تنسيق أمني بين أنقرة والجولاني … وفتاوى تكفير
عبد الله سليمان علي
رفعت الاستخبارات التركية من وتيرة التنسيق الأمني مع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بغية تحقيق أهداف عدة، قد يكون أهمها حماية الطريق الدولي M4 الواصل بين اللاذقية وحلب من أجل دفع موسكو للرجوع عن قرارها القاضي بمقاطعة الدوريات المشتركة.
وقد اضطرت الهيئة على خلفية ذلك أن تدعو إلى الانتساب للقوة المركزية لجهاز الأمن العام التابع لها، للاستجابة للتحديات الماثلة التي باتت تشكلها بعض الجماعات الجهادية التي تستهدف الدوريات الروسية – التركية المشتركة على الطريق الدولي.
غير أن خطوة الهيئة لم تمر من دون أن تثير موجة غير مسبوقة من بعض منظري الجهاد العالمي الذين أفتوا صراحة بتكفير الهيئة لارتكابها ناقضاً من نواقض الإسلام، وهو الاستعانة بكافر (إشارة إلى الجيش التركي)، الأمر الذي من المحتمل أن يفضي إلى موجة جديدة من التوتر في منطقة خفض التصعيد بإدلب.
وقد أعلنت القوة المركزية في جهاز الأمن العام التابع لـ”هيئة تحرير الشام”، قبل أيام، عن فتح باب الانتساب للراغبين بالانضمام إلى صفوفها وفق بعض الشروط والمعايير. وأهم هذه الشروط ألا يقلّ سن المتقدم عن 18 عاماً وألا يزيد عن سن 28 عاماً، وأن يجتاز المعسكرات والدورات المقررة، وألا يكون محكوماً بجرم شائن.
ويعتبر جهاز الأمن العام من أقوى الأذرع التي يعتمد عليها أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، من أجل بسط هيمنته وملاحقة منافسيه والتخلص منهم، ولا يشترك هذا الجهاز في أي أعمال قتالية على الجبهات، وهو ما يتيح له الحفاظ على كامل قوته من أجل ضبط الوضع الداخلي في المناطق الخاضعة لسيطرة الجولاني ومنع أي فصيل أو جماعة من تهديد هيمنته أو حتى مجرد منافسته.
ودخلت، مؤخراً، مهمة جديدة على أجندة جهاز الأمن العام وهي التنسيق مع الاستخبارات التركية من أجل تأمين حماية الطريق الدولي M4 والسماح للدوريات الروسية – التركية المشتركة بالعبور عليه من دون التعرض لأي استهداف.
وقد كشف “النهار العربي” في تقرير سابق (https://www.annaharar.com/arabic/news/arab-world/syria/08092020)عن تفاصيل التنسيق الأمني بين الجولاني والاستخبارات التركية والدور الذي يقوم به كل من أبي أحمد حدود، الأمير الأمني العام في الهيئة والرجل الثاني فيها بعد الجولاني، وأبو محجن الحسكاوي المسؤول الأمني عن إدلب والمسؤول المباشر عن التنسيق مع الضابط التركي المسؤول عن حماية الطريق.
غير أن المهمة الجديدة التي ألقيت على عاتق أمنيي الجولاني لم تكن سهلة على الإطلاق، إذ تمكنت جماعتان حديثتا التشكيل هما “كتائب خطاب الشيشاني” و”سرية ابي بكر الصديق” من اختراق الإجراءات الأمنية المتخذة حول الطريق واستهداف الدوريات المشتركة أكثر من مرة، وهو ما شكّل السبب الرئيسي والمباشر الذي دفع موسكو إلى تعليق مشاركتها في هذه الدوريات، مشيرة إلى إخفاق أنقرة في الوفاء بالتزاماتها بخصوص حماية الطريق وضمان أمن الدوريات.
