سيدة سوريَّة تدفع كلفة وفاتها بكورونا 55 مليون ليرة في لبنان
سرق فيروس كورونا حياة أم شادي بعد معاناة استمرت نحو شهر ونصف أنهتها على أنبوبة الأوكسجين، تاركةً وراءها 5 أولاد، ودين قدره حوالي 40 مليون ليرة لبنانية، وسط مناشدات للمنظمات الأممية والإنسانية بمد يد العون في بلد أثقل الانهيار الاقتصادي فيه كاهل السوريين قبل غيرهم.
اللاجئة السورية في لبنان وردة قرقوز (أم شادي) 53 عاماً، عانت الأمرّين مع مرض فيروس كورونا المستجد لنحو شهر ونصف منذ شهر كانون الأول الفائت، تطوّر المرض خلال تلك الفترة وفاجأ عائلتها بعد ذلك بسلبها حياتها في أحد مستشفيات البقاع اللبنانية.
تقول هند قرقوز، شقيقة أم شادي المتوفاة في الـ 15 من شهر كانون الأول الحالي، لـ”روزنة”: “بلشت أم شادي بكريب عادي، وما كان معها أي أمراض مزمنة، استمر التعب معها لسادس يوم وبلشت حرارتها ترتفع ووقفت عن الأكل، حسينا في شي غير طبيعي، بنفس اليوم في 8 كانون الأول أجت سيارة إسعاف أخدتها وطلع معها كورونا”.
أم شادي من مدينة القصير جنوبي حمص، أرملة ولها 5 أولاد، ثلاثة فتيات وشابان أحدهما مغترب، والآخر يقطن معها في منطقة القرعون بالبقاع اللبناني، ويبلغ من العمر 24 عاماً، كما تقول شقيقتها هند.
“لم نعرف كيف انتقل إليها المرض، حالها كأم ومسؤولة عن المنزل يتوجب عليها الذهاب إلى الأسواق والمحال التجارية وغير ذلك”، تضيف هند.
تطوّر مرض كورونا في جسم أم شادي خلال 37 يوماً قضتها بين جدران إحدى غرف مستشفى مشغرة الحكومي في البقاع، احتاجت خلال ذلك إلى جهاز تنفّس صناعي، لكنها لم تستطع تجاوز المرض وتوفيت في الـ 15 من الشهر الحالي، وفق شقيقتها هند.
معاناة ما بعد الوفاة
تقول هند: بعد وفاتها اتصلت إدارة المستشفى بابنها، وطالبته بمبلغ 45 مليون ليرة لبنانية من أجل استلام جثة والدته” هكذا توالت الصدمات على ابنها المقيم معها، خبر وفاة والدته وخبر تكلفة العلاج، وهو الذي يعمل في أحد المطاعم بأجرة بسيطة لا تتجاوز 800 ألف ليرة لبنانية شهرياً.
“لو اشتغلنا العمر كلو ما فينا نأمن هيك مبلغ، وضعنا بلبنان سيء ويادوب عم ناكل ونشرب” تشرح هند لـ”روزنة” معاناتهم في لبنان، وتوضح أن التكلفة لم تقتصر عند ذلك المبلغ حيث احتاجت أم شادي خلال فترة علاجها لحقن بلغت تكلفتها 7 مليون ليرة لبنانية، وصفائح دم (بلازما دم) بمبلغ 3 مليون ليرة، أي كل التكاليف وصلت إلى 55 مليون ليرة.
أمّنت العائلة مبلغ 8 مليون ليرة عن طريق الاستدانة، حتى استطاعت استلام جثة أم شادي من المستشفى ومن ثم دفنها، مع اشتراط تأمين باقي المبلغ كحد أقصى بعد 6 شهور.
مناشدات لتأمين كلفة العلاج
تواصلت عائلة أم شادي مع مفوضية الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للمساعدة في تغطية كلفة العلاج، لكن دون جدوى، وفق هند، وتضيف: “نتأمل أن يدفع أحد ما عنا المبلغ”.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الـ 15 من الشهر الحالي يوم وفاة أم شادي بخبر حجز جثتها من أجل دفع المبلغ المطلوب.
