ماذا تعرف عن المخطوطات القرآنية الأقدم في التاريخ؟
نعم بكل تأكيد. فلطالما تعرض الزمان الذي كتب فيه القرآن وقضية نقله بالتواتر عبر قرون طويلة إلى تشكيك من قبل بعض الباحثين، إلا أن الإشارات الزمنية لتاريخ بعض المخطوطات التي تم الكشف عنها أخيراً قد تفتح الباب لمقاربة زمان نزول القرآن الكريم وفقاً لمعايير علمية.
مخطوطة عمرها 1370 عاماً
فقد قال باحثون في جامعة “برمنغهام” إنهم عثروا في 22 يوليو/تموز 2015 على مخطوطات من المصحف الشريف، تبين من فحصها بتقنية الكربون المشع، أن عمرها يبلغ نحو 1370 عاماً، حيث يعود تاريخها بين عامي 568 و645 ميلادية، وهو ما قد يجعلها من أقدم نسخ المصحف المكتشفة في العالم.
بيد أن هذا الاكتشاف لم يكن الأول من نوعه في هذا الصدد، إذ تم العثور، في فترات متفاوتة، على عدد من المخطوطات التي أثبتت الأبحاث العلمية أن تاريخها يرجع لفترة صدر الإسلام ، وكان من اللافت للنظر أن معظمها تم العثور عليه من قبيل الصدفة وتنوعت أماكن تواجدها جغرافيا بين الدول العربية والغربية.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على 5 من أقدم المخطوطات القرآنية التي تم العثور عليها في العصر الحديث.
أولاً: مخطوطة جامعة برمنغهام البريطانية
أعلنت جامعة “برمنغهام” البريطانية يوم 22 يوليو/تموز أنها عثرت في مكتبتها على مخطوطة قرآنية تعتبر هي الأقدم في العالم كله، وتبين من نتائج الفحوص على المخطوطة باستخدام نظائر الكربون المشع أن عمرها يبلغ 1370 عاماً على أقل تقدير.
هذا الأمر يرجح احتمال أن يكون أحد الصحابة أو الجيل الأول للتابعين هو من كتبها. ويحدد هذا الفحص عمر المخطوطة بنسبة دقة تصل إلى 95%، ويشير إلى أن النص الموجود على هذه الجلود يعود تاريخ كتابته إلى الفترة ما بين 568 و645 ميلادية.
المخطوطة كُتبت بالخط الحجازي
وتتكون المخطوطة من اثنتين من أوراق الرق، وتضم أجزاءً من السور رقم 18 إلى رقم 20، وكتبت باستخدام أحد أقدم الخطوط العربية وهو الخط الحجازي، وتعد هذه المخطوطة جزءاً من مقتنيات الجامعة التي تضم 3000 وثيقة من الشرق الأوسط، حصلت عليها في عشرينيات القرن الماضي عبر “ألفونسو مينجانا”، وهو قس كلداني وُلد بالقرب من الموصل بالعراق.
المخطوطة بقيت بمكتبة الجامعة قرناً من الزمان
وبقيت الأوراق في مكتبة الجامعة مدة قرن لم يلتفت إليها أحد، وحفظت مع مجموعة أخرى من كتب ووثائق عن الشرق الأوسط، دون أن يعرف أحد أنها من أقدم نسخ المصحف في العالم.
وعلق أحد الأساتذة بالجامعة موضحاً أن هذه المخطوطة تدل على أن القرآن الموجود حالياً لا يختلف عنه وقت جمعه، بينما صرحت مديرة مجموعة المقتنيات بمكتبة جامعة “برمنغهام” بأن هذه المخطوطة تعتبر في غاية الأهمية وأنها كنز عالمي فيما يتعلق بالدراسات الإسلامية.
ردود أفعال الباحثين
الباحث السعودي سعود السرحان، مدير الأبحاث في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية بالرياض، شكك في صحة تاريخ كتابة المخطوطة.
