ماريا ديب: فكرة الترفيه اختلفت وما يُعرض اليوم لا يؤثر بي.. كُله سريع ومستهلك
لبنى شاكر
“دمشق.. ساحة الأمويين”، تحديداً “مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون”، إلى هذا العنوان المعروف، كانت رسائل السوريين تصل بانتظار أن تُذاع مساء كل يوم خميس بصوت المذيعة “ماريا ديب”، وعلى مدى خمسٍ وعشرين عاماً، كانت مناسبات الخطوبة والزواج والمولود الجديد والعودة من السفر، تكتسب أهمية مُضافة بمجرد سماعها في برنامج “ما يطلبه الجمهور”، الأشهر في عالم إهداءات الأغاني، والحاضر في ذاكرة أجيال من المشاهدين.
تضحك “أم عمار” اليوم حين يُذكر برنامجها ولازمتها الشهيرة “هلا عيوني” مع “مناسبات” وعلى حد قولها “لو لم يترك برنامجي أثراً بالغاً في وجدان السوريين لما تذكروه في هذه الظروف الصعبة”.
عن تجربتها الطويلة في التلفزيون، وقضايا إعلامية أخرى، التقت “تشرين” الإعلامية ماريا ديب، وكان هذا الحوار.
* بداية.. أمضيتِ 42 عاماً في التلفزيون، كيف استطعتِ الحفاظ خلال هذا الوقت كله على أسرة لها متطلباتها؟
لم يقتصر الأمر على الأسرة فقط، كنت أستقبل الضيوف في بيتي بشكلٍ دوري، لكن بالتنظيم والإدارة الجيدة، تدبرت أمري، وهذا رضا من رب العالمين لا شك، كانت لدي مُساعِدة في البيت لكنها لا تطبخ ولا تدرّس الأطفال، لذلك تعلمت السرعة في إنجاز عملي وفي حال توفر لدي شيء من الفراغ، كنت أستغله لصالح أسرتي، عموماً المرأة جبّارة تستطيع أن تقوم بمهام كثيرة، أيضاً كان زوجي سنداً كبيراً لي، تفهّم دوامي الطويل وسفري بين المحافظات وخارج سورية، كانت الثقة بيننا متبادلة، وهو أمر ضروري لتستمر الحياة بين الزوجين.
* ألم تطمحي بفرصة عمل خارج سورية؟
أبداً، التلفزيون لم يكن قطاعاً خاصاً يتحكم بي أو يستغني عن خدماتي في أي لحظة، كنت متمكنة من عملي وقدراتي، لذلك كبرتُ على شاشة بلدي وأمام الجمهور.
* زملاؤنا سيستغربون هذا الكلام اليوم، ما رأيك؟
اليوم تغيّر الوضع، كان راتبي وراتب زوجي كافيان بالنسبة لنا، لا ألوم من يبحث عن فرصة عمل خارجاً، في السابق كانت دول الخليج تستقطب الإعلاميين ، لكن أقولها ثانية كنت أشعر بشخصيتي متكاملة على شاشة بلدي، واثقة من نفسي، من وطني وجمهوري، كنت مقتنعة وسعيدة وواثقة في الإعلام السوري، كان للمذيع “وزنه” واحترامه، ضمن أجواء من الحب والتعاون، صدقاً أبكي حين أدخل مبنى التلفزيون وأتذكر حياتي فيه.
* أنتِ اليوم جزءٌ من ذكريات أبناء البلد، كيف يمكن للإعلامي منا أن يثبت نفسه مع تعدد المنابر والوسائل، الوسط الإعلامي اختلف عما كان سابقاً؟
الوسط الإعلامي لا يختلف مهما كثرت الوجوه وتعددت المحطات، تبقى شخصية الإعلامي هي الأساس، صحيحٌ أنّ أعداد الإعلاميين سابقاً كانت أقل بالتالي قدرتهم على التأثير أكبر، لكن هذا لا يعني أن الجميع وصلوا إلى الجمهور، اليوم ورغم الكثرة التي تحدثتِ عنها لكن لا شك أن مذيعاً أو مذيعة يؤثران بك أكثر من البقية، هذا لا يأتِ من فراغ بل من “الكاريزما” والثقافة والشكل وطريقة الكلام، ولا نعني هنا الجمال بل “صدق المقولة”، لذلك يجب أن تعي المذيعة أنها لا تظهر لعرض الأزياء أو الشعر، فهي تدخل كل البيوت، ويجب أن تكون مقبولة بالنسبة للجميع عبر لباس أنيق مرتب، في المحصلة أن يكون الإنسان مذيعاً هذا ليس أمراً سهلاً كما يظن البعض، آمنت خلال عملي كمذيعة أن ما في داخلي يرتسم على وجهي، وأذكر أنني بكيت أثناء قراءة خبر يتعلق بمرحلة حساسة من تاريخ سورية، الجمهور يُدرك إن كان هذا صدقاً أم ادعاءً، لأن التلفزيون كاشف والشاشة فضّاحة، والمتفرج يبادل الصدق بالصدق.
* بدأتِ عملك في البرنامج السياسي “مجلة الشعب” لكنك انتقلت لاحقاً إلى برامج المنوعات، مفارقة غريبة؟
كنت صغيرة في السن 18 عاماً، لكن “محمود الخاني” معد البرنامج دعمني، هذه التجربة كانت ذات فائدة لي، علماً أنني لم أدخل التلفزيون ليقال فلانة مذيعة وأنا أصلاً ابنة عائلة محافظة، لكنني خضت تجربة طويلة غنية ورفعت اسم عائلتي وكنت أتعلم يومياً من التعاطي مع الزملاء والجمهور، أما الانتقال إلى المنوعات، فسببه عدم محبتي للكلمة الجامدة في السياسة.
