هل يجهّز الإيرانيون والروس والصينيون للحرب ضد واشنطن؟
عباس ضاهر
لم تقبل لا الجمهورية الإيرانية ولا الإتحاد الروسي ولا الصين أن يتفرجوا على تفرّد الولايات المتحدة الأميركية بدولهم. هم بالأساس يتعاونون لكن تنسيق عواصمهم لم يصل إلى حدّ الحلف بين ثلاثي وازن عسكرياً وإقتصادياً وديمغرافياً.
بالمقابل، لم يكن يتوقع الرئيس الأميركي جو بايدن أن يواجه تلك المشاكسة الدولية للخطوات الأميركية. كانت الإدارة الجديدة في واشنطن تعتقد أن بمقدورها إجبار طهران على التنازل، وهزّ العصا للصين، ونسف التمدد الروسي في أكثر من ساحة إقليمية ودولية.
لكن الثلاثي الصيني-الروسي-الإيراني أطلّ بخطط عسكرية تمثّلت أولاً، بإجراء مناورات بحرية مشتركة تنطلق منتصف الشهر الجاري شمالي المحيط الهندي. وهي أول رسالة لإدارة بايدن للتأكيد على توجه بكين وموسكو وطهران نحو تعزيز وسائل الردع العسكرية في البحر. لماذا في البحر؟ لأن كل اعتماد الأميركيين هو على القوى البحريّة وحاملات الطائرات التي تهدّد الدول الثلاث المذكورة وتمنع تمدد نفوذها في مساحات واسعة: بحر الصين، القرم، شرق المتوسط.
ثانياً، يزور رئيس البرلمان الايراني محمد باقر قاليباف موسكو ممثلا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، ويقوم رئيس السلطة القضائية في إيران ابراهيم رئيسي بزيارة بغداد ممثلاً خامنئي ايضاً. وإذا تمّ التدقيق في آخر زيارة أجراها ممثل خامنئي لروسيا، فهي عام ٢٠١٥، ليتبيّن حينها أنه طلب تدخّل موسكو في سوريا، بعد إجتماع وزير الداخلية السعودي السابق محمد بن نايف والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما حصل يومها في إنشاء “جيش الفتح” الذي أدّى لإحتلال إدلب وتوغل “داعش” الى تدمر ووصولها الى القريتين في سوريا. فما هو السبب الجوهري الذي دفع خامنئي لإرسال ممثل عنه؟ توحي المناورة المشتركة أن ثمة تنسيق عال بين موسكو وطهران سيُترجم في مكان ما قريباً. المسألة لا تتعلق بسوريا وحدها هذه المرة، خصوصاً في حال الربط بين الزيارتين الإيرانيتين إلى بغداد وموسكو معاً. قاليباف اوضح ان فصلاً جديداً من العلاقات الاستراتيجية سيبدأ بين البلدين، مركّزاً على “خريطة الطريق نحو الشرق ضمن أطر الدبلوماسية الإيرانية”. يبدو أن كلاً من طهران وموسكو قد وصلا إلى قناعة بأن الوجود الإيراني القوي هو من مصلحة روسيا، وكذلك الوجود الروسي القوي هو من مصلحة إيران. هذا الكلام بات يتكرر علناً في موسكو وطهران، كما إشار إليه ممثل خامنئي نفسه بعد نقله رسالة من مرشد الثورة الإيرانية الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يمكن الجزم هنا أيضاً أن التصعيد الإيراني في وجه بايدن هو لدفعه الى التنازل قبل مفاوضات محتملة مع طهران. يمكن رصد التصرفات الإيرانية بأنها تسعى للتفاوض بسقوف عالية، لكن ذلك لا يعني ان ثمة مرحلة جديدة سلكت بين الثلاثي الروسي-الصيني- الإيراني، وهي لن تعود الى الوراء لوجود قواسم مشتركة تجمع وتقوّي عواصمهم في وجه الخطط الأميركية، التي تحاول أن تراعي فيها الإدارة الجديدة بين مصالحها التي ترسمها “الدولة العميقة” وتوجهات جمهور عريض إنتخب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وهو يشكّل ضغطاً داخلياً على البيت الأبيض ويشكل هاجساً لفريق بايدن.
وعليه، يصبح الإقليم أمام خيارات التفاوض أو التصادم. لكن المواجهات لن تكون تقليدية لا عسكرية ولا إقتصادية بعدما استنفدت جولاتها من دون نتائج لا في القرم ولا في بحر الصين ولا في شرق المتوسط ولا بشأن إيران.
لذا، هناك من يقول إن الخشية هي من اعادة الولايات المتحدة تجارب الماضي، يوم حاربت الاتحاد السوفياتي بواسطة “المجاهدين الأفغان”، لتحارب اليوم روسيا او إيران او الصين بواسطة متشددين إسلاميين بعناوين عدة.
النشرة