وقال لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن المخطوطة ليست بالقدم الذي أعلن عنه الباحثون، مشيراً إلى أن نَصَّها العربي تضمن تنقيطاً وفواصل لم تكن موجودة في التوقيت المعلن، وإنما ظهرت في وقت لاحق.
وأوضح أن “تاريخ الجِلد الذي كُتب عليه النص لا يثبت تاريخ كتابته”، مؤكداً أن “جلود المخطوطات يتم تنظيفها وإعادة استخدمها مرة أخرى في بعض الأوقات”.
لكن البروفيسور ديفيد توماس، الأستاذ المختص في المسيحية والإسلام يرى أن “هذه النصوص قد تعيدنا إلى السنوات الأولى من صدر الإسلام”، إذ تشير السيرة النبوية إلى أن الوحي أنزل على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، بين عامي 610 و632 ميلادية، وهو تاريخ وفاته.
المخطوطة من زمن الرسول
ويضيف البروفيسور توماس أن “العمر التقديري لمخطوطة برمنغهام يعني أن من المحتمل جداً أن كاتبها قد عاش في زمن النبي محمد”، مؤكداً أن “الشخص الذي كتب هذه الصفحات لابد أنه عرف النبي محمد، وربما رآه واستمع إلى حديثه، وربما كان مقرباً منه، وهذا ما يستحضره هذا المخطوط”.
وقال البروفيسور توماس إن بعض نصوص “الوحي” كتبت على “رقائق من السعف أو الصخور أوالجلود وعظام أكتاف الجمال”، وإن نسخة نهائية من المصحف جمعت في عام 650 ميلادية، مشيراً إلى أن “هذه الأجزاء من القرآن التي كتبت على هذه الرقائق يمكن، وبدرجة من الثقة، إعادة تاريخها إلى أقل من عقدين بعد وفاة النبي محمد”.
وأضاف: “إن هذه الصفحات قريبة جداً من القرآن الذي نقرأه اليوم، وهو ما يدعم فكرة أن القرآن لم يعرف إلا تغييراً طفيفاً، أو أنه لم يطرأ عليه أي تغيير”.
ثانياً: مخطوطة ولاية بادن الألمانية
في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014 عثر باحثون في جامعة “توبنغن” في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية، على نسخة من القرآن الكريم في مكتبة الجامعة خطت باليد، تعود للقرن السابع الميلادي، وتتشابه التفاصيل المحيطة بذلك الاكتشاف مع اكتشاف برمنغهام الأخير مع بعض التغييرات الطفيفة في الفترة التي تعود إليها المخطوطة والخط المستخدم فيها.
وأوضح ميكائيل ماركس، رئيس مركز دراسات “كوربيس كوراني كوم” الألمانية، أن نتائج العينات المأخوذة من المخطوطة القرآنية لتتبع تاريخ كتابته عبر طريقة التأريخ بالكربون المشع، عملية تستخدم لتحديد عمر الشيء القديم عن طريق قياس محتواه من الكربون المشع، أظهرت أنها تعود لفترة ما بين 649-675 ميلادية.
هنالك أكثر من 20-30 نسخة أقدم
وأكد ماركس أن “نسبة 94% من اعتقادنا يشير إلى أن تاريخ القرآن يعود للفترة ما بين 649-675 ميلادية، لذا لا نستطيع الجزم بتاريخه بشكل محدد”، مشيراً إلى أن المخطوطة كتبت بالخط الكوفي، وهو أحد أقدم خطوط اللغة العربية، مبيناً أنها ليست الأقدم تاريخاً بل هنالك أكثر من 20-30 نسخة أقدم منها.
وقال روغيرو صان سفرينو، أكاديمي في قسم اللاهوت: “لا فرق بين محتوى المخطوطة القديمة والقرآن الذي بين أيدينا اليوم سوى نوع الخط المستخدم”.
