الإثنين , ديسمبر 23 2024
شام تايمز
"السر الأكبر".. لِمَ ظهر الفايروس في بعض البلاد قبل إعلانه في الصين؟

“السر الأكبر”.. لِمَ ظهر الفايروس في بعض البلاد قبل إعلانه في الصين؟

شام تايمز

“السر الأكبر”.. لِمَ ظهر الفايروس في بعض البلاد قبل إعلانه في الصين؟

شام تايمز

نشر موقع “ألجزيرة” تقريراً بعنوان “السر الأكبر”.. لِمَ ظهر كورونا في بعض البلاد قبل إعلانه في الصين أصلاً” جاء فيه: “لم تكن والدة الصغير “سيرجيو” تعرف ما هو مُقدِم عليه، في أحد صباحات تشرين الثاني 2019 أُصيب بأعراض البرد المعتادة، بعض الرشح وارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي تطلّب ملعقة صغيرة من المُسكِّن والمكوث في المنزل، لكن المشكلة تفاقمت بعد ذلك بأسبوع واحد حينما طوّر الطفل أعراضا تنفسية، تضمّنت سعالا حادا وصعوبة في التنفس، ودبّ الرعب في قلبها بحلول يوم 1 كانون الأول حينما ظهر طفح جلدي حاد على مناطق متفرّقة من جسده.

شام تايمز

التفت الأطباء في أحد مستشفيات مدينة ميلان الإيطالية إلى هذه الحالة الخطيرة، خاصة أنها تُشبه أعراض مرض “كاواساكي” الشهير، الذي عادة ما يتبع إصابة الأطفال بعدوى مثل الجدري المائي أو الحصبة. في الخامس من كانون الأول، أخذ الأطباء مسحة من الحلق للبحث عن تلك العدوى، لكنهم لم يجدوا شيئا. تماثل الصغير للشفاء بعد ذلك، وانتهت الأزمة.

مضت عدة أشهر، وفي أثناء غرقنا بمحيط “كوفيد-19″، قرّر فريق من جامعتَيْ “ميلان” الإيطالية و”نيوفاوندلاند” الكندية(1) البحث عن أثر كورونا المستجد في 39 مسحة حلق أُخِذت من مناطق إيطالية متفرّقة قبل بداية الجائحة في إقليم لومباردي شباط 2020، وفحصها عبر اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، الذي يبحث عن بقايا الحمض النووي الخاص بالفيروس. كلها كانت سلبية ما عدا واحدة فقط، إنها مسحة “سيرجيو”، وهذا في الواقع اسم وهمي لطفل إيطالي، من مدينة ميلان، يبلغ من العمر أربع سنوات فقط (في التجارب لا يمكن الإفصاح عن الأسماء الحقيقية).

هل بدأ “كوفيد-19” مبكرا في إيطاليا عن الصين نفسها؟ ظهرت تلك الفرضية مؤخرا بعد عدد من الدراسات أشار إلى وجود الفيروس في البلاد قبل إعلانه الرسمي، على سبيل المثال وجدت دراسة(2) فحصت عينات مجمدة من مياه الصرف في مدينتَيْ ميلان وتورين الإيطاليتين، أُخِذت بشكل روتيني في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، أن أثر الحمض النووي لكورونا المستجد كان بالفعل موجودا، بحسب فحص البوليميراز المتسلسل.

نعرف أن كورونا المستجد لا ينتشر في الرئة فقط حينما يدخل أجسامنا، بل يتخلّل عددا من أجهزة الجسم، ويحدث في بعض الأحيان أن يمر بالجهاز الهضمي، وهذا هو بالأساس سبب الأعراض المعوية التابعة للمرض مثل الإسهال والقيء، هنا يخرج الفيروس مع البراز، وبذلك يمكن أن توجد قطع من الحمض النووي الخاص به في مياه الصرف.

