السبت , نوفمبر 23 2024
الإعلام الغربي غير راضٍ: «ولكن من أعطى الأمر باغتيال الحريري»؟

الإعلام الغربي غير راضٍ: «ولكن من أعطى الأمر باغتيال الحريري»؟

الإعلام الغربي يطلب «الحقيقة» من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فالحُكم الذي صدر لاغتيال الحريري، ولا يُدين سوريا وحزب الله مُباشرةً، لم يُشبع عطش هذه الوسائل في تغذية انقسامات المُجتمع اللبناني، وتوظيف القرار في تسعير الضغوط على حزب الله دولياً.

محكمة «المجتمع الدولي»، ورغم أنّها تأتمر بأوامر عواصم القرار الأساسية، لم تنل رضا بيئتها الحاضنة. انتظر الإعلام الغربي «قنبلةً» تنفجر من لاهاي، لينتهي به الأمر مُستمعاً إلى مُجرّد «مفرقعات نارية».

لا يهم. فالتحاليل والتقارير السريعة التي تلت تلاوة القرار الاتهامي، ستتضمن العديد من الإشارات إلى نفوذ حزب الله «الشيعي» في لبنان، وارتباطه بإيران، وبـ«نضال» رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ضدّ وجود الجيش السوري في لبنان و«مقاومته» عمل أجهزة استخباراته، والربط بينها لتكوين «أدلة جنائية» تُعوّض «تقصير» المحكمة في أداء دورها على أكمل وجه.

صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نشرت تقريراً بعنوان «عضو في حزب الله مُتهم باغتيال رفيق الحريري»، روت فيه – من دون أن تُحدّد مصدرها – أنّ المحكمة نالت انتقادات عدّة لأنّها حصرت حكمها بـ«العناصر الصغيرة» وليس المسؤولين عن قرار الاغتيال، «بعد ست سنوات من المحاكمات، ووجود قضاة من أستراليا وجامايكا ولبنان، يبقى السؤال الذي لا جواب له: من أعطى الأمر بقتل الحريري؟». عادت الصحيفة إلى الساعات التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، حين «طالت الاتهامات مُباشرةً سوريا.

فالحريري، رجل الأعمال الثري والسياسي السنّي الأقوى، قدّم استقالته للمرة الخامسة من رئاسة الوزراء بسبب التدخل المستمر لسوريا في لبنان». ونقلت الصحيفة عن مقربين من الحريري أنّه «غالباً ما كان يصطدم مع الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنّه قرّر تشكيل حكومة مرة جديدة لإنهاء الوجود السوري في البلد وعمل أجهزة الاستخبارات الذي استمر لثلاثة عقود». فات الصحيفة – والمقربين من الحريري – إطلاع الرأي العام الأميركي والعالمي على «العلاقة الوطيدة» التي جمعت الحريري بالقيادة السورية لسنوات طويلة، ومدى «التعاون» الذي نُسج بينهما.

طرقت «نيويورك تايمز» باب المحكمة الدولية بعد صدور الحُكم، سائلةً احدى المتحدثات باسمها، وجد رمضان، عن السبب الذي حال دون تحديد من يقف خلف الاغتيال، فأجابت: «يحق للمحكمة فقط إدانة الأشخاص بناءً على الأدلة التي تظهر في التحقيق». نفحة الأمل للصحيفة الأميركية تكفّل ببثها «الخبير في شؤون حزب الله» في معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، ماثيو ليفيت، الذي اعتبر أنّ المحاكمة «ربما تكون قد حقّقت شيئاً مهماً، من خلال تحميل حزب الله المسؤولية العلنية عن عمل إرهابي يستهدف مواطنين لبنانيين».

صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية اعتبرت أيضاً أنّ قرار المحكمة لم يأت على قدر التوقعات. كان من المتوقع «أن يتسبّب الحكم بانفجار، ليتضح أنّه «مُجرّد مفرقعات نارية ناعمة. من بين المتهمين الأربعة الذين حوكموا غيابياً، تمت تبرئة ثلاثة، من دون تحديد أي دور مباشر لحزب الله أو قادة النظام السوري… في حين أنّ معارضي حزب الله توقعوا أن يُلحق القرار المزيد من الأضرار بهذه الحركة الشيعية».

وبلغة أقرب إلى التوبيخ، أكملت الصحيفة بأنّه «بعد أكثر من 15 سنة على الاغتيال، و11 سنة من التحقيق، صدرت 600 صفحة لا تُحدّد من اتخذ القرار أو مُنفذي هجوم السيارة المُفخخة. لن يعرف أحد اسم الانتحاري الذي كان يقود السيارة التي انفجرت أثناء مرور موكب رئيس الوزراء السابق في قلب العاصمة اللبنانية». التقرير كُتب من بيروت، حيث علّق أحد سائقي التاكسي ويُدعى علي بأنّه «لا عدالة في لبنان على أي حال. في المحكمة الخاصة بلبنان أو انفجار المرفأ، لن يعرف أحد من المسؤول».

اغتيال رفيق الحريري «مهّد لسنوات من المواجهة بين القوى السياسية اللبنانية»، بحسب وكالة «رويترز». فهذا «الملياردير السنّي الذي تربطه علاقات وثيقة مع الغرب ودول الخليج العربية السنية، كان يُنظر إليه على أنّه تهديد للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان». تتشارك «بي بي سي» وجهة النظر نفسها، بأنّه كان «يُنظر إلى الحريري على أنّه تهديد لسلطة حزب الله في لبنان».