وكانت المخطوطة قد وصلت إلى مكتبة الجامعة عام 1864، عندما اشترت الجامعة جزءاً من مجموعة الكتب الخاصة بالقنصل البروسي يوهان غوتفريد فيتس شتاين.
ثالثاً: المخطوطة الأندلسية بتايلاند
في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ذكرت وسائل إعلام إسبانية أن باحثين من جامعتي مالقة وغرناطة يدرسون إمكانية أن تكون نسخة من القرآن الكريم محفوظة في المدرسة القرآنية بمدينة ناراتيوات، جنوب تايلاند، أندلسية الأصل وقد تعود إلى عبدالرحمن الغافقي، أمير الأندلس.
ويمتلك النسخة محمد لطفي، مدير المدرسة القرآنية في مدينة ناراتيوات، ذات الأغلبية المسلمة. وكان قد ذكر أنه قد حصل عليها من صديق مغربي.
وأضاف: “ليس لدينا خبرة في المحافظة على النسخ القرآنية القديمة، كما أننا لا نملك المال الكافي لحمايتها. وقبل ذلك كنت أحتفظ بالمخطوطات في منزلي، أما الآن فلدينا مكان لحفظها في المدرسة”. ويوضح لطفي أن النسخة المخطوطة تعود بالأصل إلى القائد الأندلسي عبد الرحمن الغافقي.
فحص نسخة عبد الرحمن الغافقي
وقد أرسلت المدرسة القرآنية مجموعة من الصور الفوتوغرافية لنسخة القرآن إلى بعض المتخصصين من الباحثين الإسبان لمعرفة رأيهم حول هذا الموضوع، فاتفقت آراؤهم على أنه من الصعب البت في هذه المسألة دون دراسة المخطوطة دراسة دقيقة ومتأنية.
ومنهم المستعرب خوان بابلو إرياس، الأستاذ في جامعة مالقة جنوب إسبانيا، الذي قال: “إن النسخ القرآنية الأندلسية والمغربية تشترك في الكثير من المزايا، حتى تصل أحياناً إلى صعوبة تحديد فيما إذا كان المخطوط أندلسياً أو مغربياً، إلا في حالة أن تشير النسخة في نهاية النص إلى مكان كتابتها، أو أن هناك معلومات أخرى نستطيع من خلالها تحديد هويتها”.
أما الأستاذة ماريا تيريسا إسبيخو، من قسم الرسم من جامعة غرناطة، التي كانت قبل ذلك قد رممت نسخة قرآنية من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، فقد قالت حول هذه النسخة: “بعد تفحص الصور الفوتوغرافية لها، ومن خلال شكل الخط، وطبيعة الكتابة، والزخرفة، فمن الممكن أن يكون المخطوط أندلسياً أو مغربياً”.
وتجدر الإشارة إلى أن عبد الرحمن الغافقي، هو أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ العربي، الذي تولى حكم الأندلس قبل أن يقتل سنة 114 هجرية- 732 ميلادية.
رابعاً: مخطوطة كهوف الضالع باليمن
في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عثر شاب يمني من مدينة الضالع على أحد أقدم النسخ من القرآن الكريم في أحد الكهوف الجبلية جنوب المدينة، وقد وضعت بداخله مادة شمعية نادرة ولفت بغطاء جلدي.
وأفادت وكالات الأنباء آنذاك بأن حروف النسخة القرآنية خالية من النقاط والتشكيل وقد دوّن على صفحتها الأولى (نسخت بيد الفقير إلى الله عام 200 هجرية) ما يؤكد، حسب تقارير صحفية، أنها من أحد أقدم نسخ للقرآن الكريم في العالم، حيث أكدت الفحوصات الأولية للنسخة أصليتها وصحة البيانات المدونة عليها.
