روبرت مالي مبعوثاً أمريكياً جديداً.. هل سنشهد انفتاحاً على سوريا إيران؟
يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2007، نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية مقالاً مترجماً بالتزامن مع موقع الفريق الدولي لحل الأزمات (ICG)، بتوقيع كل من روبرت مالي، مدير الفريق، وبيتر هارلنغ، المحلل الرئيسي فيه.
المقال موجه إلى سوريا، وهو لم يكن إلا إنذاراً أخيراً حاداً إلى دمشق، بعد شهر من مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط، وقبل أسبوع من زيارة نيقولا ساركوزي إلى القاهرة. الزيارة التي شن الرئيس الفرنسي، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، في ختامها، هجوما قاسياً على سوريا.
مقال مالي حمل عنوان: ” فرنسا – سوريا، ساعة الحقيقة”.[1]
في المتن، معلومة، ثم باقة تحذيرات وتهديدات وإغراءات. يبدأ المقال بالإشارة إلى أن “المهلة التي أعطاها الرئيس ساركوزي لانتخاب رئيس جديد للبنان توشك أن تنتهي من دون تحقيق أي نجاح”. أما التحذيرات فهي عبارة عن تعداد ما يمكن أن تخسره سوريا: “سوريا تواجه خطر فقدان النجاحات التي حققتها في علاقتها بباريس. فبعد أن همشتها الإدارة الأميركية سنوات طويلة وجدت فجأة فرص انفتاح وتقارب مع الولايات المتحدة، والعالم العربي، وفرنسا”.
واعتبر الكاتبان أن من تلك الإشارات الإيجابية “مشاركة دمشق في مؤتمر أنابوليس، وزيارة ملك الأردن للعاصمة السورية”، أما الإغراء فهو “عودة سوريا إلى الحظيرة العربية في القمة التي ستعقد في دمشق في 18 مارس/آذار 2008″، ومن ثم “مبادرة ساركوزي إلى إعطائها دوراً في لبنان”، والواقع أن هذا الدور الذي يؤشر إليه الكاتبان هو المساهمة في انتخاب رئيس غير مقرب من حزب الله وتحديداً ميشال سليمان.
في مقابل الإغراءات المقدمة إلى سوريا طرح المقال “التهديد بإعادة تصنيفها ضمن محور الشر من قبل الأميركيين”، ثم أشار إلى استحالة ما يسميه “تقوية النظام من دون تعديل سلوكه” ومن دون رضا “المملكة العربية السعودية التي تشكل محور كل عودة مقبولة في العالم العربي والتي تقف متحفظة، لأنها لن تسامح دمشق على إهاناتها المتكررة، وعلى تورطها في اغتيال الحريري وعلى تحالفها مع إيران”.
وبعد تهديده بالسعودية ينتقل إلى التهديد بفرنسا حيث يقول حرفياً إن “ساركوزي عاشق المخاطرة، قد راهن على علاقته بالأسد وأقنع بوش بأن يترك له إدارة الملف اللبناني – السوري، وإذا فشل، سيصبح فجاً، سيشعر بالإهانة، ويصطف في الصف الأول لمهاجمي دمشق..
ومن هنا إصراره (ساركوزي) على إنجاح الانتخابات اللبنانية ليثبت نجاحه وينطلق في التقريب بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، وإلا سينهار كل المبنى..
كذلك في واشنطن وباريس والرياض ستكون إعادة التموضع سريعة وسهلة..
وسيفقد الأسد أية فرصة للتقارب مع الإدارة الأميركية القادمة”، ليختم المقال تهديده بإنذار ملخص حرفياً: “على الرئيس الأسد أن يضع في الميزان علاقاته بالغرب وبالعرب”. وبواقعية براغماتية يكشف المقال عن أن المطلوب في لبنان إبعاد الجنرال ميشال عون عن الترشح للرئاسة رغم أنه يعتبر نفسه مستهدفاً بترشيح ميشال سليمان، مؤكداً على أن “عون مصمم وأن حلفاءه الشيعة- كما يسميهم – لن يتخلوا عنه، لذلك على سوريا أن تقنع حلفاءها”.
والمقال إذ يطالب دمشق بذلك، يدلها إلى الطريق الذي يساعدها على الضغط: “حزب الله تابع لدمشق خاصة في مسألة تزويده بالسلاح، وكذلك شركاؤه الآخرون”. لكن لديه خطوطاً حمر لا يسمح بتجاوزها: حماية سلاحه – مصالح شيعية – والتحالف مع القوى المسيحية التابعة للجنرال عون.
