4 من أغرب «عادات الملوك» الذين جلسوا على العرش
اشتهرت كثير من عادات الملوك على مر التاريخ، لملوك عرفوا بالجنون وسلوكيات غريبة ابتدعوها، بعضها ناتج من الخوف المفرط من مؤامرات يمكن أن تقصيهم عن العرش، فمثلًا أجبر هنري الثامن ملك بريطانيا خدمه على تقبيل أغطية سريره ليتأكد من خلوها من السموم، وذلك خوفًا من أن تخترق المواد السامة جلده، إلا أن هنري الثامن لم يكن الوحيد الذي خشي على حياته بشكل مَرَضي، ففي السطور التالية نتناول سيرة أربعة من الملوك والعادات الغريبة التي اقترنت بهم، خاصةً عندما تعلق الأمر بالخوف على حياتهم.
ثلاث من الشخصيات المذكورة في التقرير ذكرت أسماؤها في كتاب «البشر موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء».
«شارل السادس»: الملك المصنوع من زجاج
حكم الملك شارل السادس فرنسا في أعوام 1380- 1422، وقد كانت لديه قناعة غريبة بأنه «مصنوع من زجاج»، لذا فقد كان دائم الخوف من أن يتحطم، فارتدى ملابس خاصة مُعززة لحماية جسده الهش، وهي عبارة عن أضلاع من الحديد لحماية أعضائه الزجاجية، كما كان يقضي ساعات بلا حراك وجسمه ملفوف بأكوامٍ من الأغطية السميكة، ولا يتحرك إلا للضرورة القصوى. وعلى الرغم من فداحة حالته، فإن هذا لم يكن السبب الوحيد الذي نعت بسببه بـ«الجنون».
تولى شارل السادس الحكم وعمره 11 عامًا، ولُقب في بداية حكمه بـ«الملك المحبوب»؛ وذلك لأنه قاد جهود الإصلاح بعدما تخلص من وصاية أعمامه، وأصدر عدة مراسيم خاصة بالإصلاحات الحكومية، واستأنف المفاوضات مع إنجلترا التي كانت في حرب قديمة مع فرنسا، مشهورة باسم «حرب المائة عام». واستمر حكمه المتزن حتى أصيب بأول «نوبة جنون» من أصل 44 نوبة أصابته في حياته، وهو ما يمكن تشخيصه حسب مقاييس عصرنا بمرض «انفصام الشخصية»؛ إذ عانى الملك الفرنسي من نوبات عنف، بالإضافة لفترات من القصور الذاتي والارتباك، ليصبح على إثر ذلك «شارل المجنون» بدلًا من المحبوب.
ففي عام 1390 على سبيل المثال، أصيب بجنون الارتياب (بارانويا) ونوبة غضب، ذبح أثناءها أربعة من فرسانه، وما هذه إلا قصة واحدة من قصصه الغريبة.
وخلال عهده، فقد الملك الفرنسي الكثير من الأراضي لصالح بريطانيا التي استأنفت نزاعها مع فرنسا في حرب القرن آنفة الذكر، وقد استطاع خصمه، هنري الخامس ملك إنجلترا أن يزحف لباريس ويفتحها بعدما انتصر في معركة أجينكور الشهيرة عام 1415، ساعيًا لأن يتوج ملكًا على فرنسا، مُجبرًا شارل السادس على تزويج اثنتين من بناته لملوك بريطانيا، متعهدًا لهنري الخامس بأن يكون وريث العرش الفرنسي، وذلك بموجب معاهدة تروا عام 1420.
أما عن حياته الشخصية، تزوج شارل السادس من إيزابو البافارية – ابنة دوق بافاريا – وقد أنجبت له رغم مرضه 12 طفلًا، منهم إيزابيلا التي تزوجت من الملك البريطاني ريتشارد الثاني وهي في السادسة من عمرها، في حين تزوجت كاثرين من هنري الخامس ملك إنجلترا عام 1420، وقد أنجبت له لاحقًا الملك هنري السادس الذي أصبح فيما بعد وريثًا لعرش بريطانيا وفرنسا معًا، إلا أنه قد حكم المناطق الواقعة تحت السيطرة البريطانية في الشمال، أما الجنوب الفرنسي فقد ظل مستقلًّا تحت حكم شارل السابع.
