حلب… إعادة سوق مدمر إلى ما كان عليه قبل مئات السنين… صور وفيديو
أصوات مطارق وضوضاء لحرفيين حلبيين لا يهدأون كأنهم خلية النحل، فهذا يضع الحجر الأثري في مكانه، وآخر يعمل على ترميم الأجزاء المتضررة من الأقواس الأثرية، وثالث يمسح غبار الحرب عن باب السوق الخشبي.
هذا هو المشهد الذي يستقبلك به سوق ساحة الفستق داخل أسواق حلب القديمة المقبية، يروي قصة حب الحلبيين للحياة وتمسكهم بها رغم كل الدمار والخراب الذي حل بمدينتهم.
محافظة حلب أطلقت مؤخرا بالتعاون مع مؤسسة “الآغا خان”، مشروع تأهيل سوق ساحة الفستق في المدينة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الساحات إضافة إلى كونها مركزا تجاريا هاما، وتضم نحو 18 محلا تجاريا وتربط سوق السقطية مع سوق الحرير اللذين تم ترميمهما مؤخرا.
المهندسة لولوا خربوطلي من مؤسسة “الآغا خان”، والمشرفة على مشروع ترميم السوق، قالت لـ “سبوتنيك”: “تتجلى الأهمية بترميم سوق ساحة الفستق كونه يتمتع بموقع استراتيجي داخل الأسواق القديمة، ويربط أهم مداخل حلب القديمة بالكتلة الشمالية، التي هي سوق خان الحرير والذي انتهت أعمال ترميمه مؤخراً، مع المحور الرئيسي لأسواق حلب القديمة الممتد من باب انطاكية شرقا وصولا إلى سوق الزرب غربا”.
وسوق ساحة الفستق، شأنه كباقي أسواق حلب القديمة الضاربة جذورها في تاريخ المنطقة، والتي طالتها الحرب وتضررت أجزاء كبيرة ، يحاول اليوم النهوض من جديد والعودة إلى ألق الماضي.
وقالت المهندسة لولوا بأن “أعمال الترميم تنطوي على تحدٍ كبير، خاصة في القوس الشمالي لسوق ساحة الفستق، فهو بحاجة إلى فك تركيب بالإضافة إلى تدعيم خاص، وكذلك مدخل قيصرية الشلبي التي تم تدعيمها بشكل كامل ابتداءً من المحلات الخارجية إلى الجزء الخلفي، ثم تم البدء بأعمال إزالةالردميات وفكّ الواجهات وإعادة تركيبها بسبب التهتك الكبير للعناصر الإنشائية الحاملة للقيصرية بشكل عام.
والقيصرية (القيسارية)، مصطلح دخل اللغة العربية مشتقا من اسم قيصر، وهي تسمية تطلق على الخان الصغير في العصر العباسي الحاوي في داخله على دكاكين، وهي من أقدم أنواع المنشآت التجارية في مدينة حلب، وأول نشوء لها كان في العصور الرومانية كمراكز لجباية الحرير الطبيعي القادم من الصين عبر سوريا، واستُمرّ بإنشائها في العصور الإسلامية لتمارس أدواراً أساسية في التجارة والصناعة.
وتؤكد المهندسة لولوا أن “قيصرية الشلبي داخل سوق ساحة الفستق ستعود إلى ما كانت عليه سابقا، وتضيف: “لدينا جزء كبير من الأحجار احتفظنا بها وقمنا بترقيمها وتصويرها، وسنعمل على إعادة بنائها مثلما كانت سابقاً، ونحن هنا نتكلم عن إعادة شكل الواجهة والسوق إلى ما كان عليه ليس فقط قبل الحرب، إنما كما تم بنائه لأول مرة، لأنه خلال الفترة الممتدة من مرحلة البناء وصولاً إلى المرحلة التي تهدم فيها السوق كان هناك تجاوزات وتعديات كبيرة، وعليه فالغاية ليست فقط إعادته إلى ما قبل الحرب إنما إلى شكله الأصلي والأساسي”.
وبالرغم من أن المصادر التاريخية تدرج تواريخ متفاوتة لنشأة سوق ساحة الفستق، إلا أن موقع (قيصرية الشلبي) الذي يتوسط مجموعة من الأسواق القديمة التي بنيت على أطرافها، يرجح مرجعيتها إلى العهد الروماني، ليلي ذلك سلسلة من التطورات والتبدلات التي طرأت على بنيانها وتخصصها، تبعا للتغيرات الاقتصادية التي تكرست في العصور اللاحقة، بما في ذلك مرحلتي الفتوحات العربية والاحتلال التركي (العثماني).
يذكر أن، مشاريع الترميم التي تشهدها أسواق مدينة حلب القديمة تتم بيد عاملة وخبرات محلية مئة بالمئة، حيث تم الاستعانة ببعض الخبرات الدولية في مرحلة الدراسة، لكن مرحلة التنفيذ تتم بأيادي حرفيين وعاملين سوريين مؤهلين ومدربين، حيث تم تأهيل جزء منهم عبر الدورة التي أقامتها مؤسسة “الأغا خان” بهدف تدريب عدد من الحرفيين لأعمال الحجر بشكل عام، وتم الاستفادة منهم بمشاريع ترميم الأسواق القديمة، حيث كانت النتائج ممتازة من خلال الأعمال النوعية التي قدموها، والالتزام الكبير بالمعايير والمواثيق الدولية للترميم التي تعتبر مرجع وأساس خلال عمليات الترميم.
سبوتنيك
اقرأ ايضاً:دير الزور.. افتتاح معبر فريد بين معقل “قوات سوريا الديمقراطية” والمناطق الخاضعة للحكومة.. فيديو