لماذا تعود فرنسا إلى الشرق الأوسط؟
نشرت مجلة أمريكية مقالا بشأن العودة الفرنسية السريعة إلى منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال انفجار مرفأ بيروت الذي أعطى الفرنسيين فرصة جديدة في منطقة باتت تتصارع فيها دول أخرى.
وكتب الصحفي الأمريكي والمختص في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، ستيفن آي كوك، في مقاله عن عودة فرنسا إلى منطقة الشرق الأوسط، وجاء ذلك جليا من خلال الزيارات التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان مرتين ومنها إلى العراق.
كما عزز ماكرون الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة من خلال نشر وحدات عسكرية بحرية شرقي البحر المتوسط. وأصدرت فرنسا أوامر سريعة لدعم الإغاثة في لبنان بعد انفجار الميناء المدمر في بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي.
وأشار الخبير الأمريكي إلى أن لطالما تمسك صانعو السياسة الفرنسيون بالوهم القائل بأن بلادهم لا تزال قوة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط.
وقال كوك إن “الفرنسيين يبيعون بعض الأسلحة الباهظة الثمن لمجموعة متنوعة من الدول وانضموا إلى الأمريكيين والبريطانيين في مجموعة متنوعة من العمليات العسكرية على الرغم من عدم مشاركتهم في عملية تحرير العراق”.
وتابع كوك، قائلا: “فهم يشاركون كذلك في عمليات مكافحة الإرهاب خاصة في شمال أفريقيا، وبين الحين والآخر يعلن رئيس فرنسي عن تصميمه على إيجاد حل للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
وبحسب الكاتب، فإن “الجهود الفرنسية تميل إلى التلاشي حتى قبل أن تبدأ واليوم يبدو أن الفرنسيين أكثر جدية بشأن دورهم في هذه المناطق المترابطة. ويدّعي ماكرون أن فرنسا مستعدة لممارسة القوة لتحقيق النظام والاستقرار في المنطقة. إذن لماذا هذا التغيير؟ هذا التغيير، الذي حدث بسبب اللاجئين والطاقة وتركيا”.
ويكتب كوك بشأن السياسة الفرنسية في ليبيا التالي: “تقود بعض الظروف السياسية القديمة إلى الإجابة عن ذلك التساؤل، فمثلا، منذ ما يقرب من عقد من الزمن، سعى نيكولا ساركوزي، أحد أسلاف ماكرون، بشغف إلى عمل تدخل عسكري دولي لإسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي. ولم يكن الرئيس الفرنسي آنذاك من دعاة تغيير النظام من أجل إحلال الديمقراطية في ليبيا”.
ويضيف: “لكن ساركوزي كان قلقا من أن العنف، الذي كان يمارسه القذافي ردا على انتفاضة ضده قد يرسل موجات من اللاجئين إلى الشواطئ الأوروبية، ويبدو أن نفس المشكلة هي التي تقود ماكرون اليوم في ليبيا، لكن مع قليل من الاختلاف عن وجهة نظر ساركوزي”.
ويتابع كوك: “بدلا من التخلص من دكتاتور، يبحث ماكرون عن شخص يمكنه المساعدة في تمكينه من السلطة، وبدا ذلك واضحا في تقديم الدعم للمشير خليفة حفتر بهدف القضاء على الميليشيات المتطرفة التي ترتع في غرب ليبيا”.
وأشار أنه عندما “اتفق الفرنسيون مع حفتر، الذي يقود الجيش الوطني الليبي ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس، كان ذلك بناء على حسابات باردة مفادها أن حفتر يمكن أن يكون الرجل القوي الذي تحتاجه فرنسا للحفاظ على تماسك ليبيا، وبالتالي منع الليبيين والأفارقة الآخرين من الوصول إلى جنوب أوروبا”.
ويرى المحلل الاستراتيجي كوك أن ماكرون يستحق بالتأكيد الثناء لكونه الزعيم الغربي الوحيد المستعد لمواجهة المشكلة، لكن جزءا من هذه المشكلة هو احتمال وصول لاجئين لبنانيين جدد إلى أوروبا.
ومنذ وقت ليس ببعيد، ضربت موجة من اللاجئين السوريين السياسات الأوروبية وساهمت في نجاح الأحزاب القومية اليمينية والنازية الجديدة في مجموعة متنوعة من الدول، بيد أن ماكرون يريد تجنب موجة جديدة من اللاجئين، خاصة أنه يواجه إعادة انتخابه في عام 2022.
مصالح فرنسا في منطقة الشرق الأوسط
وكشف الكاتب عن مصالح فرنسا الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في ليبيا والعراق ولبنان وقبرص.
ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا وخامس أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي، وتعمل هناك شركة الطاقة الفرنسية “توتال” منذ ما يقرب من سبعة عقود.
كما تمتلك الشركة الفرنسية نفسها حصة تقدر بنحو 22.5 في المئة في حقل حلفايا النفطي ولديها حصة 18% في منطقة استكشاف في إقليم كردستان. كما تشارك الشركة في التنقيب عن الغاز قبالة الساحل الجنوبي لقبرص، والذي يقع بجوار المياه اللبنانية مباشرة، حيث يعتقد أيضا أن هناك كميات وفيرة من موارد الطاقة.
وأشار الكاتب أن فرنسا تتميز بسمعة طيبة في الشرق الأوسط لدعمها مبادئ وحقوق الإنسان على عكس السياسات الأمريكية في المنطقة الحليفة والمساندة لإسرائيل التي يكرهها العرب وعلى صراع تاريخي معها.
وتحاول فرنسا بهذه الخطوات المفاجئة من الوقوف بوجه تركيا وتوسعها في المنطقة خصوصا في ليبيا وشمال لبنان، بالإضافة إلى عملية التنقيب عن الغاز التركي قبالة قبرص يهدد أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي والمصالح التجارية الفرنسية.
ولأن الفرنسيين اختلفوا في الكثير من الأحيان عن الولايات المتحدة في القضايا الإقليمية وخاصة فلسطين والعراق فقد اكتسبوا سمعة طيبة في الشرق الأوسط لدعمهم المبادئ وحقوق الإنسان.
ومع ذلك، فقد حجبت هذه التناقضات حقيقة أن الفرنسيين يتابعون ويحمون مصالحهم التجارية في المنطقة، بما في ذلك جهودهم المتطورة للاستفادة من موارد الطاقة في المنطقة.
ثم هناك تركيا، التي لا تتمتع بعلاقة جيدة مع فرنسا ولطالما كانت فرنسا إلى جانب عدد من الأعضاء الآخرين، وفي مقدمتهم ألمانيا، متشككة في تصميم أنقرة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
اقرا ايضاً: حظيت بموافقة ترامب.. الكشف عن شروط واشنطن لإعادة العلاقات مع دمشق