سيف الإمام عليّ
وقد عثر بجانب المصحف الكريم على سيف بقبضة نحاسية مصقولة ودُوّن عليه بخط عربي واضح اسم “ذي الفقار”، وهو الاسم الشهير لسيف الإمام عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وذكرت تقارير صحفية أن عروضاً مغرية قدمت للشاب لدفعه إلى بيع نسخة القرآن الكريم كان آخرها 12 مليون ريال يمني، لكنه رفض مفضلاً الاحتفاظ بالنسخة.
خامساً: مخطوطة الجامع الكبير باليمن
أثناء أعمال ترميم الجامع الكبير بصنعاء، عاصمة اليمن، إثر سقوط أمطار غزيرة عام 1972، عثر العمال على مخبأ سري بين السقف الداخلي والسقف الخارجي للجامع. وكانت مفاجأة للجميع، عندما أخرج العمال من هذا المخبأ، الآلاف من القصاصات والدفاتر والكتب البالية، ووجدت كميات هائلة من الرقوق الجلدية مكتوب عليها بخطوط عربية قديمة.
جمع العمال ما وجدوه من أوراق ووضعوه في عشرين “زكيبة”، وحفظوه تحت سلم منارة الجامع. وتبين بعد ذلك، أن ما عثروا عليه يمثل مكتبة قرآنية قديمة، وأكد رجال الآثار اليمنيون أن المخطوطات المكتشفة تحتوي على آيات قرآنية يعود تدوينها إلى القرون الأولى للهجرة.
وظلت “الزكائب” منسية تحت المئذنة بما تحتويه من قصاصات، إلى أن رآها مصادفة القاضي إسماعيل الأكوع، الذي كان رئيساً لهيئة الآثار اليمنية في ذلك الوقت.
وقد أدرك الأكوع الأهمية التاريخية لما عثر عليه من نصوص، فطلب من الحكومة الألمانية المساعدة على ترميمها وصيانتها.
ووافقت ألمانيا عام 1979 على تنفيذ مشروع صيانة المكتبة الذي بلغت تكاليفه 2.2 مليون مارك ألماني.
“الحجازي” أول خط كُتب به القرآن
كان الباحث الألماني غيرد بوين، المشرف على مشروع الترميم والصيانة للمكتبة المكتشفة، هو أول من فحص مخطوطات صنعاء عام 1981، وهو الباحث المتخصص في الخطوط العربية مع جامعة سارلاند بمدينة ساربروكن الألمانية، الذي أدرك التاريخ القديم للقصاصات بعد ملاحظته أن بعض النصوص مكتوبة بالخط الحجازي النادر، وهو أول خط كتب به القرآن قبل الخط الكوفي.
وتبين عند فحص المخطوطات أنها مكونة من قصاصات وقطع جلدية صغيرة الحجم ومتباينة النوع والمصدر، لا تشكل مصحفاً واحداً متكاملاً، بل أجزاء من مصاحف متعددة.
كما أكدت الدراسات التي أجريت حتى الآن، أن هذه المخطوطات جاءت من 800 مصحف يرجع تاريخها إلى الفترة التي تمتد بين القرنين الأول والخامس للهجرة، أي بين القرنين السابع والحادي عشر للميلاد.
اليمن يمتلك متحفاً من الرقائق القرآنية
“إن هذه الكنوز من الرقائق القرآنية التي تم العثور عليها تؤكد أن اليمن لا يزال متحفاً مفتوحاً لم يصل خبراء الآثار إلى غايتهم فيه”، هكذا وصف مقبل التام عامر الأحمدي، وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب باليمن، في يناير/كانون الثاني 2013، الاكتشاف الذي تم التوصل إليه بمسجد الجامع في صنعاء.
وتجدر الإشارة إلى أن الجامع الكبير في صنعاء من أقدم المساجد الإسلامية، وهو أول مسجد بُني في اليمن، ويعد من المساجد العتيقة التي بُنيت في عهد الرسول محمد.
عربي بوست
اقرأ أيضا: قبر جدنا “هابيل بن آدم” قرب دمشق.. شاهد