الأربعاء , نوفمبر 27 2024
بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 .. لغز الانفجار الكبير

بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 .. لغز الانفجار الكبير

بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 .. لغز الانفجار الكبير

هل يمكن ان تتخيل عزيزي القارئ ظهور شمس ثانية في كبد السماء الى جانب شمسنا الحالية , طبعا اناس ‏كثيرون سيعتبرون حدوث أمر كهذا على انه من علامات الساعة , و هذا بالضبط ما ظنه أهالي منطقة تونكيوسكا ‏في روسيا صباح احد أيام عام 1908 , حتى ان المساكين بعثوا رسلهم على وجه السرعة الى اقرب رجل الدين ‏ليسألوه عن الكيفية التي يجب ان يتهيئوا بها ليوم الحساب و ما هي الشعائر اللازمة لمواجهة هذه المناسبة !! و ‏لعلك عزيزي القارئ تسخر من هؤلاء القوم , لكن لو قيظ لك ان تشاهد ما رأوه في ذلك الصباح العجيب لأشفقت ‏عليهم و عذرتهم , بل ربما لوافقتهم فيما ذهبت إليه آرائهم , فذلك الصباح كان استثنائيا و خارقا بكل معنى الكلمة. ‏

هل انفجر صحن طائر في سماء سيبيريا صباح ذلك اليوم ؟

بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 .. لغز الانفجار الكبير
صورة متخيلة للأنفجار الذي وقع فوق سيبيريا عام 1908

صباح الثلاثين من حزيران / يونيو عام 1908 كان صباحا عاديا في سيبيريا , كانت السماء زرقاء صافية و أشعة الشمس الذهبية تنساب بهدوء بين أوراق و أغصان غابات سيبيريا الخضراء لتوشح الأرض بلون ذهبي جميل و لتشيع جوا من الغبطة و التفاؤل في نفوس الأشخاص القلائل الذين كانوا يسكنون في تلك النواحي النائية و المنعزلة من روسيا , احد هؤلاء كان السيد سيمينوف الذي كان يعيش في بلدة فانفارا الصغيرة , و الذي كان صباح ذلك اليوم يجلس بهدوء أمام منزله متأملا المنظر الطبيعي الخلاب أمامه , كانت الساعة تشير إلى حوالي السابعة صباحا عندما رفع رأسه ليرى خطا مضيئا ظهر فجأة في السماء و شطرها نصفين تاركا خلفه ذيلا طويلا من النيران الملتهبة التي جعلته يشعر بحرارة شديدة تكاد تدفعه لتمزيق قميصه الذي ظن لوهلة ان النيران قد نشبت فيه , ثم فجأة دوى صوت انفجار عظيم و أحس السيد سيمينوف بجسده يطير في الهواء ليرتمي ارضا على بعد عدة ياردات فاقدا للوعي تقريبا من هول الصدمة , ثم أحس بيدي زوجته التي هرعت اليه تسحبه و تقوده الى داخل المنزل بسرعة و ما ان أغلقت الباب حتى دوى صوت مهيب بدا كما لو انه صوت صخور عظيمة تتكسر و تتهاوى من السماء او كما لو ان آلاف المدافع تطلق قذائفها معا في آن واحد , ثم بدئت الأرض تهتز بشدة فغطى السيد سيمينوف و زوجته رأسيهما بكلتا يديهما هلعا و رعبا ثم هبت من جهة الشمال رياح عاصفة شديدة الحرارة ضربت بيوت البلدة الخشبية بقوة فحطمت النوافذ و كسرت الأقفال و أحرقت بعض المزروعات.

