الجمعة , نوفمبر 22 2024

قصة اختفاء أجنَّة من رحم سيدة مصرية..سجال بين “العلم” و”الدجل”

قصة اختفاء أجنَّة من رحم سيدة مصرية..سجال بين “العلم” و”الدجل”

أثارت قصة اختفاء أجنة توأم من رحم سيدة بمحافظة الأقصر ردود فعل واسعة في مصر، وذلك بعد مزاعم أقارب للعائلة بوجود “جن” تسبب في فقدان الجنينين. فما حقيقة اختفاء الأجنة وكيف يرى أطباء وعلماء دين الموضوع؟

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر واقعة غريبة خلال الأيام الماضية تتعلق بقصة اختفاء أجنة توأم داخل رحم سيدة حامل بالشهر السادس في محافظة الأقصر. وقد تسببت القصة في إثارة ردود فعل واسعة في أوساط اجتماعية مختلفة، ولا سيما داخل الدوائر العلمية والدينية، وذلك على خلفية ادعاءات أقارب السيدة بأن “الجن” هو من تسبب في إيذاءها.

أقارب للعائلة يتهمون “الجن” بإخفاء أجنَّة

في فجر يوم الخميس الماضي، استيقظت صاحبة الواقعة و. ع. ، من نومها بعد شكواها من نزول مياه ودم منها، لتقرر الذهاب إلى مستشفى للاطمئنان على حملها، ولكن بعد توقيع الكشف الطبي عليها يخبرها الطبيب المختص بأنه لا يوجد أجنة داخل الرحم.

ورغم تقرير مستشفى أرمنت بالأقصر بعدم وجود أي آثار للحمل، إلا أن السيدة أكدت حملها في الشهر السادس، ومتابعة حالتها في إحدى المراكز الصحية، وامتلاكها ما يثبت ذلك من أشعة وروشتات.

يقع الخبر كالصاعقة على العائلة، التي تتهم عالَم الجن بالتسبب في إيذاء قريبتهم بإخفاء الأجنة. كما أثارت القصة جدلا بين فئات عديدة من المصريين في مواقع التواصل الاجتماعي، وزاد في إشعال السجال، تصريحات أدلت بها السيدة و.ع. صاحبة الواقعة حول ملابسات قصتها، حيث روت لوسائل إعلام محلية بأنها كانت “حاملا” وأنها تعرضت لما اعتبرته اختفاء للجنين التوأم.

وقالت السيدة: “كنت حامل بتوأم، وشفت ده بنفسي مع الدكتور”، وأضافت: “كان في واحدة بتطلع ليا دايما في الكوابيس، وأخر مرة كانت بتقولي هسقطك، ولما صحيت فعلاً لاقيت دم وبطني رجعت زي الأول”.

ويقول أحد أقارب السيدة ع. ع في مداخلة تلفزيونية قائلاً: ” السحر مذكور في القرآن، ولا أفهم سبب السخرية من ذلك، هل فيه حد ينكر وجود الجن، وهو اتخلق ليه في الدنيا، عشان يكون عدو للإنسان”.

ماذا يقول الأطباء؟

كان للرأي الطبي دوراً هاماً في كشف الحقيقة، حيث يقول الدكتور عمرو حسن، أستاذ مساعد النساء والتوليد بكلية الطب جامعة القاهرة، ومقرر المجلس القومي للسكان السابق، إن اختفاء الأجنة داخل الرحم هو كلام عارِ تماماً من الصحة، وليس له أي دليل علمي.

وأضاف في حديثه مع DW عربية:” بالنظر إلى تاريخ حمل السيدة صاحبة الواقعة السابق وتعرضها للإجهاض مرتين حسب رواية والدها، سنجد أنها مريضة بما يسمى بـ “الإجهاض المتكرر”، الأمر الذي عرضها للإصابة بمشكلة نفسية تدعى “الحمل الكاذب”، فيحدث لها كل أعراض الحمل المعروفة بما فيها انقطاع الحيض والغثيان وزيادة حجم البطن والرحم أيضاً”.

وأشار الدكتور حسن إلى أنه كثيراً ما يرى هذه المواقف مع بعض النساء المتأخرين في الإنجاب، ومعاناتهن من مشكلة نفسية تسبب لهن اضطراب هرموني، قائلاً:” أحيانا تصل الأوهام بظهور علامات الولادة والشعور بألم شديد في الشهر التاسع، وبمجرد الكشف عليهن داخل المستشفى لا نجد أي أجنة داخل الرحم، بل هو حمل كاذب”.

