سورية بين فيلتمان وفورد وهوف
كتب ثلاثة دبلوماسيين أميركيين ديمقراطيين سابقين، أخيرا، مقالات مميّزة عن سورية، طالبين من الرئيس جو بايدن رسم سياسة جديدة لسورية.
جيفري فيلتمان وروبرت فورد وفريد هوف.
يشغل فيلتمان الآن منصب زميل زائر في الدبلوماسية الدولية في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز.
وكان قد شغل منصب وكيل الأمين العام للشؤون السياسية في الأمم المتحدة نحو ست سنوات, كما كان سفيرا للولايات المتحدة في بيروت ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى, وفي كلّ مراحل عمله، كانت سورية جزءا من اهتماماته.
وكان روبرت فورد سفير الولايات المتحدة في دمشق في أثناء اندلاع الأزمة السورية في مارس/ آذار 2011، وله خبرة واسعة في العالم العربي، حيث كان سفيرا في الجزائر ونائبا لرئيسة البعثة في العراق بعد إطاحة صدّام حسين, وهو حاليا أستاذ في جامعة يال وزميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
أما فريد هوف فكان المبعوث الخاص إلى سورية، وقدّم استقالته احتجاجا على سياسة الرئيس الأسبق، أوباما، الهلامية بشأن سورية حسب وصفه، بعد همروجة الخطوط الحمراء والأسلحة الكيماوية الشهيرة في عام 2013.
كتب فيلتمان مقالته بالاشتراك مع هراير بليان، وهو أحد الاعتذاريين المشهود لهم للرئيس السوري بشار الأسد، وأحد أقوى الأصوات الديمقراطية التي تطالب برفع الضغوط المفروضة عليه، من معهد كارتر.
نشرت المقالة في موقع بروكينغز بعنوان “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة تجاه سورية”.
ونشر فورد مقالته في مجلة فورين أفيرز المرموقة تحت عنوان “فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية”.
كما نشر هوف مقالته في موقع أتلانتيك، “سورية: أي طريق للمضي في عهد بايدن؟”.
مقالة فيلتمان وبليان هي الأغرب، فالأول من أشد منتقدي الرئيس السوري بشار الأسد ومناهضي سياساته الداخلية والخارجية، بينما كان الآخر منتقدًا قويًا لفكرة أن الضغط وحده سيغير السلوك الإشكالي لدمشق.
ويستطيع القارئ العارف أن يميّز في المقال بين كتلتين من الأفكار، تلغي إحداهما الأخرى.
وتقدّم المقالة مجموعتين من التوصيات لإدارة الرئيس بايدن، الأولى (تستطيع أن ترى فيها خطّ هراير بليان) ترى أن على الولايات المتحدة “النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة كوفيد 19 في سورية من العقوبات.
وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري, سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية”.
في المقابل، تستطيع أن تتقفّى أثر جيفري فيلتمان في الاستدراك التالي: “لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة تم التفاوض عليها مع الحكومة السورية.
ومن شأن آليات الرصد أن تتأكد من التقدم.
ستشمل الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيميائية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة في عملية جنيف، وتحقيق المزيد من اللامركزية”.
يرى السفير روبرت فورد، في مقالته، أن ثمة روابط سياسية وعسكرية تاريخية تربط بين روسيا وسورية، وهي علاقات تبلغ من القوة حدّا يغدو معه من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأميركية.
حافظت روسيا وسورية على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي في عام 2011.
كما أن وجود إيران طويل الأمد، ولن تغير الدوريات الأميركية الصغيرة العرضية في شرق سورية أيًا من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد.
وبالتالي، فإن نصيحة فورد للرئيس بايدن هي باختصار أن “يسمح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل عبء مكافحة تنظيم داعش.
في النهاية، تشكل هذه الصفقات جوهر الدبلوماسية، العمل على حل مشكلات محدّدة، حتى مع شركاء بغيضين، لتحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة.
في المقابل، يتبنى فريد هوف موقفا مغايرا تماما لموقف السفير فورد المهادن وموقف فيلتمان التصالحي. كان واضحا في إدانته سياسة الرئيس السابق أوباما، الذي رفض بشدّة “رفع إصبعه لمعارضة أو معاقبة استراتيجية بقاء الرئيس السوري، حتى عندما نشر أوباما قواته لمحاربة “داعش” في شمال شرق سورية والعراق.
ويستنتج أنه بينما يتعيّن على إدارة بايدن أن تراجع العقوبات المفروضة علىدمشق، يضيف، ولو بشكل هامشي، إلى المعاناة التي يعاني منها السوريون، فلا يجب أن تكون الإدارة الامريكية بحاجة “لتلقي تعليمات من أولئك الذين يسعون إلى ترسيخ حكم الأسد لسورية”.
وسأل الدبلوماسي الأمريكي: “أيعقل أن الدولة التي أشرفت على الاستقرار بعد الحرب في اليابان وألمانيا تفتقر الآن إلى المهارات اللازمة للعمل مع السوريين والشركاء الدوليين” في سورية؟
وبينما لا يكاد كلّ من فورد وفيلتمان يذكر الانتقال السياسي، يكرّر هوف، بوضوح، أن الانتقال السياسي الذي ينتج حكمًا شرعيًا سيظل هدف السوريين.
تعبّر المقالات الثلاث عن وجهات نظر ثلاث متباينة: وبينما يسعى السفير فورد إلى إقناع الإدارة الجديدة بالانسحاب من سورية وإخلاء المنطقة للروس والإيرانيين.
يقع فيلتمان في حيرة من أمره، فهو يريد رفع البأس عن السوريين، ويأمل أن يتمّ ذلك من خلال رفع العقوبات عن القيادة السورية وتشجيعها لتقدّم تنازلات حقيقية.
ثم يأتي أكثر الأصوات تزمتاً بين الثلاثة: فريد هوف… فهو لا يزال صلبا في موقفه من أن الرئيس الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
تشكّل هذه الأصوات الثلاثة الخلفية التي ستستأنس بها سياسة الرئيس بايدن في سورية.
إقرأ أيضاً: هل يفتح وصول بايدن ومصالحة الخليج باب التوافق في سوريا؟
العربي الجديد بتصرف