لم يكن السيد سيمينوف الشخص الوحيد في ذلك الصباح الذي شاهد بالانفجار و أحس به فهناك العديد من الأشخاص عاينوا ما جرى و خالجهم نفس شعور الخوف و الرعب الذي أصاب السيد سيمينوف , بعضهم وصف ما جرى بظهور جسم غريب مضيء و محاط بالنار و اللهب في السماء و تحركه باتجاه الشمال لمدة عشر دقائق قبل ان ينفجر بشكل مهيب , احد الشهود القريبين من المكان كان نائما مع أخيه في خيمة في العراء عندما استيقظا فجأة بعد ان أحسا بالأرض ترتجف تحتهما و بريح حارة و عاصفة تقتلع خيمتهما , احد الشقيقين وصف ما رآه بعد ذلك قائلا : “عندما رفعت رأسي رأيت منظرا عجيبا , لم تكن النار قد شبت في الأشجار حولنا لكنها كانت تتوهج بشكل غريب , كان هناك ضوء قوي و نور ساطع في السماء الى درجة إني أغلقت عيني من الألم , ثم دوى صوت مهيب أشبه بصوت الرعد فرفعت رأسي و نظرت نحو الشمال , كان الجو صافيا و خاليا من الغيوم و كانت شمسنا تتوهج كالعادة , لكن كانت هناك شمس ثانية معها في السماء!!”.

من حسن الحظ ان المنطقة التي حدث الانفجار فوقها مباشرة كانت خالية تقريبا من السكان لذلك لم يسجل فقدان و موت أي شخص في تلك الواقعة المروعة التي لو كانت حدثت فوق إحدى المدن الكبرى لخلفت حتما مئات الآلاف من القتلى لأن الانفجار كان قويا الى درجة انه شاهده و شعر بالهزات التي رافقته أشخاص على بعد 350 ميل , و تسبب في حدوث هزة أرضية بلغت قوتها 5 درجات على مقياس ريختر أحست بها و سجلتها مراكز الرصد في أوربا و أمريكا , و لعدة ليال بعد الانفجار استمرت السماء بالتوهج بضوء غريب في أوربا و آسيا حتى ان سكان لندن كان باستطاعتهم قراءة الجرائد ليلا بدون الحاجة إلى المصابيح!.

رغم غرابة ما حدث في ذلك الصباح المخيف من عام 1908 و رغم ان الصحافة المحلية الروسية كتبت عن الانفجار إلا ان الحكومة القيصرية الغارقة في المشاكل في موسكو لم تكلف نفسها عناء التحقيق في الحادث , و ربما كانت الأحداث العاصفة التي مرت بها روسيا و أوربا في مطلع القرن العشرين سببا في تجاهل العالم لما حدث في منطقة تونكيوسكا (Tunguska )السيبيرية لسنوات طويلة , لكن في عام 1921 اقنع العالم ليونيد كيولك الحكومة السوفيتية بإرسال بعثة الى منطقة الانفجار للتحقق مما حدث هناك قبل ثلاثة عشر عاما , و قد وافقت الحكومة على ذلك بعد ان أغراها كيولك بالمعادن الثمينة التي ربما يكون الانفجار قد خلفها ورائه و يمكن استعمالها في الصناعات السوفيتية الناشئة.

في عام 1927 و بعد عدة سنوات من البحث و التحري و الاستماع الى إفادات الشهود وصلت بعثة كيولك الى منطقة الانفجار في تونكيوسكا , و قد كان المنظر الذي شاهدوه هناك مرعبا بحق , لقد كانت هناك أراضي و غابات محروقة بالكامل في منطقة مساحتها اكثر من خمسين كيلومترا , كانت الأشجار متفحمة و ساقطة أرضا باتجاه معاكس للجهة التي حدث فيها الانفجار , لكن المفاجأة التي صدمت العلماء هي انهم كانوا يتوقعون ان يجدوا حفرة او فوهة ناجمة عن الانفجار في النقطة التي حدث فوقها مباشرة الا انهم عوضا عن ذلك وجدوا غابة صغيرة من الأشجار التي لم تسقط أرضا كتلك المحيطة بها لكنها ظلت منتصبة كأعمدة الكهرباء بعد ان فقدت جميع أوراقها و أغصانها مما يدل على ان الانفجار حدث فوقها مباشرة , و بسبب عدم العثور على حفرة في المكان فأن عملية فهم ما حدث أصبح أمرا أكثر تعقيدا مما ظنه العلماء للوهلة الأولى و الذين اعتقدوا و استنتجوا بعد اطلاعهم على إفادات الشهود بأن الجسم الذي انفجر كان نيزكا كبيرا بقطر حوالي ستين مترا اخترق الغلاف الجوي الأرضي و نتج عن عملية احتكاكه و احتراقه انفجار عظيم , لكن كيف يعقل ان يحترق نيزك بهذا الحجم في الجو بالكامل و لا تصل أي من أجزائه الى الأرض؟ هذا هو اللغز الذي ارق العلماء و لم يجدوا جوابا له حتى اليوم فجميع التحليلات و الاختبارات التي أجروها على البقايا المحروقة في مكان الانفجار لم تعط تفسيرا قاطعا و منطقيا حول ما حدث.

