خالد العبود: الأسد.. وحرب الغاز الافتراضيّة
خالد العبود
-عرضت فضائيّة “الميادين” أخيراً برنامجاً وثائقيّاً حول العدوان على سوريّة، وهو برنامج هامٌ، مشكورة عليه، غير أنّ هناك مطبّاً وقعت به، كان قد سوّق له البعض، خلال السنوات الأخيرة من عمر العدوان على سوريّة، حين اعتبرت أنّ الحرب على سوريّة كانت في جذرها الرئيسيّ حرباً على عناوين اقتصاديّة، تتعلق بـ “الغاز”، أو بخرائط مواقع وتمرير وتصدير “الغاز”، وهي موجة قراءت ظهرت بعد سنوات من العدوان على المنطقة..
-لقد ذهب البعض، من أصحاب هذه الفرضيّة، إلى أنّ الحرب أساساً كانت على الغاز، وأنّ الرئيس الأسد وُضع بصورة خطّ الغاز “الجنوبيّ – الشماليّ”، والذي يعني أخيراً خياراً سياسيّاً، وطُلب منه أن يكون جزءاً من هذه الصفقة، غير أنّه رفض ذلك، نتيجة علاقته التاريخية بأصدقائه “الروس”، أو أصدقائه “الإيرانيين”!!..
-بمعنى أنّ الرئيس الأسد كان أمام خيارات، وهو من ذهب إلى الخِيار الآخر، وبالتالي شُنّت الحرب عليه، إذ أنّه أخطأ التقدير، أو أنّه فضّل طرفاً على آخر، ويُغرِقُ البعض أكثر، حين يعتبرونه بأنّه فضّل من هو ليس أساسيّاً في المنطقة على من هو أساسيٌّ، وعلى من كان حليفاً لسوريّة، وللرئيس الأسد شخصيّاً!!!..
-وهناك من يريد أن يقول لنا بأنّ هذا الخِيار المصلحيّ الاقتصاديّ الذي اتّخذه الرئيس الأسد، حين خُيّرَ بين خطّ “جنوبيّ – شماليّ” وبين خطّ “شرقيّ – غربيّ”، للغاز طبعاً، هو الذي دفع بهذه الحرب كي تكون، باعتبار أنّ الرئيس الأسد كان قد أخطأ التقدير، أو أنّه كان الأساس والسبب الحقيقيّ في هذه الحرب التي وقعت على سوريّة!!..
-والبعض يريد أن يحمّل المسألة بُعداً جديداً، فيقع في مطب آخر، حين يعتبر أن الرئيس الأسد لم يقبل بـ “التفريط بحلفائه الدوليين”، ونعني بهم هنا “الروسيّ”، علماً بأنّنا جميعا على علم، علم اليقين، أنّ علاقات سوريّة كانت مع “القطريّ” ومع “التركيّ” علاقات أكثر من ممتازة، وأفضل من علاقاتنا مع “الروسيّ”!!!..
-نعتقد أنّ مثل هذه القراءات التي قُدّمت من بعض مراكز الدراسات الغربيّة، يراد منها تقديم بنيّة تحتيّة ذرائعيّة خطيرة، تمنح أطراف العدوان أخيراً فكرة المشروعيّة في عدوانها، وتقديم الحرب على أنّها حربٌ على خيارات مصالح اقتصاديّة صرفة، وخالصة!!!..
-إنّ تأكيد البعض على هذه القراءة يفوتهم ما حصل في “تونس”، وفي “مصر”، وفي “ليبيا”، وفي “اليمن”، وفي باقي الدول العربيّة الأخرى، فهل الحاصل في “تونس” كان أيضاً عدواناً، أو مشروع فوضى، له علاقة بالخِيار الخاطئ الذي وقع به “زين العابدين” مثلا؟، ثمّ هل الحاصل في “مصر” كان أيضاً عدواناً، أو مشروع فوضى، له علاقة بالخيار الخاطئ الذي وقع به “حسني مبارك”؟!!!..
-طبعاً هنا أرادت مراكز أبحاث ودراسات غربيّة أن تفصل بين ما حصل في سوريّة، وبين ما حصل في باقي الدول العربيّة، واعتبار أنّ ما حصل في سوريّة ليس له علاقة بما سميّ بـ “الربيع العربيّ”، وأنّ “الربيع العربيّ” الذي مرّ بالعواصم العربيّة الأخرى كان ربيعاً مزهراً ومثمراً، وكلّ الحاصل في هذه الدول ومجتمعاتها اليوم هو ناتج هذا “الربيع”!!..
-كلّ هذا لا يُلغي أنّ هناك حرباً وصراعاً على غاز المنطقة، لكن ذلك غير مقرونٍ بما حصل في سوريّة، ما حصل في سوريّة كان عدواناً على سوريّة..
-وهو عدوانٌ على حلفٍ شكّل معادلة صعبة، في وجه مرور “صفقة القرن”، وهي “صفقة” – بالنسبة لأطراف العدوان – أكبر من الغاز، وأكبر من “النوويّ الإيرانيّ”، وأكبر من الصراع على “المياه”، إنّها “صفقة القرن” التي ستلغي وتنهي كلّ تلك الصراعات، لصالح تثبيت أركان كيان الاحتلال الصهيونيّ، الذي سيكون سيّد المنطقة تماماً..