الجمعة , نوفمبر 1 2024

الحب يتحدى الحرب والحصار.. سوريون عبروا الأنفاق والبحار للوصول إلى شريك العمر

الحب يتحدى الحرب والحصار.. سوريون عبروا الأنفاق والبحار للوصول إلى شريك العمر

محمود عبد اللطيف

فرضت الحرب والظروف الأمنية والصحية التي تعيشها سورية منذ مايزيد على تسع سنوات قواعد استثنائية في بعض حكايا العشق أو قصص الزواج التي تمت خلالها، ولأن الحب يبقى الدفاع الأقوى لضمان استمرارية الحياة، وخاصةً في العشرية السوداء التي تعيشها سورية، كان الابتكار والبحث عن منافذ ضيقة ليمر الفرح إلى حياة البعض، عاملاً أساسياً لتكتب قصص لا تخلو من المغامرة والرومانسية في آن معاً.
خطبة الأنفاق و “زفاف التهريب”
مع بداية الأزمة السورية ترك “ميسرة” دراسته في قسم المكتبات بكلية الآداب بجامعة دمشق، نتيجة لانقطاع الطرقات الواصلة بين مدينته الحسكة والعاصمة دمشق، إلا أن انقطاع الطرق لم يؤثر على علاقته العاطفية مع “مروة” التي عرفها على مقاعد الدراسة الجامعية، وبقيت الصبية حبيسة مدينة “دوما” بعد القيود التي فرضتها ميليشيا “جيش الإسلام” على السكان، يقول ميسرة خلال حديثه لـ “وكالة أنباء آسيا”: “كانت اتصالات الخلوي صعبة للغاية، بقيت لفترة طويلة أتواصل مع مروة مرةً في الشهر أو مرتين بسبب سوء الاتصالات إلى أن انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، وتمكنت هي من الحصول على هاتف ذكي قديم، بقينا نعتمد على برامج التواصل الاجتماعي حتى بعد سفري إلى ألمانيا عبر الأراضي التركية، ونتيجة لوجود ضغوط من ذويها لترتبط بأحد أقاربها، اخترت المغامرة بإرسال أهلي إلى مدينة دوما لخطبتها، والطريقة كانت بسفر أمي وأختي إلى دمشق، ودخولهم إلى حي برزة الدمشقي، ومنه انتقلتا عبر الأنفاق إلى داخل دوما لخطبة مروة، ثم الخروج من المدينة بذات الطريقة بعد إتمام مراسم عقد القران”.
يوضح الشاب الذي وصل منتصف العقد الثالث من عمره، أنه أجرى “مكالمة فيديو” خلال عقد القران مع والدها، وقام الشيخ بتلقينه ألفاظ الزواج عبر المكالمة، وبعد أن تمت مراسم عقد القران باتت المشكلة في إخراج مروة إلى الأراضي التركية، وظل الأمر معلقا إلى أن بدأت بوادر اتفاق تسليم المدينة من قبل المسلحين، فاقترح ميسرة على ذوي زوجته أن يقوموا بتسجيل اسمها بين الأسماء الخارجة من المدينة إلى الشمال السوري، وبالفعل تم الأمر وانتقلت إلى مدينة إدلب، “وفي هذا الوقت كان علي السفر من ألمانيا إلى الأراضي التركية، لانتظارها” كما يقول.
يتابع ميسرة “ركبت “البلم”، عائداً إلى تركيا بعد وصولي إلى اليونان، وهناك تم اللقاء مع زوجتي بعد سنتين من كوني (متزوج مع وقف التنفيذ)، وبعد أسبوع عسل قضيناه خلسة في الأراضي التركية، جرى التحضير للانتقال عبر “البلم” إلى الأراضي اليونانية، ومنها قمت بالانتقال عبر مهربي البشر إلى الأراضي الألمانية لكون زوجتي لم تكن تمتلك أوراقا رسمية، كما أننا لم نكن نمتلك أي ورقة تثبت الزواج، وحين وصولها إلى ألمانيا، قامت بتسليم نفسها إلى السلطات هناك كـ “لاجئة”، ومن بعدها قمنا بعقد قراننا وفقاً للقوانين الألمانية، وحالياً نعمل على تحصيل الإقامة لزوجتي”.
