الجمعة , نوفمبر 22 2024

وزير سابق يكتب عن ذكرياته مع الراحلين باسل وحافظ الأسد

وزير سابق يكتب عن ذكرياته مع الراحلين باسل وحافظ الأسد

كتب الوزير السابق عمرو سالم على صفحته على الفيس بوك :
كتب عمرو سالم:
في ذكرى رحيل الحبيب باسل الأسد التي تأتي غداً:
توطّدت علاقتي بباسل قبيل تخرّجه من كلّيّة الهندسة المدنيّة (وهو كان صديقاً لزوجتي وشقيقها منذ أيّام اللاييك) …
كان مشروع تخرّجه هو أوّل مشروع تخرّج ينجز بواسطة الحاسوب ويطبع بواسطة الحاسوب …
وصرنا نلتقي بين الحين والحين …
ثمّ سافرت إلى سويسرا، ولدى عودتي عاودنا اللقاء بكثافةٍ أكثر وكان لنا لقاءا أسبوعيّ في بيته يستمرّ من المغرب إلى ساعات الفجر …
نجلس معاً على الحاسوب (الكومبيوتر) الّذي كان مولعاً وخبيراً به وكنّا نعمل على إنجاز برمجيّاتٍ مختلفةٍ للاستفادة منها لصالح البلد …
وكنّا نتبادل الأحاديث العامّة من سياسةٍ وأوضاع داخليّة وكان يسألني عن نبض الشّارع لأنّه يعرف صراحتي التي تصل إلى درجة الوقاحة. إلى درجة أنّه عندما كان يسألني في مسألةٍ حسّاسةٍ يقول لي: أريدك أن تجيبني بوقاحتك المعهودة …
وكنت أفعل ولم يمتعض يوماّ من إجابةٍ كنت أجيبها …
كان الصالون الّي نجلس فيه يحتوي على عدّة طاولات على كلٍّ منها كتباً باختصاصٍ معيّن. ولا أعرف أحداّ يملك الجلد والشّغف لمعرفة كلّ شيء …
وكان يطلب منّي أحياناً شراء بعض اللوازم المعلوماتيّة أو الحاسوبيّة التي يحتاجها وكان يعطيني ثمنها قبل أن أشتريها. وفي مرّةٍ كنت ذاهباً إلى مؤتمر آبل في كوبرتينو. فطلب منّي شراء أوّل طابعةٍ ليزريّة في العالم بدقة 1200 نقطة في الإنش. وأرسل مرافقه إلى بيتي ليعطيني ثمنها …
واشتريتها وشحنتها، لكنّ حرب الخليج ابدأت ليلة عودتي إلى دمشق. وضاعت الطّابعة في الشحن …
وخجلت أن أقول له أنّها ضاعت وقمت بشراء أخرى ودفعت ثمنها من الشّركة. وقام شريكي بإقامة الدّنيا ولم يقعدها …
نعم. كان لا يقبل هديّةً ولا أيّ شيء …
تباحثنا كثيراً في سبل نشر المعلوماتيّة في سوريّة وقرّرنا تأسيس الجمعيّة العلميّة السّوريّة للمعلوماتيّة ووضعنا مسودّة النظام الأساسي لها. ثمّ قرّرنا أن ندعو من كلّ جهةٍ من الجهات التي تعمل في مجال المعلوماتيّة واحدً من أبرز المعلوماتيّين فيها فدعونا 18 ممنهم ليشكّلوا المؤسّسين وقد كلّفني يالاجتماع معم ودعوة من يرغب منهم بالانضمام …
وفي مرّةٍ طلب منّي إعداد برنامج على الماكنتوش لأرشفة مكتبة السيّد الرىيس حافظ الأسد رحمه الله تعالى لأنّ سيادته كان قد خصّص الطابق الأرضيّ من بيته ليكون مكتبةً. وكان يقرأ لساعاتٍ طويلةٍ ويضع ملاحظاته على هامش ما يقرأ. وكان كثيراً ما يريد العودة إليه …
ففعلت ذلك وشرحت البرنامج لباسل. وكنت أجري كلّ التعديلات في الطابق الأرضي من بيت سيادته رحمه الله. والّذي ليس فيه أحدٌ سوى أبو أحمد الّي كان يعدّ أطيب قهوةٍ في العالم …
وفي يومٍ من الأيّام، كنت أجلس على الحاسوب وكان ظهري للباب. فطرق الباب. فقلت تفضّل أبو أحمد …
فجاءني صوتٌ جعل القشعريرة تخترق جسدي، فهو صوت السيّد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله …
قال آسف لتعطيلك يا عمرو. وأظنّ أنّ عمليّة وقوفي للسّلام على سيادته قد استغرقت دهراً …
صافحني وقال لي: لقد أعدتنا تلاميذ يا عمرو. هل أخبرك باسل بأنّني أبحث في الحاسوب بنفسي فقد علّمني كل ما يتعلّق بالبرنامج …
وقال أنا أفتخر بأبنائي وأنت منهم …
ثم قال: أستأذن لأنّني ذاهبٌ إلى القصر الجمهوري للعمل …
كان لديّ مشروعٌ برمجيّ عليّ إنهاءه في دبيّ. وقبل سفري بيومين اتصل بي وقال لي: عمرو، أرجو أن تؤجّل سفرك لأنّ أخي الدكتور بشّار في إجازةٍ يقضيها في دمشق وجهازه الماكنتوش المحمول معطّل. فأرجو تكليف أحد المهندسين لديك بإصلاحه، لكن تحت إشرافك شخصيّاً لأنّني لا أثق بأحدٍ تجنّباً من العبث. وهذا الدّكتور بشّار، أخاف عليه أكثر من نفسي …
وهذا ما تمّ. ثمّ ودّعته وسافرت إلى دبي. وما هي إلّا بضعة أيّام حتّى سمعت الخبر الصّاعق …
وعدت فوراً إلى دمشق والقرداحة …
وعند المرور أمام سيادة الرىيس حافظ الأسد لتقديم العزاء، وكان معي نائب رئيس الجمعيّة. نظرت إلى عينيّ سيادة الرّئيس فلم أقدر على الكلام. بل رفعت يدي مسلّماً. فما كان من سيادة الرىيس رحمه الله إلّا أن مدّ يده وصافحني قائلاً: راح حبيبك يا عمرو. العمر إلك …
ولا كلام يقال …
وفي اليوم التّالي لوفاته ابتعد الكثيرون عن الجمعيّة حتّى التقينا بسيادة الدكتور بشّار الأسد ليعيد لها الحياة ويعيد لسوريّة الأمل…
وعندما استأذنت سيادة الدّكتور بشّار الأسد (الّذي كان رئيساً للجمعيّة آنذاك، قال لي الكثير. لكنّني لن أذكر منها سوى كلمةً بقيت ديناً في رققبتي إلى أن أموت: يا عمرو، أعلم مدى عمق علاقتك بباسل، وأنا بالنسبة لك لست شقيق باسل. أنا باسل …
هذا باسل وهذا سيادة الرىيس حافظ الأسد …
وهذا هو سيادة الرئيس بشّار الأسد والّذي ضمّ والده وشقيقه برجلٍ واحد ليس ككلّ الرجال …
أفضل لي أن أموت قبل أن أنكر أو أخفي حقيقتهم …
عمرو سالم: تزول الدّنيا قبل أن تزول الشّام …