9 نصائح يقدمها لك الفلاسفة لتجاوز المحن والبلاء
كان الإغريق القدماء يعتقدون أن الفلسفة هي «علاج للروح»؛ إذ كانت الفلسفة تنشط في كثيرٍ من الأحيان بأوقات الأزمات والمحن؛ وقد عايش أعظم مفكري التاريخ أزمات اقتصادية وأوبئة وحروب، قد جعلت من الرؤى الفلسفية التي أنتجوها «حكمًا» مكتسبة عن تجارب؛ وفي الوقت الذي نعاني فيه من آثار الجائحة العالمية للمتلازمة التنفسية «كوفيد-19» بالإضافة للعديد من الكوارث الأخرى المتغلغلة في العالم العربي، أصبحنا بحاجة للعزاء الذي يمكن أن تقدمه لنا الفلسفة، وخبرة هؤلاء ممن تجاوزوا تلك الأزمات والجوائح. من وحي ذلك نقدم لك عزيزي القارئ، 10 عزاءات فلسفية قد تساعدك في أوقات البلاء.
1. قبل العودة إلى «الوضع الطبيعي» هناك شيء يجب أن تفعله
ينظر إلى سقراط باعتباره الأب الروحي للفلسفة اليونانية، وقد عاش فترة الطاعون جنبًا إلى جنب انحطاط أثينا كقوى عظمى؛ وهو الرجل الذي لم ينظر أبدًا إلى المحن التي عاصرها كأمرٍ سيئ؛ بل كانت بمثابة فرصة عظيمة له للتقرب من الشعب الأثيني في ساحات المدينة؛ كانت تلك هي سمة سقراط الأكثر غرابة، والتي التصقت به لآخر حياته، مقابلة الأشخاص من جميع الطبقات الاجتماعية والأعمار، وإمطارهم بالأسئلة.
كانت أوقات المحن والمصائب على الرغم من اضطرابها، إلا أنها قد شكلت بالنسبة إلى سقراط وسيلة للمعرفة ولاستبيان أحوال الجميع، من القادة وجنرالات الحرب وحتى الشعراء والفنانيين. حينذاك لم يستطع القائد العسكري أن يخبره ما الشجاعة، تمامًا كما لم يستطع الشاعر أن يصف الشعر له. يقول عن ذلك الكاتب الأمريكي إريك وينر، في مقاله بصحيفة «وول ستريت جورنال»: إن الفيلسوف اليوناني قد اكتشف حينها أن النخب الأثينية لا تتصف بالحكمة التي اعتقد أنهم يمتلكونها؛ بل على العكس من ذلك هم يجهلون حتى «عدم درايتهم».
يشير وينر إلى أن سقراط قد أدرك حينها أن التشكيك وعدم اليقينية هو الطريق الذي من خلاله «تتفتق» الحكمة، وأن تلك الأوقات جديرة بالتأمل وإلقاء نظرة ثانية متفحصة على الواقع، على الحقائق التي ظننا أنها مسلم بها، ففي المحن، عندما نتوق للعودة إلى «الوضع الطبيعي» للحياة، يجب علينا أن نتوقف برهة أولًا لنتساءل: «ما هو الطبيعي»؟
2. تقبل الوضع الراهن
تقدم لنا «الفلسفة الرواقية» نظرة جيدة على هؤلاء ممن لا يستطيعون التواجد في منازلهم، إذ كان أتباع تلك الحركة الفلسفية ينتشرون في أروقة السوق العام لمدينة أثينا الجميلة لمناقشة مشكلاتهم، خلال القرن الرابع قبل الميلاد. حينها أسس الفيلسوف اليوناني زينون السيجومي هذا المذهب الذي يندرج تحت فلسفة الأخلاقيات الشخصية، بهدف توفير دعامة أخلاقية لمواقف الحياة اليومية، والقدرة على مواجهة الصعاب.
رحب الرواقيون بالأوقات الصعبة، وتدربوا من خلال لحظات أشبه بالتي نعيشها الآن، وقدروا التفكير العقلاني المتزن على التصرفات المتهورة، وقد كان ذلك نابعًا من قدرتهم على تقبل اللحظة الراهنة كما تقدم نفسها إليك، لا كما تتمناها؛ إذ رأى أتباع الرواقية أن البشر مدفوعين بالرغبة في المتعة والخوف من الألم، وهو أمر يجب أن لا نتركه يتحكم بنا ويسيطر على تصرفاتنا، بل يجب علينا أن نتفكر في رغباتنا ومخاوفنا قبل البدء في القلق والذعر.