وأفاد مصدر إعلامي من محافظة إدلب متابع لتطورات الطريق الدولي أم فور “النهار العربي” بأن الإعلان عن فتح باب الانتساب لجهاز الأمن العام جاء بعد مداولات بين أبي أحمد حدود وضباط استخبارات أتراك، انتهت إلى الاتفاق على رفع أعداد جهاز الأمن العام وزيادة العناصر المكلفة بحماية الطريق، بهدف منع أي جماعة متمردة من عرقلة تنفيذ الاتفاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة. علماً أن الهيئة كانت تخصص ما يقارب ألف عنصر من جهازها الأمني من أجل تمشيط الطريق واستطلاع فروعه ومفارقه والانتشار على أهم محطاته من أجل ضمان حمايته، كما كشف “النهار العربي” في التقرير السابق، وهو ما يعني أن الهيئة سوف تضطر إلى استنفار أكثر من هذا العدد مع كل دورية تعبر على الطريق.
ولأنّ ضمان أمن الطريق بات مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بملاحقة الجماعات الجهادية التي تستهدف الدوريات المشتركة، فقد استنفرت دعوة الانتساب إلى جهاز الأمن العام كبار منظري الجهاد العالمي الذين وجدوا في هذه الدعوة تهديداً للجماعات التي ما زالت تأتمر بأوامرهم في الشمال السوري، وتعاملوا معها على أنها إشارة إلى حملة جديدة سيقودها الجولاني ضد هذه الجماعات بهدف استئصالها والقضاء عليها.
لذلك سارع هؤلاء المنظرون إلى إصدار فتاوى تقضي بتحريم الانتساب إلى جهاز الأمن العام. وقد كان على رأس هؤلاء الشيخ الأردني أبو محمد المقدسي الذي قال في الفتوى الصادرة عنه “نحن ننهى مَن يستفتينا في الالتحاق بجهاز هتش الأمني؛ لأنه قد ثبت لدينا ظلم وظلمات أمنيي هتش؛ بل وتعاونهم مع الاستخبارات التركية في كشف عورات المسلمين؛ وتسليمهم تفاصيل تحقيقاتهم معهم؛ وقد واجهت المخابرات التركية العشرات بهذه التفاصيل والصور والتحقيقات التي أخذها منهم أمنيو هتش في سجونهم!”.
وأضاف المقدسي أنه “لا يجوز لمسلمٍ والحال كذلك؛ أنْ يعمل في هذا الجهاز الخبيث؛ الذي يعمل سنداً وعوناً وذنباً لاستخبارات دولة علمانية عضو في حلف الناتو”. وخلص إلى “أنّ مَن أعان الاستخبارات التركية على المسلمين؛ فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المعروفة؛ وهو (مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين”.
ما سبق يعني عملياً أن المقدسي أصبح يفتي بتكفير هيئة تحرير الشام صراحة بعدما كان يلمّح إلى ذلك مجرد تلميح في فتاوى سابقة، وهذا يعتبر تطوراً كبيراً، لأنه يعني أن العلاقة بين الجولاني وبعض الجماعات الجهادية وصلت إلى مرحلة العداء التام، وهو ما يحتمل معه أن ينعكس ذلك على الأوضاع الأمنية في منطقة خفض التصعيد في إدلب ويزيد من تدهورها وهي الهشة أصلاً.
وقد أعلن في إدلب قبل حوالي ثلاثة أسابيع عن تشكيل فصيل جهادي جديد تحت اسم “حركة المجاهدين في بلاد الشام”، تقتصر مهمته المعلنة على تحقيق ثلاثة أهداف هي: إزالة الجولاني وحكومته وجماعته؛ إقامة حكومة عادلة موافقة لشرع الله؛ واسترداد أموال وأراضي أهلنا في الشام التي باعتها “هيئة تحرير الشام”.
ومن المحتمل أن يؤدي التوتر بين الجولاني والجماعات الجهادية المناوئة له إلى رفع مستوى التحديات التي تواجهها أنقرة في الشمال السوري عموماً وفي تأمين الطريق الدولي خصوصاً، لأن تجاوز عتبة التكفير يعني في عرف هذه الجماعات استباحة الدماء في ما بينها من دون أي حساب، وهو ما قد يدفع الجماعات الجهادية إلى تصعيد عملياتها ضد القوات التركية باعتبارها الذريعة الأولى التي أوصلت الأمور إلى هذا المستوى من التوتر.
النهار العربي