عكس ما تتوقع.. مشاهدة أفلام الرعب مفيدة للصحة!
يتساءل الأشخاص الذين يجدون مشاهدة أفلام الرعب أمراً مرهقاً عما إذا كانت مشاهدة الأفلام المرعبة فكرة معقولة حقاً أو حتى سديدة، في ظل التوتر والقلق والخوف الذي يعيش في كنفه المشاهد طوعاً لنحو ساعتين.
ألا يبدو من غير المنطقي، وسط هموم الحياة الأخرى ومتاعب جائحة كورونا، أن يشاهد الإنسان شيئاً يحفز على الشعور بالقلق؟
ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح، إذ ربما تكون مشاهدة أفلام الرعب أمراً جيداً للصحة العقلية.
كيف؟
يقول الباحث في أدب الرعب بجامعة آرهوس، ماتياس كلاسين، لموقع Salon: “بالفعل يبدو الأمر غير منطقي؛ فالعالم مليء بمشاعر الخوف والقلق في الفترة الحالية، أليس كذلك؟”.
لكنه أضاف: “ستكون إجابتي أن بعض الأشخاص، على الأقل، يلجأون إلى الرعب من أجل التحكم في شعورهم بالخوف والقلق؛ إذ يعرّضون أنفسهم لجرعات محدودة من الرعب يمكن السيطرة عليها، حتى إنهم قد يتمكنون من ممارسة إستراتيجيات للصمود ودفع حدودهم الخاصة إلى قدرٍِ كبير من مشاعر الخوف والقلق يمكنهم تحمُّله”.
مشاهدة أفلام الرعب مفيدة للصحة
يُشبه هذا الأمر فكرة العلاج بالتعرُّض، وهي طريقة تُستخدم في معالجة اضطرابات القلق.
عند تطبيق فكرة العلاج بالتعرّض، قد يدفع معالج نفسي محترف مريضاً ما نحو سياق التهديد، دون التعرض لخطر حقيقي؛ من أجل مساعدته على مواجهة مشاعر القلق والخوف.
وأضاف كلاسين أن مشاهدة الأفلام المرعبة تقرّب الناس بعضهم من بعض.
وأشار إلى أن “هناك سبباً لاعتقاد أن لأفلام الرعب تأثيراً ترابطياً. إذ يميل أغلبية البشر إلى تفضيل الرعب لاعتباره نشاطاً اجتماعياً، إضافة إلى وجود أدلة غير مؤكدة، على إقامة عديد من الأشخاص علاقات وطيدة مع المشاهدين الذين شاركوا معهم مشاهدة فيلم مخيف”.
ورغم أن مشاهدة أفلام الرعب يمكن بالفعل أن تسبب الفزع والخوف لمشاهديها، يوجد بحثٌ علمي يرى في الوقت نفسه أن الناس تستمتع بمشاهدة تلك الأفلام، سواء أكانوا على علم بتلك المتعة في لحظة حدوثها أم لم يكونوا على علم بها.
في العام 2009، أثارت الطريقة التي يؤثر بها نوع القلق “الناتج عن مشاهدة أفلام الرعب” على الدماغ فضول مجموعة من الباحثين بمعهد الأشعة التشخيصية والتداخلية في فريدريش شيلر بجامعة جينا في ألمانيا.
لذلك فحص الباحثون أدمغة المشاركين باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، إذ عرضوا عليهم مقاطع مخيفة من أفلام مرعبة (مثل The Shining وThe Silence of the Lambs) ومشاهد أقل رعباً؛ وسألوا المشاركين أيضاً عما إذا كانوا من محبي القصص المرعبة أم لا.
وجد الباحثون أن الفص الأمامي من المخ، وهو الجزء من المخ المرتبط بأنواع مختلفة من اضطرابات القلق، كان الجزء الوحيد الذي مر بمرحلة من فرط النشاط عند جميع المشاركين أثناء مشاهدة المشاهد المخيفة.
وعلى نحو مثير للاهتمام، وجد الباحثون أنماطاً نشطة في المخ تشير إلى استمتاع المشاركين بمشاهدة تلك المشاهد التي تعرضوا لها أيضاً.
قال كلاسين: “إن الخوف مجرد شعور عابر بالنسبة لكثير من البشر. فنحن نشعر بالخوف أثناء مشاهدة الفيلم، وهناك بعض الأشخاص أيضاً الذين يشعرون بقليل من اليقظة الشديدة في الساعات، وفي بعض الحالات، الأيام التي تلي مشاهدة الفيلم؛ إن هذا هو الثمن الذي يرغب معظم الناس في دفعه”.