فضاء مفتوح
تعارف “عبيدة” (اسم مستعار) الذي يتحدر من مدينة “الرقة” على خطيبته في بيروت التي وصلها في العام ٢٠١٣ هارباً من تنظيم “داعش”، في البداية كانت “سوزان” (اسم مستعار أيضاً)، تنتقل تبعاً لعملها بين سورية ولبنان، ثم استقرت في العاصمة اللبنانية، وعلى الرغم من الاختلاف بين البيئتين اللتين ينتمي إليها كل منهما، إلا أن قرار الارتباط حظي بمباركة العائلتين، ومؤخراً تمت خطبتهما بطريقة قد يكون فيها من الإثارة الكثير، حال قصتهما التي بدأت من “بوست” لـ “سوزان” يتعلق بعملها، ولم تكن تعرف في ذلك الوقت أن “عبيدة” الذي قدم لها كل ما لزمها من معلومات طلبت الحصول عليها في ذلك الوقت، سيصبح لاحقاً شريكها في الكثير من الأشياء، وصولاً إلى الشراكة في السكن، ولم يكن مستغرباً أن تكون العائلتان على علم بتفاصيل علاقتهما، وكلا الطرفين احترم الخصوصية الاجتماعية لعائلة شريكه.
بعد خروج تنظيم “داعش” من مدينة الرقة، عادت عائلة “عبيدة” إلى المدينة التي دمرها القصف الأمريكي ممهداً لتحول “قسد” إلى “سلطة أمر واقع”، ليصبح الخروج من الرقة إلى أي محافظة سورية أخرى مرهوناً بالحصول على موافقة أمنية من “قسد” يشترط فيها تقديم حجة مقنعة، وبعد أن بررت العائلة رغبتها بالسفر إلى دمشق بضرورة الخضوع لفحوصات طبية، توجهت إلى اللاذقية حيث يعيش أهل “سوزان” لإتمام مراسم الخطوبة، في وقت كان فيه العروسان يقيمان حفلة مصغرة جمعت الأصدقاء المقربين لكليهما، وتم “تلبيس المحابس”، وكل من العائلتين والعروسين على طرفي اتصال “فيديو” عبر الانترنت، والسبب في هذه المرة لم يكن إلا “كورونا” الذي يفرض نفسه بقوة على المناسبات الاجتماعية، كضيف إلزامي، وإن كان غير مرحب به.
حكاية عبيدة وسوزان ليست فريدة من نوعها في هذا الإطار على الرغم من خصوصيتها، إذ تعمل “حلا” حالياً على ترجمة عقد الأوراق الثبوتية لزواجها مع “رامز” الذي استغل فتح الحدود الأوروبية أمام اللاجئين ليتمكن من الوصول إلى الدنمارك. تقول حلا لـ “وكالة أنباء آسيا” إن ترجمة وتصديق أوراق الزواج هي أولى مراحل “لمّ الشمل”، التي ستمكنها من الانتقال إلى “الدنمارك”، لتكون متزوجة بما تعنيه الكلمة، فقد تعرفت على زوجها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” على الرغم من كونه ابن مدينتها “حمص”، إلا أنها لم تعرفه سابقاً، وبعد أكثر من حوار نشأت بينهما علاقة عاطفية فكانت الخطبة عبر “اتصال فيديو”، وبعد حصوله على موافقة ذويها الذين سألوا عنه من يعرفوه من أصدقاء ومعارف زارت عائلة رامز بيت العروس لخطبتها، وقام والدها بالتوّكل عنه وعقد القران وتثبيته في المحاكم الشرعية بشكل رسمي، ثم بدأت رحلة الترجمة والتصديق وتجهيز الأوراق اللازمة لإرسالها عبر البريد المضمون إلى الدنمارك، وسيكون أمام “رامز” مرحلة ثانية من العمل لتقيدم المعاملة للسلطات المسؤولة هناك، ومن ثم الحصول على موافقة لاستقدام زوجته إلى كنفه، وهي عملية ليست سهلة أصلاً للاجئين الذين دخلوا الأراضي الأوروبية بطريقة غير شرعية (بدون موافقة السلطات)، وزاد من صعوبتها تشديد القوانين والشروط المفروضة على منح الإقامة للاجئين عموماً.
