بعد انحسار التأثير الأوروبي في الملف السوري خلال الفترة الأخيرة، واكتفاء الأوروبيين بدور محدود في شمال شرقي سوريا، تبدو المؤشرات أن فرنسا التي عقد رئيسها إيمانويل ماكرون اجتماعاته الخاصة مع نظيره الروسي مؤخرا، حول سوريا وباقي ملفات المنطقة المشتركة بينهما، تبدو أن باريس تستثمر الأزمة السياسية والاقتصادية التي زادها انفجار ميناء بيروت على لبنان، ذلك الاستثمار لن يبقى محدودا ضمن إطار لبنان الجغرافي بل أنه سيتوسع على ما يبدو ليشمل المنطقة الإقليمية وعلى رأسها سوريا.
ينطلق الاستثمار الفرنسي من أزمة بيروت من التقارب الفرنسي الروسي بات ملحوظاً في ظل الخلافات الفرنسية-التركية داخل حلف “الناتو” وخارجه، إثر اعتراض ماكرون على السياسات الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان من بينها وصول النفوذ التركي إلى مناطق شمال شرق سوريا تحت مسمى منطقة “نبع السلام” والتي تحيط بها هناك قوات تابعة للتحالف الدولي و من ضمنها قوات فرنسية الجنسية.
الرئيس الفرنسي الذي زار بيروت مرتين في أقل من شهر وهدد الطبقة السياسية فيها، انتقل إلى العراق ليرفض مشاريع التدخل الخارجي فيها، في رسائل واضحة تنم من ناحية عن رغبة في عودة قوية لفرنسا -لا يهم إن كانت في إطار الاتحاد الأوروبي أو خارجه-، ومن ناحية ثانية توضح حدة الخلافات المتعمقة بين أنقرة و باريس. و ليثار التساؤل حول ذلك فيما إذا استطاعت روسيا إدخال فرنسا كطرف مؤثر من جديد في المعادلة السورية، أم أن هذا الدخول سيكون عبر بوابة التوافقات مع روسيا ومن خلال ملف إعادة الإعمار، مع ضمان قدرة موسكو على احتواء التوترات بين فرنسا وتركيا والحفاظ على تغليب المصالح دون إحداث أي تفجير للأوضاع يعيد الجميع خطوات عديدة للوراء.
الكاتب والمحلل السياسي، د.أحمد الهواس، اعتبر خلال حديث لـ “روزنة” أن الدور الأوروبي في سوريا لن يتمكن أن يتخطى الدور الأميركي، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة.
و حول الدور الذي تحاول باريس شغله من جديد في المنطقة وسوريا خلال الفترة المقبلة، قال الهواس أن “فرنسا لم تعد تلك الدولة العظمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بل دولة تابعة لأمريكا، تحاول أن يكون لها دور في مستعمراتها السابقة لما تسمح به أمريكا، لذلك هي تلعب دور الوسيط أو السمسار وليس دور الدولة العظمى التي كانت تلك البقاع جزءا من مستعمراتها، وقد ساهمت بتصنيع تلك الكيانات تحت مسمى دول”.
دور محدود؟
من جهته كان الباحث السياسي؛ د.عبد القادر نعناع، أشار خلال حديث لـ “روزنة” أنه ورغم محدودية التأثير الأوروبي في المشهد السوري، في ظل عدم توفر أدوات التدخل العسكري، مقابل تدخل رباعي (أميركي روسي إيراني تركي)، حسم أمره مبكراً، إلا أن ذلك لا يعني غياب الدور الأوروبي مطلقاً.
و أضاف: “هناك مروحة واسعة من المواقف السياسية الأوروبية، التي تساهم (بحد أدنى) من خلال الضغط على القوى الأربعة المتدخلة في المشهد السوري، إضافة إلى دور إنساني وثقافي وتمويلي..
الأوروبيون حاضرون في المشهد السوري، لكن دون تأثير في مجريات الأحداث، رغم أنهم متضررون أكثر بكثير من القوى الأخرى، عبر استضافة اللاجئين وتوطينهم، دون أن يكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عما يجري في سوريا”.
وأصبح تغير الموقف الفرنسي تجاه عدة مسائل في الملف السوري واقترابه مع الرؤية الروسية، أمراً ملموساً أكثر من أي وقت مضى، فباريس التي كانت وافقت بشكل مبدئي على رغبة واشنطن بإرسال قوات فرنسية إلى منطقة شرق الفرات السورية لملئ فراغ انسحاب القوات الأميركية، قد تسلك مساراً مغايراً عن توجه حلف “الناتو”.
وباتت الرؤية الفرنسية حيال الملف السوري ضمن إطاره العام أقرباً إلى موسكو، في ظل مهاجمة الرئيس الفرنسي لـ “الناتو”، مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، واصفاً إياه -آنذاك- بأنه “يعيش موتا سريريا” معللا ذلك لعدة أسباب من بينها “نقص التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلف”، وذلك خلال تصريحات أدلى بها في مقابلة مع مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
وحول ذلك رأى الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية؛ د.طارق وهبي بأن الملفات المشتركة الدولية بين الجانبين ليست بالسهلة، خصوصاً و أن روسيا تمتلك تدخلاً مباشراً في الأزمتين السورية والإيرانية وغير مباشر بالمبيعات العسكرية إلى إيران.
و أردف: “فرنسا و بشخص وطريقة الرئيس ماكرون ترغب أن تستقطب روسيا لمسار أقرب وسطي يبحث عن إحياء الديغولية التي كانت تدعم التدخل في شؤون الدول دون الدخول طرفاً بالصراع، و ليست المرة الأولى التي تبحث فرنسا عن الدعم الروسي الصريح حول مواضيع جد مشتركة كاستمرارية الاتفاق النووي رغم تصلّب الموقف الأميركي، والبحث عن دستور جديد لسوريا بموافقة الروس, رغم القرار العسكري المشترك الروسي السوري للقضاء على آخر تجمع للمعارضة في إدلب”.
و ختم قائلًا: “الرئيس ماكرون يريد أن يلعب دور الوسيط الدولي في التأزم الحاصل في عدة ملفات، و الرئيس بوتين الذي يحتفل بمرور عشرين عاماً على سدة الحكم في روسيا يعلم جيداً انه بحاجة الى محاور بمستوى روسيا وفرنسا ورئيسها هم الأنسب”.
اقرأ أيضا: سوريا وإعادة رسم خطوط التماس بألوان النفط والغاز!