تقول هند: “إن المستشفى لم يحجز الجثة خلافاً لما تم ترويجه على مواقع التواصل الاجتماعي، مبينة أن ابن المتوفاة وقع وصلاً للمستشفى بالمبلغ المتبقي، على أن يسدد في مهلة محددة”.
وألقى الوضع الاقتصادي المتردي ظلاله على الجميع في لبنان، لكنه كان أشد مرارة على اللاجئين السوريين، وأعلنت الأمم المتحدة في الـ 18 من شهر كانون الأول الفائت، أن 9 من أصل 10 عائلات سورية لاجئة في لبنان، تعيش في فقر مدقع جراء الانهيار الاقتصادي في البلاد.
وقالت دراسة مشتركة بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” الشهر الفائت: إن “نسبة العائلات السورية التي باتت تعيش تحت خط الفقر المدقع، بلغت 89 في المئة عام 2020 مقارنة بـ 55 في المئة عام 2019، ونصفها يعاني من انعدام الأمن الغذائي.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في لبنان 879529 لاجئاً، وذلك حتى نهاية تشرين ثاني 2020، فيما تقول السلطات اللبنانية إن عددهم تجاوز المليون ونصف المليون لاجئ، أصيب منهم 1369 بفيروس “كورونا”، وتوفي 31 وفق “منظمة الصحة العالمية”.
المفوضية لا تتعامل مع المستشفى المذكور
تواصل فريق “روزنة” مع مستشفى مشغرة الحكومي للحصول على إفادة إدارة المستشفى، التي واجهت حملة هجوم واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب انتشار خبر حجز جثة السورية وردة قرقوز بعد وفاتها جراء مضاعفات فيروس كورونا.
ونفت إدارة المستشفى أن تكون قد احتجزت الجثة نفياً قاطعاً، وقالت إنها تواصلت مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان لمتابعة حالة اللاجئة السورية، إلا أن المفوضية أجابت بأنها متعاقدة مع مستشفيَين آخرين على سبيل الحصر لمعالجة اللاجئين المصابين بفيروس كورونا.
وأكدت إدارة المستشفى أنها لم تمارس أي ضغوط على العائلة للحصول على مبلغ مادي مقابل الإفراج عن الجثة، وأنها سلّمتها بشكل طبيعي.
الناطقة الرسمية باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، قالت إنها تواصلت مع المسؤولين في مكتب المفوضية في البقاع لمتابعة قضية اللاجئة وردة قرقوز، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
ويحتل لبنان المرتبة الثانية عالمياً لجهة عدد الإصابات مقابل العدد الإجمالي للسكان في البلاد، وفق تصريح وزير الصحة اللبناني حمد حسن.
وفرضت السلطات اللبنانية إغلاقاً تاماً للبلاد للحد من تفشي فيروس كورونا، بدأ في الـ 14 من الشهر الحالي ولمدة 10 أيام تنتهي في الـ 15 من الشهر ذاته، أي بعد 5 أيام من اليوم، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان.
وزاد عدد الإصابات الهائل بفيروس كورونا من حدة الأزمة، فقد أدى إلى بلوغ المستشفيات الحكومية والخاصة قدرتها الاستيعابية، حيث بلغ العدد الإجمالي للمصابين حتى أمس الجمعة، 272 ألف و411 إصابة بعد تسجيل 3 آلاف و220 إصابة جديدة بفيروس كورونا، فيما بلغ عدد الوفيات الكلية 2218، بعد تسجيل 57 حالة وفاة جديدة، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
ودفنت أم شادي في البقاع اللبناني، فيما لا يزال نحو 40 مليون ليرة لبنانية ملقى على كاهل ابنها بانتظار الدفع خلال مدة أقصاها 6 أشهر.
ويعيش لبنان أزمة اقتصادية منذ عام تقريباً، بدأت بالتفاقم مع بدء الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019 بسبب ضرائب كانت الحكومة بصدد إقرارها على المحروقات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية.
روزنة