90 % من المنتجات الحيوانية بلا رقابة صحية.. والأدوية المهربة واللقاحات الفاسدة أول المتهمين
يبدو أن اعتماد مبدأ الإهمال والتهميش لدور الأطباء البيطريين مستمر طالما لم يصدر قانون فرز هؤلاء الأطباء وتنظيم مهنتهم، وتوصيفها في مختلف القطاعات وليس فقط وزارة الزراعة، حيث تقتصر رؤية البعض لعمل الطبيب البيطري على أنه فقط في العلاج، مما أخرج الدور الإشرافي له في معظم الوزارات من حساباتهم، إذ نجد من خلال الاطلاع على واقع تعاون الجهات الحكومية مع الأطباء البيطريين أن عددهم محدود جداً في القطاع العام رغم تنوّع مجالات اختصاصاتهم وأهميتها، فاليوم نصف الأطباء البيطريين المنتسبين للنقابة وعددهم 4229 طبيباً يتجه نحو القطاع الخاص، فيما يعمل في وزارة الزراعة 1700 طبيب وهو العدد الأكبر، وفي وزارة الصحة 6 فقط، و5 في التجارة الداخلية، و23 في الإدارة المحلية، وفي الصناعة “صفر”!.
نقيب الأطباء البيطريين د. إياد سويدان أكد على ضرورة إصدار قانون فرز الأطباء ليأخذ الطبيب البيطري دوره الحقيقي أسوة بالمهندسين الزراعيين، علماً أن عدد الخريجين سنوياً لا يتجاوز 200 طبيب والوزارات بحاجة لهذا العدد وأكثر، مبيّناً أن علاج الحيوانات يشكّل 20% من عمل الطبيب البيطري فقط، والوزارات ليس لديها هذا التوصيف لعمله بعد، حيث يُعنى بالصحة الحيوانية والتربية والتغذية، والإشراف على الصحة العامة، وتأمين الغذاء الآمن للمستهلكين من خلال الإشراف على المنتجات الحيوانية.
وأوضح سويدان أن العمل في وزارة الصحة واسع جداً، وخاصة فيما يتعلق بالأمراض المشتركة التي يتجاوز عددها 300 مرض، فهي بحاجة طبيب بيطري في كل مديرياتها، ومع ذلك عددهم 6 فقط بعد أن فصلت جميع العقود، وبالنسبة لوزارة السياحة شُكلت لجان مشتركة تتضمن أطباء بيطريين مهمتها الكشف على المطاعم المصنفة سياحياً التي تقدم اللحوم، إلا أن أداءها تراجع كثيراً خلال السنوات السابقة.
وفيما تعتبر رقابة المسالخ من صلب عمل النقابة، لايزال معظمها اليوم خارج إطار الرقابة، إذ شدّد سويدان على ضرورة إلغاء القوانين والقرارات الناظمة لإنشاء مسالخ ذبح الحيوانات وآلية توزيعها والإشراف عليها، لأن المرسوم صادر من عام 1947 ولا يواكب الزمن الحالي، فالمفترض أن تعيّن وزارة الإدارة المحلية أطباء بيطريين وتوزعهم على مجالس المدن للإشراف الفعلي على المسالخ وفحص اللحوم قبل وبعد الذبح، حتى وزارة الصناعة التي تملك عدة منشآت صناعات غذائية لم تتعاقد مع أي طبيب للإشراف على تصنيع اللحوم والألبان فيها، وبذلك فإن 90% من المنتجات الحيوانية ليست خاضعة للإشراف الصحي البيطري!.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الثروة الحيوانية تدهوراً متسارعاً، رأى سويدان أن أبرز أسباب هذا التدهور يكمن في غلاء أسعار الأعلاف والتهريب، حيث يتوجب الاتجاه نحو زراعة الأعلاف لتأمين اكتفاء ولو جزئي بدلاً من المعاناة الدائمة في استيراد المواد العلفية. وحول مقترحات استيراد المواشي لترميم النقص، أيّد سويدان أن يتمّ ذلك لكن بحدود مضبوطة ريثما يسترجع القطيع عدده، كما اقترح استيراد عجول معدّة للذبح للحدّ من الذبح الجائر الذي يتمّ حالياً، مشيراً إلى أن المطلب القديم الجديد بإحداث هيئة عامة للثروة الحيوانية لم يلقَ حتى اليوم أية استجابة، فاليوم هناك جهات عدة تعتبر نفسها مسؤولة عن هذا العمل، مما سبّب تشتتاً وعشوائية كبيرة.
وبيّن نقيب الأطباء البيطريين أن عدد المعامل المنتجة حالياً للأدوية البيطرية 54 معملاً، وهي تغطي 80% من احتياجات السوق المحلية، فيما يتمّ استيراد المواد الأولية وبعض اللقاحات النوعية، إضافة إلى التسهيلات لاستيراد لقاح أي مرض فجائي، مؤكداً على اتباع سياسة الترشيد في الاستيراد، بحيث أنه في حال إنتاج مستحضر ما في 5 معامل يتمّ منع استيراده، معتبراً أن التنوع بين المنتج المحلي والمستورد يفتح باب المنافسة وضبط الأسعار. ومن جهةٍ أخرى تستعيد المعامل تدريجياً قدرتها على التصدير، حيث بلغت قيمة الصادرات من الأدوية البيطرية في 2020 نحو 4.3 ملايين دولار، وهي ضعف قيمة الصادرات في 2019.
في الحديث عن الأدوية واللقاحات البيطرية لا بد من الإشارة إلى مناشدات المربين الدائمة للإشراف المباشر للحكومة على هذه الأدوية والتدقيق فيها، حيث تتكرر الإصابات والخسائر في الثروة الحيوانية الناتجة عن أدوية فاسدة يبازر فيها بعض التّجار والمحتكرين. وهنا يوضح سويدان أن أغلب اللقاحات تقدّمها وزارة الزراعة مجاناً وبشكل مباشر، وغالباً ما يكون شراء الدواء بإشراف الطبيب البيطري المشرف على العلاج، إلا أن سنوات الحرب الماضية أفسحت المجال لانتشار ظاهرة التهريب في المناطق الحدودية وغير الآمنة، فوصلت كميات من الأدوية دون أن تخضع للإشراف، وخُزنت بشروط سيئة، فضلاً عن حالات الغش والتزوير التي تمّ ضبط العديد منها، مبيناً أن لجان الرقابة المشتركة بين النقابة ووزارة الزراعة تتابع وضع الأدوية وفعاليتها، وتراقب المعامل التي تريد ترخيص أدوية جديدة، كما يوجد ضابطة عدلية تقوم بدوريات لضبط حالات الغش التي اعتبرها سويدان محدودة، إلا أن هناك مناطق عدة مازالت خارج السيطرة، ولا إمكانية للجان العدلية بالدخول إليها.
البعث