خالد العبود: شو رايحين عالتطبيع؟
-جملة يتمّ تداولها هذه الأيام، خاصة في الغرف المغلقة، وبصوت خافت، وبعض أصحابها يستدلّون على ذلك بمشهد سوريّ ضاغط، معيشيّاً وخدميّاً، بغيّة دفع المواطنين السوريين للتسليم “بالتطبيع”، مخرجاً لكلّ ما يمرّون به..
-كما استدلّ آخرون على ذلك، بكلام ورد على لسان الرئيس الأسد أخيراً، يشير به إلى إمكانية قيام علاقات مع كيان الاحتلال، وذلك فيما إذا عاد حقّ السوريّين في أرضهم المحتلة..
-ونعتقد أنّ في تسليع وتسويق هذا الكلام، جملة إشكاليات حقيقيّة يعيشها بعض السوريين، حيث لم يستطع هؤلاء فهم حقيقة المشهد الذي انتهى إليه العدوان الذي حصل علينا، وحجم الانجازات التي حققناها، وقيمة التضحيات التي قدّمناها..
-فهذه الحالة التي يمرّ بها بعضنا ليست جديدة، فهي قديمة، لكنّها تنبعث من جديد في كلّ مرحلة من مراحل الحرب، ففي المرحلة الأولى من العدوان، كثيرون هم السوريّون الذين كانوا يتهامسون، شبه قانعين، بأنّ “النظام ساقط” لا محالة، وعندما لم “يسقط النظام” جاءت مرحلة “تقسيم سوريّة”، كون أنّ هناك من كان يشتغل على ذلك، وفي الآن ذاته، هناك من كان مؤمناً بذلك..
-لم “يسقط النظام”، فطويت صفحة الهامسين وغير الهامسين، وفي المرحلة التالية، لم تتقسّم سوريّة، فصمت الهامسون وغير الهامسين، والآن المرحلة التالية: “شووو.. رايحين ع التطبيع”؟!!..
-طبعاً لو كان الرئيس الأسد ذاهباً إلى “التطبيع”، كما يروّج بعضنا اليوم، لما خاض الحرب أصلا، ولو كان الرئيس الأسد يرى في “التطبيع” مخرجاً لتبعات الحرب والعدوان على السوريين، لما عاد للتأكيد على القضية الفلسطينيّة، باعتبار أنّها القضية الأساس بالنسبة للسوريين، وهو ما أكده في خطابه منذ أسابيع قليلة، أمام مجلس الشعب..
-يمتلك الرئيس الأسد فلسفة خاصة في الصراع، فهو رجل يخوض معاركه بهدوء، حيث يعمل على الانتصار بالنقاط، ولا يؤمن بالضربة القاضية، فالضربة القاضية بالنسبة له تشوبها الأنانيّة والنرجسيّة، ويطغى عليها الفعل الفرديّ، في حين أنّ الحروب الكبرى تحتاج لطاقات الجماهير مجتمعة..
-من يفهم الرئيس الأسد جيّداً، يدرك كيف يجمع نقاطه بحرفيّة عالية، ويفهم كيف يراكم صموده كي يصرفه صرفاً سلساً، في وجه أعدائه وخصومه، وحتى في خارطة تحالفاته..
-عندما أصدرت الخارجيّة السوريّة بيانها الرافض كليّاً للتطبيع، في ظل زحف العربان إلى الارتماء في أحضان كيان الاحتلال، لم تكن تتحدّث باسم موظّفيها او باسم وزيرها فقط، وإنّما كان ذلك بفضل توجيه رئاسيّ، مثّل موقف الدولة السوريّة، وموقف الرئيس الأسد تحديداً..
-أمّا في كلامه الهام خلال مقابلته الأخيرة، والتي أكّد فيها على حقّ السوريين، بأرضهم المحتلة من قبل كيان الاحتلال، فهو لم يتحدّث عن التطبيع، بمقدار ما تحدّث عن ذلك الحقّ، وهي واحدة مفهومة جدّاً، لجهة تظهير العدو على أنّه مانعٌ لإمكانيّة الحديث في قيام “علاقات” معه، نتيجة احتلاله للأرض السوريّة..
-فهو أراد القول بأن “إسرائيل” هي التي تمنع إمكانيّة قيام “علاقات”، وذلك بسبب احتلالها لأرضنا، وهي إذا أرادت ان تتحدّث في أي علاقات بينيّة، عليها أن تعيد لنا حقّنا في أرضنا الوطنيّة، بمعنى أنّ الرئيس الأسد لم يعبّر عن نيّته أو رغبته أو موافقته على فرضية قيام هذه “العلاقات”، لكنّه حاكم فرضيّة إمكانيّة قيام “علاقات” بينيّة، في ظلّ احتلال للأرض السوريّة، وهي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تصل للمتابع والقارئ في المجتمع “الروسيّ”..
-إذا أردنا أن نفهم الموقف الحقيقيّ الكلّي، للرئيس الأسد، من الصراع العربيّ – الصهيونيّ، خلال هذه المرحلة، علينا أن نجمع ثلاثة مواقف له:
-الأول.. موقفه من القضية الفلسطينيّة، خلال خطابه أمام مجلس الشعب..
-الثانيّ.. بيان وزارة خارجيّته من التطبيع مع كيان الاحتلال..
-الثالث.. كلامه في لقائه مع الصحافة الروسيّة قبل أيّام..
-هنا يبدو واضحاً وجليّاً أنّ الرئيس الأسد، لم يرمِ الكرة في الملعب “الإسرائيليّ” فقط، وإنّما وضعها هدفاً مؤكّداً، ومشغولاً عليه بصبر وحنكة، بمعنى أنّ هناك قضية شعب فلسطينيّ عظيم، يقاتل من أجل استرداد حقوقه المغتصبة، ونحن معه، ولن نتخلّى عنه، وهذا ما جاء على لسانه امام مجلس الشعب، وأنّ هناك من هروّل وطبّع من الحكومات العربيّة، في حين ان الحقوق العربيّة ما زالت مغتصبة، وهذا مرفوض أيضاً، وأخيراً، هناك حقّ وطنيّ للسوريين، يغتصبه كيان الاحتلال، وأي حديث عن فرضية علاقات، مع هذا الكيان، لا يمكن أن تكون، قبل استرجاع هذا الحقّ المغتصب، وهو ما كان يؤكّد عليه الرئيس الراحل حافظ الأسد، منذ محادثات تسعينيات القرن الماضي..
-فنحن لم نقاتل ونقف في وجه عدوانٍ كونيّ علينا، بقيادة الرئيس بشار الأسد، ونقدّم كلّ تلك التضحيات الجسام، ماديّاً ومعنويّاً، كي نصل إلى التطبيع مع كيان الاحتلال، وهناك حقوق شعب عربيّ فلسطينيّ مسلوبة، أو هناك أرضٌ عربيّة مغتصبة..
اقرأ أيضا :هل وشى شقيق البغدا دي بشقيقه.. اليكم القصّةُ الكاملة