بلا هوية
إن كان الزواج العابر للحدود يحتاج لمغامرة بالدخول في دوامة “تهريب البشر” أو الدخول في دوامة الروتين القائم على ترجمة الأوراق وانتظار قبولها أو عدمه من قبل السلطات المختصة في هذه الدولة أو تلك، فإن حالات الزواج التي حدثت في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة السورية ما تزال بلا هوية، وبدائية تقوم على العرف لا أكثر.
يعاني الشبان من الجنسين، القاطنين في مدينة “الشدادي”، الواقعة في ريف الحسكة الجنوبي على سبيل المثال من عدم تمكنهم من الحصول على بطاقة شخصية خاصة بهم، وذلك لكون مدينتهم ذات الطابع النفطي كانت واحدة من المناطق التي تعاقب عليها عدد كبير من الميليشيات المسلحة، وصولاً إلى احتلالها من قبل “قوات سورية الديمقراطية”.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “وكالة أنباء آسيا” من مصادر أهلية فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإن الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16- 24 عاماً لا يمتلكون بطاقات شخصية، وذلك بسبب منعهم من الانتقال على الطرقات من قبل “حواجز قسد”، والبعض منهم فقد بطاقته بعد مصادرتها من قبل ما كان يسمى بـ “الحسبة – الشرطة الإسلامية” التابعة لتنظيم “داعش”، والبعض الآخر بلغ السن القانوني لاستصدار البطاقة ولم يتمكن من الوصول إلى مدينة الحسكة لإتمام ذلك، وبقوا خلال السنوات التسع الماضية بانتظار إمكانية الخروج من مدينة “الشدادي” أو القرى التابعة لها لتحصيل “هوية”، وبالرغم من أننهم في بعض الاحيان يلجؤون إلى ما تسميه “قسد” بـ “المجلس المدني” أو “الكومين (المختار) للحصول على ورقة تعريفية تساعدهم على استخدام النقل العام والوصول إلى مدينة “الحسكة”، إلا أن “الحواجز الأمنية” التابعة لـ “قسد” نفسها ترفض الاعتراف بهذه الأوراق وتجبرهم على العودة إلى داخل المدينة، ما يجعلهم رهائن السياسات مجهولة الأسباب.
وكنتيجة طبيعية لعدم وجود البطاقات الشخصية، عقد قران الكثير من هؤلاء بعيداً عن التوثيق في المحاكم الشرعية الرسمية، وظل الزواج والولادات التي تلته “بدون هوية”، ويقول أحد ضحايا سياسات “قسد” في هذا الشأن إنه سيكون مجبراً على الانتظار وتفويت الفرص التي تفتحها الدولة السورية لتلافي مثل هذه المشاكل، ويرى أنه في نهاية المطاف “لا يصح إلا الصحيح، ستعود الدولة السورية إلى المنطقة، وبالتأكيد سيكون وضعنا الاجتماعي ضمن أولوياتها، وسنحصل على الهوية ونسجل زواجنا وأولادنا بالطرق النظامية، فالحرب لن تستمر إلى الأبد، و”قسد” ستذهب مع نهاية الحرب”.

أنباء آسيا