الصراع على الحسكة…
باريس – نضال حمادة
يمكن اختصار الوضع السوريّ الساخن حالياً بكلمتين درعا والحسكة.
ويكفي النظر إلى خريطة الميدان في سورية حتى نرى بسهولة أنّ الأكراد لهم ثلاث مناطق نفوذ في سورية تقع جميعها باتجاه الشمال على خط الحدود مع تركيا. هذه الجبهات هي كما يلي:
1 ـ في الشمال الغربي حيث كانوا يتشاركون النفوذ مع فصائل موالية لتركيا قبل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون من الجيش الحر وقوات جيش الفتح، وهذه المنطقة قريبة من جبهات حلب المدينة وقد فقدها الأكراد.
2 ـ في وسط الحدود الشمالية، عين العرب وريفها، وهذه المنطقة شكلت قاعدة انطلاق لشنّ الهجوم الكردي الكبير تحت غطاء جوي أميركي غير مسبوق باتجاه غرب الفرات حيث سيطر الأكراد على منبج قبل أن يخسروها بالهجوم التركي، وبالتالي فشلوا في السيطرة على الباب التي كانت ستؤمّن لهم ربط عفرين بعين عرب ومن ثم خسروا عفرين فأصبحوا مكشوفين من هذه الجهة التي تشكل خاصرة رخوة لمدينة الرقة الواقعة تحت سيطرتهم.
3 ـ المنطقة الثالثة وهي الأكبر حجماً والأكثر قوّة والأخطر والأهمّ استراتيجياً في الصراع على سورية، هي منطقة الحسكة وما حولها، الركن الشمالي الشرقي من سورية وهو التكتل الأكبر والأقوى. لهذا تعتبر الجبهة هناك الأكثر سخونة منذ العام 2013 حتى الآن، وسقوطها بيد الأكراد يعني بكلّ بساطة خروج أعداء ومعارضي الكيان الكردي من المعادلة السورية ونتيجة لهذا الخروج سوف تكون الآثار السلبية كبيرة على سورية والعراق تركيا في الداخل التركي وفي الإقليم.
شكل الانتصار الكردي المدوّي في عين عرب وريفها حصناً للحضور الكردي على المدى البعيد في شمال غرب سورية، وأدّى هذا الأمر الى تثبيت التواصل الجغرافي الكردي عبر الحدود الشرقية مع بيشمركة العراق، وبالتالي أتاح التواصل مع جبهة الأكراد في سنجار ومع الأزيديين في العراق.
باختصار شديد وبكلّ بساطة سقوط الحسكة بكاملها بيد أكراد سورية يعني حماية الحضور الكردي من الشرق في سنجار في العراق خصوصاً بعد خسارتهم عفرين وجندريس في أبعد مناطق الشمال الغربي من سورية. من هنا فإنّ سيطرة الأكراد على مثلث الحسكة ـ القامشلي ـ المالكية أو ما يُسمّى (ديريك) باللغة الكردية في منطقة الشمال الشرقي لسورية يعتبر مسألة حياة أو موت. وهذا الحفاظ سوف يحدّد مصير قيام الكيان الكردي بمختلف الأشكال المطروحة، وبالتالي خسارته تعني انتهاء الورقة الكردية في الحرب الدائرة في سورية واحتراق أقوى الأوراق الأميركية في هذه الحرب.
أيضاً فإنّ السيطرة على الحسكة تمكّن أكراد سورية من السيطرة على منطقة غنية بالنفط كما في الزراعة وتربية الماشية إضافة الى التواصل مع أكراد العراق. وهذا الأمر يزعج تركيا وأردوغان، وكانت الحسكة في ما مضى ورقة ضغط بيد الدولة السورية على أردوغان، حيث نشأ تفاهم بين الدولة وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي السورية (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) مؤقتاً على الحسكة لإجبار التركيّ على تسريع استدارته وعدم اللعب على عامل الوقت، غير أنّ هذا الأمر لم يعد ساري المفعول خصوصاً في ظلّ توافقات دولية وبالتالي يصبح لعباً بالنار، لأنّ أيّ قبول بحضور كردي في ظلّ توافق روسي أميركي ودولي سيُرسّخ الأمر الواقع المستجدّ ويزيد من قدرات القوى الانفصالية في سورية، بينما يمكن الصمود في الحسكة وعدم الانسحاب منها مهما كلف الثمن من توجيه ضربة قاضية للكيان الكرديّ، وكما حصل أثناء محاولة داعش السيطرة على المدينة عام 2015، حيث أدّت هزيمة داعش في الحسكة الى بدء تراجع قوات التنظيم في كلّ الأراضي السورية وأفقده القدرة على السيطرة على مناطق واسعة وحيوية لانتشاره في سورية.
هنا في الحسكة خيارات الدولة السورية لم تعد واسعة وهامش الحركة أمامها محدود، وبالتالي يجب الضغط على الحليف الروسي حتى يضغط بدوره على الرؤوس الحامية في الفصائل الكردية المقاتلة من أجل التراجع عن فكرة السيطرة على مدينة الحسكة، وبالتالي عدم الذهاب بعيداً في آمال قيام كيان كرديّ مستقلّ في سورية. او يجب الصمود في المربع الأمنيّ الحالي حتى تحين الفرصة لإعادة سيناريو كركوك وهذه المرّة في الحسكة.
البناء