وحول مزاعم أفراد من العائلة بوجود علاقة بين اختفاء الأجنة والسحر، أجاب: “هذا تضليل للمجتمع ونشر لثقافة الجهل والغيبيات، فما حدث مع السيدة هو مرض نفسي بسبب رغبتها الشديدة في الإنجاب، وبمجرد انقطاع الدورة الشهرية عنها توهمت أنها حامل، خاصة بعد تشخيص أحد الأطباء غير الدقيق لها، وذهابها إلى إحدى الأماكن غير المؤهلة بالإمكانيات الطبية”.

كما نفى أيضاً ما ذكره البعض حول تعرض السيدة لما يسمى بـ “متلازمة التوأم المتلاشي”، قائلاً:”ليس صحيحا، فمتلازمة التوأم المتلاشي تعني موت أحد الأجنة داخل الرحم بينما يبقي الجنين الآخر على قيد الحياة، كما تحدث هذه المتلازمة دائماً في الشهور الثلاث الأولى من الحمل وليس في الشهر السادس”.

وأضاف الطبيب المصري: “عندما تأتي المرأة في أول متابعة لها للحمل قد يجد الطبيب “كيسين”، إلا أنه في الزيارة التالية لها يكتشف كيسا واحدا فقط، حيث يتوقف نمو أحد الأجنة بينما يظل الآخر في مرحلته الطبيعية ولا يموت”. وأوضح: “في الواقعة المثارة، لم تكن السيدة حاملا من الأساس، حيث وجد الأطباء الرحم خالياً تماماً من أي أجنة، وهو ما يتعارض مع تفسير متلازمة التوأم المتلاشي”.

وتعليقاً على سبب نزول دم منها، أوضح الدكتور حسن، بأنه من الطبيعي بعد توقف الحيض لمدة ستة شهور نزول دم أو إفرازات. وتابع: “ما حدث لها ليس إجهاضاً أيضاً، وإلا كان نزل الجنينين منها بشكل ظاهر، خاصة وأنها في الشهر السادس كما تدعي فسيكون لديهما رأس وجسم”، مؤكدا: “ما حدث للسيدة ليس حملا ولا إجهاضا ولا متلازمة التوأم المتلاشي، بل هو حمل كاذب”.

رأي ديني: ليس للجن علاقة بالحمل مطلقاً

لم يقف الرأي الطبي لوحده في هذه المعركة، بل عزز علماء دين من موقفه أيضاً، وهو ما أكده الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في لقاء تليفزيوني، بأن “إقحام القرآن الكريم فيما يسمي بخرافات السحر هو اعتداء على الدين وإساءة للإسلام”، مضيفاً أن السحر ذُكر في القرآن كجريمة منكرة ولكنه لا يؤثر بذاته.

واستشهد الدكتور كريمة ببعض الآيات القرآنية التي تؤكد على قدرة الله في خلق البشر، وأنه ليس للجن أي علاقة بمسألة الحمل أو عدمها، محذراً من موروثات الجهل بالدين عند البعض وابتعادهم عن العلم الحديث، موضحاً أن “الأرحام لها ملَك موكل بها لحراسة الجنين”.

وأشار كريمة إلى وجود ما يسمى بالفعل “الحمل الكاذب” والذي نوه عنه علماء وفقهاء، لافتاً إلى أنه “من الوارد حدوث خطأ طبي في الأشعة والتحاليل عند تشخيص حالة السيدة من الأساس”.

كما أعرب الشيخ كريمة أيضاً عن استيائه من الحديث عن حمل السيدة حجاباً لحفظ أجنتها، قائلاً:”هذا كلام يصطدم بالدين الذي حرم الأحجبة (المعروفة بالتمائم)، ويعد مخالفة شرعية بسبب الذهاب إلى ما وصفه بـ “الدجالين”.

“الدجل” ليس حالات معزولة في المجتمع المصري

واقعة اختفاء الأجنة وربطها بأعمال السحر ليست هي الأولى من نوعها في البلاد، بل تُعد حلقة ضمن حلقات كثيرة ارتبطت بانتشار أفكار الدجل والشعوذة في المجتمع المصري. وهو ما كشفت عنه أحدث دراسات صادرة من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بارتفاع معدلات أعمال الدجل والسحر في مصر.

كما أكدت الدكتورة سعاد عبد الرحيم، رئيسة المركز، في لقاء تلفزيوني، في يناير / كانون الثاني الماضي، أن المصريين ينفقون سنويا ما يتراوح ما بين 10 و25 مليار جنيه (اليورو يعادل 18.5 جنيه مصري) على الدجالين والمشعوذين بهدف حل مشاكلهم وعلى رأسها تأخر سن الزواج وعدم الإنجاب والأمراض المستعصية، مرجحة أن يكون معظم الإنفاق على الدجل يتم في محافظات الصعيد.

وفي المقابل، تبذل هيئات حكومية وغير حكومية في مصر جهوداً لوقف انتشار أفكار الشعوذة، ومحاكمة الدجالين وإعداد حملات توعية للمواطنين.

وفاء عبد الرحمن