أظهرت التطورات الأمنية الأخيرة التي حدثت شرق أوروبا احتمال اشتعال الأزمة مجدداً بين أوكرانيا وروسيا بعد أن اتفق الطرفان على حل الصراع في (منسك) قبل ثلاث سنوات.
أوكرانيا، وعلى الرغم من أن لديها قوة عسكرية كبيرة مقارنة مع دول أوروبا الشرقية، إلا أنها لا يمكن مقارنتها مع الجيش الروسي حيث للأخير الأفضلية الأكبر على جميع الصعد العسكرية. ونتيجة لذلك، تتحرك (كييف) بالتنسيق الكامل مع الغرب، وخاصة أمريكا، من أجل الحفاظ على توازن القوى في المنطقة وعدم فقدان المزيد من أراضيها في مواجهة روسيا، وبعبارة أخرى، يمكن القول إن (كييف) لا تقدم على القيام بأي تحرك دون أخذ الموافقة الغربية (أمريكا) عليها.
ويمكن القول أيضاً إن هذه التطورات والصراعات الجديدة على الحدود الشرقية لأوروبا هي نوع من العودة إلى الوراء خاصة بعد توقيع الأطراف المتنازعة على (اتفاقية منسك) التي تنصّ على وثيقة مفصّلة لحل النزاع في أوكرانيا، عبر خطة تبدأ بوقف إطلاق النار، وفي الخطوات التالية إصلاح دستور أوكرانيا وإجراء الانتخابات في الجزء الشرقي من البلاد مع العفو عن العسكريين، والمقاتلين الانفصاليين، والجزء الأهم من الاتفاقية هو عدم استخدام القوة العسكرية لحل النزاع في الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد من قبل الأطراف المتنازعة. وقد دخل الاتفاق حيّز التنفيذ بعد أن وقّعت عليه كل من أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا والأمم المتحدة. ولكن بعد بضع سنوات على توقيع (اتفاقية منسك)، لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق كافة باستثناء وقف إطلاق النار، ونزع الأسلحة الثقيلة وشبه الثقيلة من مناطق الصراع.
أسباب تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا، واحتمال نشوب حرب:
ومن أسباب تصاعد التوترات في أوكرانيا:
1-تدخل أمريكا ودعمها الكامل لكييف في مقابل روسيا.
2-ازدياد الوجود العسكري ونشاط القوات المعارضة المدعومة من روسيا في مناطق وقف إطلاق النار المتفق عليها في منسك.
3-زيادة النشاط العسكري الأوكراني في مقابل ازدياد النشاط العسكري للمعارضة.
4-تعمل واشنطن على استفزاز روسيا عبر اقتراح إرسال قوات حفظ سلام التابعة للأمم المتحدة إلى منطقة دونباس المتنازع عليها وذلك من أجل توفير الظروف المناسبة فيما بعد لتسليمها للحكومة الأوكرانية.
5- والأهم من ذلك، توقيع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو على قانون “إعادة دمج دونباس”، الذي اعتبرته الخارجية الروسية تصعيداً خطراً في جنوب شرقي أوكرانيا، معربةً عن أملها بأن يستخدم الغرب تأثيره لدى (كييف) لـ منع تنفيذ سيناريو كارثي على الدولة الأوكرانية، المحفوف بأخطار لا يمكن التكهّن بعواقبها على الأمن والاستقرار في أوروبا.
واعتبرت موسكو أن توقيع بوروشينكو على القانون يشطب عملياً اتفاقات مينسك، ويطلق يد حزب الحرب، حيث أكدت أن القانون لا يتحدث عن أي حوار مباشر مع سلطات الجمهوريتين غير المعترف بهما، وتخفيف التوتر بين الفرقاء، والبحث عن حلّ سياسي. كما رأت أن القانون سوف يخلق ظروفاً لاستيلاء قسري على المناطق الخارجة عن سيطرة كييف في لوغانسك ودونيتسك، ويشرعن استخدام الجيش الأوكراني ضد المدنيين. واعتبرت الخارجية الروسية أن جرّة قلم بوروشينكو تعني عملياً حكماً بالموت على اتفاقات مينسك للسلام.
مصالح الولايات المتحدة في إشعال التوتر شرق أوكرانيا
تعتبر روسيا أن أمريكا هي المسؤول المباشر عن كل ما تقوم به حكومة أوكرانيا من إجراءات مستفزّة. ومع ذلك، فإن الأسباب الرئيسة لاهتمام أمريكا بلعب دور مهم في القضية الأوكرانية تعود إلى:
1- زيادة العقوبات على روسيا تحت عناوين وهمية من بينها إخلال الأمن في أوروبا.
2-إلهاء روسيا بالقرب من حدودها لتأثير ذلك على وجودها في سوريا.
3-توسيع وجودها العسكري وحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية.
4-زيادة الميزانية العسكرية لحلفائها الأوروبيين الرئيسيين في الناتو.
5-إضعاف النفوذ الخارجي الروسي في المنطقة والحدّ من أنشطته عند حدود بلادها.
وفي هذا الصدد، أرسلت أمريكا قبل أيام المدمرة البحرية الأمريكية إلى مياه البحر الأسود والذي له أهمية استراتيجية كبيرة لروسيا. وقال مسؤول أمريكي في هذا الصدد إن “القوات الأمريكية في البحر الأسود رسالة واضحة إلى روسيا” وفي السياق ذاته، قالت قيادة الأسطول السادس الأمريكي إن هدف الزيارة يتمثّل في “القيام بعمليات لضمان الأمن في البحار وتعزيز قدرات القوات الأمريكية في مجال التأهب والإمكانيات بين حلفاء الناتو وشركائه”.
وقال أيضاً فيكتور موزنكو، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، يوم أمس “ما دام هناك احتمال لشن هجوم روسي على أوكرانيا، ينبغي أن تكون القوات المسلحة الأوكرانية مستعدة تماماً، لأنها قد تتعرض للهجوم اليوم، غداً، بعد أسبوع أو عام. وأضاف أن أوكرانيا “تنتظر أسلحة أجنبية جديدة بما فيها صواريخ قاذفة مضادة للدبابات من أمريكا”.
في الخاتمة، يجب الاعتراف بأن أوكرانيا، من خلال إقرارها قانون الدونباس، تسعى إلى ممارسة سيادتها على جميع أراضيها وذلك بالاستفادة من القانون الدولي الذي يؤكد الحق في ذلك، ومن الدعم الغربي لها. أما الكرملين يدّعي أنه تم تجاوز روسيا في هذا القانون، واتهمت أوكرانيا بسوء الاستفادة من القوانين الدولية وهذا الأمر ظهر جلياً في التحركات الأخيرة لكييف، مثل الخطاب المثير للرئيس الأوكراني بوروشينكو في قمة الأمن في ميونيخ، والذي وصف دونباس “الخط الأمامي لأوروبا” قائلاً: إن جنود أوكرانيا يدافعون عن أنفسهم وعن وحدة أراضيهم وعن الحدود الشرقية لأوروبا التي تمرّ في دونباس
الوقت