وفي دراسة(3) إيطالية أخرى قام الباحثون بتحليل عينات دم أُخِذت من 959 شخصا أثناء فحص لسرطان الرئة، بين أيلول 2019 وآذار 2020، ووجدوا أن 111 منهم كان لديهم أجسام مضادة لكورونا المستجد في دمائهم وقت أخذها، 27 من هؤلاء قدّم عيناته في ديسمبر/كانون الأول 2019. يعني ذلك أن هؤلاء الأشخاص أُصيبوا بالمرض في مرحلة سابقة، لأن الأجسام المضادة تتكوّن خلال 10-21 يوما من الإصابة بالمرض بوصفها استجابة مناعية من الجسم تجاه الفيروس لكي تحميه من إصابات تالية.

تتأكد تلك النتائج في مناطق أخرى من أوروبا. على سبيل المثال، مع إجراء فحص تفاعل البوليميراز المتسلسل لعينات مياه صرف أُخِذت بشكل روتيني بين كانون الثاني 2018 وكانون الثاني 2020 في بعض المدن الإسبانية(4)، جاءت نتائج كورونا المستجد إيجابية في كل الشهور بداية من الأسبوع الأول كانون الثاني 2020، أي إنه كان موجودا في البلاد قبل شهر من ظهوره الرسمي. لكن الأكثر إثارة للانتباه في نتائج تلك الدراسة كان أن عينة واحدة سابقة لكانون الثاني، وكانت في منتصف آذار 2019، أعطت نتيجة إيجابية لوجود كورونا المستجد!

نتائج شبيهة ظهرت أيضا في حالة فرنسية(5)، وهي لرجل يبلغ من العمر 43 عاما في العاصمة باريس، كان قد واجه أعراضا تنفسية حادة في منتصف شهر كانون الأول 2019، وحينما أُخِذت عيّناته للبحث عن الإنفلونزا الموسمية كانت سلبية، لكن مع وصول “كوفيد-19” أُعيد النظر في تلك العينات عبر اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل للبحث عن أثر كورونا المستجد، وكانت النتائج إيجابية.

وفي الولايات المتحدة الأميركية كانت دراسة(6) صدرت مؤخرا، في دورية “كلينيكال إنفيكشس ديزيزس”، قد أشارت إلى النتائج نفسها، حيث فحص الباحثون 7389 عينة دم جُمِعَت بشكل روتيني من مُتبرّعين في تسع ولايات أميركية في الفترة ما بين 13 كانون الأول و17 كانون الثاني، وظهر أن 106 منها احتوت على أجسام مضادة لكورونا المستجد.

تقول الرواية الرسمية إن أول ظهور لحالات كورونا المستجد كان في مدينة ووهان الصينية، في أحد نهارات كانون الأول 2019 حينما كانت تتجهّز لأعياد رأس السنة القمرية. نشأ حديث مُمتد بين مجموعة من الأطباء في مجموعة من مستشفيات المدينة على مجموعة دردشة خاصة في تطبيق “وي-تشات” عن حالات جديدة غير معتادة تتضمّن التهابا رئويا حادًّا مع حُمى شديدة وإعياء عام. خلال تلك الفترة أرسلت الإدارات الصحية في المدينة إلى الأطباء بضرورة التبليغ عن أية حالات جديدة تتضمّن هذه الأعراض، ومع تأكُّد الوضع الصحي الجديد، لم يعد ممكنا إلا أن تقوم الصين بإعلام منظمة الصحة العالمية، 31 كانون الأول كان الظهور الرسمي للمرض(7).

أشارت الحزم الأولى من الإصابات إلى منطقة واحدة في ووهان وهي سوق المأكولات البحرية، كان ذلك افتراضا مقبولا، فنحن نعرف أن هذا النوع من الفيروسات عادة ما ينتقل من أحد الحيوانات، المفترض هنا أنه خفاش حدوة الفرس، إلى عائل حيواني وسيط، آكل النمل الحرشفي ربما، ثم إلى الإنسان، وأسواق الكائنات الحية تُعَدُّ فرصة ذهبية لهذه القفزات المتتالية، لكن رغم ذلك فإن تلك الفرضية غير مؤكدة.

