الأربعاء , ديسمبر 4 2024
شام تايمز

سياسة الأقنعة الأميركية بين تركيا والأكراد!

شام تايمز

لؤي حسن
الأميركيون بدأوا يتكلمون بصوت مرتفع عن “تقسيم سوريا”، هذا ما تبين في برقية دبلوماسية من خمس صفحات صادرة عن السفارة البريطانية تسربت إلى بعض وسائل الإعلام أو بالأحرى سُرِّبَت!، ما يطرح عدة علامات تعجب، سنأتي عليها فيما بعد. البرقية توجز ما جرى في اجتماع دعا إليه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد ممثلين عن “مجموعة سوريا” شرح فيه خطة بلاده لتقسيم سوريا. حضر الاجتماع رئيس ” فريق سوريا” في وزارة الخارجية البريطانية، ورئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية، بالإضافة إلى مستشار وزير الخارجية الأردني نواف وصفي التل!، والمسؤول الأمني في وزارة الداخلية السعودية العميد جمال العقيل!
جديد الأمر
لا جديد في الأمر، فكل ما جرى ويجري في سوريا هو في الأساس من منبع واحد، أي من مندرجات الاستراتيجية الأميركية في رسم خارطة جديدة للمنطقة تحت مُسمى: “الشرق الأوسط الجديد”، وعليه لا جديد فيما تضمنته البرقية المذكورة نقلاً عن ساترفيلد من أن بلاده خصصت أموالا لتوسيع قواعدها في سوريا، وتخريب سوتشي، ولا جديد أيضاً على بؤس التفكير الأميركي، هذا بالنظر لما ورد على لسان ساترفيلد من أن أميركا تنوي “الاستفاده من هشاشة وضع بوتين في المرحلة الانتخابية من اجل دفع الروس للتخلي عن الرئيس الأسد”!؛ ومكمن البؤس هنا في أن فكرة “التخلي” عن الحلفاء تصح مع من خبرهم من الأوزان الخفيفة لقادة يسهل عندهم نقل البندقية من كتف إلى آخر كما فعل السادات أو عمر البشير. أو أردوغان الذي انقلب على سوريا ناكثا المواثيق ناكرا ما قدمته لبلاده!!.
لقد التبس الأمر على ساترفيلد بين الأوزان الخفيفية من قادة لا تشغلهم مصالح بلادهم بقدر ما ينحصر همهم في الحفاظ على الكرسي وامتيازاته، وبين قائد بوزن القيصر!، فكيف إذا كان زعيما لدولة عظمى بوزن روسيا، وعلى اي حال جاء إشراك طيرانه في معارك الغوطة ليؤكد بؤس التقديرات الأميركية.
أما الجديد في هذه البرقية الدبلوماسية فهو في تسريبها بالذات!، حيث يستدعي أسئلةً مثل من سربها وكيف يحدث هذا ومن الخارجية البريطانية بالذات التي تسكنها الأسرار ولا سيما شراكتها التاريخية مع أميركا في إعداد “الطبخات السياسية للمنطقة” !.. ولعل هذا إلى جانب التدقيق في بعض العبارات التي صاغها ساترفيلد، ما يدعونا إلى الاستنتاج بأن موضوع التسريب متعمد لإيصال رسالة ذات وجهين،. الأول يلامس هواجس الأكراد عن جدية امريكا في دعمهم لإقامة كيان كردي. أما الوجه الثاني فهو لطمأنة تركيا بأن دعم الأكراد ينحصر في منحهم “الوزن الدبلوماسي في المسار التفاوضي”، وذلك ضمن “وفد يمثل شرق الفرات” وهو ما عبر عنه ساترفيلد بعبارة “إغراق التمثيل الكردي في مفاوضات جنيف تحت أعلام “قوات سوريا الديمقراطية”!، أي كيان سياسي ولكن بغلبة كردية !!!. غير أن القوات المذكورة في عفرين وجدت نفسها أمام قوات تركية تتقدم فوق جثث من أبناء جلدتها. فتركيا تريد أن تضع اليد على قطعة من سوريا، وبما يمنحها نقطة لحجز مكان عند ساعة التسوية أو (توزيع الجوائز) كما يشتهي أردوغان، وأميركا التي تدعي حماية الأكراد وقفت تراقب. باعتبار أن درة أهدافها السورية تقع شرق الفرات!، وهكذا وجد الجناح الآخر في عفرين أنه يُقدم للأتراك جائزة ترضية ليشتري عدم اعتراضهم على إقامة “كيان شرق الفرات” وهو الاسم المخاتل “لدولة كردية”!، وهذا طرح أجندة مختلفة بين جناحي “قواة سوريا الديمقراطية”، حيث أدرك جناح عفرين بأنه واقع بين مطرقة الألة العسكرية التركية وسندان التواطؤ الأميركي، ما قد يدفع الأكراد في هذا الأقليم خارج قراهم ومدنهم، وبالتالي نقل المشكلة إلى حضن الوطن السوري الأم وسلطته الشرعية. لقد سبق وأشرنا في مقالنا السابق إلى ان تركيا قد تسعى لإقامة شريط حدودي خالٍ من الأكراد على تخومها، هذا إذا ما توفرت الظروف لهذا؛ بناءً على ما سبق سارعت “قوات سوريا الديمقراطية” في عفرين للانضواء تحت مظلة السلطة الشرعية، ولعلها تأخرت في هذا، إنما أن تصل متأخراً خير من ان لا تصل.
كما سبق وأسلفنا، يتحدث الأميركيون من باب طمأنة الأتراك عن”تحجيم دور الغلبة الكردية” في “قوات سوريا الديمقراطية” لصالح العرب !، وعلى هذا السبيل عرض تيلرسون على الأتراك استبدال القوات الكردية في منبج بقوات مشتركة عربية أميركية. ويعدون الأكراد في مكان آخر بمنحهم “الوزن الدبلوماسي في المسار التفاوضي” وهنا تظهر سياسة الأقنعة التي تستعملها أميركا!!. ربما ستكتشف “قوات سوريا الديمقراطية” بعربها وأكرادها بأن أميركا تلعب بهم، اليوم تقدم العرب على الكرد وغداً قد تؤخرهم، والجميع عرضة للغرق في بحر يموج بالأفلاس الأميركي! . لكن من الواضح ان اميركا يوما بعد يوم تخسر اوراقها، وآخرهم الغوطة الشرقية، وبهذه الوتيرة فإن “تقسيم سوريا” أضغاث أحلام.
العهد

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً