السندباد البحري ورحلاته السبع.. من أين جاءت هذه القصص الأسطورية؟
«اعلم أن لي قصة عجيبة، وسوف أخبرك بجميع ما صار لي، وما جرى لي من قبل أن أصير في هذه السعادة، واجلس في هذا المكان الذي تراني فيه، فإني ما وصلت إلى هذه السعادة، وهذا المكان، إلا بعد تعب شديد ومشقة عظيمة وأهوال كثيرة، وكم قاسيت في الزمن الأول من التعب والنصب، وقد سافرت سبع سفرات، وكل سفرة لها حكاية تحير الفكر، وكل ذلك بالقضاء والقدر، وليس من المكتوب مفر، ولا مهروب» *السندباد البحري من قصص ألف ليلة وليلة.
تعد شخصية السندباد البحري من أشهر الشخصيات التي ظهرت في التراث العربي، وعلى الرغم من شهرتها فإن أصول هذه الشخصية لم يزل مُختلفًا عليها، وكذلك الرحلات السبع التي خاضها. فهناك اختلاف بخصوص جذور هذه الرحلات، إذا ما كانت عربية، أو فارسية، أو حتى هندية، كما يمكن ملاحظة تأثير أوديسة هوميروس الشهيرة على مغامرات السندباد، أو على الأقل بعض مغامراته، فماذا نعرف حقًا عن هذه الشخصية المثيرة؟
السندباد البحري.. وقصص ألف ليلة وليلة
وفقًا لأغلب النسخ من كتاب ألف ليلة وليلة، فإن السندباد هو تاجر، وبحار، ومغامر عربي شهير، عاش ببغداد في عصر الدولة العباسية، ويُرجح أنه كان في زمن الخليفة هارون الرشيد.
بدأ بالإبحار من ميناء البصرة، وانطلق في مغامرات عجيبة عبر البحار والمحيطات، ليصل إلى أبعد السواحل وأغرب الجُزر. ظهر السندباد لأول مرة في الليلة 530، واستمرت حكايته حتى الليلة 560 ضمن حكايات الملكة شهرزاد للملك شهريار.
تعد حكاية السندباد من أشهر حكايات ألف ليلة وليلة، وأكثرها انتشارًا، إلى جانب حكاية علاء الدين والمصباح السحري، وحكاية علي بابا والأربعين لصًا.
السندباد والرحلات السبع
يخبر السندباد البحري السندباد البري أنه في يوم من الأيام أدرك أن الثروة التي تركها له والده شارفت على النفاد، وأن حياة الترف والرفاهية التي يعيشها الآن لن تستمر طويلًا؛ فقرر أن الوقت قد حان ليحذو حذو أبيه، ويدخل عالم التجارة.
يبيع السندباد بعض ممتلكاته، ويشتري بضاعة، ويركب البحر ليتاجر بها، وهنا يبدأ في قص رحلاته السبع، في كل ليلة رحلة، وتنتهي الليلة دائمًا بالسندباد البحري وهو يعطي السندباد البري 100 درهم، ويشكره على تمضية الوقت معه، ويطلب منه المجيء في اليوم التالي ليسمع باقي مغامراته، لكن ما حكاية الرحلات السبع؟
الرحلة الأولى.. السندباد والجزيرة الوحش
تبحر السفينة وعلى متنها السندباد وغيره من التجار، لتعلن بدء أولى رحلاته في طريق اكتسابه لقب السندباد البحري. بعد مرور بعض الوقت ترسو السفينة على جزيرة مهجورة، ويقرر الطاقم التخييم على الجزيرة، وقضاء الليل فيها، لكن في الواقع هذه الجزيرة لم تكن جزيرة على الإطلاق، بل وحشًا بحريًا – وفي نسخ أخرى حوتًا – عملاقًا، له ظهر يشبه الجزيرة؛ حتى يخدع البحارة ويغرقهم. يهلع الجميع، ويتجهون إلى السفينة، لكن لسوء حظ السندباد، لا يستطيع اللحاق بالركب، وتنطلق السفينة بدونه، فيستخدم حوضًا خشبيًا ليظل على قيد الحياة، ويجدف بعيدًا عن الوحش العملاق.