ألم يقل قاضي المحكمة الدولية أنّ علاقة وطيدة جمعت بين الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في الأسابيع الأخيرة قبل اغتياله؟ لم تهتم «بي بي سي» بهذه المعلومة، مشيرة الى أنّ «جمهور الحريري، وآخرين، يعتقدون أنّ (المُتهم بتنفيذ الاغتيال) سليم عيّاش كان يُنفذ أوامر حسن نصرالله، وعلى الأرجح سوريا وإيران».

لذلك، صدور قرار «تخفيفي» من المحكمة الدولية، «سيُخيّب آمال مؤيدّي رفيق الحريري وعائلات 21 شخصاً قُتلوا و 226 أصيبوا بجروح خطيرة جرّاء الإنفجار». على الرغم من ذلك، تعتقد «بي بي سي» أنّ الحُكم «أعطى سعد الحريري، الذي قد يعود رئيساً لمجلس الوزراء، ورقة ليستخدمها ذريعة ضدّ حزب الله».

مراسل «سي أن أن» في بيروت، بن وديمان، قدّم شرحاً لقرار المحكمة، مُعتبراً أنّ «المُثير للاهتمام أنّ من حوكموا هم فقط أفراد، وليس مجموعات أو حكومة. قالت المحكمة بغياب دليل على تورّط سوريا وحزب الله، ولكنّها أشارت إلى أنّ الحريري كان أحد الداعمين للقرار الدولي 1559، الذي دعا إلى سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان».

ووصف الحُكم بأنّه «يتجنّب توجيه أصابع الاتهام إلى من يقف خلف الأفراد المُتهمين، لذا من المحتمل أن لا يرضي هذا الأمر داعمي رفيق الحريري وابنه سعد الحريري». يُصرّ الإعلام الغربي على «انزعاج» عائلة الحريري وداعميه من النتيجة النهائية، رغم إعلان سعد الحريري أنّهم كعائلة «نقبل بقرار المحكمة». وبعد أن أعلن حزب الله في وقت سابق أنّه لا يعترف بالمحكمة ويتمسك ببراءة الأعضاء فيه، يرى مراسل الـ«سي أن أن» أنّ مسلسل المحكمة وما يرتبط بها «لا يزال كتاباً مفتوحاً».

من جهتها، نشرت «سكاي نيوز» تقريراً مكتوباً افتتحته بالقول إنّه «لمدة طويلة، اشتُبه بأنّ الجماعة الشيعية المُسلحة، حزب الله، مُتورطة بعملية الاغتيال، بدعم من الحكومة السورية ورئاسة بشار الأسد»، مُشيرةً إلى أنّ المحكمة الدولية «تعتقد بوجود مصلحة لسوريا وحزب الله بالتخلص من الحريري، ولكن لا يوجد أدلة كافية على ذلك».

ورغم عدم توافر أي معلومات عن تشابه اغتيال الحريري مع انفجار 4 آب، اعتبرت «سكاي نيوز» وجود «خيوط نفسية وسياسية تربط بينهما». كيف؟ دائماً بالعودة إلى نغمة تحميل حزب الله مسؤولية كلّ عود كبريت يشتعل. «الانقسام السياسي والايديولوجي بين موال للغرب وموال لإيران، الذي عجّل باغتيال عام 2005، عاد ليُصبح حادّاً… الحكومة المسؤولة وقت انفجار المرفأ كانت مدعومة من حزب الله، وكُثر يتهمون حزب الله بالمشاركة في الفساد وغياب الكفاءة التي أدّت إلى انفجار المرفأ».

حسناً، ولكن ماذا عن حُكم المحكمة الدولية؟ يعتقد التقرير الصحافي أنّه «ستكون للحكم تداعيات على لبنان وعلى سمعة المحاكم الدولية التي تستمر لسنوات طويلة بكلفة عالية. بالنسبة إلى من أراد تحقيق العدالة، كانت التوقعات أن تكشف المحكمة أدّلة جديدة وتُحقّق العدالة. هذا لم يحصل. سيشعر الكثيرون أنهم لم ينالوا العدالة. ولبنان الآن بلد في حالة خطرة للغاية».

صحيفة «غارديان» مُصرّة على أن تُقفل الملفّ دون اتهام حزب الله بشيء. بدأت تقريرها بأنّ قرار المحكمة «قوبل بمفاجأة في بيروت. مُعارضو حزب الله شجبوا النتيجة، واصفين إياها بأنّها خيبة أمل كبيرة. وقالوا إنّ المحكمة الخاصة بلبنان، التي تمولها الأمم المتحدة، قد فشلت في الوصول إلى الحقيقة».

سردت «غارديان» أحداث السنوات الـ15 الأخيرة التي «ضعف خلالها البلد تحت وطأة المحسوبيات والهيمنة السياسية، ونما خلالها نفوذ حزب الله، وتم اغتيال عشرات السياسيين والصحافيين المعارضين له ولسوريا. وسليم عياش، الذي يُزعم أنه عضو بارز في حزب الله، وُجّهت له في أيلول الماضي اتهامات بارتكاب ثلاثة اغتيالات وقعت بين عامي 2004 و2005».

www.al-akhbar.com/Lebanon/292836/الإعلام-الغربي-غير-راض-ولكن-من-أعطى-الأمر-باغتيال-الحريري

اقرأ ايضاً: الحريري من لاهاي: الحكم لم يكن على مستوى توقعاتنا