استخدمت المجموعات المسلحة سلاح المياه والتعطيش في الحرب السورية ضد دمشق وحلب، واليوم تستخدمه أنقرة ضد مليون سوري في الحسكة، بعدما أغلق مسلحون تدعمهم أنقرة محطة “علوك” مصدر ماء الشرب الوحيد لمدينة الحسكة وأريافها، في ما يمكن أن يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية لابتزاز الدولة السورية وللضغط على “قسد”، وربما لتبرير احتلال أراض سورية جديدة.
أكثر من مليون سوري يذوقون مرارة فصل جديد من العطش، وهذه المرة باستمرار قطع المياه لثلاثة أسابيع في بعض المناطق.
ورقة المياه التي باتت رهينة البازار السياسي بين قسد وأنقرة، منذ احتلال الأخيرة مدينتي رأس العين وتل أبيض خلال عملية “نبع السلام”، تستغلها تركيا لابتزاز دمشق والضغط عليها لتخديم مناطق تحتلها في عمق الأراضي السورية، بعدما استنكفت عن ذلك.
وربما تستغلها أنقرة أيضاً ذريعة لتوسيع احتلالها للشمال الشرقي لسوريا واستكمال “المنطقة الآمنة” التي أرادت رسمها عبر عملية “نبع السلام” لتصل إلى 450 كيلومتراً بدلاً من 130 كيلومتراً بين رأس العين وتل أبيض التي قطعتها موسكو ودمشق بنشر حرس الحدود السوري والدوريات الروسية.
دمشق سارعت إلى محاولة نجدة الحسكة عبر تأمين صهاريج المياه، وبالدعوة إلى تدخل أممي عاجل لكن القضية تتخطى أزمة المياه إلى ما هو أبعد، فبقطع النظر عما إذا نجحت المساعي المبذولة لإعادة المياه إلى مجاريها كلياً أو جزئياً أم لم تنجح، تبقى المأساة مرشحة للتكرار في أي وقت ربطاً بحسابات السياسة المتغيرة، ويبقى ما هو أخطر وأبعد تأثيراً، وهو الأسئلة الشائكة التي رافقت الأزمة حتى باتت جزءاَ أصيلاَ منها.
فلماذا هذا التعامل التركي المغرق في قسوته، الذي قد يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية؟ ولماذا يصر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على استعداء الشعب السوري؟ وتكريس شرخ قد لا تكفي معطيات الجوار الجغرافي لردمه؟ وماذا تعني النظرة السلبية تجاه تركيا التي تعم المنطقة باستثناء بعض “التيارات الإسلامية”؟
يقول الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور، إن “التعطيش هو جزء من سياسة معتمدة ضد بلادنا”.
ويؤكد بشور للميادين أن “ما تعانيه الحسكة اليوم من تعطيش عانته قبلها دمشق وحلب وبغداد وبيروت وغزة”، مشيراً إلى أنه “يجب أن تتم ملاحقة كل من يعتمد هذا السلاح غير الإنساني”.
بشور يضيف أن “القيادة التركية تدرك أنها منذ تدخلت في شؤون الدول العربية في العراق وسوريا وليبيا بدأت تخسر رصيدها”، مشدداً على أن “مَن يتابع ما يجري في حزب العدالة والتنمية يكتشف المأزق الذي أدخله فيه إردوغان”.
ويوضح أن “القيادة التركية مدعوة إلى التراجع عن الخطوات غير الإنسانية وإجراء مراجعة جذرية لمجمل سياساتها”، لافتاً إلى أنه “على القيادة التركية أن تدرك أن تأييد البعض لها لا يغير الصورة التي ترسمها لنفسها عبر قطع المياه”.
ويضيف بشور أن “التيارات الإسلامية ليست شيئاً واحداً، وهناك تيارات إسلامية لا تقبل بما جرى في سوريا وغيرها”، معرباً عن رفضه “من يعتبر إيران أو أي دولة من دول الجوار العربي عدواً بدل العدو الصهيوني”.
ويقول “رفضنا التدخل التركي في سوريا والعراق منذ اللحظة الأولى، واعتبرنا أنه مضر لجميع الدول المعنية”، منوهاً إلى أن “ما يجري في الحسكة اليوم هو إرهاب مائي ضد المدنيين لخدمة السياسة التركية”.
بشور يعتبر أن “السلطنة العثمانية فشلت عندما لجأت إلى محاولات التتريك رغم أنها كانت في عز قوتها”، مشيراً إلى أن “كثيراً منا مستعد للغرق في معركة داخلية لكنه غير مستعد لمواجهة الاعتداءات الخارجية”.
من جهتها، الكاتبة والباحثة حياة الحويك، تشدد على أن “تركيا تمثل العثمانية الجديدة وهي تستحضر تراثاً عثمانياً مليئاً بالمجازر”.
وتقول الحويك للميادين، إن “المسؤولين الأتراك لم يخفوا أبداً رغبتهم في استعادة ما يعتبرونه أملاكاً عثمانية في بلادنا”، موضحةً أن “معادلات النفوذ شيء ومعادلات الهيمنة والاحتلال والسيطرة على البشر شيء آخر”.
وتلفت الحويك، إلى أن “تركيا دعمت داعش والنصرة وسهلت دخول الإرهابيين إلى سوريا وسرقة النفط السوري”، مشيرة إلى أن “الشباب التركي لا يشارك في العمليات التركية، وأنقرة تعتمد على مرتزقة عرب تمولهم قطر للقتال”.
وتضيف الحويك أن “المنظمات الدولية لا تدين الاعتداءات التركية لإنها ذراع من الأذرع الأميركية”.
يذكر أن هذه هي المرة الـ13 التي تقطع فيها “أنقرة” المياه منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي بذريعة الرد على قطع “الإدارة الذاتية” الكردية الكهرباء عن رأس العين وتل أبيض وأريافهما
انقطاع المياه عن الحسكة ومشاهد معاناة الأهالي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من البلدان العربية، وأطلق مغردون هاشتاغات عديدة لتسليط الضوء على ما يجري ولحل الأزمة بأسرع وقت ممكن.
الميادين