يستيقظ في اليوم التالي على شاطئ جزيرة حقيقية هذه المرة، وبعد أن يستريح من الرحلة الصعبة، ويداوي جروحه بالنباتات الموجودة على الجزيرة، ويبدأ الاستكشاف؛ ليقابل المسؤول عن الإسطبل الملكي؛ فيخبره أنه مسؤول عن جعل الأحصنة تتزاوج مع أحصنة البحر – وهي في القصة أحصنة كبيرة الحجم، وليست أحصنة البحر الصغيرة – فيساعده السندباد أن يتمم مهمته الغريبة. بعد ذلك يعودان للملك، والذي يعجب بقصة السندباد، وكيف أنه نجا من الوحش البحري العملاق.
مع مرور الوقت تزداد ثقة الملك بالسندباد، ويعينه مستشارًا ملكيًا، وفي يوم من الأيام، وبينما هو في ميناء الجزيرة يتفقد الأحوال، إذ بالسفينة التي كان على متنها تصل، وبعد أن يتعرفوا عليه يعيدوا له كل مقتنياته، ويختار السندباد منها ما يليق، ويقدمه للملك هدية؛ فيرد الملك الصاع صاعين، ويزداد السندباد ثراء، ويعود إلى وطنه أغنى مما كان عليه قبل السفر.
الرحلة الثانية.. طائر الرخ وأحجار الماس
على الرغم من أن الرحلة الأولى للسندباد كانت غريبة وخطيرة، فإن ذلك لم يثنه عن رغبته في العودة للبحر مرة أخرى، والانطلاق في رحلة أخرى. ومثل المرة الأولى تبحر السفينة وعلى متنها السندباد، وغيره من التجار، لتعلن بدء ثاني رحلاته في طريق اكتسابه لقب السندباد البحري، ومثل المرة الأولى بعد أن يخيم الطاقم على جزيرة من الجزر تنطلق السفينة بدون السندباد، لكن هذه المرة كان السبب أنه نام بعيدًا عن مكان التخييم المتفق عليه؛ فظن رفاقه أنه غرق.
يبدأ بالتجول في الجزيرة إلى أن يصل إلى عش الرخ، ويجد الأم نائمة وتحتها البيض الذي يحوي صغارها، وهنا تخطر على باله فكرة اعتبرها هو عبقرية، فقرر ربط نفسه بقدمها؛ لأنها بالتأكيد ستغادر الجزيرة، وهكذا سيطير معها. الغريب في الموضوع أن الخطة نوعًا ما تنجح. فتطير الأم بالسندباد، وتذهب إلى جزيرة أخرى، لكن لسوء حظه تهبط به في وادٍ مليء بالأفاعي العملاقة.
بعد أن يفك نفسه من أقدام الأم يلاحظ السندباد أن أرضية الوادي مغطاة بالألماس، فيتذكر الطريقة التي كان يستخدمها التجار للحصول على الألماس بدون مواجهة الأفاعي، وهي بإلقاء اللحم الطازج على الأرض؛ فتلتصق الماسات باللحم بسبب الدماء، وتلتقط طيور الرخ قطع اللحم. يجد السندباد قطعة لحم موجودة بالفعل، ويظن أنه بما أنه سيموت على أية حال فلا ضرر من الحصول على بعض الألماس، فيجري ويجمع مجموعة كبيرة من الألماس ويلتقط من قبل الرخ، وحينما يعود الطائر به إلى العش يجد التجار الذين وضعوا قطعة اللحم في الوادي، فيخيفوا الطائر، ويترك السندباد.
يحزن التجار أن «قطعة اللحم» التي تركها الرخ لم تكن كما في مخيلتهم، ولا توجد أية ماسات ملتصقة، إلا أن السندباد يفاجئهم أنه استطاع جمع مجموعة كبيرة من الماسات ويقرر أن يتقاسمها معهم، وبعد أن يحكي لهم قصة مغامراته والرحلتين المجنونتين التي قام بهما يعرض التجار على السندباد أن يعيدوه إلى بيته في بغداد، لتنتهي رحلته الثانية.
