسن النوايا وسذاجتها، نقول ان قلبَ العالم ” انفطر” على لبنان بعد كارثة تفجير مرفأ بيروت، وان القلوب العالمية الطيبة تحرّكت لنصرة شعب لم يترك ساسته موبقة أو مصيبة الا وارتكبوها بحقه. لكن السياسة لا تحتمل العواطف كثيرا، والا لكان الصومال اليوم يعيش برفاهية عالية، ولكانت حرب اليمن انتهت، ولكان الشعب الفلسطيني يعيش في دولة غير منكوبة ولا مقطعة الاوصال…الخ.

شام تايمز

ماذا يريد ماكرون وترامب اذا ؟

في الإجابة على ذلك يُمكن التفكير بالأمور التالية :

· حقّق تفجير مرفأ بيروت فرصة لاختراق دولي للبنان دون الحاجة الى المرور بحكومة لا تلقى تأييدا دوليا، وهذه بالتالي مناسبة لتشجيع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية على رفع مستوى الضغط ليصل الى ثورة حقيقية، يريدها البعض لتغيير نظام تهالك وتهاوى وما عاد قادرا على الحياة ( كما حصل مثلا مع حسني مبارك او زين العابدين بن علي رغم انهما كانا حليفين للغرب)، ويرى فيها البعض الآخر فرصة لاستكمال الانقضاض على المحور الذي تقوده ايران. هذا الاختراق شجع أطرافا لبنانية على المسارعة الى الاستقالة.

· حقق تفجير مرفأ بيروت فرصة أيضا، لثني لبنان عن التوجه صوب الصين وايران، ولمنع روسيا من التمدد من سورية صوبه وترسيخ دعائم وجودها في البحر الأبيض المتوسط. لذلك فان ترامب شجّع ماكرون على التحرك بينما الصين وروسيا بقيتا متحفظتين حيال مؤتمر الدعم.

· جدد تفجير المرفأ الفرصة أمام الرئيس ماكرون لاستعادة وهج دور فرنسي خبا كثيرا في لبنان وانتهى في سورية، وهذا يفيد الرجل حتى داخل فرنسا بعد الكبوات الكثيرة التي عرفها مع السترات الصفر ثم جائحة كورونا.

لكن ماذا عن حزب الله وإسرائيل؟

فرنسا لم تقطع علاقاتها مع حزب الله، ذلك انها لم تصنّفه على لوائح الإرهاب ( خلافا لاميركا ودول أوروبية وخليجية وعربية)، وحين أتي رئيسها الى لبنان فهو استقبل رئيس كتلة المقاومة الحاج محمد رعد وتحادث معه جانبا، كما ان ماكرون دافع بشدة عن الحوار مع الحزب على أساس انه جزء من التركيبة اللبنانية وانه ليس هو الذي وضعه في السلطة منذ ١٥ عاما حتى ولو انه لا يشاركه أفكاره. بالمقابل فان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تعاطى بإيجابية لافتة مع حركة ماكرون في خطابه الأخير.

وقد كان لافتا ان الرئيس الفرنسي الذي قاد مع الأمم المتحدة مؤتمر دعم لبنان، لم يقل أي كلمة ضد الحزب او ايران وانما اكتفى بالحديث عن قوى لا تريد السلام للبنان وتعمّد إبقاء العبارة غامضة، فهو بذلك يرضي ترامب ولا يزعج أحدا.

الواقع ان الرئيس الفرنسي الذي اعتبر ان لبنان امام مرحلة مصيرية وكذلك المنطقة برمّتها، تربطه علاقات قوية ايضا مع إسرائيل، حيث انه اول رئيس فرنسي يربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية، وهو يطمح بالتالي للعب دور الوسيط بين الحزب وإسرائيل، بحيث يوقف عملية الفعل وردة الفعل بين الجانبين خصوصا ان الحزب يستعد للانتقام لقتل إسرائيل احد عناصره قرب مطار دمشق.

هذا يفيد ترامب قبل الانتخابات، ذلك ان ضغوط إسرائيل عليه كبيرة لجره الى عمل عسكري ضد ايران لا يريده. كما ان الرئيس الأميركي يعتقد بأن ماكرون يستطيع ايضا اقناع لبنان ببعض التنازلات في قضية ترسيم الحدود البحرية، وهي قضية تتجدد خلال يومين مع وصول المبعوث الأميركي دافيد هيل لاستئنافها، ويستطيع صد الاغراءات الصينية والإيرانية للبنان.

ماذا لو تجددت مرحلة القرار ١٥٥٩ ؟

بالمقابل فان ثمة مخاوف عند البعض من أن يكون خلف حركة ماكرون- ترامب ما يجدد مرحلة القرار ١٥٥٩ الذي طالب بخروج الجيش السوري من لبنان وكان في خلفيته تطويق ما سمي ب ” الهلال الشيعي” . فآنذاك تحالف الرئيس الأميركي جورج بوش الابن مع الرئيس جاك شيراك الذي كان يحاول استرضاء اميركا بأي ثمن بعد ان عابت عليه معارضته للحرب على العراق، كما ان شيراك كان يتهم سورية بقتل صديقه الرئيس رفيق الحريري وبحرمان فرنسا من عقد نفطي كبير لشركة توتال الفرنسية في سورية.

هذه المخاوف عند البعض، عززت الأمل لدى خصوم الحزب في لبنان، فسارعوا الى التحرك مباشرة او مداورة ضده، على اعتبار ان اغتيال الحريري اخرج سورية من لبنان، وتفجير المرفأ يُخرج حزب الله من المعادلة. كما ان هذه المخاوف هي التي دفعت ايران منذ ايام الى التحذير من اطماع دول غربية في لبنان، ودفعت بعض المحللين الى الحديث عن رغبة في منع لبنان تماما من امكانية مساعدة سورية لكي يضيق الخناق أكثر عبر قانون قيصر.

في هذه الحالة ، يمكن توقع ردود فعل كثيرة عند محور المقاومة، تبدأ بعمليات عسكرية تتبناها عشائر سورية ضد القوات الأميركية في سورية، وتمر بمحاولة التضييق على الدور الفرنسي في لبنان، وتمر كذلك بالتشدد في الإمساك بمفاصل السلطة ، ناهيك عن إمكانية التحرك في الشارع في اتجاهات كثيرة، وتنفيذ عملية الانتقام من إسرائيل.

حتى الساعة، يبدو ان ماكرون يفضل التحاور مع حزب الله، وقد يكون ذلك بغطاء أميركي، ذلك ان الضغوط الاقتصادية ومحاولات الحصار أساءت الى حلفاء الغرب في لبنان أكثر مما أثرت على الوضع الاقتصادي لبيئة الحزب.

اما ان لم ينجح الحوار، فالسعي الى التدويل على طريقة بوش-شيراك، مرجّح، بحيث يتم جر الحزب الى مواجهة في الشارع، أو تحميله مسؤولية تفجير المرفأ، وترتفع اللهجة لاستهدافه مباشرة. وفي جميع الأحوال ذلك لن يتم عبر مجلس الأمن لان روسيا والصين حتى الآن ترفضان تدويل الأزمة اللبنانية.

لذلك قد يكون من الأفضل بالنسبة للأطراف اللبنانية المتصارعة، عدم المغالاة في الحديث عن ضعف الخصم، ذلك ان كل الاحتمالات واردة من الحوار الى التدويل. فلبنان وبسبب سوء إدارة ساسته، يستعيد دوره كساحة فضلى للصراع وساحة فضلى أيضا للصفقات.

5 نجوم

شام تايمز
شام تايمز