معهد دراسات الحرب: روسيا قد تنشر قواتها البرية في سوريا.. والسبب؟
قد تنشر روسيا قوات برية تقليدية في سوريا لكسب نفوذ في المفاوضات مع تركيا وربما المشاركة في هجوم عسكري للجيش السوري.
تضغط روسيا وتركيا على بعضهما البعض للحصول على تنازلات في المفاوضات المتعلقة بمحافظة إدلب التي تسيطر عليها النصرة.
لا يزال الانتشار العسكري الروسي التقليدي أمراً غير مرجح، لكن العديد من المؤشرات تعثرت في الأسابيع القليلة الماضية؛ ما يشير إلى أن موسكو قد تستعد لذلك.
مثل هذا الانتشار من شأنه أن يمثل انعطافاً في مشاركة روسيا في سوريا وتصعيداً في الصراع بين روسيا وتركيا.
محاور الدراسة:
تسعى تركيا وروسيا إلى نفوذ لتهيئة الظروف المواتية لجولة جديدة من المفاوضات حول مصير محافظة إدلب، مع استمرار الجمود هناك حيث لم تسفر المفاوضات الروسية التركية بشأن إدلب في 16 أيلول/ سبتمبر 2020 عن تسوية، وعززت تركيا لاحقاً مواقعها العسكرية في المحافظة، حيث صعدت روسيا والجيش السوري الضربات الجوية والقصف ومحاولات التسلل، ومن المرجح أن تسعى روسيا إلى انسحاب تركي من أجزاء من جنوب إدلب لتمكين الجيش السوري من شن هجوم ضد قوات النصرة، دون تدخل تركي، في حين من المحتمل أن تسعى تركيا للحصول على تنازلات في مسارح أخرى من المنافسة الروسية التركية مثل شمال شرقي سوريا وليبيا والقوقاز.
تتميز تركيا في إدلب بمميزات عسكرية هامة، فالقوات المسلحة التركية لديها وحدات عسكرية بحجم فرقة (أكثر من 20000 جندي) في إدلب وتحتفظ تركيا أيضاً بقوات كبيرة تدعمها في إدلب.
لكن من المحتمل ألا ترغب روسيا أو تركيا في مواجهة عسكرية كبيرة في إدلب، حيث إن روسيا تخشى وقوع خسائر في وحدات من الجيش السوري التي استثمرت فيها بكثافة، مثل فرقة المهام الخاصة الخامسة والعشرين (المعروفة أيضاً باسم قوات النمر) والفيلق الخامس، كما ستتكبد القوات التركية والمدعومة من تركيا خسائر، بالنظر إلى القدرات المدفعية والجوية للقوات السورية، بالإضافة إلى ذلك ستخاطر تركيا بفقدان الأرض في إدلب، وربما الأهم من ذلك، فقدان الوصول إلى التنازلات الروسية التي تأمل في تحقيقها في المفاوضات، وبالتالي من المرجح أن يكون الهدف من نشر وحدة تقليدية روسية هو إجبار تركيا على التنازلات في المفاوضات بدلاً من المشاركة في القتال، على الرغم من أنها ستكون مستعدة للقيام بذلك إذا لزم الأمر.
تعثرت المؤشرات المحدودة وغير الحاسمة، والتي لا تزال جديرة بالملاحظة، على أن روسيا تستعد لنشر قوات تقليدية في سوريا، وقد صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 21 أيلول/ سبتمبر 2020، بأنه “لا حاجة للجيش السوري وحلفائه لشن أي هجوم على إدلب، من الضروري فقط استهداف مواقع “الإرهابيين” والقضاء على بؤرتهم الاستيطانية الوحيدة المتبقية على الأراضي السورية”.
إن الرفض الواضح للعملية الهجومية في الجملة الأولى يقابله لغة مشفرة في الثانية، شدد لافروف على أن تركيا مسؤولة بشكل أساسي عن مهمة مكافحة الإرهاب في إدلب، وسبق أن اتهمت تركيا بالفشل في الوفاء بمسؤولياتها في هذه المهمة، وبررت موسكو الهجمات السابقة للقوات السورية في إدلب على أنها عمليات لمكافحة الإرهاب.