الرحلة الثالثة.. هل يعود أصل هذه القصة إلى الأوديسة؟
هذه الرحلة هي الأكثر تأثرًا بالأوديسة وتحديدًا مغامرة أوديسيوس مع بوليفيموس العملاق ذي العين الواحدة، على الرغم من أن الطريقة التي تحطمت بها سفينة السندباد ورفاقه مختلفة عن تلك التي في الأوديسة، فسفينة السندباد يتغير مسارها بسبب الرياح الشديدة وتتعرض لهجوم من قبل قردة متوحشة تدمر السفينة، وبينما يستكشف السندباد ورفاقه الجزيرة يجدون قلعة عملاقة ويقررون المبيت فيها، إلا أنهم يستيقظون على صوت العملاق ذي العين الواحدة صاحب القلعة.
وتحكي النسخ المختلفة كيف يقوم العملاق بطهي القبطان بسبب أنه كان أكثرهم سمنة، وتصف بالتفصيل كيف قام بهذه العملية، والتي بعدما انتهى منها ومن القبطان شبع ونام قليلًا. وعلى الرغم من نوم العملاق فإن الطاقم لا يغادر، بل ينتظر الجميع حينما يستيقظ العملاق، ويغادر القلعة؛ ليبدأ السندباد بإخبارهم خطته. سيقوم جزء منهم بصناعة قارب من الخشب الباقي من حطام سفينتهم، بينما الجزء الآخر سيسرق سيخًا من الأسياخ الحديدية، والتي استخدم واحدًا منها بالفعل لطهو القبطان؛ ليطعنوا بها العملاق في عينه.
وهنا نجد وجه الشبه بين خطة السندباد وخطة أوديسيوس، فعلى غرار أوديسيوس الذي انتظر أن يثمل العملاق ليطعنه في عينه انتظر السندباد أن يغفو العملاق ليطعنه في عينه.
تنجح خطة السندباد ويطعن العملاق في عينه ويهرب هو ورفاقه، إلا أن العملاق ينادي على أصدقائه الذين يبدأون في إلقاء الأحجار على القارب ليتدمر تمامًا، ولا يستطيع أحد النجاة سوى السندباد واثنين آخرين، إلا أنهما يموتان حينما يصلا إلى أول جزيرة؛ لأنها كانت تحتوي على أفاعٍ عملاقة.
لكن السندباد ينجو من الأفاعي ويستطيع أن يجد سفينة على مرمى البصر، وهذه السفينة هي السفينة التي تركته في الرحلة الثانية على جزيرة الرخ، فيعتذر طاقم السفينة له ويعطونه بضاعته التي كان سيبيعها، فيبيعها بالفعل، ويعود إلى بغداد وقد ازدادت ثروته مرة أخرى.
الرحلة الرابعة.. السندباد في السرداب!
قد تكون هذه الرحلة من أكثر رحلاته غرابة ورعبًا وقسوة. فهذه المرة هو ورفاقه يرسون على جزيرة خالية من طيور الرخ، أو الأفاعي العملاقة، أو حتى الوحوش ذات الأعين الواحدة، مجرد قبيلة عادية من البشر تقرر الاحتفال بهم عن طريق مأدبة ضخمة، إلا أن المشكلة الوحيدة أن السندباد ورفاقه هم الطعام في هذه المأدبة. فعلى ما يبدو كانت القبيلة من أكلي لحوم البشر، هذه القبيلة خدرته ورفاقه بمخدر يزيد من رغبتهم في الأكل، وكلما أكلوا أكثر كلما ازداد وزنهم كلما أصبحوا أشهى.
إلا أن السندباد لم يتناول النبتة التي كان بها المخدر، واستطاع الهرب من القبيلة، ووجد مدينة كبيرة استطاع فيها أن يصادق الملك ويتزوج من امرأة جميلة. لكن لا يمكن أن تكون الرحلة بهذه البساطة! فمع مرور بعض الوقت تمرض زوجته وتموت، وهنا يكتشف السندباد أن من تقاليد هذه المدينة أنه في حالة موت أحد الزوجين فإن كلاهما يدفن سويًا.
