جارنا يتألم بلا صراخ..القطاع التجاري يلفظ أنفاسه وموظفون يخسرون أعمالهم ؟؟
تتفاعل تداعيات الأزمة الاقتصادية اللبنانية يوماً بعد يوم، منذرةً بعواقب وخيمة على كافة الصعد، في وقت ما زالت صرخات التجار تتصاعد يومياً، بسبب الوضع المزري الذي وصل إليه القطاع التجاري بفعل ارتفاع الأسعار الجنوني وسعر صرف الدولار الذي يحلق عاليا بين لحظة وأخرى، أضف إلى ذلك الترتيبات التي لجأت إليها الدولة ومن ضمنها الإقفال العام للأسواق التجارية، ما انعكس تراجعاً مخيفاً في قدرة التجار على الصمود، الأمر الذي دفع بالعديد من المؤسسات التجارية إلى إعلان افلاسها، وأخرى إلى اقفال أبوابها نهائياً أو حتى إشعار آخر.
خسائر فادحة..
يقول الخبير الاقتصادي فادي غصن في تصريحات لوكالة أنباء آسيا إن “خسائر القطاع التجاري باتت فادحة، والوضع كارثي بالنسبة للعديد من التجار، خاصةً أولئك الذين يتاجرون بالمواد غير الأساسية مثل الأدوات المنزلية والكهربائية والألبسة، ولقد شهدنا مؤخراً إقفال عدد كبير من الوكالات والماركات العالمية (الاستثمارات الأجنبية)، التي أقفلت أبوابها بسبب الخسائر واضطرارها لشراء سلعها من الخارج، الأمر الذي شكل مشكلة كبيرة بسبب أزمة سعر الصرف، إذ أصبحت هذه السلع غالية وبيعها هنا بالليرة اللبنانية بات صعباً لأن السعر العالي أصبح عبئاً كبيراً على اللبنانيين، في ظل خسارة الآلاف من المواطنين لوظائفهم وأعمالهم”.
ويضيف غصن: “هناك تجار استغلوا الوضع المتخبط، وهنا علينا التمييز بين نوعين من التجار؛ أولئك الذين يتاجرون بالمواد الأساسية كالمواد الغذائية وقطع السيارات، والذين يتاجرون بالكماليات”، مضيفاً “عمد العديد من تجار المواد الأساسية إلى احتكار عدد كبير من السلع عند بدء الأزمة، وباتوا يبيعون المواد على سعر صرف الدولار في السوق السوداء على الرغم من أن هذه البضاعة كانت موجودة لديهم منذ وقت طويل وبكثرة، أي عندما كان الدولار على سعر الـ 1500 ليرة أو أكثر بقليل، متذرعين أن كلفة استبدال هذه المواد عالية”.
ويستطرد غصن قائلا: “أما بالنسبة إلى المواد الغذائية والمحروقات والأدوية، دعمت الدولة بعض الأصناف بسبب الأزمة الحاصلة، الأمر الذي شكل بالنسبة للعديد من التجار فرصة لإعادة تصدير المواد إلى الخارج بطرق غير شرعية في بعض الأحيان، لأن كلفتها بالعملة الأجنبية أصبحت منافسة دوليا”.
ويقول غصن: “بالنسبة لقطع السيارات التي لا يشملها الدعم، وبما أن هذه المواد لا بديل لها في غياب النقل العام، فبعض التجار والمستوردين استغلوا الوضع في محاولة منهم للمحافظة على هامش ربحهم بالعملة الأجنبية”.
“أرصدتنا تآكلت”..
“أبو داني” تاجر ألبسة وطنية، لم يكن يتخيّل يوما أن ينتقل من حالة الرخاء إلى وضع يضطر معه إلى إعلان إفلاسه بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية للمعامل والشركات التي يستورد منها بضاعته.
يقول أبو داني لآسيا : “بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلد، وتسارع ارتفاع الدولار، وجدت نفسي عاجزًا عن استقدام بضائع جديدة بالأسعار المرتفعة في ظل تراجع القدرة الشرائية للزبائن، وهذا ما جعلني غير قادر على الوفاء بالتزاماتي سواء لناحية إيجار المحل وراتب الموظفين وثمن البضاعة، لا سيما وأن البنوك اقفلت أبوابها في وجوهنا نحن التجار، وحالت دون السماح لنا بسحب ما تبقى من أرصدتنا التي أكلها ارتفاع الدولار واليورو، فاضطررنا إلى إقفال مؤسساتنا وتجرع الفقر والبطالة، مع انتشار جائحة كورونا القاتلة التي ساهمت بتراجع أوضاعنا المادية وقدرتنا على المواجهة”.
تجار المفرق ..أكبر الخاسرين
من جهتها، تقول ديامندا صقر، وهي تعمل في تجارة الأحذية والحقائب النسائية وألسبة الأطفال لوكالة آسيا: “ما وصلنا إليه كارثي، بدأت بهذه التجارة منذ أربع سنوات وكان الوضع لا بأس به، وكانت أرباحي تكفي لتأمين حاجاتي الأساسية والكمالية لي ولأولادي”.
وتضيف: “أزمة الدولار وكذلك أزمة كورونا وإجراءات الحجر من قبل الدولة، قلبت كل الموازين رأسا على عقب، إذ توقفنا عن العمل لأشهر عديدة وبعد أن عاودت المؤسسات فتح أبوابها، كانت صدمتنا بارتفاع الأسعار بشكل جنوني من قبل تجار الجملة، بإمكاني القول إن العديد من تجار المفرق خسروا أعمالهم بسبب جشع تجار الجملة الذين احتكروا العديد من السلع التي كانوا قد استوردوها على سعر الصرف الأساسي، أي 1500 ولكن بحجة ارتفاع الأسعار ، رفعوا هم أيضا أسعارهم بشكل غير منطقي”.
وتختم صقر قائلة: “هذا الواقع جعلني في وضع صعب، لناحية الاستمرار في عملي وما يتركه عليّ من أعباء مادية، وإما اتخاذ قرار الجلوس في البيت ومحاولة البحث عن مورد رزق آخر، الأمر الذي بات مستحيلا بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي وصلنا إليه” ،. مضيفةً “أنا حالياً لا أجمع حتى ثمن حاجاتي الأساسية لي ولعائلتي، والأيام القادمة تنذر بالأسوأ”.
“قلبي يبكي على لبنان”
الشابة نادين روت قصتها لوكالة آسيا: “كنت أعمل كمحاسبة في إحدى الشركات التابعة لماركة عالمية مشهورة، وأقفلت هذه الشركة أبوابها في لبنان منذ أسبوعين تقريباً، لا أخفي عليكم أنني في كل مرة كنت أحاسب الزبائن، كانت الغصة في قلبي والدمعة في عيوني، هذه الماركات كانت نافذة للبنانيين على العالم وجعلت من لبنان مركزا متقدماً للماركات الأجنبية، وها هي اليوم تودعنا، تاركةً وراءها آلاف الشبان الذين خسروا أعمالهم وأنا واحدة منهم”، وتختم: “لم يعد لدي أمل أن بإمكاني بناء مستقبلي في هذا البلد”.