لكنّ فريقا من مؤسسة ووهان لعلم الفيروسات(8) كان قد أشار، قبل عدة أشهر، إلى أن سوق المأكولات البحرية في ووهان لم يكن من الأساس مرتبطا بأول قفزة لفيروس كورونا المستجد من حيوان إلى إنسان، فرغم أن حزم الحالات الأولى أشارت إلى سوق المأكولات البحرية، وكذلك وُجِد الفيروس هناك على أسطح متفرّقة، فإن فحصا لأنسجة حيوانات وأسماك السوق لم يجد الفيروس، وكان من المفترض أن نجد الفيروس في الحيوانات قبل انتقاله إلى الإنسان.

هناك أكثر من دليل يُشير إلى أن كورونا المستجد ربما كان موجودا في الصين في وقت سابق لحادثة سوق المأكولات البحرية في ووهان. قد يكون هذا السوق تحديدا قد ساهم في تفشي المرض بصورة أكبر، بمعنى أنه احتوى على حادث انتشار واسع (Super-spreading event)، وهي حالة لا نفهمها بشكل كامل بعد، يتمكّن خلالها مريض واحد من إصابة عدد أكبر -بفارق هائل- من المُتوقَّع الذي يدور حول 2-3 أفراد، لكنه لم يكن مصدر أول حالة.

خذ مثلا تلك الدراسة(9) التي صدرت في 20 يناير/كانون الثاني بدورية “ذا لانسيت” المرموقة، وكانت قد فحصت مجموعة من الحالات الأولى التي أُصيبت بـ “كوفيد-19″، لتجد أن أحدها أُصيب بالمرض في وقت ما حول 1 ديسمبر/كانون الأول، ولم تكن لهذا الشخص أية علاقة بسوق المأكولات البحرية في ووهان، إلى جانب ذلك فقد أشارت صحف صينية(10) إلى وجود حالات من المرض ظهرت مبكرا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وأنه حتى منتصف كانون الأول كانت حالات “كوفيد-19” تتوارد على المستشفيات بمعدلات 2-5 حالات يوميا فقط.

في الواقع، إن الحديث عن سوق المأكولات البحرية بوصفه مصدرا للفيروس، وما تلاه من أحاديث عن شوربة الخفافيش وهوس العالم بطبيعة الحياة الصينية الغريبة في أحد جوانبها، جعل من تلك القصة أشبه ما يكون بعقيدة عالمية، لكن أي متخصص في علم الأوبئة يعرف أن هناك دائما احتمالا كبيرا بأن يكون الفيروس قد قفز إلى البشر مبكرا عن هذا الموعد، وظهور الحالات بمعدلات صغيرة بداية من تشرين الثاني مقبول جدا، لأن اكتشاف فيروس جديد يتسبّب في أعراض تنفسية شبيهة بأعراض الكثير من الفيروسات الأخرى يأخذ بعض الوقت، لكنه للأسف لا يُبرِّر ظهور الفيروس في أوروبا وأميركا مبكرا جدا في تشرين الثاني وكانون الأول، لأن الفيروس يحتاج إلى وقت للسفر حول العالم.

هنا تدخّلت دراسة(11)، صدرت من جامعة هارفارد حزيران الماضي وأثارت جدلا كبيرا، لتقول إن كورونا المستجد ربما كان في الصين في آب 2019، فحصت هذه الدراسة صور الأقمار الصناعية التجارية لمنطقة ركن السيارات في ستة مستشفيات صينية، وكذلك راقبت عدد المرات التي أجرى فيها الصينيون بحثا عبر الإنترنت عن أعراض كالإسهال أو السعال، في أواخر الصيف وبدايات الخريف عام 2019، وقارنتها بالمعدلات في الفترة نفسها من عام 2018.