(كيف يمكن للفلسفة أن تساعد في الأزمات؟)
3. إن لم تستطع تغيير العالم غيّر نظرتك إليه
في القرن التاسع عشر، إبان الحرب الأهلية الأمريكية، عاش الفيلسوف والشاعر هنري ديفيد ثورو في ولاية ماساتشوستس، وقد حاول تطبيق مبادئ «الفلسفة المتعالية» في حياته؛ وهي حركة فلسفية ظهرت خلال القرن الثامن عشر كانت تعني بالطبيعة بصفة خاصة وحمايتها من الإنسان، وقد كانت تلك الحركة الفلسفية تعتمد على «حدس» الإنسان وحده وتعتقد أنه الطريقة المثلى للتعامل مع المشكلات؛ وذلك لأنه مكمن النفس البشرية.
كان المتعالون مجموعة من كتاب نيو إنجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، رأوا أن بصيرة الإنسان وفطرته وحواسه تسمو على المعرفة والخبرة والتجربة، وكان من بينهم الكاتب والفيلسوف ثورو الذي اتبع نمط «الفلسفة المتعالية» في الحياة مدة سنتين – وهو نظام قائم على البساطة والعودة إلى الطبيعة – وذلك بمدينة والدن بوند في ولاية ماساتشوستس؛ وقد دون ملاحظاته وتجاربه في كتابه الشهير «والدن» الذي يعد من أفضل أعماله.
كانت أفكار ديفيد ثورو خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخ الولايات المتحدة تتمحور حول حكمة واحدة: «إن لم تستطع تغيير العالم، غير نظرتك إليه»؛ فالجمال يمكن أن نجده أيضًا في النقصان وعدم الكمال. يقول ثورو إنه في نهار أحد أيام سبتمبر (أيلول)، عندما نظر إلى بحيرة والدن بوند الهادئة، لم ير الشوائب العالقة في المياه والتي تشوه نقاءه؛ بل رأى الجمال الذي أضافته تلك الشوائب للمياه. كان هذا ما أرادنا ثورو أن نفعله؛ أن نبحث حولنا عن الجمال حتى بين الشوائب.
4. يسعى الحكيم إلى التحرر من الألم.. لا إلى السعادة
كان الفيلسوف الألماني، أرتور شوبنهاور، يمتاز بمزاجه السوداوي، إذ عُرف عنه النظرة التشاؤمية للحياة. قد يقودك هذا للتفكير: «ما الذي يفعله شوبنهاور إذًا في العزاءات الفلسفية» وتجاوز المحن؟ نبعت سوداوية هذا الفيلسوف من المعاناة والألم اللذين لاحقاه طوال حياته؛ فقد عاش شوبنهاور وحيدًا بائسًا حتى أيامه الأخيرة، كما أن طفولته ومراهقته كانت عبارة عن سلسلة من الأزمات والمحن المتمثلة في انتحار أبيه، وعلاقته السيئة مع أمه، ولهذا رأى شوبنهاور أن التعاسة سببها الحقيقي هو «السعى وراء السعادة».
«ما يسبب التعاسة هو السعي وراء السعادة بافتراض أكيد أننا سنجدها في الحياة، سيكتسب الشباب الكثير لو تمكنوا من تخليص أذهانهم من الفكرة الخاطئة بأن لدى العالم صفقة عظيمة سيعرضها علينا». *شوبنهاور
كان الفيلسوف الألماني متأثرًا بملاحظة تركها أرسطو في كتاب الأخلاق لنيكوماخوس، تقول إن الحكيم يجب أن يسعى نحو التخلص من الألم، عوضًا عن السعي إلى السعادة، وهو الأمر الذي شكل غالبية أفكار شوبنهاور، ربما رغبةً منه في التخلص من آلامه والتحرر منها؛ فيقول: «إن علينا توجيه هدفنا نحو تجنب شرور الحياة التي لا تحصى»؛ إذ رأى شوبنهاور أن الحصة الأسعد ستكون من نصيب الإنسان الذي تجنب القدر الأكبر من الألم الجسدي أو العقلي.
5. لا ينبغي أن نشعر بالإحراج بسبب بلاءاتنا
في خريف عام 1865 داخل مكتبة للكتب المستعملة في شارع بلومجاسه في لايبزج، حمل الفيلسوف الألماني الشاب فريدريك نيتشه بالصدفةِ البحتة كتاب شوبنهاور «العالم كإرادة وتمثل»، وخلال ساعات كانت أفكار العجوز الكئيبة قد تملكت من هذا الشاب؛ حتى أنه في أوقات الأزمات كان يصيح: «شوبنهاور، النجدة»، طلبًا للعون من أستاذه.