وبالمناسبة يعترف بأن النظام السوري سيتجاوز المحنة، “فقد برهن على كفاءته على امتصاص الضربات بل وأن يستخلص منها فوائد، ولكن عليه ألا يفخخ دينامية التقارب مع الإدارة الأميركية المقبلة”.
الدلالة هنا لا تكمن فقط في الرسائل وإنما في تاريخ نشر المقال هذا، فهي لم تكن تمهيداً لزيارة ساركوزي، المذكورة أعلاه، وإنما كان كلاهما من إفرازات مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط الذي اعتبرت كونداليزا رايس أن نجاحها في أن تجمع فيه ممثلي 40 دولة – ولو بشكل استعراضي ليوم واحد- يشكل تعويضاً عن فشل حرب تموز 2006.
وكانت سوريا تعرضت إلى ضغوط ومساومات غير مسبوقة لتشارك في المؤتمر، وبعد انتهائه كتبت صحيفة الأهرام أن هذه القمة حققت أهدافاً استراتيجية، أوضحتها “الواشنطن بوست” بالقول إن “حضور سوريا الحليف التقليدي لإيران كان محط الأنظار وقُدم على أنه انتصار ديبلوماسي لبوش”.
أما “ذا نيويورك تايمز” فكانت أكثر دقة حيث تذكر: “كان هناك هدف غير معلن: الحد من النفوذ المتنامي لإيران وللإسلام الراديكالي في المنطقة. فإيران ترمي ظلاً ثقيلاً على المفاوضات في الشرق الأوسط”. أما صحيفة “لوموند” فوصفت هذه القمة بأنها “قمة الخوف” التي نظمتها “الولايات المتحدة والدول العربية لتشكيل تحالف استراتيجي ضد إيران”.
وعليه لم تكن المتابعات التي تلت أنابوليس إلا إعادة إطلاق الحملة ضد سوريا وضد إيران وحزب الله وانكشافها، ومن ضمنها جاء مقال روبرت مالي. فقد صرّح رئيس الوزراء السوري السابق ناجي العطري أن لا أمل في السلام وأن ما يطلقه الاسرائيليون مجرد بروباغاندا.
تزامن ذلك مع عنوان واضح في “لوموند” يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2007 “سوريا وإيران ترفضان شروط إسرائيل لاستئناف المفاوضات”، وعنوان بارز بعد عشرة أيام، يوم 14 ديسمبر/كانون الأول، حول نية فرنسا إعادة إطلاق “حملة لفرض عقوبات على إيران بعد تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية عن نوايا إيران النووية”.
احتاج الأمر إلى أحداث 2008 كي تعقد هدنة ما، لكنها لم تلبث أن فشلت، لتتحقق جميع نبوءات روبرت مالي في مقاله المذكور. ببساطة، لأن الرهان هو هو: ” تغيير السلوك”، تغيير بالاحتواء فإن فشل، فبالعقوبات، أو بالقوة والإرهاب، فإن فشل فبمحاولة جديدة بالقوة الناعمة تحتاج إلى رجل كما باراك أوباما.
أما الحديث الذي نسمعه عن يسارية الرجل فأمر يبدو مضحكاً: ألم يكن شيمعون بيريز يسارياً؟ أليس اليسار الفرنسي من زود “إسرائيل” بالسلاح النووي؟ اليساري واليميني في دول العالم يختلفان على أسلوب تحقيق مصلحة بلادهما وليس على الجهة التي يتبعان لها، كما في بلادنا.
أن يكون روبرت مالي مبعوثاً، لا يعني أنه سيتناول الفطور مع حزب الله والغداء مع الحشد الشعبي، والعشاء على مائدة التقريب بين دول وحركات المقاومة، وهو لن يكون أكثر من حامل رسائل من أصحاب القرار هناك في واشنطن وإليهم. لقد تم اختياره لأنه وجه جديد يصلح لمرحلة جديدة. مرحلة لن تختلف عن سواها وفق القاعدة الذهبية: القوة هي القول الفصل في تقرير مصير الأمم.
الميادين-حياة الحويك عطية
اقرأ ايضاً:مصادر: أمر عمليات أمريكي لقسد في الحسكة