مصدر قوي لتشتيت الانتباه
وقال نيل مارتن، الذي يدرس ردود الفعل النفسية الناتجة عن مشاهدة أفلام الرعب والأستاذ بجامعة ريجينت في لندن، لموقع Salon، إن مشاهدة فيلم مرعب يمكن أن تساعد البشر بشكل غير مباشر، على التعامل مع المشاعر السلبية؛ نظراً إلى اعتبار تلك الأفلام “مصدراً قوياً لتشتيت الانتباه”.
وقال مارتن: “السبب وراء انعدام وجود تأثير مباشر هو أن معظم الأفلام المرعبة تعكس بالضبط التجارب السلبية التي نعانيها في حياتنا الواقعية. فهذا الأمر يعد جزءاً من رغبتنا في مشاهدة تلك النوعية من الأفلام، أي لرؤية التشويق المصاحب للأمور المستحيلة أو غير القابلة للتصديق أو تلك المواقف التي لن تحدث وأن نعايشها أبداً”.
على الجانب الآخر، أشار مارتن إلى نقطة تتعلق بوجود شيء يطلق عليه “الاضطراب العصبي السينمائي” الذي يحدث، حسبما ذكر مارتن، “عندما يصدر عن الأشخاص ردود فعل سلوكية عنيفة فور مشاهدة أفلام مرعبة”.
وقال مارتن: “تعد تلك الاضطرابات عادةً دراسات لحالات فردية”.
تهديد زائف وتأهب الحواس للدفاع
على جانب آخر، أوضح كلاسين أنه من الناحية التطوريَّة، فإننا “مصمَّمون” على خلق المتعة من المواقف المخيفة. وهو ما يعد نتيجة “لنظام الخوف المتطور”، الذي وصفه كلاسين بأنه “آلية دفاعية تساعدنا على تجنب المخاطر، فضلاً عن أننا نشارك عناصره الأساسية مع الكائنات الأخرى”.
أشار كلاسين، على سبيل المثال، إلى شعورنا بالخوف عندما نمشي في الغابات ليلاً بمفردنا.
قال كلاسين أيضاً: “يتأهب جهاز الخوف للعمل، موجهاً انتباهك حيث ذلك الصوت، بجانب إعادة توجيه مصادرك الغذائية بعيداً عن الجهاز الهضمي (ومن ثم تشعر بمغصٍ في البطن وجفاف بالحلق)، لتتوجه نحو العضلات الكبيرة؛ تحسباً لأي هجوم، وهو ما يحاكي قصة فيلم رعب جيد.
إذ يغمرك فيلم الرعب الجيد بحالة من التهديد الزائف ويقدم لك إشاراتٍ للخطر… ولكن المسألة هي أنك تعلم أنه مجرد فيلم، لذلك لا ينحصر على كونه مخيفاً فحسب، بل ممتعاً أيضاً”.
تدريب على التحكم بالمشاعر
ربما توجد فوائد أخرى تتعلق بالصحة البدنية عندما يأتي الحديث عن التحكم في مشاعر الخوف مثل تلك التي تنبعث من جرّاء مشاهدة فيلم رعب أو عرض ما.
تشير دراسة منفردة أُجريت عام 2003، إلى أن مشاهدة فيلم مرعب قد تعزز جهازك المناعي.
ونشر باحثون من جامعة كوفنتري في إنجلترا دراسة بمجلة Stress، وجدت أن مشاهدة حدث زائف مثير للقلق تزيد بشكل كبير من مستويات خلايا الدم البيضاء في الدورة الدموية لدى كثير من الأشخاص.
ونُشِرَت مؤخَّراً دراسةٌ، كان كلاسين أحد المشاركين في كتابتها، بمجلة Personality and Individual Differences، تشير إلى أن محبي أفلام الرعب كانوا أكثر اتزاناً خلال الجائحة، خلافاً لمحبي الأنواع السينمائية الأخرى.
ذكر كلاسين: “أجرينا دراسة في بداية الجائحة؛ لمعرفة ما إذا كان محبو الرعب عايشوا حالة اتزان نفسي تتفوق على أقرانهم خلال جائحة فيروس كورونا (اعتماداً على الفرضية التي تفيد بأن أفلام الرعب تعلّم الناس إستراتيجيات الصمود)، وتبين أن الأمر صحيح، تظهر بالفعل على محبي الرعب أعراض طفيفة للاضطرابات النفسية”.
فشعورهم بالخوف ناحية الأفلام ما زال مستمراً، لكن على المدى الطويل، ربما تكون لديهم ميزة حقيقية في عالمٍ مرعبٍ وأحياناً مهدد بالخطر.
لذا، هل يعني هذا الأمر أنه قد حان الوقت لمشاهدة قليل من الأفلام المرعبة خلال عطلة نهاية الأسبوع؟
ربما، كما تبين لنا، ما قد يبدو لنا كأنه مصدر للكوابيس على المدى القصير، يمكن أن يمنحنا بعض الفوائد على المدى الطويل.
عربي بوست
اقرأ أيضا :هل يستطيع الإنسان العيش بكلية واحدة