الأهداف الروسية في المنطقة: كيف يرد بايدن؟
إعداد – رؤى خضور
قد يبدو التحدي الذي تواجهه روسيا في الشرق الأوسط تحدياً ضيقاً، ونظراً للضغط المحلي القوي لإنهاء “الحروب الأبدية” وسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، سيكون من الصعب توقع القادم.
في المقابل، يحتم المشهد الحالي للمنطقة على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن النظر إلى الصورة ككل عندما يتعلق الأمر بروسيا في الشرق الأوسط، خصوصاً فيما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية لموسكو وأنشطتها في أوروبا والشرق الأوسط، وكذلك علاقة روسيا بالصين، الدولة التي تمثل “أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين” للولايات المتحدة وفقاً لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن.
لطالما كان الشرق الأوسط جزءاً من الخاصرة الجنوبية الضعيفة لروسيا، لذلك كانت منطقة هدف لها و سعت إلى تأمينها، فاهتمام الكرملين بالشرق الأوسط ليس لمصلحته فقط، ولكن لأن السيطرة فيه تخلق أيضاً مزيداً من الفرص لروسيا لتقويض الغرب على جبهات أخرى، وإضعاف النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، باختصار كي تفوز روسيا يجب أن تخسر الولايات المتحدة.
ولاشك أن سورية جزء أساسي من هذا التنافس، نتيجة موقعها الاستراتيجي، ولطالما كانت موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط هدفاً استراتيجياً للحكام الروس، بمن فيهم فلاديمير بوتين، الذي سمح له تدخله في سورية بالنجاح في الوصول إلى هذه الموانئ بعد أن فشل في ذلك أسلافه القيصريون والسوفييت، واستطاع تأسيس وجود عسكري دائم هناك، بالتالي من المتوقع أن تواصل روسيا تقاربها العميق مع إيران، وأن تكون لها الكلمة الأخيرة بشأن مستقبل سورية، وقد يؤدي التقارب الروسي مع إيران، بمرور الوقت، إلى زيادة وصول موسكو إلى موانئ في الخليج العربي، أحد الممرات المائية الأكثر استراتيجية في العالم، وبالتالي تقليل النفوذ الأمريكي، لذا فإن بايدن قد يتخذ رد فعل احترازي فيرسل وحدة عسكرية إلى سورية بحجة دعم قوات “قسد” في الشرق في حركة مدعومة بجهود دبلوماسية بغية عرقلة الجهود الروسية في سورية، بعد أن فشلت العقوبات على روسيا، رغم شدتها وقساوتها، في إجبار بوتين على الانصياع أو تغيير سياسته.
أما خارج سوريا، قد تبقى الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة كجزء من المنافسة الاستراتيجية الأوسع بين القوى العظمى، ربما تبذل مزيداً من الجهود في مواجهة موسكو بمجرد أن تكون أكثر حضوراً، ومثل هذه الجهود لا تكلفها ثمنًا باهظاً، لكنها بالتأكيد ستعود بمكاسب جمة على المدى الطويل.
وحين نتكلم عن نزاع القوى العظمى على الشرق الأوسط لا نستطيع أن نتغافل عن الصين، وبالتأكيد فإن روسيا لن تأخذ موقف المواجهة مع الصين، بل على العكس، قد تقف معها نظراً لعمق التقارب الذي بدأ منذ نحو ثلاثين عاماً، وكلاهما يميل إلى العمل في الشرق الأوسط ومع إيران، وهذا حتماً لن يكون في صالح واشنطن.
لطالما امتلكت الولايات المتحدة ذريعة “مكافحة الإرهاب” طوال العشرين عاماً الماضية، لكن الآن تتحول ذرائعها علناً إلى منافسة القوى العظمى في الوقت الذي تشكل فيه كل من روسيا وإيران والصين منطقة الشرق الأوسط وفقاً لقيمها ومصالحها، والتي تتعارض مع قيم ومصالح الغرب وستضر بالولايات المتحدة في مناطق أخرى، صحيح أن مواجهة روسيا في الشرق الأوسط لن يكون محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن بالتأكيد سيكون لها حصة كبيرة منها.
آسيا