ورغم توسل السندباد لهم فإنهم ينزلونه إلى السراديب مع جثمان زوجته، وطعام يكفيه لمدة أسبوع، يبقى هناك وسط الجثث، وقد اقترب طعامه على النفاد إلى أن يأتي يوم ويتم إنزال أرملة مع جثمان زوجها، فيتسلل إليها ويقتل السيدة ليسرق طعامها.
وتمر الأسابيع ومع كل زوجين يتم إنزالها يعود الزاد للسندباد، وتكتب له الحياة مرة أخرى، إلى أن أتى يوم وجد فيه حيوانًا داخل مغارة السراديب، فتتبع السندباد الحيوان ليجد طريقًا للخروج من هذا المقبرة، وبعد أن يخرج من السراديب يتذكر السندباد كل المقتنيات الثمينة التي دفنت مع أصحابها فيعود لإحضارها، ثم بعد مرور بعض الوقت تتوقف سفينة من أجله وتعيده للوطن.
الرحلة الخامسة.. عجوز البحر وحيلة الخمر
في هذه الرحلة توقفت السفينة على جزيرة بسبب أن واحدًا من البحارة رأى في منظاره عشًا لطائر الرخ وقد كان في البيض، فقرر الطاقم لسبب ما أنها ستكون فكرة جيدة لو أخرجوا الفرخ الصغير من البيضة، وذبحوه ليأكلوه، لكنها لم تكن فكرة جيدة!
يعود طائرا الرخ أبوا الفرخ الذي أكله طاقم السفينة، ويقرران الانتقام ممن أكلوا صغيرهم، فيحملان صخورًا عملاقة، ويلقيان بها فوق السفينة لتتحطم تمامًا، ولا يستفيق السندباد إلا في اليوم التالي وهو على جزيرة أخرى.
يجد السندباد أمامه رجلًا شيخًا فيظنه من التجار الذين كانوا على السفينة، فيطلب الرجل منه أن يحمله إلى مكان ما، يقرر السندباد أن يكون شهمًا ويحمل الشيخ فوق كتفيه. إلا أن هذا الشيخ لم يكن سوى وحش أسطوري يعرف باسم «عجوز البحر»، وحينما وصل السندباد إلى الوجهة المنشودة تمسك الشيخ به، وضيق رجله عليه، وضربه على رأسه، وقال له إنه سيظل يحمله حتى يتمنى الموت من كثرة التعب والإرهاق.
فكر السندباد في طريقة للتخلص من هذا الشيخ الجالس فوق كتفيه، فطلب منه أن يتناول بعض الطعام، لكنه لم يتناول الطعام، بل الخمر الذي صنعه من بعض الفواكه في الجزيرة وسكر قليلًا، وهنا بدأ الشيخ يشعر بالفضول، وقرر أن يجرب الخمر، وحينما شرب منها ما يكفي ليفقده قوة مسكته ألقى به السندباد من فوق كتفه، وحطم رأسه بصخرة كبيرة وجدها على الشاطئ. وبعد مرور بضعة أيام تلتقطه سفينة تجار كانت تمر بجوار الجزيرة وتعيده في طريقها إلى بغداد.
الرحلة السادسة.. وجزيرة الألماس والجواهر
تتحطم سفينة السندباد هذه المرة بسبب الأمواج العاتية التي تلقي بها على صخور عملاقة، فيبقى السندباد وطاقم السفينة على جزيرة لا يوجد بها أي شكل من أشكال الطعام، فقط الألماس والجواهر التي تلقي بها الأمواج على الشاطئ بعد أن تدمر السفن.
بدأ الطاقم يتساقط واحدًا تلو الآخر بسبب انعدام الطعام والماء؛ فيقرر السندباد أنه لن ينتظر أن يموت هو الآخر فيبنى قاربًا صغيرًا ويبحر في جدول على أمل أن يجد في آخره مدينة.
