نارام سرجون , الثورة , تودع الغوطة وديبلوماسية الهاون, واترامباه ,,تعال على حصانك الكيماوي
نارام سرجون
ستفقد الثورة والثوار قريبا ورقة الغوطة التي كانت تستعمل حسب الحاجة فهي صندوق بريد سعودي اسرائيلي .. فالوهابية الصهيونية احتلت الغوطة .. وثأر ثورجيو الغوطة لتل أبيب عن كل الصواريخ التي سقطت عليهم من غزة ومن جنوب لبنان .. وبدل معادلة “مابعد بعد حيفا” كانت اسرائيل تهدد عبر الغوطة بقذائف وصواريخ تصل الى “مابعد بعد باب توما وجرمانا ” ..
الدولة السورية صبرت كثيرا على استفزازات الارهابيين في الغوطة وحاولت المستحيل لحل النزاع معهم سلميا وفرشت المطارف والحشايا لهم ولكنهم ركبوا رؤوسهم وظنوا أن المناوشات التي قامت بها الدولة سابقا هي كل ماتقدر عليه فأخذتهم العزة بالاثم وانتفخت لديهم قناعات الوهم أن الدولة عجزت عنهم لفرط بأسهم وقوتهم .. ولأنهم يمسكون العاصمة من عنقها لشدة اقترابهم منها .. وكانت مسرحية الكيماوي في الغوطة في الحقيقة رسالة لهم بأن الغوطة خط احمر وضعه العالم .. وأن العالم مستعد لخسارة كل معاقل المعارضة بما فيها حلب ولكن الغوطة بالذات تحت مظلة دولية كثيفة وأن أمريكا نفسها مستعدة لشن حرب على “النظام” اذا مامس الغوطة بسوء أو نظر اليها مجرد نظرة مريبة .. وهذه القناعة والوهم جعلا التفاهم مع هؤلاء المراهقين والزعران في دوما وغيرها صعبا جدا .. وكأننا نتحدث مع حيطان صماء .. وأذكر انني منذ سنتين كنت أستمع الى خبير عسكري سألته عن الصعوبة التي يواجهها الجيش في اقتحام الغوطة فقال بأن الجيش وبكل ثقة مجهز لاقتحام الغوطة وتحريرها في مدة وجيزة جدا .. ولكن – وفق تقديره – فان وضعها العسكري يقل أهمية كثيرا عن وضع غيرها .. فهي نسبيا مغلقة ولاتملك اتصالات واسعة ومباشرة مع حدود مفتوحة على دولة او طرف ثالث .. فحلب وادلب مفتوحتان جدا على الحدود التركية وكذلك ارهابيو الجنوب في درعا .. وارهابيو داعش لديهم حدود مع تركيا .. وسيكون التلكؤ في تحرير هذه المناطق الحدودية سببا في استعصاء التحرير بسبب تثبيت الارهاب لنفسه وقدرته على تأمين الدعم الكثيف من الخارج .. أما الغوطة فان فيها سلاحا ولكنه سيكون عرضة للنفاذ السريع في معركة شرسة تستنزف الطاقة النارية لدى المسلحين دون اتصال وحرية امداد .. وفهمت منه يومها أن الغوطة تركت لحل سياسي تميل اليه الدولة وحلفاؤها طالما أنها محاصرة .. وانها بريد سياسي .. كما أن وجود رهائن كثر يجعل من عملية التحرير العسكري غير جذابة ..