اقتصرت عمليات الانتشار الروسية حتى الآن على عناصر المقرات والوحدات الجوية وأعداد صغيرة من القوات الخاصة الروسية والشرطة العسكرية والمتعاقدين العسكريين الروس مع استثناء وحيد، حيث تم نشر لواء المشاة البحري 810 لإنشاء قاعدة حميميم الجوية والدفاع عنها في عام 2015، والمشاركة في عمليات هجومية محدودة على الخطوط الأمامية القريبة، لكن روسيا أوقفت ذلك الإجراء في عام 2017.
تعتبر البيانات الإعلامية الروسية الصادرة في سوريا والمناورات المعلن عنها التي تستعد للعمل في بيئة حرب كيميائية علامة غامضة أخرى على الخطط المحتملة لنشر القوات التقليدية الروسية، وكان قد أكد المركز الروسي للمصالحة في سوريا في 11 سبتمبر، و20 سبتمبر، و28 سبتمبر، و13 أكتوبر أن هيئة تحرير الشام تخطط لهجوم كيماوي كاذب في إدلب، ثم تم نشر هذا الادعاء من خلال وسائل إعلام رسمية روسية وسورية.
حيث شاركت العديد من الوحدات الروسية في مناورات (قوقاز)-2020 وتدريبات خاطفة وغير مخطط لها على التصدي لهجمات (كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية)، كما تدربت كتيبة مشاة روسية على العمل مع معدات عزل الأسلحة الكيميائية بما في ذلك الأقنعة الواقية من الغازات في 19 سبتمبر، وقامت كتيبة أخرى بالتدريب على عمليات تفريغ وتطهير الأرض باستخدام المعدات والأسلحة في 16 أكتوبر، ومن الجدير بالملاحظة أن روسيا تقوم بتدريبات عديدة من هذا النوع، لكن حجم وطبيعة هذه التدريبات جديران بالملاحظة أكثر في الفترات الماضية، لاسيما عندما تقترن بالعملية الإعلامية الجارية في سوريا.
قد تشير التحركات الأخيرة للجيش السوري وروسيا إلى استعداد القوات السورية لهجوم على جسر الشغور، وهي منطقة مهمة للدفاع عن القاعدة الساحلية لروسيا، وقد استهدفت غارات جوية روسية في 20 سبتمبر 2020 مركز قيادة وعدة مستودعات تابعة لتنظيم “حرّاس الدين” المتشدد، حيث يتركز مقاتلو “حرّاس الدين” بالأساس حول جسر الشغور، كما أن الجيش السوري قصف نقطة مراقبة تركية بالقرب من جسر الشغور في 20 سبتمبر أيضاً، وشنت روسيا غارات جوية على قوات المعارضة بالقرب من جسر الشغور في 14 أكتوبر، حيث يعتبر المدينة مركزاً حضرياً محصناً تسيطر عليه المعارضة ويهدد أمن قاعدة حميميم الجوية الروسية وريف محافظة اللاذقية، كما تعتبر روسيا حميميم إحدى قواعدها الثلاث الدائمة في سوريا وتعمل حالياً على توسيع منشآتها.
لقد دعمت روسيا محاولات الجيش السوري المتعددة للسيطرة على جسر الشغور منذ عام 2015 عبر المناطق الجبلية إلى جنوب غربي المدينة، وقد تكون القوات التقليدية الروسية بإمكانياتها الأوسع قادرة على النجاح في المهمات التي لم تستطع القيام بها القوات السورية، كما أن مكاسب القوات السورية في جنوب إدلب من أواخر عام 2019 إلى مارس 2020 قد وضعت شروطاً للهجوم على جسر الشغور من الأرض المسطحة شرق المدينة، حيث ستسيطر القوات السورية على سهل الغاب وعبور نهر العاصي للوصول إلى المدينة، ومن المرجح -استناداً إلى موقع القوات السورية أن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة جنوب الطريق السريع M4، بما في ذلك سهل الغاب، هي الهدف المحتمل للهجوم القادم من قِبل الجيش السوري.
مترجم عن مركز دراسات الحرب