قيصر روسيا مهووس بـ«الدمى الخشبية»
ولد بيتر الثالث عام 1728 بمدينة كيل الألمانية، ولم يحظ بطفولة سعيدة؛ إذ انقضت طفولته بتهيئته ليكون وريثًا للعرش السويدي؛ خلفًا لجده كارل الثاني عشر ملك السويد، ورغم ذلك ساقته الأقدار ليجلس على عرش روسيا خلفًا لعمته من جهة والدته، الإمبراطورة إليزابيث.
اعتلت عمته عرش روسيا عندما كان بيتر الثالث بعمر 14 عامًا حين دعته عمته ليكون وريثها، وليرحل بعيدًا عن كل ما يعرفه، مدينته والإمبراطورية البروسية (لاحقًا صارت ألمانيا) التي ترعرع فيها. ربما كانت تنشئته القاسية هي ما أوصله لحالة يوصف فيها بـ«الجنون» فيما بعد، إذ حرم بيتر من كل نعم الطفولة، وثم أغرم في شبابه بالدمى الخشبية، وتحول غرامه بها لهوس أعاقه عن أداء واجباته.
عن ذلك كتبت زوجته كاثرين الثانية في مذكراتها، أنه كان مهووسًا بالدمى الخشبية، وكان يقضي ساعات في غرفته يصف دمى الجنود ويؤدي دور الجنرال ويجبر زوجته أحيانًا على التنكر في زي جندي ويخضعها لتدريبات عسكرية مكثفة وصارمة. وتحكي كاثرين أن زوجها أمضى مرةً ساعات في إعداد لعبة الجنود الخاصة به ليفاجأ بفأر يخرج ويقضم رأس إحدى الدمى، ليغضب القيصر ويعقد محاكمة عسكرية للفأر، اتهمه فيها بالخيانة وحكم عليه بالموت شنقًا باستخدام مقصلة صغيرة شيدت خصيصًا للفأر.
كانت الإمبراطورية البروسية وحليفتها بريطانيا خصمين للإمبراطورية الروسية في «حرب السنوات السبع»، إلا أنه بتنصيب بيتر الثالث قيصرًا لروسيا بعد وفاة الإمبراطورة إليزابيث عام 1762، سعى إلى تغيير دفة الأمور بما يخدم مصالح وطنه الأم بروسيا، فعمل على سحب القوات الروسية من الحرب، وأبرم معاهدة تحالف مع بروسيا، بل عقد العزم على مهاجمة الدنمارك، واتهمه خصومه بمحاولة تحويل روسيا من الأرثوذكسية إلى الكنيسة اللوثرية، المسمَّاة على اسم مؤسسها والمصلح المسيحي مارتن لوثر.
استمر حكم بيتر الثالث ستة أشهر فقط، قبل أن تنقلب عليه زوجته كاثرين الثانية وتطيحه لتحكم الإمبراطورية الروسية، تمتعت كاثرين بشخصية قوية وذكاء خاص، واكتسبت ود الكثير من المؤيدين، وقد تآمرت مع حرس بيتر الخاص لإطاحته، وفي 9 يوليو (تموز) من عام 1762، نصبت كاثرين الثانية بموافقة الحرس الإمبراطوري والكنيسة الأرثوذكسية ومجلس الشيوخ إمبراطورة لروسيا، وذلك بعدما أجبرت القيصر على التنازل رسميًّا عن العرش وأمرت باعتقاله، واغتيل بعدها في محبسه.
جيمس السادس والأول.. «صائد الساحرات»
إبان القرن السادس عشر الميلادي، شاع في إسكتلندا اعتقاد بأن الشيطان هبط على الأرض وهو السبب في انتشار الأمراض الفتاكة وقتل الماشية وهبوب العواصف، واعتقدوا أن السحرة عملاء الشيطان وجنده لخدمة مصالحه، ومن هنا بدأت ملاحقة الإسكتلنديين للساحرات والمشتغلين بالسحر، إلا أن رجلًا واحدًا ركَّز على قيادة مطاردات الساحرات وتعذيبهن، وهو الملك جيمس الأول، ملك إسكتلندا وبريطانيا.