ولكن الغوطة تحملت عبء السياسة أكثر من طاقتها .. وكان السعوديون والاسرائيليون يطلبون منها دوما ممارسة الضغط السياسي عبر ديبلوماسية الهاون العنيفة .. لأن الدولة السورية ستتعرض بذلك للاحراج امام مواطنيها بأنها لاتقدر على حمايتهم كما أنها ستستفز طبقة التجار والصناعيين بشل حركة الاقتصاد الدمشقي .. وهذا ماقد يؤلب هذه الطبقة الملتفة حول الدولة ويغير في ولائها .. وسيكون درس اوباما الكيماوي ماثلا أمام الدولة ومؤيديها من التجار الدماشقة عندما كادت دمشق نفسها تتعرض لضربة قاضية عام 2013 اثر مسرحية الغوطة الكيماوية .. وكانت الرسالة الخفية في تهديد أوباما بضرب الجيش السوري ومراكز النشاط الاقتصادي والحيوي موجهة للحلقات الاقتصادية والتجارية والشعبية الدمشقية أن الغوطة محمية ناتوية وخط أحمر وأنها “باقية وان لم تتمدد” وأن عليهم تغيير سلوكهم الوطني والضغط على النظام اذا ارادوا السلامة لمصالحهم وتجارتهم وحياتهم .. والا صار مصيرهم مثل تجار حلب .. وكان الاميريكيون اثر تعقد الموقف وتصاعد لهجة التحدي يحاولون تنفبذ اللعبة النفسية باقتراح ضرب مواقع متفق عليها يتم اخلاؤها لتجنب الحاق خسائر .. ولكن الدولة السورية فهمت أن المقصود بذلك سيعني أن الرسالة الاميركية للدماشقة وغيرهم ستصل وتصيب الهدف في النخب الوطنية وهي أن أميريكا ستضرب دمشق عقابا لها على التفافها حول الرئيس الأسد وأن على النخب والفعاليات المؤثرة أن تبدي مرونة للقيام بتحرك ضاغط على الحكومة السورية لتقبل ببعض اقتراحات التغيير والحكومة الانتقالية بسلطات موسعة .. فكان القرار السوري برفض الاقتراح الاميريكي والرقص على حافة الهاوية .. فتراجع الاميريكون .. ولكن نجم عن تلك المعركة الديبلوماسية تفاهم أقل من ان يكون اتفاقا وهو بأن تبقى الغوطة المحاصرة باردة عسكريا ولايتم اقتحامها كجزيرة كوبا في البحر التي تحاصرها اميريكا ولاتجتاحها .. والعمل على اشراك ممثلين عنها في المفاوضات السياسية شريطة أن تلتزم الغوطة بديبلوماسية التهدئة وليس بديبلوماسية الهاون ..
ولكن فوجئ الاميريكيون بالشعور الوطني الدمشقي وبرد فعل الفعاليات الاقتصادية الدمشقية وطبقة التجار والفعاليات الشعبية المؤثرة التي لم يتغير موقفها اثر تلك الرسالة الاميريكية .. بل على العكس وصلت رسائل فائقة الوطنية ومؤيدة للدولة من النخب الشامية والتجارية بأن دمشق مستعدة لتحمل ضريبة الدفاع عن القرار الوطني والاستقلال الوطني .. وأن البرجوازية الدمشقية التي كانت تمد ثوار الغوطة بالسلاح والمال أيام الاحتلال الفرنسي لاتنظر الى مسلحي الغوطة اليوم بنفس العين والنظرة .. واذا كانت البرجوازية الدمشقية هي التي أطالت عمر الثورة ضد الفرنسيين في الغوطة فانها غير مستعدة اليوم للعب ذات الدور لأن فرنسا وغيرها هي التي تحتل الغوطة بعد أن دخلت على ظهور الثورجيين .. ومما زاد النفور من مسلحي الغوطة هو أنهم اليوم قصفوا دمشق وتصرفوا كالاحتلال الفرنسي الذي قصف دمشق .. ولذلك فان دمشق وسكانها وفعالياتها الشعبية ونخبها لاتتعاطف معهم ولن تعطيهم يدها على الاطلاق .. وكان هذا الموقف هو طلقة الرحمة على ثورجيي الغوطة الذين وقعوا في فخ استعداء العاصمة وابتزازها وتهديدها عندما اتبعوا النصيحة السعودية الاسرائيلية ..
وكما نذكر فان تفعيل معارك حلب وادلب والشرق السوري قد نال الأولوية العسكرية على الغوطة .. كما أن ديبلوماسية الهاون أو ديبلوماسية مدافع جهنم قد انتقلت الى حلب وصار الموقف الشعبي في حلب تحت ضغط هائل .. فتركت الغوطة في القفص وفتحت قنوات التفاوض معها ..