وبالفعل يجد غايته ويصادق ملك المدينة، وبعض فترة ليست بالطويلة يقضيها في المدينة يقرر السندباد العودة إلى بغداد، فيرسل الملك معه الهدايا لحاكم بغداد، وهدايا شخصية له بعد أن أعطاه بعض المجوهرات التي التقطها حينما كان على شاطئ الجزيرة.
الرحلة السابعة.. المتحولون أبناء الشياطين!
يعود السندباد للبحر بعد أن مل من حياة الترف والرفاهية، ولكنه سيتمنى العودة لها بعد مرور أيام قليلة في البحر حيث تتعرض سفينته لهجوم من ثلاثة وحوش بحرية وتلقي الريح سفينته على الصخور لتدمرها تمامًا.
لكنه ينجو عن طريق التمسك بخشبة كانت تطفو، فيظل يسبح حتى تجرفه المياه على شاطئ مدينة التجار. وبسبب شخصيته الرائعة ولباقته ينجح في الحصول على عمل مع كبير التجار خصوصًا بعدما سمع قصة السندباد ومغامراته ورحلاته السابقة. وبعد أن تتوطد العلاقات يعرض كبير التجار عليه أن يزوجه ابنته فيوافق، وبعد الزواج بمدة قصيرة يتوفى كبير التجار لترثه ابنته الوحيدة وزوجها السندباد.
إلا أنه وبعد فترة يكتشف السندباد سرًا عن أهل هذه المدينة، وهي أن منهم من يتحولون أول الشهر إلى طيور، فيقنع السندباد أحدهم أن يطير به إلى عنان السماء، وبعد أن يرتفع في السماء يسمع صوت تسبيح الملائكة، وما يلبث أن يقول «سبحان الله»، وإذ بالسماء تمطر اللهب بسبب اقترابهم منها؛ فيلقي الطائر بالسندباد فوق أحد الجبال، ويهرب فزعًا.
وعلى الجبل يلوم سندباد نفسه أنه ما إن يخرج من مصيبة يدخل في مصيبة أكبر، وفجأة يظهر له غلامان يحملان في يد كل منهما عصًا من ذهب يتكئ عليها، فأعطياه عصًا من الذهب الأحمر ورحلا، فسار السندباد يمشي في الجبل متكئًا عليها، إلى أن صادف حية كبيرة تبتلع رجلًا حتى بطنه، فطلب الرجل منه مساعدته وسيكون مرافقًا له طوال العمر؛ فأنقذه السندباد بضربه للحية على رأسها بالعصا.
وبعد أيام يجد السندباد القوم الذين يتحولون للطيور، فاعتذر للرجل الذي كان يحمله، وأخبره أنه لم يكن يدري أنه من الممنوع أن يسبح الله، وطلب منه أن يعيده للمدينة، فاشترط عليه الرجل ألا يسبح الله طالما كانوا في السماء.
وعندما عاد السندباد لزوجته وأخبرها بما حدث أعلمته أن هؤلاء ليسوا بمتحولين، وإنما هم أبناء للشياطين، واقترحت عليه أن يبيعوا ممتلكاتهم وتعود معه إلى بغداد. يوافق السندباد، وبعد مرور شهور يعود إلى بيته في بغداد، ويحتفل به أهله؛ لأنهم كانوا قد ظنوا أنه مات، فلما سألهم عن مدة غيابه أخبروه أن آخر رحلة استغرقت 27 عامًا، وهنا قرر السندباد أنه لن يعود للبحر مرة أخرى، وأنه أخيرًا سيقنع بحياة الترف والرفاهية، وأن أيام المغامرات قد ولت.
السندباد في هوليوود
نال السندباد البحري نصيبه من الظهور على الشاشة الفضية؛ فظهر في العديد من الأفلام، إلا أن النوعية الخاصة بهذه الأفلام لم ترق إلى مستوى قصص السندباد ومغامراته. ويعد فيلم «Sinbad, the Sailor» والذي صدر سنة 1947 من أوائل الأفلام التي تناولت مغامراته، ولعب دوجلاس فايربانكس الابن دور السندباد، بينما ظهر معه عدد من النجوم، مثل: مارين أوهارا، وأنثوني كوين، ووالتر سليزاك.