استغرق نيتشه حوالي 10 سنوات قبل أن يعلن تغيير أفكاره رسميًا في نهاية عام 1876، ويعلن رفضه لبعض أطروحات شوبنهاور العامة، إذ رأى الفيلسوف الشاب في تجنب الألم جُبنًا ومحاولة منحرفة للبقاء. كان ما غير أفكار نيتشه من السوداوية هو تعرفه على أفراد يعرفون إنجازات الحياة الفعلية؛ هؤلاء الأفراد لم يحققوا إنجازاتهم عبر تجنب الألم، بل عبر الشجاعة.
«عبر إخفاقاتنا فحسب سينمو كل ما هو جميل»، كان هذا رأي نيتشه الجديد المتعلق بالألم واللذة، فتجنب الألم كان يعني تجنب الحياة، وهي الحقيقة التي أدركها نيتشه أثناء وجوده على أحد شواطئ نابولي؛ إذ شعر أنه عجوز في جسدٍ شاب؛ فغمر الدمع عينيه، حينها أدرك نيتشه أن الألم لا يمكن تجنبه، لكن من الممكن تقبله كشعورٍ «طبيعي» وخطوة لابد عنها في سبيل تحقيق أية غاية؛ لذا لا ينبغى أن نشعر بالإحراج من بلاءاتنا؛ لأنها مجرد خطوة في طريقنا إلى الأمام.
6. انتهز «المحن» لترى العالم بشكلٍ مختلف
في القرن السادس عشر الميلادي، عاش واحدًا من أكثر الكتاب الفرنسيين تأثيرًا على مر العصور، وهو الفيلسوف ميشيل دي مونتين الذي كان عمدة مدينة بوردو عندما فتك وباء «الطاعون» بنصف سكانها. عندها عزل دي مونتين نفسه على ربوة تل، كطريقة لتأمل حياته عن كثب بعد وفاة أعز أصدقائه؛ وبدأ في كتابة «المقالات»، وقد فسر الفيلسوف الفرنسي «فن العيش» في الفصل الأخير بأنه الطريقة التي نستثمر بها محننا.
كان الألم والمعاناة بالنسبة إلى دي مونتين أمرًا حتميًا في الحياة، لكن الفرق يكمن في الطريقة التي نتعامل بها مع آلامنا؛ فالإحساس بالظلم على سبيل المثال من الممكن أن يقود الإنسان إلى القتل، تمامًا كما قد يقوده إلى عمل رائد في الاقتصاد، ونحن من نختار كيف نتعامل مع آلامنا، وما فعله دي مونتين عندما حصد الموت الأسود أرواح سكان مدينته، كان أن أخذ خطوة للوراء، وأخذ في إلقاء نظرة ثانية على عالمه، وهو ما يجب أن نفعله.
كانت الحياة بالنسبة إلى الفيلسوف الفرنسي أشبه بسيمفونية موسيقية، تتجاور فيها النغمات القاسية والناعمة جنبًا إلى جنب؛ وعلى الموسيقار معرفة كيفية التعامل مع تلك النغمات، ومزجها معًا، فيقول عن ذلك: «وكذا ينبغي أن نتعامل مع الجيد والسيئ، النابعين من جوهر واحد في حياتنا».
7. تخلص من أحكامك المسبقة عن الأشياء
لا يمكن أن نتحدث عن المحن والبلاءات، دون أن نذكر الفيلسوف الفرنسي، ألبير كامو، والذي تناول في روايته «الطاعون» كافة الصراعات النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تنشأ عن الجائحة، والطرق المختلفة التي تعامل بها البعض معها.
عانى كامو من المحن بشكلٍ خاص؛ إذ كانت نشأته فقيرًا في الجزائر بين ويلات الحرب العالمية لها أثرًا كبيرًا فيما يعتنقه من أفكار، ويعد أشهر ما كتبه هذا الفيلسوف الوجودي عن البلاءات، هو مقالته الشهيرة «أسطورة سيزيف»، والتي لخص فيها معاناة البطل العبثية – حسب الأسطورة الشهيرة – الذي حكمت عليه الآلهة أن يدفع صخرة إلى أعلى التل مرارًا وتكرارًا فقط ليراها تسقط مرةً أخرى، كنوعٍ من العذاب الأبدي، بأنها وليدة أفكارنا الخاصة عن سيزيف وأحكامنا المسبقة.
