هلع في لبنان من إلغاء دعم الحكومة للسلع
يخيم القلق والخوف على حياة اللبنانيين الذين يعانون في الأصل من انهيار الاقتصاد، وذلك بعد إعلان المصرف المركزي في البلاد عن توجه لرفع الدعم عن السلع الأساسية، الأمر الذي ينذر بمزيد من الضغوط الاقتصادية التي ستنعكس سلباً وبشكل حاد على حياة اللبنانيين.
المال ينفد: وتسببت تعليقات المسؤولين التي تشير إلى وقف بعض الدعم خلال أشهر في عمليات شراء بدافع الذعر، لتطل أشباح نقص الغذاء وانهيار أشد مأساوية لقيمة العملة.
فقد أصبح كثيرون يستعدون للجوع والبرد مع اقتراب الشتاء، في دولة يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، يعيش أكثر من 55% منهم تحت خط الفقر.
ويخشى لبنانيون من أن تتضاعف أسعار الوقود إلى أربعة أمثال ما هي عليه الآن إذا توقف الدعم، ومن بين هؤلاء اللبناني فؤاد خماسي، الذي يدفع حوالي 40 ألف ليرة لبنانية كل يوم لتعبئة وقود السيارة.
لا يستطيع سائق السيارة الأجرة، البالغ من العمر 53 عاماً، سوى شراء الوقود لسيارته والطعام لأطفاله، وأصبح يعيش في حالة من القلق، تحاصره المخاوف من أن تقفز أسعار الغذاء والواردات الأساسية المدعومة، كالقمح والوقود والدواء، وتناطح السحاب.
وكالة رويترز نقلت عن خماسي قوله، إن “هذه أصعب أيام حياتي، في بعض الأيام تضع يدك في جيبك فلا تجد شيئاً (…)، أغادر المنزل وليس بوسعي سوى الدعاء”.
من جانبهم، قال مستوردو السلع الأساسية في لبنان، إنهم لم يتم إعطاؤهم جدولاً زمنياً يوضح إلى متى يمكن أن يستمر الدعم.
في حين قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن المصرف لا يمكنه تمويل التجارة إلى أجل غير مسمى، إلا أنه لم يحدد إطاراً زمنياً.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد قال في الآونة الأخيرة في إشارة لاحتياطيات البلاد إن المال سينفد “ماذا نقول؟”.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مسؤول مقرب من الحكومة، قوله إن الأموال المتبقية للدعم ستستمر لستة أشهر أخرى عبر قطع الدعم عن بعض السلع.
الفقر يتفشى: ووسط هذا الوضع الاقتصادي المتردي، تتراشق الدولة، التي يصفها المعارضون بأنها غارقة في الفساد، والقطاع المصرفي المشلول، وهو أكبر دائنيها، بسهام النقد في معركة المسؤولية عن الأزمة.
في غضون ذلك، تزداد الفجوة اتساعاً بين الفقراء والأثرياء، رغم أنها بالفعل تقف بين أكبر نظيراتها في المنطقة.
وفي بلد ينتج القليل ويعتمد بشكل كبير على الواردات، تضاعفت أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية حتى حفاضات الأطفال التي زاد سعرها لثلاثة أمثال.
لذلك بات من المُشاهَد في بيروت رجال ونساء بعضهم برفقة أطفال صغار، يبحثون عن الطعام في حاويات القمامة، قرب مفترقات الطرق، في مشهد يمكن أن يتكرر كثيراً.
وبعد شهرين من انفجار المرفأ، يتوقع اللبنانيون حياة أشد قسوة، ذلك أن الكثير من العائلات تعتمد الآن على المؤسسات الخيرية، وقد يدفع الانهيار الاقتصادي الناس للاعتماد بشكل أكبر على الفصائل السياسية في الحصول على المساعدات والأمن، في ردة إلى عصر الميليشيات إبان الحرب الأهلية.
لذا كان بعض المحللين قد حذروا من أن قوات الأمن التي تتراجع قيمة رواتبها بسرعة لن تكون قادرة على احتواء الاضطرابات المتزايدة.
يتزامن ذلك مع تحمل المستشفيات ما يفوق طاقتها تحت وطأة الزيادة في حالات كوفيد-19.
وقالت سهام عيتاني، الصيدلانية التي تشعر بالخوف من ارتفاع الأسعار والتعرض للسرقة “نحن خائفون من ألا نتمكن من الاستمرار”، مضيفة أن إمدادات الأنسولين وأدوية ضغط الدم تراجعت بالفعل.
في حين قالت صيدلانية أخرى إن رجلاً كان يخفي وجهه وراء قناع، احتجزها تحت تهديد السلاح، وطلب منها طعاماً لطفل رضيع.
أما مصطفى المهلهل، الذي يبلغ من العمر 62 عاماً ويعاني من السكري، فقام بتخزين أربع قوارير من الأنسولين في ثلاجته، لكنها فسدت بفعل انقطاع التيار الكهربائي، وقال “لو ارتفع السعر كيف سأدفع ثمنها؟ سيموت الناس في الشوارع”.
فشل حل المشكلة: وتأتي نية المصرف المركزي رفع الدعم في وقت هوت فيه احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بشدة، دون ما كانت تعتبره الدولة بالفعل “مستويات خطيرة”، عندما تخلفت عن سداد ديونها الضخمة، في مارس/آذار 2020، في دلالة على أنها لا تستطيع تحمل تكلفة الحفاظ على الدعم لفترة طويلة.
كذلك لم يضع القادة، الذين يقبضون منذ عقود على زمام السلطة في البلاد، خطة للإنقاذ المالي حتى الآن، بعد عام من احتجاجات ضخمة اجتاحت البلاد، وفشلوا في تأمين المساعدات من المانحين الأجانب.
إضافة إلى ذلك، تعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام، عندما عجز مسؤولو الحكومة والمصرفيون والأحزاب السياسية عن الاتفاق على حجم الخسائر في النظام المالي، ومن يجب أن يتحملها.
وبعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، في أغسطس/آب 2020، الذي أودى بحياة ما يقرب من 200، وأحدث أضراراً بمليارات الدولارات، تدخلت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.
لكن الساسة الطائفيين المتنافسين لم يتمكنوا من تجاوز أول عقبة تقابلهم في خارطة الطريق الفرنسية للحصول على المساعدة المالية، وكانت تلك العقبة تشكيل حكومة جديدة بشكل سريع.
تزامن ذلك أيضاً مع ترنح عملة البلاد مع تعثر الجهود الفرنسية، بعد أن فقدت أكثر من 80% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ الخريف الماضي.
وقال ناصر سعيدي، نائب حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) السابق لرويترز، إن كل ما حدث منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان من الممكن تفاديه، مضيفاً أن توجيه المساعدات إلى اللبنانيين الأشد فقراً هو إجراء أكثر فاعلية من الدعم الشامل الذي استفاد منه المهربون الذين ينقلون البضائع إلى سوريا.
عربي بوست
اقرأ أيضا: 660 ألف ليرة تكاليف معيشة الأسرة السورية شهرياً.. من وين؟!!