ويحكي هذا الفيلم عن مغامرته في البحث عن كنز الإسكندر الأكبر، وما واجهه من أخطار في سبيل الوصول لهذا الكنز، وكيف التقى بحب حياته في هذه المغامرة.
جرى إنتاج أفلام أخرى للسندباد، إلا أن الأفلام السينمائية لم تكن السبب في شهرته، بل أفلام «الأنيميشن». في عام 1975 قدمت اليابان هدية للعالم بعنوان «الليالي العربية: مغامرات السندباد»، وتعد هذه النسخة هي النسخة الأشهر بين الأجيال العربية، حيث السندباد، وياسمينة، وعلي بابا، وعلاء الدين، وغيرهم من الشخصيات التي ارتبط بها الجمهور العربي، على الرغم من أن المسلسل لم ينتج سوى 52 حلقة فقط.
في 2003 قدم أستوديو «دريم ووركس» فيلم أنيميشن بعنوان «سندباد: أسطورة البحار السبع»، وعلى الرغم من أن براد بيت قام بالأداء الصوتي لشخصية السندباد، وشاركه في البطولة كاثرين زيتا جونز، وجوزيف فينيس، وميشيل فايفر؛ إلا أن الفيلم لم يحقق الشهرة والنجاح المتوقع، ويرجع السبب في ذلك على الأرجح للقصة الغريبة عن السندباد، فلسبب ما قرر المنتجون أن المغامرات المعروفة للسندباد ليست ملهمة بما يكفي، وقرروا تغيير القصة بشكل كامل.
فهو في هذا الفيلم بحار فارسي يحاول مساعدة صديق طفولته أمير مدينة سرقوسة الموجودة في جزيرة صقلية، بعد أن لفقت له إلهة الفوضى اليونانية إيريس تهمة سرقة كتاب السلام.
هل هناك سندباد حقيقي فعلًا؟
بالطبع نعرف أن هذا التساؤل يبدو غريبًا، خصوصًا بعد أن ذكرنا قصصه مع العمالقة وطيور الرخ وما إلى ذلك، لكن هل هذه القصص والمغامرات مستوحاة من شخصية حقيقية؟ يرجح البعض أن أصول السندباد تعود لمغامر وتاجر فارسي عرف باسم سليمان التاجر، والذي سافر من بلاد فارس إلى جنوب الصين تقريبًا في عام 775 ق.م.
كذلك هناك سيراف، والذي يقال إنه أول شخص قام بالرحلة عبر المحيط الهندي ليصل من آسيا الغربية حتى جنوب الصين، والذي تحول إلى طريق للتجارة فيما بعد يستخدمه كافة التجار، وبالطبع فإذا كانت قصة سيراف حقيقية فلابد أنه اكتسب قدرًا من الشهرة بعد أن ذهب عبر المحيط، وعاد ومعه التوابل، والحرير، والمجوهرات، وربما يكون سيراف هذا هو أصل السندباد.
بينما في عمان الرأي السائد هو أن السندباد كان من أبناء مدينة صحار، وكان ينطلق من البصرة في العراق إلى مغامراته، لكنه في نهاية الأمر عاد إلى مدينته الأم. وفي عام 1980 قام فريق بحثي مشترك بين عمان وأيرلندا بالانطلاق في رحلة تحاكي رحلة السندباد باستخدام أدوات إبحار مشابهة لتلك التي كانت موجودة قديمًا؛ لإثبات أن القيام بهذه الرحلة كان ممكنًا. وبالفعل نجح الفريق في الوصول إلى جنوب الصين؛ مما يعني أن السندباد ربما ليس من وحي الخيال، وربما في يوم ما سنعرف على وجه الدقة حقيقة هذا المغامر الجسور.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: فكرة مجنونة أخرى يموّلها بيل غيتس.. نثر غبار كيميائي في الجو والسبب؟