صورة حقيقية التقطت في ثلاثينيات القرن المنصرم في منطقة الانفجار و تظهر الدمار الذي خلفه حيث اقتلع جميع الاشجار في الغابة و هناك في حاشية الصورة عدة شجيرات مورقة لكنها نبتت بعد الانفجار

و هناك اليوم عدة نظريات حول انفجار سيبيريا العظيم ربما تكون أكثرها قبولا لدى العلماء هو ان نيزكا بقطر حول ستين مترا اخترق الغلاف الجوي الأرضي في صبيحة يوم 30 حزيران / يوليو 1908 و احترق في الغلاف الجوي على ارتفاع حوالي 7 – 10 كيلومتر فوق سطح الأرض و قد تولد عن احتراقه انفجار عظيم بقوة 10 – 15 ميغاطن (1 ميغاطن = 10000 طن من مادةTNT الشديدة الانفجار) أي ما يعادل ثلث قوة قنبلة القيصر الهيدروجينية و هي اقوي سلاح صنعه البشر , و يعتقد العلماء ان سبب عدم وصول شظايا من النيزك و ارتطامها بسطح الأرض يرجع الى انه كان يتكون بصورة رئيسية من الغبار و بعض المواد المتجمدة لذلك احترق و تبخر بصورة كاملة في الجو.

هناك نظريات أخرى اقل قبولا لدى العلماء تحاول تفسير ما حدث , بعضها يعتقد بأن هناك نيازك توجد داخلها مواد كيميائية و معادن يمكنها ان تولد عند احتراقها انفجارا نوويا , أي بمعنى أخر ان النيزك من هذا النوع يكون أشبه بقنبلة نووية او هيدروجينية طبيعية. و نظرية أخرى تزعم ان الانفجار حدث نتيجة مرور ثقب اسود صغير بالكرة الأرضية (1) و لكن ما يضعف هذه النظرية هو عدم وجود فوهة او حفرة في منطقة الانفجار كما لم يحدث انفجار مماثل في الجهة المقابلة (أي النقطة المقابلة على الطرف الأخر من جسم الأرض الكروي) لمنطقة الانفجار في عام 1908 و هو ما يجب ان يحدث نظريا عند مرور الأرض بثقب اسود.

هناك أيضا دراسة و فرضية حديثة تعتقد ان بحيرة جيكو الصغيرة الواقعة بالقرب من مكان الانفجار هي في الحقيقة ليست بحيرة طبيعية و لكنها الفوهة التي تكونت نتيجة اصطدام بعض قطع النيزك بالأرض.

و هناك أيضا نظريات لأنصار ظواهر ما وراء الطبيعة و الأحداث الخارقة و التي تفسر ما حدث عام 1908 على انه انفجار صحن طائر قادم من عوالم أخرى حيث يزعمون ان غرابة الانفجار و عدم تركه أي حفرة او فوهة في الأرض إضافة الى عدم العثور على قطع من النيزك في مكان الانفجار كلها تدل على انه كان صحنا طائرا أصيب بخلل و انفجر داخل الغلاف الجوي الأرضي و ان شدة الانفجار سببها التقنية المتقدمة و المتطورة التي تستعملها المخلوقات الفضائية لقطع المسافات الكونية الهائلة بين النجوم و الكواكب , و بسبب هذه النظرية يحلو للبعض أطلاق اسم حادثة روزويل الروسية على الانفجار تشبها بحادثة روزويل الأمريكية (2) الغامضة.