«يجب على المرء أن يتخيل سيزيف سعيدًا». *ألبير كامو
فسر كامو معاناة سيزيف بأنها أشبه بمعاناة الإنسان مع القدر، فقد وضعنا داخل تلك الحياة دون رغبةً منا في ذلك، وفي الوقت ذاته نحن خاضعين لسلطة القدر التي لا مفر منها، وعلى الرغم من عبثية تلك الحياة وانعدام الأمل في الخلاص، إلا أن كامو لم يقصد بذلك اليأس، بل على العكس، التطلع إلى السعادة؛ لأن سيزيف بالنسبة إلى كامو كان يعرف مصيره جيدًا، فهو منصاع لأوامر الآلهة ويبذل هذا الجهد العقيم؛ لأن ذلك يحقق له السعادة، وهو ما عبرت عنه حركة «الفلسفة الرواقية» قديمًا – التي اعتقدت في وحدة الوجود الإنساني – في مقولة الفيلسوف الروماني أبكتيتوس: «ما يعكر صفو البشر ليس الأشياء في حد ذاتها، بل أحكامهم المسبقة عنها».
8. ليس كل ما يشعرنا بالتحسن جيدًا لنا
أراد الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه أن يترك لنا طرقًا يمكن أن نسلكها من أجل تحقيق الإنجاز في الحياة، ومن ضمن المبادئ التي تركها لنا هذا الرجل كانت نصيحته بعدم اعتبار اليأس والألم والمعاناة أمرًا يجب علينا إزالته لننعم بحياة طيبة؛ لأن ذلك بحسبه أشبه بحماقة الرغبة في إزالة «الطقس السيئ».
كان نيتشه يعتقد أن الصعاب هي أمور لازمة لتحقيق الإنجاز؛ أما العزاءات الناعمة والعذبة فمن الممكن لها أن تؤذي أكثر مما تفيد. عن ذلك يقول نيتشه: «هذه المسكنات اللحظية غالبًا ما يكون علينا أن ندفع ثمنها»؛ فليس كل ما يشعرنا بالتحسن جيدًا لنا بالضرورة، تمامًا كما أن ما يؤذينا ليس بالضرورة جيدًا.
يرى نيتشه أن أشنع أمراض الإنسان قد نتجت في الحقيقة من الطريقة التي يتعامل بها البشر مع أمراضهم، فما كان يبدو في البداية وكأنه العلاج الفعال، قد يتسبب في نتيجة أسوأ من المرض الذي من المفترض أن يزيله، ولهذا يجب أن لا نجعل رغبتنا في العزاء تعمق من سوء الشكوى الأساسية. وحده من يستطيع أن يعي أهمية الصعاب للإنجاز، بحسب نيتشه، هو من يدرك أن العزاء الذي يخدر ألمه مؤذ أكثر من أنه مفيد.
9. التخلص من الخوف لتسكين آلام الروح
كان أبيقور من الفلاسفة القدماء المبكرين، فقد عاش في أثينا قبل الميلاد وأسس مذهبه الفلسفي الخاص المعروف بـ«الأبيقورية»، والذي اتخذ من الفلسفة علاجًا للروح؛ إذ كان هدفه هو وضع نظام فلسفي لتسهيل الحياة ومساعدة الفرد على العيش بسعادة حياة هادئة، وخالية من الخوف.
آمن أبيقور بالآلهة، إلا أنه رأى في الوقت ذاته أننا لسنا بحاجة للخوف من الإله، كما شدد على ضرورة عدم الخوف من الموت؛ إذ إنه بالنسبة إلى هذا الفيلسوف اليوناني حالة تعني «غياب الإحساس»، فلا ألم ولا معاناة، بل انقطاع صلتنا عن الوجود، وبالتالي فلسنا في حاجة للخوف منه. وقد آمن أبيقور بضرورة العيش بسعادة بين الأصدقاء، تأكيدًا على أن الصداقة تزيد من جودة الحياة.
كانت المتعة والألم هم المعايير الأبيقورية لتحديد الخير والشر، وعلى الرغم من أن هذا قد يساء فهمه واستخدامه، إلا أن أبيقور قد نهى أيضًا عن الانغماس في الملذات والإسراف في المتع الحسية، إذ بالنسبة إليه كان الهدف الذي يجب أن نسعى إليه هو عيش حياة متوازنة «طيبة» دون أن نشغل بالنا بالأمور الكبرى.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: الملك الذهبي مانسا موسى.. امبراطور مسلم امتلك نصف ذهب العالم!