اليوم تغيرت الصورة تماما ولكن من يتمترس في الغوطة ويحمل السلاح لم يقرأ التغيرات الهائلة على كل المشهد .. ولم يفهم ان خطوط الغوطة الحمراء ليست ثابتة .. ولذلك فانه عندما وصلته رسائل سعودية واسرائيلية اثر اسقاط الطائرة الاسرائيلية بالتصعيد قام بالتنفيذ فورا .. وهو لايزال يظن أن الغرب مستعد لضرب الطاولة بيده بعنف لردع الجيش السوري اذا ماتقدم الى الغوطة .. وسمع حهابذة جيش الاسلام أن الاميركييين لن يترددوا في معاقبة الجيش السوري اذا استعمل اسلحة كيماوية .. وكانت هذه الرسالة تتم ترجمتها في الغوطة على أنها مظلة كيماوية للغوطة .. فالأمر لايحتاج الا الى تمثيلية وتحط صواريخ الكروز والتوماهوك في قصر الشعب بدل مطار الشعيرات .. وكان جنرالات اميريكيون يتحدثون عن نيتهم استخدام صواريخ تحمل قنابل نووية تكتيكية صغيرة لضرب المواقع السورية ..
غير ان الاميريكيين والغرب والاسرائيليين تلقوا ردعا روسيا واضحا عبر خطاب بوتين بأن الاعتداء على الحلفاء “نوويا” سيعني اعتداء على روسيا .. ولاشك أن الاعتداء “اللانووي” سيعني أيضا اعتداء “لانوويا” على روسيا .. وفهم الغرب الرسالة وابتلعها .. وقرر أن “يغض بصره ويحفظ فرجه” .. خاصة أنه رأى فرج نتياهو يسقط متدليا بصاروخ اس 200 روسي ..
والبديل كان هو استثمار الغوطة – التي ستخسر المعركة حتما – في معركة رأي عام وصورة .. فستكون الثرثرة عن الأطفال والمدنيين والضحايا المحاصرين في الغوطة رصيدا يضاف الى رصيد الكراهية الذي تم تخصيص الروس وايران والحكومة السورية به .. فهم في نظر العالم قتلوا حلب وقتلوا حمص وقتلوا مضايا وووو .. وتكون جبهة النصرة وجيش الاسلام وفصائل الارهاب قد أدت واجبها على أكمل وجه وخدمت الغرب في حياتها وخدمته وهي تموت .. ولابأس من تضخيم الأمر لاخفاء معالم جريمة كبرى ارتكبها الاميريكيون في الرقة التي تمت ابادتها كمدينة وتسويتها بالارض كمدينة دريسدن الالمانية في الحرب العالمية .. ولايزال العالم لايدري حجم الكارثة والضحايا فيها تحت الانقاض التي ان كشف عنها ستكون فضيحة مجلجلة ومحرقة جديدة تضاف الى رصيد المحارق والجرائم الاميريكية .. كما ان تصوير معركة الغوطة كمحرقة سيفيد اسرائيل التي تظهر للعالم العربي على أنها ليست هي العدو والقاتل بل النظام السوري والروس وايران .. فتنصرف عنها العيون وهي تقتل في فلسطين الناس وتبتلع القدس .. لأن الكراهية لم تعد مصوبة عليها بل على محور المقاومة (العدو الوحيد لها) .. وعلاوة على ذلك فان التهويل في مجازر الغوطة سيعطي حقنة عنف للمعارضة وحقنة كراهية وانعداما للصلح .. بل ان قصيدة لشاعر فلسطين أمل دنقل (لاتصالح) صارت تقرأ لسكان الغوطة بأن لايسامحوا ولايغفروا ولايصالحوا ولتبق هذه الحرب والكراهية الف سنة ..
لكن للصبر حدود .. والقانون لايحمي المغفلين حنى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن .. ومن يحنث بالمواثيق عليه تحمل تبعات قراره .. ومن يراهن على الغرب والاميركيين ويصرخ (واترامباه) .. فلينتظر أن يصل ترامب على حصان كيماوي ابلق أو اشقر او ابرص مثله ..
الغوطة ستخرج من المعركة قريبا .. وقد يترك فيها شارع أو شارعان في دوما هما ماقد يشملهما قرار مجلس الأمن بشأن الغوطة وذلك ليبقى محمد علوش يفاوض على الطاولة من غير جيش النصرة والرحمن والاسلام .. ولكن بعد 30 يوما من الهدنة ستشمل النار الجميع .. ونصيحتي لعلوش ولمراهقيه (يارايح حاجة فن ومسارح) ..
اقلبوا الصفحة .. ولنتحدث عن المعركة التالية التي وضعت لمساتها الأخيرة لتنطلق أيضا .. فهذا العام عام وفير الحصاد كما أظن ..