وجدت النتائج ارتفاعا قدره 67% في عدد السيارات بمناطق الركن في تلك المستشفيات، مع زيادة أيضا في عدد عمليات البحث عن أعراض كالإسهال والسعال، يتفق ذلك مع فكرة أن المرض ربما قد انتقل بالفعل من الصين إلى بقية العالم في وقت مبكر عن إعلان وجوده، لكن هذا النوع من الدراسات يواجه مشكلات كبيرة في آليات تصميمه، ما يجعل من الصعب أن نعتمد عليها لتأكيد تلك الفرضيات.

على سبيل المثال(12)، في دراسة هارفارد كان البحث بالفعل عن “أعراض الإسهال” أكبر مقارنة بالفترة نفسها في 2018، لكن رغم ذلك فإن البحث عن كلمة “إسهال” نفسها كان أقل من المعدلات، أضف إلى ذلك أن البحث عن كلمات أخرى مثل “حمّى” و”صعوبة في التنفس”، من قِبَل بعض الباحثين المستقلين، كان أقل من المعدلات في 2018.

ويمتد هذا النوع من التردُّد في النتائج إلى معظم الدراسات التي تحاول فحص الفرضية القائلة إن “كوفيد-19” كان موجودا قبل إعلانه بفترة كبيرة، فمثلا نحن نعرف أن اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل ليس دقيقا في كل الأحوال، بالنسبة لتجارب اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل، كذلك فإن الأجسام المضادة التي وُجِدت في دماء المشاركين في بعض التجارب قد تكون لفيروسات كورونا أخرى غير كورونا المستجد (لكنه الاحتمال الأضعف)، وهناك بالفعل 4 منها تدور بين البشر بشكل سنوي وتتسبّب في نزلات البرد العادية.

من جانب آخر فإن تلك الفرضية التي تقول إن كورونا المستجد كان موجودا مبكرا لا تجيب عن أسئلة كثيرة. على سبيل المثال، إذا افترضنا أن الـ 959 شخصا في التجربة الإسبانية التي تحدّثنا عنها قبل قليل كانوا عينة عشوائية، فإن ذلك سيعني أن وجود كورونا المستجد في الجمهور كان بنسبة 12% تقريبا، لكنّ فحوصا تالية وجدت أن نسبة الإصابة في إسبانيا كانت نحو 5% من السكان فقط خلال فترة الوباء، هل يعني ذلك أن حالات “كوفيد-19″ في إسبانيا انخفضت مع الزمن ثم ارتفعت مرة أخرى؟

أضف إلى ذلك أن وجود الفيروس مبكرا في بعض البلاد سيعني بالتبعية احتقانا في غرف العناية المركزة مبكرا عن الموعد الذي شهدته بعد الوباء، وهذا لم يكن مرصودا بشكل واضح، هنا تظهر فرضية أخرى تقول إن كورونا المستجد قد يكون موجودا بيننا قبل فترة طويلة لكن مع درجة خطورة طفيفة، ومع إحدى طفراته أصبح أكثر خطورة، وهنا ظهر للأطباء في المستشفيات.

كل ما نملكه إلى الآن هو مجرد فرضيات تميل بالفعل إلى الإشارة إلى أن كورونا المستجد كان موجودا مبكرا عما نعرف، لكنها لا تُحدِّد الموعد بالضبط. هذا ليس بالضرورة اتهاما للصين بأنها أخفت شيئا ما، وليس كذلك تأكيدا لبراءتها من هذا النوع من الاتهامات، في الواقع ستظل تلك التساؤلات حول الصين والفيروس مطروحة على طاولة النقاش العلمي والسياسي، والمجتمعي كذلك، ربما إلى الأبد”.

لبنان24

اقرأ ايضاً:اليكم تنبؤات العرافة البلغارية “بابا فانغا” في 2021

شام تايمز
شام تايمز