الدولارات تنهال على سوريا.. لكن لمن؟
انهالت قبل يومين الوعود الدولية بتقديم المساعدات الإنسانية والدولارات إلى سوريا في مؤتمر “بروكسل” الذي استضافه الاتحاد الأوروبي، وأكدت الأمم المتحدة خلاله أن سوريا بحاجة إلى 10 مليارات دولار لحل الأزمة الإنسانية في سوريا، بالمقابل اعتبرته الدولة السورية نفاقاً دولياً رافضة كافة النتائج التي خرج بها.
في هذا المؤتمر الذي ترأسه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عرضت العديد من الدول وعودها لتقديم المساعدات والدولارات إلى سوريا، والبعض أعلن عن مساعدات تابعة له سبق أن دخلت الأراضي السورية، وبالتأكيد دون تحديد أي من هذه الأراضي في بلاد قسمتها حرب العشر سنوات بين أراضي تحت سيطرة الدولة السورية وأخرى خارجة عن سيطرتها.
فالإمارات تعهدت خلال المؤتمر، بتقديم 30 مليون دولار دعماً للجهود الدولية لحل الأزمة الإنسانية السورية، وقطر تعهدت بتقديم مبلغ 100 مليون دولار للهدف ذاته، وكوريا الشمالية تعهدت بتقديم مبلغ 18 مليون دولار، أما السعودية فاكتفت بالكشف عن حجم المساعدات التي سبق أن قدمتها لسوريا خلال سنوات الحرب العشرة “حسب تعبيرها”، لتؤكد أن المساعدات التي قدمتها لسوريا بلغت نحو مليار ومئة وخمسين مليون دولار.
لا شك أن الأرقام التي طرحتها هذه الدول في المؤتمر هي أرقام مغرية بالنسبة لشعب يعاني من أزمات اقتصادية، جعلته من جملة الشعوب التي وصلت إلى حد انعدام الأمن الغذائي، وبلاده تشهد “كارثة إنسانية” بحسب وصف الأمم المتحدة، لكن هناك جملة إشارات استفهام حول ما جرى في المؤتمر، أبرزها ما سر هذا الكرم الدولي إزاء سوريا؟ ولماذا لم يتم دعوة الدولة السورية إليه؟ ولماذا اعتبرته سوريا غير شرعي؟ .
بفتح بعض الملفات القديمة يمكن أن نجد بعض الإجابات، فالمساعدات التي تتحدث عنها السعودية قد تكون صحيحة لكنها لم تُقدم إلى الدولة السورية ولا الشعب السوري، إنما تم تقديمها للمجموعات المسلحة المنتشرة في سوريا، ولهذا الكلام دلائل كثيرة، حيث سبق أن تم الكشف عن معدات إسعاف كويتية وسعودية في مقرات المسلحين في بعض الأماكن التي كانت يسيطر عليها تنظيم “جبهة النصرة” المدرج على قائمة “الإرهاب” العالمية، إلى جانب المعلومات التي أدلى بها العديد من المسلحين الذين أكدوا أنه تم استدراجهم للقتال في سوريا من قبل السعودية، وفي هذا السياق نشر مركز “مالكوم كير-كارنيغي” في الشرق الأوسط للدراسات تقريراً حول الدعم السعودي للمسلحين في سوريا جاء فيه: “عملت السعودية على تحسين أداء المعارضة في ميدان المعركة من خلال التدريب وشحن الأسلحة المتطورة، وأنشأت لهذه الغاية غرفة عمليات سعودية–قطرية-تركية مشتركة في إسطنبول، ونقلت الأموال عبر وسطاء في تيّار المستقبل في لبنان، ونسّقت عمليات التدريب العسكري مع الأردن، وتوسّطت في تأمين شحنات الأسلحة من كرواتيا، ويقال إنها طلبت مساعدة باكستان في مجال التدريب. وغالباً ما يصعب تمييز دعم الرياض وسط مجموعة هائلة من الفصائل على الأرض، نظراً إلى الطبيعة المتغيّرة لتلك المساعدات وغموض السياسة الخارجية السعودية”.
أما قطر فسبق أن أكدت أنها كانت مسؤولة عن دفع المصروفات الإدارية لـ”الائتلاف المعارض” والرواتب الخاصة بما يسمى بـ”القوات التابعة للمجلس العسكري الأعلى” برئاسة سليم إدريس، وغيرها من المساعدات التي تم تقديمها للمعارضة السورية والمجموعات المسلحة، حيث نقل سابقاً موقع “العربي الجديد” عن مصادر ديبلوماسية في لندن تأكيدها على “وجود ما يشير إلى دعم مالي وعسكري قطري للمجموعات السلفية الجهادية القريبة من “القاعدة” في سوريا”.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فلموقفها كان شكل آخر في المؤتمر، فهي لم تتحدث عن دولارات بل ركز بلينكن في حديثه عن المعابر المغلقة في سوريا والتي تسمح بدخول المساعدات الإنسانية فقط إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، حيث طالب بإعادة فتح معبري باب السلام، على الحدود مع تركيا، ومعبر اليعربية على الحدود مع العراق معتبراً أنه في حال تم فتح هذه المعابر يمكن أن تنحل الأزمة الإنسانية في سوريا، علماً أن فتح تلك المعابر من شأنه أن ينعكس سلباً على الحل السياسي في سوريا ويبقى البلاد في دائرة التوتر والصراع.
موقف واشنطن الذي “يحض” على إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، تتناقض بوضوح مع ممارسات أمريكية تشهدها الأرض السورية، سواء بما يتعلق بالعقوبات الأمريكية أو السيطرة على حقول النفط، حيث نشر أمس موقع “أمريكان ميليتري نيوز” الأمريكي تقرير يؤكد أن واشنطن لن تنسحب من سوريا بهدف ضمان عدم عودة حقول النفط إلى سيطرة الدولة السورية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان وغيرها من الممارسات، وهو ما يفسر طبيعة تلك الجلسات الدولية التي تبقى ضمن إطار الدعاية الإعلامية التي لا تقدم أي حلول حقيقة في الأزمة الاقتصادية السورية.
زهراء سرحان/ أثر برس