توج جيمس السادس ملكًا على إسكتلندا عام 1567 وعمره آنذاك عام واحد فقط، ولكن لم يحكم وحده إلا بعمر 17 عامًا، وقد تولى عرش بريطانيا عام 1603 بعدما توفيت الملكة إليزابيث الأولى دون أن تترك وليًّا للعهد، ليكون جيمس الأول لبريطانيا، ولقب نفسه بـ«ملك بريطانيا العظمى» بعدما تمكن من توحيد عروش بريطانيا وإسكتلندا.
جرم البرلمان الإسكتلندي «السحر» عام 1563 قبل ولادة جيمس مباشرةً، إلا أن حالة الذعر الأولى التي اجتاحت المجتمع الإسكتلندي وقعت عام 1590، عندما اتهم جيمس السحرة باستدعاء العواصف لمحاولة قتله هو وزوجته أثناء رحلة بحرية. وبعد اعتراف مثير للجدل من إحدى الساحرات أن الشيطان قد حثهن على تدمير الملك، أجاز جيمس محاكمتهن بعد اعتقاده هو ومستشاريه أن السحرة يهددون حكمه.
كانت مطاردة السحرة آنذاك جزءًا من عملية الإصلاح الديني البروتستانتي، في وقتٍ أشيع فيه أن السحرة يعبدون الشيطان، فاندلعت لهذا السبب أقسى حملات «مطاردة الساحرات» في إسكتلندا بين عامي 1590 و1662، أعدم على إثرها أكثر من 2500 شخص بتهمة السحر ومعظمهم من النساء.
وقد نشر الملك حينذاك كتابًا يفخر فيه بحملات صيد الساحرات، شارحًا طريقة عمل الشياطين في الأرض وكيف وقعوا المواثيق مع البشر لإعطائهم قدرات خارقة ليستخدموها في «السحر الأسود»، وقد كان جيمس السادس يشرف بنفسه على تعذيب الساحرات، بحسب مؤرخي عصره.
عادات الملوك.. «مسؤول البراز»
اعتلى هنري الثامن عرش بريطانيا عام 1509، وقد عرف حينذاك بثقافته الواسعة وولعه بالنساء؛ إذ تزوج ست مرات، ودشَّن صراع بريطانيا الطويل للتحول من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، إلا أن أغرب قصصه اختراعه لوظيفة جديدة يعمل صاحبها على مراقبة حركة أمعاء الملك ومساعدته في التبرز.
لربما تكون هذه الوظيفة من أكثر الوظائف المقززة عبر التاريخ؛ إذ يضطر العامل فيها لحمل صوان خاص بالتبرز (مرحاض) طوال الوقت مع مياه ومناشف، وعليه أن يراقب النظام الغذائي للملك عن كثب وينظم أوقات الوجبات. ويزيد من غرابة القصة، أن الوظيفة كانت حكرًا على النبلاء وأبنائهم، واعتبرت وظيفة مرموقة آنذاك، وتلقى العاملون بها أجورًا عالية ومزايا خاصة مثل حق السكن بالقصور وحيازة ملابس الملك القديمة وأثاث غرفة نومه.
صاحب الوظيفة مسؤول عن تنظيف «المؤخرة الملكية» بعد قضاء الحاجة، وعليه أن يعرض «البراز الملكي» على الأطباء للكشف عن أية تغيرات أو أمراض قد تصيب الملك، وبمرور الوقت أصبحت تلك الوظيفة بمثابة سكرتارية خاصة بالملك، وكان لا بد من اختيار الأشخاص الذين يعملون بها بعناية نظرًا إلى طبيعة عملهم التي تتطلب القرب من الملك والوجود معه لفترات طويلة، وقد استمرت تلك الوظيفة الخاصة بالملوك حتى عام 1901، عندما قرر الملك إدوارد السابع إلغاءها نهائيًّا.
لم تكن تلك هي العادة الغريبة الوحيدة للملك الإنجليزي، بل اشتهر أيضًا بالخوف المرضي من السموم أن تخترق جلده، ولهذا السبب كان الرجال المسؤولون عن ترتيب فراشه ملزمين بتقبيل الوسائد والأغطية والفراش أمام الملك، ليتأكد من أنهم لم يلوثوها بالسموم.