* خلال 42 عاماً قدمت برامج كثيرة في ميدان الترفيه والمنوعات، كيف ترينها اليوم مقارنة بالنمط الدارج؟
أجل، قدمت برامج “أغاني على الهواء”، “ليالينا”، “ألوان”، “عشرة عمر”، “تلفزيون المساء”، “الأرشيف”، “محطات تلفزيونية”، “ما يطلبه الجمهور”، الإبهار بالمنوعات كما يُقدم اليوم ضروري لا شك، ربما لم نفكر بهذه الناحية لأن الالتزام لدينا كبير جداً كتلفزيون رسمي، لكننا قدمنا الـ SHOW ضمن الحدود التي يتقبلها الجمهور السوري والعربي، كنا نأخذ أفكارنا من الجمهور، ندرس اقتراحاتهم ونطورها ونشتغل عليها، حالياً اختلف الديكور ولباس المذيع والمذيعة حتى فكرة الترفيه نفسها اختلفت، وإن كان ما يُعرض اليوم لا يؤثر بي ولا يبقى في ذاكرتي، كُله سريع ومستهلك، ما يبقى في ذاكرة الجمهور يجب أن يتمتع بتقنية عالية من المعلومات والديكور وغيرها.
في برنامج “عشرة عمر” مثلاً كنت أستضيف زوجين أو صديقين أو سواهما، وأسألهما “ماذا أضافت هذه العشرة لكليهما؟!”، هكذا استضفت عشرات الشخصيات، منهم الشاعر وجيه البارودي وصديقه الأديب وليد قنباز، ولأول مرة في سورية استقدمت الأزياء المحلية الحديثة لإظهارها للعالم، وفي برنامج “ما يطلبه الجمهور” سافرت إلى محافظات المنطقة الشرقية، التقيت بالجمهور وسلطت الضوء على الأماكن الأثرية هناك، وفي “أغاني على الهوا” كنت أتواصل مع الجمهور خارج سورية، عبر الفاكس، الوسيلة المتاحة للقاء والتواصل آنذاك.
* ماذا لو طُلبت منك النصيحة أو الإشراف على برنامج للمنوعات؟
جاهزة لأقدم خبرتي، لكن أعود لأقول إن الزمن والحياة والأفكار كلها اختلفت، ورؤية الناس لي اختلفت، يبقى العمل الإعلامي تكاملياً، وعلى الإعلامي أن يستمع لآراء من حوله دون تجبّر وتكبّر وادعاء الفهم بكلّ شيء، ويمكن له دوماً أن يستفيد من جميع الآراء والأفكار حتى تلك التي لا تعجبه.
* إضافة لعملك كمذيعة، كُلفت بالإشراف على دائرة المذيعين ومن ثم دائرة الأطفال، كيف تعاملتِ مع فكرة الإدارة في الإعلام؟
المنصب يحمّل صاحبه مسؤولية كبيرة، حاولت أن أكون أماً وأختاً وصديقة خلال 25 عاماً كرئيسة دائرة المذيعين، عاملت الجميع كزملاء وأخوة وحاولت أن أتفهم ظروفهم وأمزجتهم، أظن أنني كنت عند حسن ظنهم بي، وخلال تكريمي في المركز الثقافي في أبو رمانة قبل أعوام، سمعت شهادات جميلة من الزملاء، من بينهم الزميلة إيمان الرحبي، أثنت على أدائي كرئيسة دائرة وما تركته من أثر في عملها، هذا يعني الكثير لي حقيقة.
وحين كُلفت بدائرة الأطفال، شعرت بالخوف وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، لكنني تعلمت فيها ووصلت عبرها إلى العالمية، فزت بجائزتين عن برنامج الأطفال “هيا نلعب”، وهو عنوان طرحته الأمم المتحدة، وطلبت الاشتغال عليه، وفي رصيدي أيضاً جائزة “بري جينيت” في ميونيخ عن فيلم “المنعطف” الذي يطرح قضية تحول الفتاة من الطفولة إلى الشباب، سيناريو وحوار وإخراج منال صالحية إنتاج 2010.
ولا زلت أحلم بفضائية سورية للأطفال، تبث الأشياء الجميلة والإنسانية، ولا سيما بعد سنوات الحرب على سورية، وما جرته على الأطفال من عنف ودموية وأفكار سلبية.
* اليوم تحتل صفحات التواصل الاجتماعي جزءاً من عمل وسائل الإعلام في الإشارة إلى خطأ ما أو تناول قضية معينة، ما رأيك بهذه التوليفة الجديدة؟
** لا يوجد حكم نهائي هنا، كلٌ منهما يمكن أن تستقي أفكاراً من الأخرى،
وسائل التواصل اليوم ليست سباقة في المتابعة لكنها قادرة على الوصول إلى المتلقي بسرعة أكبر، بينما تحتاج وسائل الإعلام وقتاً لتقدم ما لديها، وفي كل الأحوال كل هذه التقنيات الجديدة والسوشيل ميديا، تعطي الكثير للإعلامي، الأفكار تنتقل من مكان إلى آخر، وكل هذا قابل للعمل عليه، يمكن للزملاء أن يصنعوا الكثير من المتاح أمامهم.
تشرين