و هناك إضافة الى كل النظريات السابقة رأي الناس الذين شاهدوا الحادثة و رأي مجموعات كبيرة من المتدينين و المؤمنين حول العالم و من مختلف الأديان الذين يعتقدون بأن انفجار تونكيوسكا ما هو إلا من علامات الساعة (شمسين في سماء واحدة!) و انه واحد من مجموعة دلائل و علامات حدثت في العصر الحديث و التي تدل على ان يوم الحساب قريب و ان القيامة هي قاب قوسين او أدنى.

يبقى ان نذكر ان حادثة انفجار سيبيريا العظيم تشكل اليوم هاجسا مخيفا لدى الكثيرين حول العالم خصوصا مع التوقعات المتزايدة (التي لا تستند الى أساس واقعي و لكنها محتملة طبعا) حول ان تتعرض الكرة الأرضية الى اصطدام مع كويكب او نيزك عملاق قد يؤدي الى القضاء على الحياة برمتها على الأرض.

1 – الثقوب السوداء : هي ببساطة بقايا او أشباح نجوم ميتة , فعندما تموت بعض النجوم بعد ان تنضب طاقتها (كما سيحصل لشمسنا في يوم من الأيام) تندمج ذراتها مع بعضها و تتقلص كتلتها حتى تتحول الى جرم صغير مظلم لا يمكن ان يرى لكنه ذو جاذبية عظيمة تسحب اليها و تبتلع كل شيء قريب منها من كواكب و نجوم و أجرام فضائية و لا يمكن ان يفلت منها حتى الضوء المار قربها و رغم عدم إمكانية مشاهدة الثقوب السوداء الا ان العلماء يستدلون على وجودها من تأثيراتها على الأجرام القريبة منها , الثقوب السوداء هي من اغرب الظواهر في الكون التي جذبت اهتمام العلماء في العصر الحديث من اجل دراستها و فهماها و هي اعقد بكثير من هذا الشرح البسيط و المختصر الذي كتبناه لذلك اذا كنت ترغب عزيزي القارئ في الاطلاع على المزيد من المعلومات عنها يمكنك كتابة ثقب اسود او (Black Hole)في أي محرك بحث.

2 – حادثة روزويل الأمريكية : هي من أشهر حوادث الأطباق الطائرة في العصر الحديث حيث يعتقد ان طبقا طائرا تحطم مع طاقمه قرب بلدة روزويل الأمريكية في عام 1947 و قامت الحكومة الأمريكية بإخفاء جميع الحقائق عن هذا الحادث و ادعت ان ما تحطم هناك كان عبارة عن بالون اختبار للجو فيما يدعي أنصار نظرية الأطباق الطائرة بأن الحكومة الأمريكية عثرت في منطقة الحطام على مخلوقات فضائية و قامت بنقلها سرا الى المنطقة 51 (Area 51) و هي قاعدة أمريكية شديدة السرية موجودة في صحراء نيفادا و يسمح لحراسها بإطلاق النار مباشرة على أي شخص يقترب منها كما يمنع و يعاقب العاملون فيها من التحدث عنها و هي لا توجد فعليا على أي خارطة رسمية أمريكية و لكن أقمار التجسس الروسية هي التي التقطت لها صورا و نشرتها في الستينات و يمكنك مشاهدتها اليوم عبر برنامج (Google earth) و ستجد تعليقا قربها يقول :Don’t ask , don’t tell لا تسأل و لا تخبر أحدا!! و كانت المنطقة 51 و جثث المخلوقات الفضائية لحطام روزويل جزءا رئيسيا من قصة فلم يوم الاستقلال (Independence Day)الأمريكي الشهير الذي اعتقد ان اغلبنا شاهده و هو يتحدث عن غزو مخلوقات فضائية للأرض.

هذه القصة نشرت لأول مرة بالعربية في موقع مملكة الخوف بتاريخ 23 /08 /2009

اقرأ أيضا: أسرار دمشق كما يوجزها نبيل صالح