“العطش ليس فقط كلمة أطلقت لكسب التعاطف، إنه معاناة حقيقية ويومية”، هكذا يقول أهالي الحسكة التي تعيش مجددا أزمة حادة في تأمين مياه الشرب بعد إغلاق تركيا محطة علوك للمياه.
“العطش يخنق الحسكة” عبارة تنتشر خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعنها يقول بعض أهالي الحسكة لـ RT إنها “ليست مجرد هاشتاغ، أو عبارة لكسب التعاطف، فأزمة المياه في المدينة وصلت حد العطش الذي يهدد حياة مليون شخص هناك، ودون مبالغة في ذلك”، وذلك بعدما قامت تركيا، وللمرة الثامنة، بإغلاق محطة علوك التي هي مصدر ماء الشرب الوحيد لمدينة الحسكة وأريافها، وتقع قرب مدينة رأس العين الخاضعة لسيطرة فصائل مسلحة تدعمها تركيا.
دون نقطة ماء، كما يقول عبد الوهاب، وهو أحد السكان هناك، ما زالت تعيش المدينة، ويؤكد أن المياه لم تصله منذ السابع من هذا الشهر.
وتتفاوت مدد انقطاع المياه، لتتراوح بين أسبوع إلى عشرين يوما، (كما في الصالحية، والمفتي، وضاحية كوردو)، وهذا يعود إلى تقسيم المدينة إلى مناطق، كما أن ضخ المياه ضعيف، حسب ما يقول مصدر في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” لم يرغب بذكر اسمه، وأشار إلى أن تركيا عبر الفصائل التي تدعمها أوقفت ضخ المياه من محطة علوك في 13 من الشهر الجاري. وهي المرة الثامنة التي يتم فيها إيقاف ضخ المياه من تلك المحطة.
الماء .. سلعة
وكما في كل الأزمات، فقد فرض انعدام المياه، أن تتحول إلى سلعة تزيد الأعباء المالية على من لم يكن في بالهم أنها قد تصبح مرتفعة الثمن، إلى حد أن بعض الأهالي قاموا ببيع أثاث منازلهم للحصول على المياه، كما أكد أكثر من شخص في المدينة.
يصل سعر برميل المياه (200 ليتر) الذي يتم بيعه عبر الصهاريج بنحو ألف ليرة (راتب الموظف وسطيا يقدر بنحو 50 ألف ليرة).
ويقول عبد العزيز عابي إن تكلفة المياه أضيفت إلى أعباء كثيرة، ويشير إلى أن الموظف الذي يتقاضى 50 ألف ليرة عليه أن يقتطع منها ومن قوت أولاده نحو 20 ألفا من أجل المياه فقط.
“خزانات” .. برعاية إنسانية دولية
أمام تلك الحالة التي تبدو مستعصية، لا يجد الأهالي كثيرا من خيارات الحل.
يلجأ الأهالي إلى حفر الآبار السطحية في القرى المحيطة بالمدينة، وهي غير كافية لإرواء مدينة بمليون نسمة، كما يقول عابي، ويضيف أن “الآبار التي حفرها البعض على نفقتهم الخاصة، إلا أن مياهها غير صالحة للشرب كونها مياه مختلطة ملحية ملوثة بمياه الصرف الصحي، ولا توجد مصادر أخرى للمياه”
وثمة من يقول إن مياه الآبار السطحية “لا تصلح للشرب، وتستخدم في التنظيف فقط” كما أنها ستشكل خطورة “مع مرور الزمن لأن حفر تلك الآبار سيؤدي إلى تكهفات وانهدامات وهذا مما لا تُحمد عقباه”
وقد انتشرت في بعض شوارع المدينة خزانات وضعتها منظمة الصليب الأحمر (بالتنسيق مع الإدارة الذاتية، كما يقول المصدر في الإدارة)، إلا أن تلك الخزانات لا تكاد تُملأ حتى تفرغ وبعد أقل من نصف ساعة، بتأثير الزحام، الذي تسود فيه غالبا مظاهر التدافع والملاسنات والمشاجرات، فكل من يأتي إلى الخزان ليملأ “بيدون” مياه يكون خلفه أطفال عطشى، كما يقول عماد الذي يشير إلى حالة الحر الراهنة التي تزيد الحاجة إلى المياه.
ويشير بعض الأهالي هناك إلى أن العطش “يطال مخيمي الهول والعريشة حيث الآلاف من عوائل أفراد “داعش”، وغيرهم من اللاجئين، فهم أيضا يعتمدون على المياه القادمة من آبار علوك”
لماذا تقطع المياه؟
سؤال تبدو الإجابة عليه شبه واحدة: هناك نوع من مقايضة الكهرباء بالماء.
إذ تقوم تركيا والفصائل التي تدعمها بقطع الماء عن المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لإجبار الأخيرة على تزويد المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل بالكهرباء.
ويضيف أحد أهالي الحسكة أن تلك الفصائل تطالب بالنفط أيضا، إضافة إلى الأتاوات التي تطلبها أحيانا لإعادة ضخ المياه.
هي حالة متكررة تخوض فيها “الإدارة الذاتية” مفاوضات للتوصل إلى حلول وغالبا يكون “الكهرباء مقابل الماء”، ونقلت وسائل إعلام محلية أمس عن الرئيسة المشتركة لمديرية المياه التابعة للإدارة الذاتية في الحسكة، سوزدار أحمد، أن المفاوضات لم تسفر عن نتيجة حتى الآن، وأضافت “الإدارة الذاتية وضعت شروطا لتزويد “المناطق المحتلة” (ومنها بلدة رأس العين) بالكهرباء، مقابل ضخ المياه لمدينة الحسكة وأريافها، بعدما تكرر قطع المياه من قبل القوات التركية”
واللافت أن بعض سكان رأس العين حاولوا الرد على هاشتاغ “العطش يخنق الحسكة” بعبارة “الظلام يخنق راس العين”
مناشدات متكررة
أول أزمة مياه عاشتها المدينة كانت في أكتوبر من العام الماضي حين دخلت القوات التركية دعما مباشرا لبعض الفصائل في سوريا ومكّنتها من السيطرة على عدة مدن في الشمال السوري، وكان أول بيان يصدر عن مديرية المياه في الإدارة الذاتية بهذا الخصوص أعلن أن القوات التركية قصفت محطة علوك، وناشد “المنظمات الدولية لإنقاذ مليون نسمة من كارثة إنسانية بسبب استمرار انقطاع المياه من محطة علوك المغذية لمدينة الحسكة جراء القصف التركي لها”.
بعد ذلك تكررت المناشدات بتكرر القطع المتعمد لضخ المياه إلى المدينة، دون أي أفق في الحل، كما يقول أحد أهالي المنطقة، إذ أن الحلول تكاد تقتصر على اثنين: إما تفاوض (الإدراة الذاتية، أو الحكومة السورية المركزية، مع تركيا وهذا يعطيها شرعية) أو مد المياه من نهر الفرات أو نهر دجلة.
حبر على ورق
حالة من اللاجدوى عبر عنها معظم من تحدثنا إليهم، يقولون إن حديث الجميع الآن هو عن الماء ثم الرغيف والكهرباء، وهناك نداءات كثيرة كتبت وأُسمعت، ولكن .. دون جدوى ودون أن تحرك ساكنا .. وكله حبر على ورق”.
المصدر : RT
اقرأ أيضا: إصابة شخص بمشاجرة في خلاف على سرقة دراجة نارية بريف حمص