دلالات الغارات الأمريكية على شرق سوريا..
إيهاب شوقي
الغارات الأمريكية الأخيرة فجر الجمعة على الأراضي السورية، وتحديدًا في شرق سوريا على الحدود العراقية، يمكنها أن توضع تحت بند إعلان النوايا لا إعلان الحرب، وتكريس التعاطي الدبلوماسي لا اعتماد التعاطي والتصعيد العسكري، رغم المظهر العسكري للخطوة، كما أن لها دلالات من الضرورة الالتفات إليها.
أولًا وعلى صعيد النوايا:
فهي تكريس للنية الأمريكية المعلنة وغير المرتبطة بالإدارات المتعاقبة، من فصل لمحور المقاومة، وعدم السماح بتواصله بين العراق وسوريا، والمحاولات الأمريكية المستميتة والمتعاقبة لذلك، تارة عبر تنظيمات الإرهاب والتكفير ممثلة في القاعدة وداعش وغيرهما، وتارة عبر قوات محلية موالية على غرار قوات “سوريا الديمقراطية”، وتارة عبر محاولات استقطاب الحكومات بعيدًا عن محور المقاومة والإيقاع بين سوريا والعراق شعبيا عبر ممارسات عديدة ومتنوعة.
ثانيًا وعلى صعيد أنها ليست إعلانا للحرب:
ما يقول إنها ليست إعلانا للحرب، فهو محدودية الغارات والحرص على إتباعها بتصريحات مكثفة يستشف منها التهدئة والتبرير، وهو ما يحتاج لأمثلة وتوضيحات:
1- مقارنة بالغارات الأمريكية السابقة على سوريا، فإنها غارات هزيلة، ومقارنتها تحديدا بالغارة التي وقعت في أواخر عهد أوباما، والذي تعتبر الإدارة الحالية محسوبة عليه أو تشكل امتدادًا له، فإن غارة 17 سبتمبر 2016 التي وقعت بالقرب من مطار دير الزور، كانت عبارة عن سلسلة من 37 غارة جوية قام بها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالقرب من مطار دير الزور، وأعلن وقتها عن استشهاد ما بين 90 و 106 جنديا من الجيش السوري وجرح 110 آخرين، وهو ما دفع روسيا إلى طلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، وهو ما ترتب عليه في وقت لاحق، إلغاء الحكومة السورية لوقف إطلاق النار الذي جاء نتيجة لأشهر من الجهود الدبلوماسية المكثفة من قبل الحكومتين الأمريكية والروسية.
2- بمقارنتها بالغارات التي وقعت في عهد ترامب يبدو أن الغارات ليس لها أية أهداف إستراتيجية، حيث كانت الغارات التي شنتها إدارة ترامب بدءًا من 7 أبريل 2017 على مطار الشعيرات العسكري، غرب محافظة حمص، ومرورًا بغارات مايو 2017 على التنف، شرق محافظة حمص، وصولًا لغارات 29 أبريل 2018 بالقرب أيضا من مدينة دير الزور في شرق الفرات، كانت تسعى للتموضع في التنف وزراعة منطقة عازلة تسيطر عليها قوات “سوريا الديمقراطية”، بينما الغرات الأخيرة لم تكن لها ذات الأهداف.
3- التصريحات الأمريكية التي تبعت الغارة بدت مبررة لها وأقرب للتهدئة، وعلى سبيل المثال:
– زعم وزير الحرب الأمريكي، لويد أوستن، في تصريحات أعقبت الغارات التي شنها الجيش الأمريكي في سوريا “أننا متأكدون من أن الهدف الذي استهدف في سوريا كانت تستخدمه نفس الميليشيات التي نفذت الهجمات الصاروخية في العراق”.
– نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الضربات الأخيرة هي رد فعل “صغير للغاية” تمثل في “إلقاء سبع قنابل على مجموعة صغيرة من المباني على الحدود السورية العراقية تستخدم لعبور مقاتلي الميليشيات والأسلحة داخل وخارج البلاد”، وفق زعمها.
– نقلت وسائل الإعلام عن مسؤول سابق في البنتاغون قوله إن الغارات تم تنفيذها في سوريا “لتفادي رد فعل دبلوماسي من قبل الحكومة العراقية”.
وحسب المسؤولين، فقد عرض البنتاغون مجموعات أكبر من الأهداف، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعطى الضوء الأخضر لضرب “أصغر” هذه الأهداف.
ثالثا وفي دلالات الخطوة:
تأتي الخطوة في سياق ارتباك أمريكي داخلي وخارجي، وتناقض بين سياسات سابقة التزمت بها إدارة بايدن من احترامها للاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاق النووي مع إيران، وبين مستجدات على الأرض تعاظمت بها قدرات المقاومة، وزادها الاستهداف والحصار صمودًا وتطورًا، وقد اعترفت بذلك أمريكا على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، والذي قال نصًا إن “سياسة الضغط الأقصى على إيران، أدت إلى أن السلطات الإيرانية باتت الآن أقرب بكثير من إمكانية إنتاج السلاح النووي”، حسب ادعائه.
والذي أضاف في حديث للصحفيين قبل الغارات بساعات قليلة: “إذا نظرنا إلى نتائج سياسة الضغط الأقصى، فسنصل إلى استنتاج واحد. كان ينبغي أن يساعد الضغط الأقصى، على التوصل إلى صفقة أفضل بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعزل إيران عن بقية العالم ومنح الولايات المتحدة مواقف أفضل. ولكن في الواقع، لم يسفر كل ذلك عن أي شيء من هذا القبيل. اليوم، بعد رحيل إدارة الرئيس دونالد ترامب، اقتربت إيران كثيرا من إنتاج الأسلحة النووية”.
وهنا يمكننا قراءة دلالات الغارات في سياق محدودية الخيارات الأمريكية والتي يمكن أن نلخصها بما يلي:
1- عدم الرغبة، أو بالأحرى عدم القدرة على التصعيد مع إيران لفشل تجربته مرارا وتكرارا ولأن نتائجه جاءت دائما عكسية.
2- عدم تحمل الصمت على المقاومة العراقية وامتداد خط المقاومة أفقيًا من العراق إلى سوريا إلى لبنان، وأيضا عدم تحمل التصعيد مع الحكومة العراقية خوفا من انفجار الوضع الداخلي وبالتالي حدوث الرد خارج العراق.
3- الإعلان شبه الرسمي أن خيارات بايدن هي الدبلوماسية.
وهنا ينبغي الالتفات إلى مفهوم الدبلوماسية، حيث تعني الدبلوماسية القسرية، ويكفينا هنا ذكر تعريفها الأكاديمي لتوضيح ما نريد قوله:
“تعرف الدبلوماسية القسرية، أو القهرية، أو الإكراه الإستراتيجي، بإستراتيجية التفاوض من خلال التلويح باستخدام القوة لإجبار الخصم على تغيير سياسته أو تنفيذ مطالب معينة. في هذه الحالة، لا يتم استخدام القوة العسكرية، أو يتم استخدامها بشكل محدود جداً أو بشكل تحذيري لاستيعاب العبرة وتعزيز مصداقية الدولة الضاغطة على قدرتها على إلحاق الضرر”.
العهد