بوجهك يالشيخ.. العبارة التي تمنح الدخيل حصانة بالجزيرة السورية
“بوجهك يالشيخ” هي العبارة التي دخل بها “مروان السالم”، من ريف بلدة “اليعربية” على منزل أحد شيوخ المنطقة بعد أن اعتدى على شخص بالسلاح الأبيض وهرب طالباً الأمان.
يروي “السالم” لـ”سناك سوري”، تفاصيل ذلك اليوم قائلاً: «عندما دخلت على الشيخ في منزله عرف أنني قد فعلت خطباً ما، وأنني استجير به، فمنحني الحماية والأمان وبادر بنفسه لحل مشكلتي، وساهم بالصلح مع ذوي الشخص الذي تشاجرت معه والأهم أنه شفي من إصابته».
“السالم” في تلك الحكاية يطلق عليه اسم “الدخيل” وهي عادة عشائرية قديمة، يتوارثها أبناء المنطقة، جيلا بعد جيل، وما تزال قائمة حتى اليوم إنما بوتيرة أقل من السابق، وبات الغالبية يحتكمون للقوانين، لكن لا يخلو الأمر من وجود تلك العادة أحياناً.
يرى “دحام السلطان”، أحد شيوخ عشيرة “الجبور” في “الحسكة”، أن عادة الدخيل أحد الأعراف الأصيلة، ويضيف لـ”سناك سوري”: «إذا ارتكب أحدهم جناية أو جرما، يقصد شيخ أو وجيه أو أي شخص له نفوذ يؤمن له الحماية، يقول للشيخ “أنا بوجهك” وهي من العادات المقدسة ولا يجوز خرق وجه الشيخ بالاعتداء على دخيله طالما يتواجد بمنزله، والعرف يقول أن الدخيل في ملاذ آمن طالما أعلن وجهته وقال للشخص المستجير له “بوجهك يالشيخ”».
“دخيلك” أو “بوجهك” ربما “داخل عالله وعليك يا شيخ” كلمات كافية ليتحصن الدخيل بحصانة كاملة حتى الانتهاء من حل مشكلته، كما قال “السلطان”، وأضاف: «قديماً كانت المرأة تضع راية أو قطعة من القماش على عمود خشبي لبيت الشعر، تعلن عن وجود دخيل وعدم جواز الاقتراب من المنزل، مقام الدخيل كمقام أي شخص في القبيلة التي استجار بها، وجريمة الاعتداء عليه تكون كبيرة».
وضعت عشائر قبيلة طي العربية “مضبطة”، تحوي 23 بنداً، وهي أشبه بالقانون كما وصفها، عارفة قبيلة طي “خالد حواس الخليف”، ويضيف: «أجمعت وصوّتت عليها غالبية العشائر العربية، ومن بين مواضيعها هناك موضوع “الدخيل” الذي نعده من العادات الإيجابيّة في المجتمع، فالدخيل فيه حصانة كبيرة عبر التاريخ، القبائل تأخذ بهذا المبدأ الإنساني وتتمسك به لحماية شخص دفعته ظروف معينة لارتكاب جريمة، ريثما تهدأ النفوس وتحل المشكلة، وفق مدة زمنية، والجانب الإنساني السبب وراء حماية “الدخيل”».
ويضيف: «لا أعتقد أن هناك مخاطر لهذه العادة فهي فترة يُمتص خلالها الغضب، الذي يمكن أن يسبب نتائج وخيمة، والدخيل ليست عادة تشجع على المشاكل بل هي فترة لتهدئة الأجواء وحلّها والمساعدة على عدم تحول المشكلة إلى ثأر، حيث يبادر الأشخاص لحل المشكلة والصلح بفترة الدخالة».
يؤكد “الخليف” بأن الشيخ أو الوجيه يحمي الدخيل مدة 3 أيام، يؤمن له واجب الحماية والضيافة والإقامة، بعد انتهاء أيام الدخالة الثلاث، تبدأ المعالجة لوضع الدخيل القانوني والاجتماعي الذي يخيّر “الدخيل” بين أمرين إما التسليم للقضاء والعدالة، أو أن يذهب لمكان آخر على أن تؤمن له الحماية الكاملة حتى يصل ليد القضاء أو لمكان آخر، مشيراً إلى أنه خلال الأيام الثلاثة لايجوز اختراق حرمة بيت الشيخ أو الوجيه الذي يحمي الدخيل، وإذا حصل اعتداء فإن الفاعل يدفع غرامة ثلث الدية (الفدية) التي وقعت على الدخيل (الجاني أصلاً)، ويضيف: «هناك ضوابط لعرف “للدخيل” وغيرها من العادات الاجتماعية، التي وضعتها البشرية قبل إصدار القوانين والمحاكم».
عارفة قبيلة طي “الخليف” يحمل شهادة في الحقوق، اختص في عمل المحاماة، يبين الرأي القانوني في قضية “الدخيل”، قائلاً إن «القانون يلزم مرتكب الجريمة بتسليم نفسه إلى السلطات القضائيّة لتطبيق نصوص القانون عليه، ولا علاقة له وغير مرتبط أو ملتزم بالعرف الاجتماعي، وسعي الشيوخ والمدخول عليهم دوماً باتجاه تسليم المذنب للقضاء، و بالتزامن يسعون لنزع فتيل الشر والخلاف بين طرفي المشكلة، حتّى لا تتطور، وتتحول لثأر وتبعات سلبية أخرى، و المبادرة الأولى تكون لتهدئة النفوس وإعادة السلام، والقضاء له قوانينه وضوابطه».
يذكر أنه ورغم وجود العديد من الأعراف العشائرية التي تنبع من نية حسنة، إلا أن الاحتكام للقوانين والأنظمة يعتبر الخيار الأفضل الذي يصون حقوق الجميع.
سناك سوري
اقرأ أيضا: باحث: الدولة السورية اتخذت قرارا حاسما بنزع سلاح مسلحي الجنوب